63 - (تلك الجنة التي نورث) نعطي وننزل (من عبادنا من كان تقيا) بطاعته ونزل لما تأخر الوحي أياما وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل ما يمنعك أن تزورنا
يقول تعالى ذكره : هذه الجنة التي وصفت لكم أيها الناس صفتها، هي الجنة التي نورثها، يقول : نورث مساكن أهل النار فيها "من عبادنا من كان تقيا" يقول : من كان ذا اتقاء عذاب الله بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه.
قوله تعالى: " تلك الجنة التي " أي هذه الجنة التي وصفنا أحوال أهلها " نورث " بالتخفيف. وقرأ يعقوب " نورث " بفتح الواو وتشديد الراء. والاختيار التخفيف، لقوله تعالى: " ثم أورثنا الكتاب " [فاطر: 32]. " من عبادنا من كان تقيا " قال ابن عباس: أي من اتقاني وعمل بطاعتي. وقيل: هو على التقديم والتأخير، تقديره: نورث من كان تقياً من عبادنا.
يقول تعالى: الجنات التي يدخلها التائبون من ذنوبهم هي جنات عدن, أي إقامة التي وعد الرحمن عباده بظهر الغيب, أي هي من الغيب الذي يؤمنون به وما رأوه, وذلك لشدة إيقانهم وقوة إيمانهم. وقوله: " إنه كان وعده مأتيا " تأكيد لحصول ذلك وثبوته واستقراره, فإن الله لا يخلف الميعاد ولا يبدله, كقوله: "كان وعده مفعولاً" أي كائناً لا محالة, وقوله ههنا: "مأتياً" أي العباد صائرون إليه وسيأتونه, ومنهم من قال "مأتياً" بمعنى آتياً, لأن كل ما أتاك فقد أتيته, كما تقول العرب: أتت علي خمسون سنة, وأتيت على خمسين سنة, كلاهما بمعنى واحد.
وقوله: "لا يسمعون فيها لغواً" أي هذه الجنات ليس فيها كلام ساقط تافه لا معنى له كما قد يوجد في الدنيا. وقوله: "إلا سلاماً" استثناء منقطع كقوله: " لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما * إلا قيلا سلاما سلاما " وقوله: "ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً" أي في مثل وقت البكرات ووقت العشيات لا أن هناك ليلاً ونهاراً, ولكنهم في أوقات تتعاقب يعرفون مضيها بأضواء وأنوار, كما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها, ولا يتمخطون فيها. ولايتغوطون, آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان, يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن, لا اختلاف بينهم ولا تباغض, قلوبهم على قلب رجل واحد, يسبحون الله بكرة وعشيا" أخرجاه في الصحيحين من حديث معمر به.
وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب , حدثنا أبي عن ابن إسحاق , حدثنا الحارث بن فضيل الأنصاري عن محمود بن لبيد الأنصاري , عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء, يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً" تفرد به أحمد من هذا الوجه. وقال الضحاك عن ابن عباس "ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً" قال: مقادير الليل والنهار.
وقال ابن جرير : حدثنا علي بن سهم , حدثنا الوليد بن مسلم قال: سألت زهير بن محمد عن قول الله تعالى: "ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً" قال: ليس في الجنة ليل, هم في نور أبداً ولهم مقدار الليل والنهار, ويعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب, ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وبفتح الأبواب, وبهذا الإسناد عن الوليد بن مسلم عن خليد عن الحسن البصري , وذكر أبواب الجنة فقال: أبواب يرى ظاهرها من باطنها فتكلم وتكلم فتهمهم, انفتحي انغلقي فتفعل, وقال قتادة في قوله: "ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً" فيها ساعتان بكرة وعشي, ليس ثم ليل ولا نهار, وإنما هو ضوء ونور, وقال مجاهد : ليس بكرة ولا عشي, ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا.
وقال الحسن وقتادة وغيرهما: كانت العرب الأنعم فيهم من يتغدى ويتعشى, فنزل القرآن على ما في أنفسهم من النعيم فقال تعالى: "ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً" وقال ابن مهدي عن حماد بن زيد عن هشام عن الحسن "ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً" قال: البكور يرد على العشي, والعشي يرد على البكور, ليس فيها ليل. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا سليم بن منصور بن عمار , حدثني أبي حدثني محمد بن زياد قاضي أهل شمشاط عن عبد الله بن حدير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من غداة من غدوات الجنة وكل الجنة غدوات, إلا أنه يزف إلى ولي الله, فيها زوجة من الحور العين أدناهن التي خلقت من الزعفران" قال أبو محمد : هذا حديث غريب منكر.
وقوله: "تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً" أي هذه الجنة التي وصفنا بهذه الصفات العظيمة, هي التي نورثها عبادنا المتقين, وهم المطيعون لله عز وجل في السراء والضراء, والكاظمون الغيظ, والعافون عن الناس, وكما قال تعالى في أول سورة المؤمنين " قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون " إلى أن قال: " أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ".
