(و) اذكر (إذ أخذنا ميثاقكم) عهدكم بالعمل بما في التوراة (و) قد (رفعنا فوقكم الطور) الجبل اقتلعناه من أصله عليكم لما أبيتم قبولها وقلنا (خذوا ما آتيناكم بقوة) بجد واجتهاد (واذكروا ما فيه) بالعمل به (لعلكم تتقون) النار أو المعاصي
قال أبو جعفر: الميثاق ،المفعال، من الوثيقة، إما بيمين، وإما بعهد، أو غير ذلك من الوثائق.
ويعني بقوله: "وإذ أخذنا ميثاقكم "، الميثاق الذي أخبر جل ثناؤه أنه أخذ منهم في قوله:"وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا" (البقرة: 83- 85)، الآيات التي ذكر معها. وكان سبب أخذ الميثاق عليهم فيما ذكره ابن زيد ما:
حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لما رجع موسى من عند ربه بالألواح، قال لقومه بني إسرائيل: إن هذه الألواح فيها كتاب الله، فيه أمره الذي أمركم به ونهيه الذي نهاكم عنه. فقالوا: ومن يأخذه بقولك أنت؟ لا والله حتى نرى الله جهرة، حتى يطلع الله إلينا فيقول: هذا كتابي فخذوه! فما له لا يكلمنا كما كلمك أنت يا موسى، فيقول: هذا كتابي فخذوه؟ قال: فجاءت غضبة من الله، فجاءتهم صاعقة فصعقتهم، فماتوا أجمعون. قال: ثم أحياهم الله بعد موتهم، فقال لهم موسى: خذوا كتاب الله. فقالوا: لا. قال: أي شيء أصابكم؟ قالوا: متنا ثم حيينا! قال: خذوا كتاب الله. قالوا: لا. فبعث ملائكته فنتقت الجبل فوقهم، فقيل لهم: أتعرفون هذا؟ قالوا: نعم، هذا الطور! قال: خذوا الكتاب وإلا طرحناه عليكم. قال: فأخذوه بالميثاق، وقرأ قول الله: "وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا" حتى بلغ "وما الله بغافل عما تعملون" (البقرة: 83- 85) قال: ولو كانوا أخذوه أول مرة، لأخذوه بغير ميثاق.
القول في تأويل قوله تعالى: " ورفعنا فوقكم الطور".
قال أبو جعفبر: وأما "الطور" فإنه الجبل في كلام العرب، ومنه قول العجاج:
دانى جناحيه من الطور فمر تقضي البازي إذا البازي كسر
وقيل: إنه اسم جبل بعينه. وذكر أنه الجبل الذي ناجى الله عليه موسى.
وقيل: إنه من الجبال ما أنبت دون ما لم ينبت.
ذكر من قال: هو الجبل كائناً ما كان:حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبوعاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: أمر موسى قومه أن يدخلوا الباب سجدًا ويقولوا: حطة، وطوطىء لهم الباب ليسجدوا، فلم يسجدوا ودخلوا على أدبارهم، وقالوا: حنطة. فنتق فوقهم الجبل يقول: أخرج أصل الجبل من الأرض فرفعه فوقهم كالظلة و "الطور"، بالسريانية، الجبل تخويفاً، أو خوفاً، شك أبو عاصم، فدخلوا سجدًا على خوف، وأعينهم إلى الجبل. هو الجبل الذي تجلى له ربه.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: رفع الجبل فوقهم كالسحابة، فقيل لهم: لتؤمنن أو ليقعن عليكم. فآمنوا. والجبل با لسريانية "الطور".
حدثنا بشربن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور" قال: الطور الجبل، كانوا بأصله، فرفع عليهم فوق رؤوسهم، فقال: لتأخذن أمري، أو لأرمينكم به.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "ورفعنا فوقكم الطور"، قال: الطور الجبل. اقتلعه الله فرفعه فوقهم، فقال: "خذوا ما آتيناكم بقوة " فأقروا بذلك.
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: "ورفعنا فوقكم الطور" قال: رفع فوقهم الجبل، يخوفهم به.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن النضر، عن عكرمة قال: الطور الجبل.
وحدثنا موسى قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: لما قال الله لهم: ادخلوا الباب سجدًا وقولوا حطة. فأبوا أن يسجدوا، أمر الله الجبل أن يقع عليهم، فنظروا إليه وقد غشيهم، فسقطوا سجدًا على شق، ونظروا بالشق الآخر، فرحمهم الله فكشفه عنهم فذلك قوله: "وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة" ( الأعراف: 171)، وقوله: "ورفعنا فوقكم الطور".
وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: الجبل بالسريانية الطور.
وقال آخرون: "الطور" اسم للجبل الذي ناجى الله موسى عليه. ذكر من قال ذلك :حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: الطور، الجبل الذي أنزلت عليه التوراة يعني على موسى، وكانت بنو إسرائيل أسفل منه. قال ابن جريج: وقال لي عطاء: رفع الجبل على بني إسرائيل، فقال: لتؤمنن به أو ليقعن عليكم. فذلك قوله: "كأنه ظلة" ( الأعراف: 171).
وقال آخرون: الطور، من الجبال، ما أنبت خاصة. ذكر من قال ذلك:حدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: " الطور" قال: الطور من الجبال ما أنبت، وما لم تنبت فليس بطور.
القول في تأويل قوله تعالى ذكره:" خذوا ما آتيناكم بقوة ".
قال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في تأويل ذلك. فقال بعض نحوي أهل البصرة: هو مما استغني بدلالة الظاهر المذكور عما ترك ذكره له. وذلك أن معنى الكلام: ورفعنا فوقكم الطور، وقلنا لكم: خذوا ما آتيناكم بقوة، وإلا قذفناه عليكم.
وقال بعض نحوي أهل الكوفة: أخذ الميثاق قول، فلا حاجة بالكلام إلى إضمار قول فيه، فيكون من كلامين، غير أنه ينبغي لكل ما خالف القول من الكلام الذي هو بمعنى القول أن يكون معه أن ، كما قال الله جل ثناؤه "إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك" (نوح: 1) قال: ويجوز أن تحذف أن.
والصواب في ذلك عندنا: أن كل كلام نطق به مفهوم به معنى ما أريد ففيه الكفاية من غيره.
ويعني بقوله: "خذوا ما آتيناكم"، ما أمرناكم به في التوراة.
وأصل الإيتاء، الإعطاء.
ويعني بقوله: "بقوة"، بجد في تأدية ما أمركم فيه وافترض عليكم، كما:حدثت عن إبراهيم بن بشار قال: حدثنا ابن عيينة، قال، حدثنا أبو عاصم قال،حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "خذوا ما آتيناكم بقوة". قال: تعملوا بما فيه.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: "خذوا ما آتيناكم بقوة"، قال: بطاعة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: " خذوا ما آتيناكم بقوة ". قال:القوة الجد، وإلا قذفته عليكم. قال: فأقروا بذلك: أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة.
حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: بقوة، يعني: بجد واجتهاد.
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد وسألته عن قول الله "خذوا ما آتيناكم بقوة" قال: خذوا الكتاب الذي جاء به موسى بصدق وبحق.
فتأويل الآية إذا: خذوا ما افترضناه عليكم في كتابنا من الفرائض، فاقبلوه، واعملوا باجتهاد منكم في أدائه، من غير تقصير ولا توان. وذلك هو معنى أخذهم إياه بقوة، بجد.
القول في تأويل قوله تعالى ذكره:"واذكروا ما فيه لعلكم تتقون" .
قال أبو جعفر: يعني: واذكروا ما فيما آتيناكم من كتابنا من وعد ووعيد شديد، وترغيب وترهيب، فاتلوه، واعتبروا به، وتدبروه إذا فعلتم ذلك، كي تتقوا وتخافوا عقابي، بإصراركم على ضلالكم، فتنتهوا إلى طاعتي، وتنزعوا عما أنتم عليه من معصيتي. كما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحق ، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: "لعلكم تتقون "، قال: تنزعون عما أنتم عليه.
والذي آتاهم الله، هو التوراة. كما :حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: "واذكروا ما فيه "، يقول: اذكروا ما في التوراة.
كما حدثت عن عماربن الحسن قال، حدثنا عبدالله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "واذكروا ما فيه " يقول: أمروا بما في التوراة.
وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سألت ابن زيد عن قول الله: "واذكروا ما فيه "، قال: اعملوا بما فيه بطاعة لله وصدق. قال: وقال: اذكروا ما فيه، لا تنسوه ولا تغفلوه.
