65 - (لو نشاء لجعلناه حطاما) نباتا يابسا لا حب فيه (فظلتم) أصله ظللتم بكسر اللام حذفت تخفيفا أي اقمتم نهارا (تفكهون) حذفت منه إحدى التاءين نفي الأصل تعجبون من ذلك وتقولون
يقول تعالى ذكره : لو نشاء جعلنا ذلك الزرع الذي زرعناه حطاماً يعني هشيماً لا ينتفع به في مطعم وغذاء .
وقوله " فظلتم تفكهون " اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم : معنى ذلك : فظلتم تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم من المصيبة بأحتراقه وهلاكه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله " فظلتم تفكهون " قال : تعجبون .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " فظلتم تفكهون " قال : تعجبون .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " فظلتم تفكهون " قال تعجبون .
وقال آخرون : معنى ذلك : فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة ربكم جل ثناؤه حتى نالكم بما نالكم من إهلاك زرعكم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا الحسين عن يزيد عن عكرمة في قوله " فظلتم تفكهون " يقول : تلاومون .
قال : ثنا مهران عن سفيان عن سماك بن حرب البكري عن عكرمة " فظلتم تفكهون " قال : تلاومون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلتم تندمون على ما سلف منكم في معصية الله التي اوجب لكم عقوبته حتى نالكم في زرعكم وما نالكم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثني ابن علية عن أبي رجاء عن الحسن " فظلتم تفكهون " قال : تندمون .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " فظلتم تفكهون " قال تندمون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فظلتم تعجبون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " فظلتم تفكهون " قال تعجبون حين صنع بحرئكم ما صنع به وقرأ قول الله عز وجل " إنا لمغرمون * بل نحن محرومون " وقرأ قول اله " وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين " ( المطففين 31 ) قال : هؤلاء ناعمين وقرأ قول الله جل ثناؤه " فأخرجناهم من جنات وعيون " ( الشعراء 57 ) إلى قوله " كانوا فيها فاكهين " ( الدخان 27 ) .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى " فظلتم " : فأقمتم تعجبون مما نزل بزرعكم وأصله من التفكهه بالحديث إذا حدث الرجل الرجل بالحديث يعجب منه ويلهى به فكذلك ذلك وكأن معنى الكلام : فأقمتم تتعجبون يعجب بعضكم بعضاً مما نزل بكم .
" فظلتم تفكهون " أي تعجبون بذهابها وتندمون مما حل بكم ، قاله الحسن و قتادة وغيرهما .وفي الصحاح : وتفكه أي تعجب ويقال : تندم ، قال الله تعالى : " فظلتم تفكهون " أي تندمون . وتفكهت بالشيء تمتعت به . وقال يمان : تندمون على نفقاتكم ، دليله : " فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها " وقال عكرمة : تلاومون وتندمون على ما سلف منكم من معصية الله التي أوجبت عقوبتكم حتى نالتكم في زرعكم . ابن كيسان : تحزنون ، والمعنى متقارب . وفيه لغتان : تفكهون وتفكنون : قال الفراء : النون لغة عكل . وفي الصحاح : التفكن التندم على ما فات . وقيل : التفكه التكلم فيما لا يعنيك ، ومنه قيل للمزاح فكاهة بالضم ، فأما الفكاهة بالفتح فمصدر فكه الرجل بالكسر فهو فكة إذا كان طيب النفس مزاحا . وقراءة العامة " فظلتم " بفتح الظاء . وقرأ عبد الله (( فظلتم )) بكسر الظاء ورواها هارون عن حسين عن أبي بكر . فمن فتح فعلى الأصل ، والأصل ظللتم فحذف اللام الأولى تخفيفا ، ومن كسر نقل كسرة اللام الأولى إلى الظاء ثم حذفها . أي تندمون أـي
يقول تعالى: " أفرأيتم ما تحرثون " وهو شق الأرض وإثارتها والبذر فيها "أأنتم تزرعونه ؟" أي تنبتونه في الأرض "أم نحن الزارعون" أي بل نحن الذين نقره قراره وننبته في الأرض. قال ابن جرير: وقد حدثني أحمد بن الوليد القرشي, حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي, حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن محمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقولن زرعت ولكن قل حرثت" قال أبو هريرة: ألم تسمع إلى قوله تعالى: " أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون " ورواه البزار عن محمد بن عبد الرحيم عن مسلم الجرمي به, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد عن عطاء عن أبي عبد الرحمن: لا تقولوا زرعنا ولكن قولوا حرثنا وروي عن حجر المدري أنه كان إذا قرأ "أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون" وأمثالها يقول: بل أنت يا رب.
