66 - (إنا لمغرمون) نفقة زرعنا
وقوله " إنا لمغرمون " اختلف أهل التأويل في معناه فقال بعضهم : إنا لمولع بنا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : ثنا زيد بن الحباب قال : أخبرني الحسين بن واقد قال : ثني يزيد النحوي عن عكرمة في قول الله تعالى ذكره " إنا لمغرمون " قال : إنا لمولع بنا .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر قال : قال مجاهد في قوله " إنا لمغرمون " أي لمولع بنا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنا لمعذبون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " إنا لمغرمون " : أي معذبون
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنا لملقون للشر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " إنا لمغرمون " قال : ملقون للشر .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : إنا لمعذبون وذلك أن الغرام عند العرب : العذاب ومنه قول الأعشى :
إن يعاقب غراماً وإن يعط جزيلاً فإنه لا يبالي .
يعني بقوله : يكن غراماً : يكن عذاباً وفي الكلام أكتفي بدلالة الكلام عليه وهو : "فظلتم تفكهون " تقولون " إنا لمغرمون" فترك تقولون من الكلام لما وصفنا .
" إنا لمغرمون " وقرأ أبو بكر و المفضل (( أئنا )) بهمزتين على الاستفهام ، وروه عاصم عن زر بن حبيش . الباقون بهمزة واحدة على الخبر ، أي يقولون " إنا لمغرمون " أي معذبون ، عن ابن عباس و قتادة قالا : والغرام العذاب ، ومنه قول ابن المحلم :
وثقت بأن الحفظ مني سجية وأن فؤادي متبل بك مغرم
وقال مجاهد و عكرمة : لمولع بنا ، ومنه قول النمر بن تولب :
سلا عن تذكره تكتما وكان رهينا بها مغرما
يقال : أغرم فلان بفلانه ، أي أولع بها ومنه الغرامك وهو الشر اللازم . وقال مجاهد أيضا : لملقون شرا . وقال مقاتل بن حيان : مهلكون . النحاس : " إنا لمغرمون " مأخوذ من الغرام وهو الهلاك ، كما قال :
يوم النسار ويوم الجفا ـر كانا عذابا وكانا غراما
الضحاك و ابن كيسان : هو من الغرم ، والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض ، أي غرمنا الحب الذي بذرناه . وقال مرة الهمداني : محاسبون .
يقول تعالى: " أفرأيتم ما تحرثون " وهو شق الأرض وإثارتها والبذر فيها "أأنتم تزرعونه ؟" أي تنبتونه في الأرض "أم نحن الزارعون" أي بل نحن الذين نقره قراره وننبته في الأرض. قال ابن جرير: وقد حدثني أحمد بن الوليد القرشي, حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي, حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن محمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقولن زرعت ولكن قل حرثت" قال أبو هريرة: ألم تسمع إلى قوله تعالى: " أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون " ورواه البزار عن محمد بن عبد الرحيم عن مسلم الجرمي به, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد عن عطاء عن أبي عبد الرحمن: لا تقولوا زرعنا ولكن قولوا حرثنا وروي عن حجر المدري أنه كان إذا قرأ "أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون" وأمثالها يقول: بل أنت يا رب.
وقوله تعالى: "لو نشاء لجعلناه حطاماً" أي نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا وأبقيناه لكم رحمة بكم بل ولو نشاء لجعلناه حطاماً أي لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده "فظلتم تفكهون" ثم فسر ذلك بقوله: "إنا لمغرمون * بل نحن محرومون" أي لو جعلناه حطاماً لظللتم تفكهون في المقالة تنوعون كلامكم فتقولون تارة إنا لمغرمون أي لملقون, وقال مجاهد وعكرمة: إنا لموقع بنا. وقال قتادة: معذبون وتارة يقولون بل نحن محرومون. وقال مجاهد أيضاً: إنا لمغرمون ملقون للشر أي بل نحن محارفون, قاله قتادة, أي لا يثبت لنا مال ولا ينتج لنا ربح, وقال مجاهد: بل نحن محرومون أي محدودون يعني لا حظ لنا, وقال ابن عباس ومجاهد "فظلتم تفكهون" تعجبون. وقال مجاهد أيضاً: فظلتم تفكهون تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم, وهذا يرجع إلى الأول, وهو التعجب من السبب الذي من أجله أصيبوا في مالهم, وهذا اختيار ابن جرير. وقال عكرمة: فظلتم تفكهون تلاومون, وقال الحسن وقتادة والسدي: فظلتم تفكهون تندمون, ومعناه إما على ما أنفقتم أو على ما أسلفتم من الذنوب, قال الكسائي: تفكه من الأضداد, تقول العرب تفكهت بمعنى تنعمت, وتفكهت بمعنى حزنت.
ثم قال تعالى: "أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن" يعني السحاب, قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد "أم نحن المنزلون" يقول بل نحن المنزلون "لو نشاء جعلناه أجاجاً" أي زعافاً مراً لا يصلح لشرب ولا زرع "فلولا تشكرون" أي فهلا تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عذباً زلالاً " لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون * ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون " . وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عثمان بن سعيد بن مرة, حدثنا فضيل بن مرزوق عن جابر عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا شرب الماء قال: "الحمد لله الذي سقانا عذباً فراتاً برحمته, ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا" ثم قال: "أفرأيتم النار التي تورون" أي تقدحون من الزناد وتستخرجونها من أصلها "أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون" أي بل نحن الذين جعلناها مودعة في موضعها. وللعرب شجرتان (إحداهما) المرخ, (والأخرى) العفار, إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحك أحدهما بالاخر تناثر من بينهما شرر النار.