63- "تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً" أي هذه الجنة التي وصفنا أحوالها نورثها من كان من أهل التقوى كما يبقى على الوارث مال موروثه. قرأ يعقوب "نورث" بفتح الواو وتشديد الراء، وقرأ الباقون بالتخفيف، وقيل في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: نورث من كان تقياً من عبادنا.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "وكان رسولاً نبياً" قال: النبي الذي يكلم وينزل عليه ولا يرسل، ولفظ ابن أبي حاتم :الأنبياء الذين ليسوا برسل يوحى إلى أحدهم ولا يرسل إلى أحد. والرسل: الأنبياء الذي يوحى إليهم ويرسلون. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "جانب الطور الأيمن" قال: جانب الجبل الأيمن "وقربناه نجياً" قال: نجا بصدقه. وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية قال: قربه حتى سمع صريف القلم، وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في الآية قال: حتى سمع صريف القلم يكتب في اللوح. وأخرجه الديلمي عنه مرفوعاً. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون" قال: كان هارون أكبر من موسى، ولكن إنما وهب له نبوته. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ورفعناه مكاناً علياً" قال: كان إدريس خياطاً، وكان لا يغرز غرزة إلا قال سبحان الله، وكان يمسي حين يمسي وليس على الأرض أفضل عملاً منه، فاستأذن ملك من الملائكة ربه فقال: يا رب إئذن لي فأهبط إلى إدريس، فأذن له فأتى إدريس فقال: إني جئتك لأخدمك، قال: كيف تخدمني وأنت ملك وأنا إنسان؟ ثم قال إدريس: هل بينك وبين ملك الموت شيء؟ قال الملك: ذاك أخي من الملائكة، قال: هل تستطيع أن تنفعني؟ قال: أما يؤخر شيئاً أو يقدمه فلا، ولكن سأكلمه لك فيرفق بك عند الموت، فقال: اركب بين جناحي، فركب إدريس فصعد إلى السماء العليا فلقي ملك الموت وإدريس بين جناحيه، فقال له الملك: إن لي إليك حاجة، قال: علمت حاجتك تكلمني في إدريس، وقد محي اسمه من الصحيفة فلم يبق من أجله إلا نصف طرفة عين، فمات إدريس بين جناحي الملك. وأخرج ابن أبي شيبة في المصاحف وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: سألت كعباً فذكر نحوه، فهذا هو من الإسرائيليات التي يرويها كعب. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: رفع إدريس إلى السماء السادسة. وأخرج الترمذي وصححه وابن المنذر وابن مردويه قال: حدثنا أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لما عرج بي رأيت إدريس في السماء الرابعة". وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد
في الآية قالك رفع إدريس كما رفع عيسى ولم يمت. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: إدريس هو إلياس. وحسنه السيوطي. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "أولئك الذين أنعم الله عليهم" إلى آخره، قال: هذه تسمية الأنبياء الذين ذكرهم، أما من ذرية آدم: فإدريس ونوح، وأما من حمل مع نوح فإبراهيم، وأما ذرية إبراهيم: فإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، وأما ذرية إسرائيل: فموسى، وهارون، وزكريا، ويحيى، وعيسى. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "فخلف من بعدهم خلف" قال: هم اليهود والنصارى. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في الآية قال: هم من هذه الأمة يتراكبون في الطرق كما تراكب الأنعام لا يستحيون من الناس، ولا يخافون من الله في السماء. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود في قوله: "أضاعوا الصلاة" قال: ليس إضاعتها تركها قد يضيع الإنسان الشيء ولا يتركه، ولكن إضاعتها: إذا لم يصلها لوقتها. وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا هذه الآية "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات" الآية قال: يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات "فسوف يلقون غياً" ثم يكون خلف يقرأون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر. وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "سيهلك من أمتي أهل الكتاب وأهل اللبن، قلت: يا رسول الله ما أهل الكتاب؟ قال: قوم يتعلمون الكتاب يجادلون به الذين آمنوا، قلت: ما أهل اللبن؟ قال: قوم يتبعون الشهوات ويضيعون الصلوات". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه عن عائشة أنها كانت ترسل بالصدقة لأهل الصدقة وتقول: لا تعطوا منها بربرياً ولا بربرية، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هم الخلف الذين قال الله "فخلف من بعدهم خلف"". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فسوف يلقون غياً" قال: خسراً. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث من طرق عن ابن مسعود في قوله: "فسوف يلقون غياً" قال: الغي نهر، أو واد في جهنم من قيح بعيد القعر خبيث الطعم، يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات. وقد قال بأنه واد في جهنم البراء بن عازب. وروى ذلك عنه ابن المنذر والطبراني. وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفاً، ثم تنتهي إلى غي وأثام، قلت وما غي وأثام؟ قال: نهران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار، وهما اللذان ذكر الله في كتابه "فسوف يلقون غياً" "ومن يفعل ذلك يلق أثاماً""، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الغي واد في جهنم". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "لا يسمعون فيها لغواً" قال: باطلاً. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "بكرةً وعشياً" قال: يؤتون به في الآخرة على مقدرا ما كانوا يؤتون به في الدنيا. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من طريق أبان عن الحسن وأبي قلابة قالا: "قال رجل: يا رسول الله هل في الجنة من ليل؟ قال: وما هيجك على هذا؟ قال: سمعت الله يذكر في الكتاب "ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشياً" فقلت: الليل من البكرة والعشي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ليس هناك ليل، وإنما هو ضوء ونور، يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو، تأتيهم طرف الهدايا من الله لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا، وتسلم عليهم الملائكة". وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من غداة من غدوات الجنة، وكل الجنة غدوات، إلى أنه يزف إلى ولي الله فيها زوجة من الحور العين وأدناهن التي خلقت من الزعفران" قال بعد إخراجه قال أبو محمد: هذا حديث منكر.
63 - " تلك الجنة التي نورث من عبادنا " أي : نعطي وننزل . وقيل : يورث عباده المؤمنين المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا ، " من كان تقياً " ، أي : المتقين من عباده .
63ـ " تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا " نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه ، والوراثة أقوى لفظ يستعمل في التملك والاستحقاق من حيث إنها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع ، ولا تبطل برد ولا إسقاط . وقيل يورث المتقون من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا زيادة في كرامتهم ، وعن يعقوب ((نورث )) بالتشديد .
63. Such is the Garden which We cause the devout among Our bondmen to inherit.
63 - Such is the Garden which we give as an inheritance to those of our servants who guard against evil.