وقوله تعالى: "لو نشاء لجعلناه حطاماً" أي نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا وأبقيناه لكم رحمة بكم بل ولو نشاء لجعلناه حطاماً أي لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده "فظلتم تفكهون" ثم فسر ذلك بقوله: "إنا لمغرمون * بل نحن محرومون" أي لو جعلناه حطاماً لظللتم تفكهون في المقالة تنوعون كلامكم فتقولون تارة إنا لمغرمون أي لملقون, وقال مجاهد وعكرمة: إنا لموقع بنا. وقال قتادة: معذبون وتارة يقولون بل نحن محرومون. وقال مجاهد أيضاً: إنا لمغرمون ملقون للشر أي بل نحن محارفون, قاله قتادة, أي لا يثبت لنا مال ولا ينتج لنا ربح, وقال مجاهد: بل نحن محرومون أي محدودون يعني لا حظ لنا, وقال ابن عباس ومجاهد "فظلتم تفكهون" تعجبون. وقال مجاهد أيضاً: فظلتم تفكهون تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم, وهذا يرجع إلى الأول, وهو التعجب من السبب الذي من أجله أصيبوا في مالهم, وهذا اختيار ابن جرير. وقال عكرمة: فظلتم تفكهون تلاومون, وقال الحسن وقتادة والسدي: فظلتم تفكهون تندمون, ومعناه إما على ما أنفقتم أو على ما أسلفتم من الذنوب, قال الكسائي: تفكه من الأضداد, تقول العرب تفكهت بمعنى تنعمت, وتفكهت بمعنى حزنت.
ثم قال تعالى: "أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن" يعني السحاب, قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد "أم نحن المنزلون" يقول بل نحن المنزلون "لو نشاء جعلناه أجاجاً" أي زعافاً مراً لا يصلح لشرب ولا زرع "فلولا تشكرون" أي فهلا تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عذباً زلالاً " لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون * ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون " . وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عثمان بن سعيد بن مرة, حدثنا فضيل بن مرزوق عن جابر عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا شرب الماء قال: "الحمد لله الذي سقانا عذباً فراتاً برحمته, ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا" ثم قال: "أفرأيتم النار التي تورون" أي تقدحون من الزناد وتستخرجونها من أصلها "أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون" أي بل نحن الذين جعلناها مودعة في موضعها. وللعرب شجرتان (إحداهما) المرخ, (والأخرى) العفار, إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحك أحدهما بالاخر تناثر من بينهما شرر النار.
وقوله تعالى: "نحن جعلناها تذكرة" قال مجاهد وقتادة: أي تذكر النار الكبرى, قال قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا قوم ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم" قالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية. قال: "إنها قد ضربت بالماء ضربتين ـ أو مرتين ـ حتى يستنفع بها بنو آدم ويدنوا منها" وهذا الذي أرسله قتادة قد رواه الإمام أحمد في مسنده فقال: حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم وضربت بالبحر مرتين, ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد" وقال الإمام مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم" فقالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية, فقال: "إنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً" رواه البخاري من حديث مالك ومسلم من حديث أبي الزناد ورواه مسلم من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة به وفي لفظ "والذي نفسي بيده لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها" وقد قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عمرو الخلال, حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي, حدثنا معن بن عيسى الفزار عن مالك عن عمه أبي سهل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم ؟ لهي أشد سواداً من ناركم هذه بسبعين ضعفاً" قال الضياء المقدسي وقد رواه أبو مصعب عن مالك ولم يرفعه وهو عندي على شرط الصحيح.
