63 - (ألم تر) تعلم (أن الله أنزل من السماء ماء) مطرا (فتصبح الأرض مخضرة) بالنبات وهذا من أثر قدرته (إن الله لطيف) بعباده في إخراج النبات بالماء (خبير) بما في قلوبهم عند تأخير المطر
يقول تعالى ذكره " ألم تر " يا محمد " أن الله أنزل من السماء ماء " يعني مطرا " فتصبح الأرض مخضرة " بما ينبت فيها من النبات " إن الله لطيف " باستخراج النبات من الأرض بذلك الماء و غير ذلك ، من ابتداع ما شاء أن يبتدعه " خبير " بما يحدث عن ذلك النبت من الحب وبه . و قال " فتصبح الأرض " فرفع ، و قد تعدمه قوله " ألم تر " و إنما قيل ذلك كذلك ، لأن معنى الكلام الخبر ،كأنه قيل : اعلم يا محمد أن الله ينزل من السماء ماء فتصبح الأرض ،و نظير ذلك قول الشاعر :
ألم تسأل الربع القديم فينطق و هل تخبرنك اليوم بيداء سملق
لأن معناه : قد سألته فنطق .
قوله تعالى: " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة " دليل على كمال قدرته، أي من قدر على هذا قدر على إعادة الحياة بعد الموت، كما قال الله عز وجل: " فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت " [فصلت: 39]. ومثله كثير. " فتصبح " ليس بجواب فيكون منصوباً، وإنما هو خبر عند الخليل وسيبويه. قال الخليل: المعنى انتبه! أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا، كما قال:
ألم تسأل الربع القواء فينطق وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق
معناه قد سألته فنطق. وقيل استفهام تحقيق، أي قد رأيت، فتأمل كيف تصبح! أو عطف لأن المعنى ألم تر أن الله ينزل. وقال الفراء : " ألم تر " خبر، كما تقول في الكلام: اعلم أن الله عز وجل ينزل من السماء ماء. " فتصبح الأرض مخضرة " أي ذات خضرة، كما تقول: مبقلة ومسبعة، أي ذات بقل وسباع. وهو عبارة عن استعجالها إثر نزول الماء بالنبات واستمرارها كذلك عادة. قال ابن عطية : وروي عن عكرمة أنه قال: هذا لا يكون إلا بمكة وتهامة. ومعنى هذا: أنه أخذ قوله: " فتصبح " مقصوداً به صباح ليلة المطر، وذهب إلى أن ذلك الاخضرار يتأخر في سائر البلاد، وقد شاهدت هذا في السوس الأقصى نزل المطر ليلاً بعد قحط أصبحت تلك الأرض الرملة التي نسفتها الرياح قد اخضرت بنبات ضعيف رقيق. " إن الله لطيف خبير " قال ابن عباس: " خبير " بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر. " لطيف " بأرزاق عباده. وقيل: لطيف باستخراج النبات من الأرض، خبير بحاجتهم وفاقتهم.
وهذا أيضاً من الدلالة على قدرته وعظيم سلطانه, فإنه يرسل الرياح فتثير سحاباً فيمطر على الأرض الجرز التي لا نبات فيها, وهي هامدة يابسة سوادء ممحلة, "فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت". وقوله: "فتصبح الأرض مخضرة" الفاء ههنا للتعقيب, وتعقيب كل شيء بحسبه, كما قال تعالى: "ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة" الاية, وقدثبت في الصحيحين أن بين كل شيئين أربعين يوماً, ومع هذا هو معقب بالفاء, وهكذا ههنا قال "فتصبح الأرض مخضرة" أي خضراء بعد يباسها ومحولها. وقد ذكر عن بعض أهل الحجاز أنها تصبح عقب المطر خضراء, فالله أعلم.