وقوله تعالى: "نحن جعلناها تذكرة" قال مجاهد وقتادة: أي تذكر النار الكبرى, قال قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا قوم ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم" قالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية. قال: "إنها قد ضربت بالماء ضربتين ـ أو مرتين ـ حتى يستنفع بها بنو آدم ويدنوا منها" وهذا الذي أرسله قتادة قد رواه الإمام أحمد في مسنده فقال: حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم وضربت بالبحر مرتين, ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد" وقال الإمام مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم" فقالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية, فقال: "إنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً" رواه البخاري من حديث مالك ومسلم من حديث أبي الزناد ورواه مسلم من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة به وفي لفظ "والذي نفسي بيده لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها" وقد قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عمرو الخلال, حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي, حدثنا معن بن عيسى الفزار عن مالك عن عمه أبي سهل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم ؟ لهي أشد سواداً من ناركم هذه بسبعين ضعفاً" قال الضياء المقدسي وقد رواه أبو مصعب عن مالك ولم يرفعه وهو عندي على شرط الصحيح.
وقوله تعالى: "ومتاعاً للمقوين" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والنضر بن عربي: يعني بالمقوين المسافرين, واختاره ابن جرير وقال: ومنه قولهم أقوت الدار إذا رحل أهلها, وقال غيره: القي والقواء القفر الخالي البعيد من العمران. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: المقوي ههنا الجائع, وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: ومتاعاً للمقوين, للحاضر والمسافر لكل طعام لا يصلحه إلا النار, وكذا روى سفيان عن جابر الجعفي عن مجاهد, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: قوله: للمقوين يعني المستمتعين من الناس أجمعين, وكذا ذكر عن عكرمة, وهذا التفسير أعم من غيره, فإن الحاضر والبادي من غني وفقير الجميع محتاجون إليها للطبخ والاصطلاء والإضاءة وغير ذلك من المنافع, ثم من لطف الله تعالى أن أودعها في الأحجار وخالص الحديد بحيث يتمكن المسافر من حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه, فإذا احتاج إلى ذلك في منزله أخرج زنده وأورى وأوقد ناره فأطبخ بها واصطلى بها واشتوى, واستأنس بها وانتفع بها سائر الانتفاعات, لهذا أفرد المسافرين وإن كان ذلك عاماً في حق الناس كلهم! وقد يستدل له بما رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبي خداش حبان بن زيد الشرعي الشامي عن رجل من المهاجرين من قرن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون شركاء في ثلاثة: النار والكلأ والماء" وروى ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ والنار" وله من حديث ابن عباس مرفوعاً مثل هذا زيادة وثمنه حرام, ولكن في إسناده عبد الله بن خراش بن حوشب وهو ضعيف, والله أعلم.
وقوله تعالى: "فسبح باسم ربك العظيم" أي الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة المتضادة: الماء الزلال العذب البارد ولو شاء لجعله ملحاً أجاجاً كالبحار المغرقة, وخلق النار المحرقة وجعل ذلك مصلحة للعباد, وجعل هذه منفعة لهم في معاش دنياهم وزجراً لهم في المعاد.
66- "إنا لمغرمون" قرأ الجمهور بهمزة واحدة على الخبر، وقرأ أبو بكر والمفضل وزر بن حبيش بهمزتين على الاستفهام، والجنلة بتقدير القول: أي تقولون إنا لمغرمون: أي ملزمون غرماً بما هلك من زرعنا، والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض، قاله الضحاك وابن كيسان. وقيل [معناه] إنا لمعذبون، قاله قتادة وغيره. وقال مجاهد وعكرمة: لمولع بنا، ومنه قول النمر بن تولب:
سلا عن تذكره تكتما وكان رهينا بها مغرما
يقال أغرم فلان بفلان: أي أولع. وقال مقاتل: مهلكون. قال النحاس: مأخوذ من الغرام، وهو الهلاك ومنه قول الشاعر:
ويوم النسار ويوم الجبا ر كان عليكم عذاباً مقيماً
والظاهر من السياق المعنى الأول: أي إنا لمغرمون بذهاب ما حرثناه ومصيره حطاماً.
66- "إنا لمغرمون"، قرأ أبو بكر عن عاصم أإنا بهمزتين، وقرأ الآخرون على الخبر، ومجاز الآية: فظلتم تفكهون وتقولون إنا لمغرمون. وقال مجاهد وعكرمة لمولع بنا. وقال ابن عباس وقتادة: معذبون، والغرام العذاب. وقال الضحاك وبن كيسان: غرمنا أموالنا وصار ما أنفقنا غرماً علينا، والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض.
66-" إنا لمغرمون " لملزمون غرامة ما أنفقنا ، أو مهلكون لهلاك رزقنا من الغرام ، وقرأ أبو بكر أإنا لمغرمون على الاستفهام .
66. Lo! we are laden with debt!
66 - (Saying), We are indeed left with debts (for nothing):