وقوله تعالى: "ومتاعاً للمقوين" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والنضر بن عربي: يعني بالمقوين المسافرين, واختاره ابن جرير وقال: ومنه قولهم أقوت الدار إذا رحل أهلها, وقال غيره: القي والقواء القفر الخالي البعيد من العمران. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: المقوي ههنا الجائع, وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: ومتاعاً للمقوين, للحاضر والمسافر لكل طعام لا يصلحه إلا النار, وكذا روى سفيان عن جابر الجعفي عن مجاهد, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: قوله: للمقوين يعني المستمتعين من الناس أجمعين, وكذا ذكر عن عكرمة, وهذا التفسير أعم من غيره, فإن الحاضر والبادي من غني وفقير الجميع محتاجون إليها للطبخ والاصطلاء والإضاءة وغير ذلك من المنافع, ثم من لطف الله تعالى أن أودعها في الأحجار وخالص الحديد بحيث يتمكن المسافر من حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه, فإذا احتاج إلى ذلك في منزله أخرج زنده وأورى وأوقد ناره فأطبخ بها واصطلى بها واشتوى, واستأنس بها وانتفع بها سائر الانتفاعات, لهذا أفرد المسافرين وإن كان ذلك عاماً في حق الناس كلهم! وقد يستدل له بما رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبي خداش حبان بن زيد الشرعي الشامي عن رجل من المهاجرين من قرن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون شركاء في ثلاثة: النار والكلأ والماء" وروى ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ والنار" وله من حديث ابن عباس مرفوعاً مثل هذا زيادة وثمنه حرام, ولكن في إسناده عبد الله بن خراش بن حوشب وهو ضعيف, والله أعلم.
وقوله تعالى: "فسبح باسم ربك العظيم" أي الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة المتضادة: الماء الزلال العذب البارد ولو شاء لجعله ملحاً أجاجاً كالبحار المغرقة, وخلق النار المحرقة وجعل ذلك مصلحة للعباد, وجعل هذه منفعة لهم في معاش دنياهم وزجراً لهم في المعاد.
65- " لو نشاء لجعلناه حطاما " أي لو نشاء لجعنا ما تحرثون حطاماً: أي متحطماً متكسراً، والحطام: الهشم الذي لا ينتفع به ولا يحصل منه حب ولا شيء مما يطلب من الحرث "فظلتم تفكهون" أي صرتم تعجبون. قال الفراء: تفكهون تتعجبون فيما نزل بكم في زرعكم. قال في الصحاح: وتفكه تعجب، يقال تندم. قال الحسن وقتادة وغيرهما: معنى الآية: تعجبون من ذهابها وتندمون مما حل بكم. وقال عكرمة: تلاومون وتندمون على ما سلف منكم من معصية الله. وقال أبو عمرو والكسائي: هو التلهف على ما فات. قرأ الجمهور "فظلتم" بفتح الظاء مع لام واحدة. وقرأ أبو حيوة وأبو بكر في رواية عنه بكسر الظاء. وقرأ ابن عباس والجحدري فظلتم بلامين: أولاهما مكسورة على الأصل، وروي عن الجحدري فتحها، وهي لغة. وقرأ الجمهور تفكهون وقرأ أبو حزام العكلي تفكنون بالنون مكان الهاء: أي تندمون. قال ابن خالويه: تفكه تعجب، وتفكن تندم. وفي الصحاح التفكن التندم.
65- "لو نشاء لجعلناه حطاماً"، قال عطاء: تبناً لا قمح فيه، وقيل: هشيماً لا ينتفع به في مطعم وغذاء، "فظلتم"، وأصله: فظللتم، حذفت إحدى اللامين تخفيفاً. "تفكهون"، تتعجبون بما نزل بكم في زرعكم، وهو قول عطاء والكلبي ومقاتل. وقيل تندمون على نفقاتكم، وهو قول يمان، نظيره: "فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها" (الكهف- 42)، وقال الحسن: تندمون على ما سلف منكم من المعصية التي أوجبت تلك العقوبة. وقال عكرمة: تتلاومون. وقال ابن كيسان: تحزنون. قال الكسائي: هو تلهف على ما فات، وهو من الأضداد، تقول العرب: تفكهت أي: تنعمت وتفكهت أي: حزنت.
65-" لو نشاء لجعلناه حطاما " هشيماً . " فظلتم تفكهون " تعجبون أو تندمون على اجتهادكم فيه ، أو على ما أصبتم لأجله من المعاصي فتتحدثون فيه ، والفكه التنقل بصنوف الفاكهة وقد استعير للتنقل بالحديث ، وقرئ فظلتم بالكسر و فظللتم على الأصل .
65. If We willed, We verily could make it chaff, then would ye cease not to exclaim:
65 - Were it Our Will, We could crumble it to dry powder, and ye would be left in wonderment,