(أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) من النفاق وكذبهم في عذرهم (فأعرضْ عنهم) بالصفح (وعظهم) خوفهم الله (وقل لهم في) شأن (أنفسهم قولا بليغا) مؤثرا فيهم ، أي ازجرهم ليرجعوا عن كفرهم
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "أولئك"، هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك، يا محمد، صفتهم، "يعلم الله ما في قلوبهم" في احتكامهم إلى الطاغوت، وتركهم الاحتكام إليك، وصدودهم عنك، من النفاق والزيغ، وإن حلفوا بالله: ما أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً، "فأعرض عنهم وعظهم"، يقول: فدعهم فلا تعاقبهم في أبدانهم وأجسامهم، ولكن عظهم بتخويفك إياهم بأس الله أن يحل بهم، وعقوبته أن تنزل بدارهم، وحذرهم من مكروه ما هم عليه من الشك في أمر الله وأمر رسوله، "وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا"، يقول: مرهم باتقاء الله والتصديق به وبرسوله ووعده ووعيده.
قوله تعالى : " أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ".
هذا إنكار من الله عز وجل على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين, وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله, كما ذكر في سبب نزول هذه الاية أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخصاما, فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد, وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف, وقيل: في جماعة من المنافقين ممن أظهروا الإسلام, أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية, وقيل غير ذلك, والاية أعم من ذلك كله, فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة. وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل, وهو المراد بالطاغوت ههنا, ولهذا قال "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت" إلى آخرها. وقوله " يصدون عنك صدودا " أي يعرضون عنك إعراضاً كالمستكبرين عن ذلك, كما قال تعالى عن المشركين: "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا" وهؤلاء بخلاف المؤمنين الذين قال الله فيهم "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا" الاية.
ثم قال تعالى في ذم المنافقين: "فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم" أي فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم, واحتاجوا إليك في ذلك "ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً" أي يعتذرون إليك ويحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك, وتحاكمنا إلى أعدائك إلا الإحسان والتوفيق, أي المداراة والمصانعة لا اعتقاداً منا صحة تلك الحكومة, كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ". وقد قال الطبراني: حدثنا أبو زيد أحمد بن يزيد الحوطي, حدثنا أبو اليمان, حدثنا صفوان بن عمر عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: كان أبو برزة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه, فتنافر إليه ناس من المسلمين, فأنزل الله عز وجل " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ".
ثم قال تعالى: "أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم" هذا الضرب من الناس هم المنافقون, والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك, فإنه لا تخفى عليه خافية, فاكتف به يا محمد فيهم, فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم. ولهذا قال له "فأعرض عنهم" أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم "وعظهم" أي وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر, "وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً" أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم.
فكذبهم الله بقوله 63- "أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم" من النفاق والعداوة للحق. قال الزجاج: معناه قد علم الله أنهم منافقون "فأعرض عنهم" أي: عن عقابهم، وقيل: عن قبول اعتذارهم "وعظهم" أي: خوفهم من النفاق "وقل لهم في أنفسهم" أي: في حق أنفسهم، وقيل معناه: قل لهم خالياً بهم ليس معهم غيرهم "قولاً بليغاً" أي: بالغاً في وعظهم إلى المقصود مؤثراً فيهم، وذلك بان توعدهم بسفك دمائهم وسبي نسائهم وسلب أموالهم.
63-"أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم"، من النفاق،أي: علم أن ما في قلوبهم خلاف ما في ألسنتهم،"فأعرض عنهم"،أي: عن عقوبتهم وقيل: فأعرض عن قبول عذرهم وعظهم باللسان ، وقل لهم قولاً بليغاً ، وقيل: هو التخويف بالله ، وقيل: أن توعدهم بالقتل إن لم يتوبوا قال الحسن : القول البليغ أن يقول لهم: إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق قتلتم لأنه يبلغ في نفوسهم كل مبلغ ، وقال الضحاك : "فأعرض عنهم وعظهم" في الملأ" وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً" في السر والخلاء ، وقال: قيل هذا منسوح بآية القتال.
63"أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم" من النفاق فلا يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب. "فأعرض عنهم" أي من عقابهم لمصلحة في استبقائهم أو عن قبول معذرتهم. "وعظهم" بلسانك وكفهم عما هم عليه. "وقل لهم في أنفسهم" أي في معنى أنفسهم أو خالياً بهم فإن النصح في السر أنجع. "قولاً بليغاً" يبلغ منهم ويؤثر فيهم، أمرهم التجافي عن ذنوبهم والنصح لهم والمبالغة فيه بالترغيب والترهيب، وذلك مقتضى شفقة الأنبياء عليهم السلام، وتعليق الظرف ببليغاً على معنى بليغاً في أنفسهم مؤثراً فيها ضعيف لأن معمول الصفة لا يتقدم على الموصوف، والقول البليغ في الأصل هو الذي يطابق مدلوله المقصود به.
63. Those are they, the secrets of whose hearts Allah knoweth. So oppose them and admonish them, and address them in plain terms about their souls.
63 - Those men, God knows what is in their hearts; so keep clear of them, but admonish them, and speak to them a word to reach their very souls.