قوله تعالى : "وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور" هذه الآية تفسر معنى قوله تعالى : "وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة" . قال أبو عبيدة : المعنى زعزعناه فاستخرجناه من مكانه . قال : وكل شيء قلعته فرميت به فقد نتقته . وقيل : نتقناه رفعناه . قال ابن الأعرابي : الناتق الراقع ، والناتق الباسط ، والناتق الفاتق . وامرأة ناتق ومنتاق : كثيرة الولد . وقال القتبي : أخذ ذلك من نتق السقاء ، وهو نفضه حتى تقتلع الزبدة منه . قال وقوله : "وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة" قال : قلع من أصله .
واختلف في الطور، فقيل : الطور اسم للجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام وأنزل عليه فيه التوارة دون غيره ، رواه ابن جريج عن ابن عباس . وروى الضحاك عنه أن الطور ما أنبت من الجبال خاصة دون ما لم ينبت . وقال مجاهد و قتادة : أي جبل كان . إلا أن مجاهدا قال: هو اسم لكل جبل بالسريانية ، وقاله أبو العالية . وقد مضى الكلام هل وقع في القرآن ألفاظ مفردة غير معربة من غير كلام العرب في مقدمة الكتاب . والحمد لله . وزعم البكري أنه سمي بطور بن إسماعيل عليه السلام . والله تعالى أعلم .
القول في سبب رفع الطور
وذلك أن موسى عليه السلام لما جاء بني إسرائيل من عند الله بالألواح فيها التوارة قال لهم : خذوها والتزموها . فقالوا : لا ! إلا أن يكلمنا الله بها كما كلمك . فصعقوا ثم أحيوا . فقال لهم : خذوها . فقالوا لا . فأمر الله الملائكة فاقتلعت جبلاً من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله ، وكذلك كان عسكرهم ، فجعل عليهم مثل الظلة ، وأتوا ببحر من خلفهم ، ونار من قبل وجوهم ، وقيل لهم :خذوها وعليكم الميثاق ألا تضيعوها ، وإلا سقط عليكم الجبل . فسجدوا توبة لله . وأخذوا التوارة بالميثاق . قال الطبري عن بعض العلماء . لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق . وكان سجودهم على شق ، لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفاً ، فلما رحمهم الله قالوا : لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها الله ورحم بها عباده ، فأمروا سجودهم على شق واحد . قال ابن عطية : والذي لا يصح سواه أن الله تعالى اخترع وقت سجودهم الإيمان في قلوبهم لا أنهم آمنوا كرهاً وقلوبهم غير مطمئنة بذلك .
قوله تعالى : "خذوا" أي فقلنا خذوا ، فحذف . "ما آتيناكم" أعطيناكم . "بقوة" أي بجد واجتهاد ، قاله ابن عباس و قتادة و السدي . وقيل :بنية واخلاص . مجاهد : القوة العمل بما فيه . وقيل : بقوة ، بكثرة درس. "واذكروا ما فيه" أي تدبروه واحفظوا أوامره ووعيده ، ولا تنسوه ولا تضيعوه .
قلت : :هذا هو المقصود من الكتب ، العمل يمقتضاها لا تلاوتها باللسان وترتيلها ، فإن ذلك نبذ لها ، على ما قاله الشعبي و ابن عيينة ، وسيأتي قولهما عند قوله تعالى : "نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب" . وقد روى النسائي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"إن من شر الناس رجلا فاسقا يقرأ القرآن لا يرعوي إلى شيء منه" .
فبين صلى الله عليه وسلم أن المقصود العمل كما بينا . وقال مالك : قد تقرأ القرآن من لاخير فيه . فما لزم إذاً من قبلنا وأخذ عيهم لازم لنا وواجب علينا . قال الله تعالى : "واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم" فأمرنا باتباع كتابه والعمل بمقتضاه ، لكن تركنا ذلك ، كما تركت اليهود والنصارى ، وبقيت أشخاص الكتب والمصاحف لا تفيد شيئاً ، لغلبة الجهل وطلب الرياسة واتباع الأهواء . روى الترمذي عن جبير بن نفير " عن ابي الدرداء قال : كنا مع النبي صلى الله عليه ، فشخص ببصره إلى السماء ثم قال : هذا أوان يختلس فيه العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء . فقال زياد بن لبيد الأنصاري : كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن ! فو الله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا . فقال : ثكلتك أمك يا زياد كنت لأعدك من فقهاء المدينة هذه التوارة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم " وذكر الحديث ، وسيأتي . وخرجه النسائي من حديث جبير بن نفير ايضاً عن عوف بن مالك الأشجعي من طريق صحيحة ، و " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزياد : ثكلتك أمك يا زياد هذه التوارة والإنجيل عند اليهود والنصارى" . وفي الموطأ عن عبد الله بن مسعود قال لإنسان : إنك في زمان كثير فقهاؤه ، قليل قراؤه ، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه ، قليل من يسأل ، كثير من يعطي ، يطيلون الصلاة ويقصرون فيه الخطبة ، ويبدأون فيه أعمالهم قبل أهوائهم . وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه ، كثير قراؤه ، تحفظ فيه ويقصرون الصلاة ، يبدأون فيه أهواءهم قبل اعمالهم . وهذه نصوص تدل على ما ذكرنا . وقد قال يحيى : سألت ابن نافع عن قوله : يبدأون أهواءهم قبل أعمالهم ؟ قال يقول : يتبعون أهواءهم ويتركون العمل بالذي افترض عليهم . وتقدم القول في معنى قوله : "لعلكم تتقون" . فلا معنى لإعادته .
