67 - (أولا يذكر الإنسان أنا) أصله يتذكر أبدلت التاء ذالا وادغمت في الذال وفي قراءة تركها وسكون الذال وضم الكاف (خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك) فيستدل بالابتداء على الإعادة
يقول الله تعالى ذكره "أو لا يذكر الإنسان" المتعجب من ذلك المنكر قدرة الله على إحيائه بعد فنائه ، وإيجاده بعد عدمه في خلق نفسه ، أن الله خلقه من قبل مماته ، فأنشاه بشراً سوياً من غير شيء "ولم يك" من قبل إنشائه إياه "شيئا" فيعتبر بذلك ويعلم أن من أنشأه من غير شيء لا يعجز عن إحيائه بعد مماته ، وإيجاده بعد فنائه.
وقد اختلفت القراء في قراءة قوله : "أو لا يذكر الإنسان" فقرأه بعض قراء المدينة والكوفة : "أو لا يذكر" بتخفيف الذال ، وقد قرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة والحجاز أولا يذكر بتشديد الذال والكاف ، بمعنى : أو لا يتذكر. والتشديد أعجب إلي ، وإن كانت الأخرى جائزة، لأن معنى ذلك : أو لا يتفكر فيعتبر.
قوله تعالى: " أو لا يذكر الإنسان " أي أولا يذكر هذا القائل " أنا خلقناه من قبل " أي من قبل سؤاله وقوله هذا القول " ولم يك شيئا " فالإعادة مثل الابتداء فلم يناقض. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً، وأهل مكة وأبو عمر وأبو جعفر " أو لا يذكر ". وقرأ شيبة ونافع وعاصم " أو لا يذكر " بالتخفيف. والاختيار التشديد وأصله يتذكر، لقوله تعالى: " إنما يتذكر أولو الألباب " [الرعد: 19] وأخواتها. وفي حرف أبي أو لا يتذكر وهذه القراءة على التفسير لأنها مخالفة لخط المصحف. ومعنى يتذكر يتفكر، ومعنى " يذكر " يتنبه ويعلم، قاله النحاس .
يخبر تعالى عن الإنسان أنه يتعجب ويستبعد إعادته بعد موته, كما قال تعالى: " وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد " وقال: " أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم " وقال ههنا: " ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا * أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا " يستدل تعالى بالبداءة على الإعادة, يعني أنه تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئاً, أفلا يعيده وقد صار شيئاً, كما قال تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" وفي الصحيح " يقول الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني, وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني, أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني, وليس أول الخلق بأهون علي من آخره, وأما أذاه إياي فقوله إن لي ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد".
وقوله: "فوربك لنحشرنهم والشياطين" أقسم الرب تبارك وتعالى بنفسه الكريمة أنه لا بد أن يحشرهم جميعاً وشياطينهم الذين كانوا يعبدون من دون الله " ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا " قال العوفي عن ابن عباس : يعني قعوداً كقوله: "وترى كل أمة جاثية" وقال السدي في قوله جثياً: يعني قياماً, وروي عن مرة عن ابن مسعود مثله. وقوله: "ثم لننزعن من كل شيعة" يعني من كل أمة, قال مجاهد "أيهم أشد على الرحمن عتياً" قال الثوري عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال: يحبس الأول على الاخر حتى إذا تكاملت العدة أتاهم جميعاً, ثم بدأ بالأكابر فالأكابر جرماً, وهو قوله: "ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتياً".
وقال قتادة : "ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتياً" قال: ثم لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤساءهم في الشر, وكذا قال ابن جريج وغير واحد من السلف, وهذا كقوله تعالى: " حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون * وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون " وقوله: "ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً" ثم ههنا لعطف الخبر على الخبر, والمراد أنه تعالى أعلم بمن يستحق من العباد أن يصلى بنار جهنم ويخلد فيها, وبمن يستحق تضعيف العذاب, كما قال في الاية المتقدمة " قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون ".
67- " أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا " الهمزة للإنكار التوبيخي، والواو لعطف الجملة التي بعدها على الجملة التي قبلها، والمراد بالذكر هنا إعمال الفكر: أي ألا يتفكر هذا الجاحد في أول خلقه فيستدل بالابتداء على الإعادة، والابتداء أعجب وأغرب من الإعادة، لأن النشأة الأولى هي إخرج لهذه المخلوقات من العدم إلى الوجود ابتداعاً واختراعاً، ولم يتقدم عليه ما يكون كالمثال له، وأما النشأة الآخرة فقد تقدم عليها النشأة الأولى فكانت كالمثال لها، ومعنى من قبل قبل الحالة التي هو عليها الآن، وجملة ولم يك شيئاً في محل نصب على الحال: أي والحال أنه لم يكن حينئذ شيئاً من الأشياء أصلاً، فإعادته بعد أن كان شيئاً موجوداً أسهل وأيسر. قرأ أهل مكة وأبو عمرو وأبو جعفر وأهل الكوفة إلا عاصماً " أو لا يذكر " بالتشديد، وأصله يتذكر. وقرأ شيبة ونافع وعاصم وابن عامر "يذكر" بالتخفيف، وفي قراءة أبي أو لا يتذكر.
67 - قال الله عز وجل: " أو لا يذكر " ، أي : يتذكر ويتفكر ، وقرأ نافع ، و ابن عامر ، و عاصم ، و يعقوب " يذكر " خفيف ، " الإنسان " ، يعني : أبي بن خلف " أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً " ، أي : لا يتفكر هذا الجاحد في بدء خلقه فيستدل به على الإعادة ، ثم أقسم بنفسه ، فقال :
67ـ " أو لا يذكر الإنسان " عطف على " يقول " ، وتوسيط همزة الإنكار بينه وبين العاطف مع أن الأصل أن يتقدمهما للدلالة على أن المنكر بالذات هو المعطوف وأن المعطوف عليه إنما نشأ منه فإنه لو تذكر وتأمل : " أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً " بل كان عدماً صرفاً ، لم يقل ذلك فإن أعجب من جمع المواد بعد التفريق وإيجاد مثل ما كان فيها من الأعراض . وقرأ نافع و ابن عامر و عاصم و قالون عن يعقوب ((يذكر)) من الذكر الذي يراد به التفكر ، وقرئ ((يتذكر )) على الأصل .
67. Doth not man remember that We created him before, when he was naught?
67 - But does not man call to mind that we created him before out of nothing?