وقوله: "إن الله لطيف خبير" أي عليم بما في أرجاء الأرض وأقطارها وأجزائها من الحب وإن صغر, ولا يخفى عليه خافية, فيوصل إلى كل منه قسطه من الماء فينبته به, كما قال لقمان: "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير" وقال: " أن لا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض " وقال تعالى: "وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين" وقال: "وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين" ولهذا قال أمية بن أبي الصلت أو زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته:
وقولا له من ينبت الحب في الثرى ؟ فيصبح منه البقل يهتز رابياً
ويخرج منه حبه في رؤوسه ففي ذاك آيات لمن كان واعياً
وقوله: "له ما في السموات وما في الأرض" أي ملكه جميع الأشياء, وهو غني عما سواه وكل شيء فقير إليه عبد لديه, وقوله: "ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض" أي من حيوان وجماد وزروع وثمار, كما قال: "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه" أي من إحسانه وفضله وامتنانه "والفلك تجري في البحر بأمره" أي بتسخيره وتسييره, أي في البحر العجاج وتلاطم الأمواج تجري الفلك بأهلها بريح طيبة ورفق وتؤدة فيحملون فيها ما شاءوا من تجائر وبضائع ومنافع من بلد إلى بلد وقطر إلى قطر, ويأتون بما عند أولئك إلى هؤلاء, كما ذهبوا بما عند هؤلاء إلى أولئك مما يحتاجون إليه ويطلبونه ويريدونه "ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه" أي لو شاء لأذن للسماء فسقطت على الأرض فهلك من فيها, ولكن من لطفه ورحمته وقدرته يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه, ولهذا قال: "إن الله بالناس لرؤوف رحيم" أي مع ظلمهم, كما قال في الاية الأخرى: "وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب".
وقوله: "وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور" كقوله: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون". وقوله: " قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ". وقوله: "قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين" ومعنى الكلام: كيف تجعلون لله أنداداً وتعبدون معه غيره وهو المستقل بالخلق والرزق والتصرف "وهو الذي أحياكم" أي خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئاً يذكر, فأوجدكم "ثم يميتكم ثم يحييكم" أي يوم القيامة "إن الإنسان لكفور" أي جحود.
ثم ذكر سبحانه دليلاً بيناً على كمال قدرته، فقال: 63- "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة" الاستفهام للتقرير، والفاء للعطف على أنزل، وارتفع الفعل بعد الفاء لكونه استفهام التقرير بمنزلة الخبر كما قاله الخليل وسيبويه. قال الخليل: المعنى أنزل من السماء ماء فكان كذا وكذا، كما قال الشاعر:
ألم تسأل الربع القواء فينطق وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق
معناه: قد سألته فنطق. قال الفراء: ألم تر خبر كما تقول في الكلام: إن الله ينزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة: أي ذات خضرة كما تقول مبقلة ومسبعة: أي ذوات بقل وسباع، وهو عبارة عن استعجالها أثر نزول الماء بالنبات واستمرارها كذلك عادة، وصيغة الاستقبال لاستحضار صورة الإخضرار مع الإشعار بتجدد الإنزال واستمراره، وهذا المعنى لا يحصل إلا بالمستقبل، والرفع هنا متعين لأنه لو نصب لانعكس المعنى المقصود من الآية فينقلب إلى نفي الاخضرار، والمقصود إثباته. قال ابن عطية: هذا لا يكون: يعني الاخضرار في صباح ليلة المطر إلا بمكة وتهامة. والظاهر أن المراد بالاخضرار اخضرار الأرض في نفسها لا باعتبار النبات فيها كما في قوله: "فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت" والمراد بقوله: "إن الله لطيف" أنه يصل علمه إلى كل دقيق وجليل، وقيل لطيف بأرزاق عباده، وقيل لطيف باستخراج النبات، ومعنى "خبير" أنه ذو خبرة بتدبير عباده وما يصلح لهم، وقيل خبير بما ينطوون عليه من القنوط عند تأخير المطر، وقيل خبير بحاجتهم وفاقتهم.
63. " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرةً "، بالنبات، " إن الله لطيف "، بأرزاق عباده واستخراج النبات من الأرض، " خبير "، بما في قلوب العباد واستخراج النبات من الأرض، إذا تأخر المطر عنهم.
63 ـ " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً " استفهام تقرير ولذلك رفع . " فتصبح الأرض مخضرةً " عطف على " أنزل " إذ لو نصب جواباً لدل على نفي الاخضرار كما في قولك : ألم تر أني جئتك فتكرمني ، والمقصود إثباته وإنما عدل به عن صيغة الماضي للدلالة على بقاء أثر المطر زماناً بعد زمان . " إن الله لطيف " يصل علمه أو لطفه إلى كل ما جل ودق . " خبير " بالتدابير الظاهرة والباطنة .
63. Seest thou not how Allah sendeth down water from the sky and then the earth becometh green upon the morrow? Lo! Allah is Subtile, Aware.
63 - Seest thou not that God sends down rain from the sky, and forthwith the Earth becomes clothed with green? for God is He who understands the finest mysteries, and is will acquainted (with them).