يقول تعالى مذكراً بني إسرائيل ما أخد عليهم من العهود والمواثيق بالإيمان به وحده لا شريك له، واتباع رسله، وأخبر تعالى أنه لما أخذ عليهم الميثاق، رفع الجبل فوق رؤوسهم ليقروا بما عوهدوا عليه، ويأخذوه بقوة وجزم وامتثال، كما قال تعالى: "وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون" فالطور هو الجبل كما فسره به في الأعراف، ونص على ذلك ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن والضحاك والربيع بن أنس وغير واحد، وهذا ظاهر، في رواية عن ابن عباس الطور ما أنبت من الجبال، وما لم ينبت فليس بطور، وفي حديث الفتون عن ابن عباس أنهم لما امتنعوا عن الطاعة رفع عليهم الجبل ليسمعوا وقال السدي: فلما أبوا أن يسجدوا أمر الله الجبل أن يقع عليهم فنظروا إليه وقد غشيهم فسقطوا سجداً فسجدوا على شق ونظروا بالشق الاخر فرحمهم الله فكشفه عنهم، فقالوا والله ما سجدة أحب إلى الله من سجدة كشف بها العذاب عنهم فهم يسجدون كذلك، وذلك قول الله تعالى "ورفعنا فوقكم الطور" وقال الحسن في قوله "خذوا ما آتيناكم بقوة" يعني التوارة وقال أبو العالية والربيع بن أنس: بقوة أي بطاعة، وقال مجاهد بقوة بعمل ما فيه، وقال قتادة "خذوا ما آتيناكم بقوة" القوة: الجد وإلا قذفته عليكم، قال: فأقروا بذلك أنهم يأخذون ما أوتوا به بقوة، ومعنى قوله وإلا قذفته عليكم أي أسقطته عليكم، يعني الجبل، وقال أبو العالية والربيع "واذكروا ما فيه" يقول: اقرؤوا ما في التوارة واعملوا به، وقوله تعالى "ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله" يقول تعالى: ثم بعد هذا الميثاق المؤكد العظيم توليتم عنه وانثنيتم ونقضتموه "فلولا فضل الله عليكم ورحمته" أي بتوبته عليكم وإرساله النبيين والمرسلين إليكم "لكنتم من الخاسرين" بنقضكم ذلك الميثاق في الدنيا والاخرة.
