68 - (وإن ربك لهو العزيز) فانتقم من الكافرين بإغراقهم (الرحيم) بالمؤمنين فأنجاهم من الغرق
القول في تأويل قوله تعالى : " وإن ربك لهو العزيز الرحيم " .
قوله تعالى : " فنظل لها عاكفين " أي فنقيم على عبادتها . وليس المراد وقتاً معيناً بل هو إخبار عم هم فيه . وقيل : كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل ، وكانوا في الليل يعبدون الكواكب . فيقال : ظل يفعل كذا وإذا فعله نهاراً وبات يفعل كذا وإذا فعله ليلاً " قال هل يسمعونكم " قال الأخفش : فيه حذف ، والمعنى : هل يسمعون منكم ؟ أو هل يسمعون دعاءكم ، قال الشاعر:
القائد الخيل منكوباً دوابرها قد أحكمت حكمات القد والأبقا
قال : والأبق الكتان فحذف . والمعنى ، وأحكمت حكمات الأبق . في الصحاح : والأبق بالتحريك القنب . وروي عن قتادة أنه قرأ : هل يسمعونكم بضم الياء ، أي هل يسمعونكم أصواتهم .
ذكر غير واحد من المفسرين أن فرعون خرج في جحفل عظيم وجمع كبير, هو عبارة عن مملكة الديار المصرية في زمانه, أولي الحل والعقد والدول من الأمراء والوزراء والكبراء والرؤساء والجنود, فأما ما ذكره غير واحد من الإسرائيليات من أنه خرج في ألف ألف وستمائة ألف فارس, منها مائة ألف على خيل دهم, وقال كعب الأحبار : فيهم ثمانمائة ألف حصان أدهم, وفي ذلك نظر, والظاهر أن ذلك من مجازفات بني إسرائيل, والله سبحانه وتعالى أعلم, والذي أخبر به القرآن هو النافع, ولم يعين عدتهم إذ لا فائدة تحته, إلا أنهم خرجوا بأجمعهم "فأتبعوهم مشرقين" أي وصلوا إليهم عند شروق الشمس, وهو طلوعها, " فلما تراء الجمعان " أي رأى كل من الفريقين صاحبه, فعند ذلك "قال أصحاب موسى إنا لمدركون" وذلك أنهم انتهى بهم السير إلى سيف البحر, وهو بحر القلزم, فصار أمامهم البحر وقد أدركهم فرعون بجنوده, فلهذا قالوا "إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين" أي لا يصل إليكم شيء مما تحذرون, فإن الله سبحانه هو الذي أمرني أن أسير ههنا بكم, وهو سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد, وكان هارون عليه السلام في المقدمة, ومعه يوشع بن نون, ومؤمن آل فرعون, وموسى عليه السلام في الساقة, وقد ذكر غير واحد من المفسرين أنهم وقفوا لا يدرون ما يصنعون, وجعل يوشع بن نون أو مؤمن آل فرعون, يقول لموسى عليه السلام: يا نبي الله ههنا أمرك ربك أن تسير ؟ فيقول, نعم, فاقترب فرعون وجنوده ولم يبق إلا القليل, فعند ذلك أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه البحر, فضربه وقال: انفلق بإذن الله.
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا صفوان بن صالح , حدثنا الوليد , حدثنا محمد بن حمزة بن محمد بن يوسف عن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر قال: يا من كان قبل كل شيء, والمكون لكل شيء, والكائن بعد كل شيء, اجعل لنا مخرجاً, فأوحى الله إليه "أن اضرب بعصاك البحر". وقال قتادة : أوحى الله تلك الليلة إلى البحر أن إذا ضربك موسى بعصاه فاسمع له وأطع, فبات البحر تلك الليلة وله اضطراب, ولا يدري من أي جانب يضربه موسى, فلما انتهى إليه موسى, قال له فتاه يوشع بن نون: يا نبي الله أين أمرك ربك عز وجل ؟ قال: أمرني أن أضرب البحر, قال: فاضربه. وقال محمد بن إسحاق , أوحى الله ـ فيما ذكر لي ـ إلى البحر أن إذا ضربك موسى بعصاه فانفلق له, قال: فبات البحر يضطرب ويضرب بعضه بعضاً فرقاً من الله تعالى, وانتظاراً لما أمره الله, وأوحى الله إلى موسى "أن اضرب بعصاك البحر" فضربه بها, ففيها سلطان الله الذي أعطاه, فانفلق, ذكر غير واحد أنه جاء فكناه, فقال: انفلق علي أبا خالد بحول الله.
