64 - (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب) وأما القرب فمن أمور الآخرة لظهور ثمرتها فيها (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) بمعنى الحياة (لو كانوا يعلمون) ذلك ما آثروا الدنيا عليها
يقول تعالى ذكره: " وما هذه الحياة الدنيا " التي يتمتع منها هؤلاء المشركون " إلا لهو ولعب " يقول إلا تعليل النفوس بما تلتذ به، ثم هو منقض عن قريب، لا بقاء له ولا دوام " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " يقول: وإن الدار الآخرة لفيها الحياة الدائمة التي لا زوال لها ولا انقطاع ولا موت معها.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون " حياة لا موت فيها.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " لهي الحيوان " قال: لا موت فيها.
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " يقول: باقية.
وقوله " لو كانوا يعلمون " يقول: لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن ذلك كذلك، لقصروا عن تكذيبهم بالله، وإشراكهم غيره في عبادته، ولكنهم لا يعلمون ذلك.
قوله تعالى : " وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب " أي شيء يلهى به ويلعب . أي ليس ما أعطاه الله الأغنياء من الدنيا إلا وهو يضمحل ويزول ، كاللعب الذي لا حقيقة له ولا ثبات ، قال بعضهم : الدنيا إن بقيت لك لم تبق لها . وأنشد :
تروح لنا الدنيا بغير الذي عدت وتحدث من بعد الأمور أمور
وتجري الليالي باجتماع وفرقة وتطلع فيها أنجم وتغور
فمن ظن أن الدهر باق سروره فذاك محال لا يدوم سرور
عفا الله عمن صير الهم واحداً وأيقن أن لادائرات تدور
قلت : وهذا كله في أمور الدنيا من المال والجاه والملبس الزائد على الضروري الذي به قوام العيش ، والقوة على الطعات . وأما مما كان منها لله فهو من الآخرة ، وهو الذي يبقى كما قال : " ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " [ الرحمن : 27] أي ما ابتغى به ثوابنه ورضاه . " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " أي دار الحياة الباقية التي لا تزول ولا موت فيها . وزعم أبو عبيدة : أن الحيوان والحياة والحي بكسر الحاء واحد . كما قال : وقد ترى إذ الحياة حي
وغيره يقول : إن الحي جميع على فعول مثل عصي . والحيوان يقع علي كل شيء حي . وحيوان عين في الجنة وقيل : أصل حيوان حييان فأبدلت إحداهما واواً ، لاجتماع المثلين . " لو كانوا يعلمون " أنها كذلك .
يقول تعالى مخبراً عن حقارة الدنيا وزوالها وانقضائها, وأنها لا دوام لها وغاية ما فيها لهو ولعب " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " أي الحياة الدائمة الحق الذي لا زوال لها ولا انقضاء, بل هي مستمرة أبد الاباد. وقوله تعالى: "لو كانوا يعلمون" أي لاثروا ما يبقى على ما يفنى, ثم أخبر تعالى عن المشركين أنهم عند الاضطرار يدعونه وحده لا شريك له, فهلا يكون هذا منهم دائماً "فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين" كقوله تعالى: " وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم " الاية, وقال ههنا: "فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون" وقد ذكر محمد بن إسحاق عن عكرمة بن أبي جهل , أنه لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ذهب فاراً منها, فلما ركب في البحر ليذهب إلى الحبشة اضطربت بهم السفينة, فقال أهلها: يا قوم أخلصوا لربهم الدعاء, لا ينجي فإنه ههنا إلا هو, فقال عكرمة : والله لئن كان لا ينجي في البحر غيره, فإنه. لا ينجي في البر أيضاً غيره, اللهم لك علي عهد لئن خرجت لأذهبن فلأضعن يدي في يد محمد, فلأجدنه رؤوفاً رحيماً, فكان كذلك, وقوله تعالى: "ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا" هذه اللام يسميها كثير من أهل العربية والتفسير وعلماء الأصول لام العاقبة, لأنهم لا يقصدون ذلك, ولا شك أنها كذلك بالنسبة إليهم, وأما بالنسبة إلى تقدير الله عليهم ذلك وتقييضه إياهم لذلك فهي لام التعليل, وقد قدمنا تقرير ذلك في قوله "ليكون لهم عدواً وحزناً".
ثم أشار سبحانه إلى تحقير الدنيا وأنها من جنس اللعب واللهو: وأن الدار على الحقيقة هي دار الآخرة فقال: 64- "وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب" من جنس ما يلهو به الصبيان ويلعبون به "وإن الدار الآخرة لهي الحيوان". قال ابن قتيبة وأبو عبيدة: إن الحيوان الحياة. قال الواحدي: وهو قول جميع المفسرين ذهبوا إلى أن معنى الحيوان ههنا الحياة، وأنه مصدر بمنزلة الحياة فيكون كالنزوان والغليان ويكون التقدير: وإن الدار الآخرة لهي دار الحيوان، أو ذات الحيوان: أي دار الحياة الباقية التي لا تزول ولا ينغضها موت ولا مرض، ولا هم ولا غم "لو كانوا يعلمون" شيئاً من العلم لما آثروا عليها الدار الفانية المنغصة.
قوله تعالى: 64- "وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب"، اللهو هو: الاستمتاع بلذات الدنيا، واللعب: العبث، سميت بهما لأنها فانية. "وإن الدار الآخرة لهي الحيوان"، أي: الحياة الدائمة الباقية، والحيوان: بمعنى الحياة، أي: فيها الحياة الدائمة، "لو كانوا يعلمون"، فناء الدنيا وبقاء الآخرة.
64ـ " وما هذه الحياة الدنيا " إشارة تحقير وكيف لا وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة . " إلا لهو ولعب " إلا كما يلهى ويلعب به الصبيان يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون متعبين . " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " لهي دار الحياة الحقيقة لامتناع طريان الموت عليها ، أو هي في ذاتها حياة للمبالغة ، و " الحيوان " مصدر حي سمي به ذو الحياة وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واواً وهو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة ولذلك اختير عليها ها هنا . " لو كانوا يعلمون " لم يؤثروا عليها الدنيا التي أصلها عدم الحياة والحياة فيها عارضة سريعة الزوال .
64. This life of the world is but a pastime and a game. Lo! the home of the Hereafter that is Life, if they but knew.
64 - What is the life of this world but amusement and play? but verily the Home in the Hereafter, that is life indeed, if they but knew.