قوله: 63- "وإذ أخذنا" هو في محل نصب بعامل مقدر هو اذكروا كما تقدم غير مرة. وقد تقدم تفسير الميثاق، والمراد أنه أخذ سبحانه عليهم الميثاق بأن يعملوا بما شرعه لهم في التوراة وبما هو أعم من ذلك أو أخص. والطور اسم الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة فيه، وقيل: هو اسم لكل جبل بالسريانية. وقد ذكر كثير من المفسرين أن موسى لما جاء بني إسرائيل من عند الله بالألواح قال لهم: خذوها والتزموها، فقالوا: لا إلا أن يكلمنا الله بها كما كلمك، فصعقوا ثم أحيوا، فقال لهم: خذوها والتزموها، فقالوا: لا، فأمر الله الملائكة فاقتلعت جبلاً من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله وكذلك كان عسكرهم، فجعل عليهم مثل الظلة، وأتوا ببحر من خلفهم ونار من قبل وجوههم، وقيل لهم: خذوها وعليكم الميثاق أن لا تضيعوها وإلا سقط عليكم الجبل، فسجدوا توبة لله وأخذوا التوراة بالميثاق. قال ابن جريرعن بعض العلماء: لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق. قال ابن عطية: والذي لا يصح سواه أن الله سبحانه اخترع وقت سجودهم الإيمان، لا أنهم آمنوا كرهاً وقلوبهم غير مطمئنة انتهى. وهذا تكلف ساقط حمله المحافظة على ما قدم ارتسم لديه من قواعد مذهبية قد سكن قلبه إليها كغيره، وكل عاقل يعلم أنه سبب من أسباب الإكراه أقوى من هذا أو أشد منه. ونحن نقول: أكرههم الله على الإيمان فآمنوا مكرهين، ورفع عنهم العذاب بهذا الإيمان. وهو نظير ما ثبت في شرعنا من رفع السيف عن من تكلم بكلمة الإسلام والسيف مصلت قد هزه حامله على رأسه. وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن قتل من تكلم بكلمة الإسلام معتذراً عن قتله بأنه قالها تقية ولم تكن عن قصد صحيح: "أأنت فتشت عن قلبه" وقال:"لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس" وقوله: "خذوا" أي: وقلنا لكم "خذوا ما آتيناكم بقوة" والقوة: الجد والاجتهادوالمراد بذكر ما فيه أن يكون محفوظاً عندهم ليعلموا به.
63. قوله تعالى " وإذ أخذنا ميثاقكم " عهدكم يا معشر اليهود " ورفعنا فوقكم الطور " وهو الجبل بالسريانية في قول بعضهم، وهو قول مجاهد ، وقيل: ما من لغة في الدنيا إلا وهي في القرآن، وقال الأكثرون: ليس في القرآن لغة غير لغة العرب لقوله تعالى: " قرآناً عربياً " وإنما هذا وأشباهه وقع وفاقاً بين اللغتين، وقال ابن عباس: أمر الله تعالى جبلاً من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتى قام على رؤوسهم، وذلك لأن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام فأمر موسى قومه أن يقبلوها ويعملوا بأحكامها فأبوا أن يقبلوها للآصار والأثقال التي هي فيها، وكانت شريعة ثقيلة فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام فقلع جبلاً على قدر عسكرهم، وكان فرسخاً في فرسخ، فرفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرجل كالظلة، وقال لهم: إن لم تقبلوا التوراة أرسلت هذا الجبل عليكم، وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: رفع / الله فوق رؤوسهم الطور، وبعث ناراً من قبل وجوههم، وأتاهم البحر المالح من خلفهم " خذوا " أي قلنا لهم خذوا " ما آتيناكم " أعطيناكم " بقوة " بجد واجتهاد ومواظبة " واذكروا " وادرسوا " ما فيه " وقيل: احفظوه واعملوا به " لعلكم تتقون " لكي تنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى، فإن فإن قبلتم وإلا رضختم بهذا الجبل وأغرقتكم في هذا البحر وأحرقتكم بهذه النار، فلما رأوا أن لا مهرب لهم عنها قبلوا وسجدوا وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود، فصار سنةً لليهود، ولا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم، ويقولون: بهذا السجود رفع العذاب عنا.
63-" وإذ أخذنا ميثاقكم " باتباع موسى والعمل بالتوراة . " ورفعنا فوقكم الطور " حتى أعطيتم الميثاق ، روي أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاءهم بالتوراة فرأوا ما فيها من التكاليف الشاقة كبرت عليهم وأبوا قبولها ، فأمر جبريل عليه السلام فقلع الطور فظلله فوقهم حتى قبلوا . " خذوا " على إرادة القول : " ما آتيناكم " من الكتاب " بقوة " بجد وعزيمة . " واذكروا ما فيه " ادرسوه ولا تنسوه ، أو تفكروا فيه فإنه ذكر بالقلب ، أو اعلموا به . " لعلكم تتقون " لكي تتقوا المعاصي ، أو رجاء منكم أن تكونوا متقين . ويجوز عند المعتزلة أن يتعلق بالقول المحذوف ، أي : قلنا خذوا واذكروا إرادة أن تتقوا .
63. And (remember, O children of Israel) when We made a covenant with you and caused the Mount to tower above you, (saying): Hold fast that which We have given you, and remember that which is therein, that ye may ward off (evil).
63 - And remember we took your covenant and we raised above you (the towering height) of mount (Sinai) (saying): hold firmly to what we have given you and bring (ever) to remembrance what is therein: perchance ye may fear God.