قال الله تعالى: "فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم" أي كالجبل الكبير, قاله ابن مسعود وابن عباس ومحمد بن كعب والضحاك وقتادة وغيرهم. وقال عطاء الخراساني : هو الفج بين الجبلين. وقال ابن عباس صار البحر اثني عشر طريقاً لكل سبط طريق, وزاد السدي : وصار فيه طاقات ينظر بعضهم إلى بعض, وقام الماء على حيلة كالحيطان. وبعث الله الريح إلى قعر البحر فلفحته, فصار يبساً كوجه الأرض, قال الله تعالى: "فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى". وقال في هذه القصة " وأزلفنا ثم الآخرين " أي هنالك. قال ابن عباس وعطاء الخراساني وقتادة والسدي "وأزلفنا" أي قربنا من البحر فرعون وجنوده, وأدنيناهم إليه " وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين " أي أنجينا موسى وبني إسرائيل ومن اتبعهم على دينهم, فلم يهلك منهم احد, وأغرق فرعون وجنوده فلم يبق منهم رجل إلا هلك.
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا شبابة , حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله هو ابن مسعود أن موسى عليه السلام حين أسرى ببني إسرائيل بلغ فرعون ذلك, فأمر بشاة فذبحت, وقال: لا والله لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط, فانطلق موسى حتى انتهى إلى البحر, فقال له: انفرق, فقال له البحر: قد استكبرت يا موسى, وهل انفرقت لأحد من ولد آدم, فأنفرق لك ؟ قال, ومع موسى رجل على حصان له, فقال له ذلك الرجل, أين أمرت يا نبي الله ؟ قال: ما أمرت إلا بهذا الوجه, قال: والله ما كذب ولا كذبت, ثم اقتحم الثانية فسبح ثم خرج, فقال: أين أمرت يا نبي الله ؟ قال: ما أمرت إلا بهذا الوجه. قال: والله ما كذب ولا كذبت, قال: فأوحى الله إلى موسى: أن اضرب بعصاك البحر, فضربه موسى بعصاه, فانفلق, فكان فيه اثنا عشر سبطاً لكل سبط طريق يتراءون, فلما خرج أصحاب موسى, وتتام أصحاب فرعون, التقى البحر عليهم فأغرقهم.
وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: فلما خرج آخر أصحاب موسى, وتكامل أصحاب فرعون, انطم عليهم البحر, فمارئي سواد أكثر من يومئذ, وغرق فرعون لعنه الله, ثم قال تعالى: " إن في ذلك لآية " أي في هذه القصة وما فيها من العجائب والنصر والتأييد لعباد الله المؤمنين, لدلالة وحجة قاطعة وحكمة بالغة " وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم " تقدم تفسيره.
68- "وإن ربك لهو العزيز الرحيم" أي المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه.
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم عن ابن مسعود في قوله: "إن هؤلاء لشرذمة قليلون" قال: ستمائة ألف وسبعون ألفاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانوا ستمائة ألف. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان أصحاب موسى الذين جازوا البحر اثني عشر سبطاً، فكان في كل طريق إثنا عشر ألفاً كلهم ولد يعقوب". وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً بسند. قال السيوطي: واه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان فرعون عدو الله حيث أغرقه الله هو وأصحابه في سبعين قائداً مع كل قائد سبعون ألفاً، وكان موسى مع سبعين ألفاً حيث عبروا البحر". وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: كان طلائع فرعون الذين بعثهم في أثرهم ستمائة ألف ليس فيها أحد إلا على بهيم.
وأقول: هذه الروايات المضطربة قد روي عن كثير من السلف ما يماثلها في الاضطراب والاختلاف، ولا يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "ومقام كريم" قال: المنابر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله: "كالطود" قال: كالجبل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن مسعود مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "وأزلفنا" قال: قربنا. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن موسى لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق فقال لبني إسرائيل: ما هذا؟ فقال له علماء بني إسرائيل: إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقاً أن لا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا، فقال لهم موسى: أيكم يدري أين قبره؟ فقالوا: ما يعلم أحد مكان قبره إلا عجوز لبني إسرائيل، فأرسل إليها موسى فقال: دلينا على قبر يوسف؟ فقالت: لا والله حتى تعطيني حكمي، قال: وما حكمك؟ قالت: أن أكون معك في الجنة، فكأنه ثقل عليه ذلك، فقيل له أعطها حكمها، فأعطاها حكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة مستنقعة ماء، فقالت لهم: انضبوا عنها الماء ففعلوا، قالت: احفروا فحفروا، فاستخرجوا قبر يوسف، فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار".
68- "وإن ربك لهو العزيز الرحيم"، العزيز في الانتقام من أعدائه، الرحيم بالمؤمنين حين أنجاهم.
68 -" وإن ربك لهو العزيز " المنتقم من أعدائه . " الرحيم " بأوليائه .
68. And lo, thy Lord! He is indeed the Mighty, the Merciful.
68 - Verily in this is a Sign: but most of them do not believe.