68 - (ربنا آتهم ضعفين من العذاب) ملتي عذابنا (والعنهم) عذبهم (لعنا كبيرا) عدده وفي قراءة بالموحدة أي عظيما
" ربنا آتهم ضعفين من العذاب " يقول: عذبهم من العذاب مثلي عذابنا الذي تعذبنا " والعنهم لعنا كبيرا " يقول: واخرهم خزياً كبيراً.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا " أي رءوسنا في الشر والشرك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا " قال: هم رءوس الأمم الذين أضلوهم، قال: سادتنا وكبراءنا واحد. وقرأت عامة قراء الأمصار " سادتنا " وروي عن الحسن البصري ( سادتنا) على الجماع. والتوحيد في ذلك هي القراءة عندنا، لإجماع الحجة من القراء عليه.
واختلفوا في قراءة قوله " لعنا كبيرا " فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار بالثاء ( كثيرا) من الكثرة، سوى عاصم، فإنه قرأه " لعنا كبيرا " من الكبر. والقراءة في ذلك عندنا بالثاء لإجماع الحجة من القراء عليها.
قوله تعالى: "ربنا آتهم ضعفين من العذاب " قال قتادة: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. وقيل: عذاب الكفر وعذاب الإضلال أي عذبهم مثلي ما تعذبنا فإنهم ضلوا وأضلوا. "والعنهم لعنا كبيرا"، قرأ ابن مسعود وأصحابه ويحيى وعاصم بالياء. الباقون بالثاء، واختاره أبو حاتم وأبو عبيد والنحاس، لقوله تعالى: " أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " (البقرة: 159،) وهذا المعنى كثير. وقال محمد بن أبي السري: رأيت في المنام كأني في مسجد عسقلان وكأن رجلا يناظرني فيمن يبغض أصحاب محمد فقال: والعنهم لعناً كثيرًا، ثم كررها حتى غاب عني، لا يقولها إلا بالثاء. وقراءة الباء ترجع في المعنى إلى الثاء لأن ما كبر كان كثيرًا عظيم المقدار.
يقول تعالى مخبراً لرسوله صلوات الله وسلامه عليه أنه لا علم له بالساعة وإن سأله الناس عن ذلك, وأرشده أن يرد علمها إلى الله عز وجل كما قال الله تعالى في سورة الأعراف وهي مكية وهذه مدنية فاستمر الحال في رد علمها إلى الذي يقيمها لكن أخبره أنها قريبة بقوله: "وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً" كما قال تعالى: "اقتربت الساعة وانشق القمر" وقال: "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" وقال: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه" ثم قال: "إن الله لعن الكافرين" أي أبعدهم من رحمته "وأعد لهم سعيراً" أي في الدار الاخرة "خالدين فيها أبداً" أي ماكثين مستمرين فلا خروج لهم منها ولا زوال لهم عنها "لا يجدون ولياً ولا نصيراً" أي وليس لهم مغيث ولا معين ينقذهم مما هم فيه ثم قال: " يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا " أي يسحبون في النار على وجوههم وتلوى وجوههم على جهنم يقولون وهم كذلك يتمنون أن لو كانوا في الدار الدنيا ممن أطاع الله وأطاع الرسول كما أخبر الله عنهم في حال العرصات بقوله: " ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا " وقال تعالى: "ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين" وهكذا أخبر عنهم في حالتهم هذه أنهم يودون أن لو كانوا أطاعوا الله وأطاعوا الرسول في الدنيا "وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا" وقال طاوس , سادتنا يعني الأشراف وكبراءنا يعني العلماء, رواه ابن أبي حاتم أي اتبعنا السادة وهم الأمراء والكبراء من المشيخة وخالفنا الرسل واعتقدنا أن عندهم شيئاً وأنهم على شيء فإذا هم ليسوا على شيء "ربنا آتهم ضعفين من العذاب" أي بكفرهم وإغوائهم إيانا "والعنهم لعناً كبيراً" قرأ بعض القراء بالباء الموحدة, وقرأ آخرون بالثاء المثلثة وهما قريبا المعنى كما في حديث عبد الله بن عمرو أن أبا بكر قال يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: "قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً, ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" أخرجاه في الصحيحين , يروى كثيراً وكبيراً وكلاهما بمعنى صحيح واستحب بعضهم أن يجمع الداعي بين اللفظين في دعائه وفي ذلك نظر, بل الأولى أن يقول هذا تارة وهذا تارة كما أن القارىء مخير بين القراءتين أيهما قرأ فحسن وليس له الجمع بينهما, والله أعلم.
وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة , حدثنا ضرار بن صرد , حدثنا علي بن هاشم عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه في تسمية من شهد مع علي رضي الله عنه الحجاج بن عمرو بن غزية وهو الذي كان يقول عند اللقاء يامعشر الأنصار أتريدون أن تقولوا لربنا إذا لقيناه "ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا* ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً " .
ثم دعوا عليهم في ذلك الموقف فقالوا: 68- "ربنا آتهم ضعفين من العذاب" أي مثل عذابنا مرتين. وقال قتادة: عذاب الدنيا والآخرة، وقيل عذاب الكفر وعذاب الإضلال "والعنهم لعناً كبيرا" قرأ الجمهور "كثيراً" بالمثلثة: أي لعناً كثير العدد عظيم القدر شديد الموقع، واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد والنحاس، وقرأ ابن مسعود وأصحابه ويحيى بن وثاب وعاصم بالباء الموحدة: أي كبيراً في نفسه شديداً عليهم ثقيل الموقع.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قال: " خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر فقال: يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين؟ قال: فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق، فدخلت وقالت: يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر كذا وكذا، فأوحى إليه ثم رفع عنه، وإن العرق في يده ما وضعه فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن". وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: كان نسا النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن لحاجتهن، وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين، فقيل ذلك للمنافقين، فقالوا: إنما نفعله بالإماء، فنزلت هذه "يا أيها النبي قل لأزواجك" الآية. وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين ويؤذيهن، فإذا قيل له قال كنت أحسبها أمة، فأمرهن الله أن يخالفن زي الإماء ويدنين عليهن من جلابيبهن تخمر وجهها إلا أحدى عينيها "ذلك أدنى أن يعرفن" يقول: ذلك أحرى أن يعرفن. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال: أمر الله نساء المؤمنات إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أم سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية "يدنين عليهن من جلابيبهن" خرج نساء الأنصار كأن رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها، هكذا في الزوائد بلفظ من السكينة، وليس لها معنى، فإن المراد تشبيه الأكسية السود بالغربان، لا أن المراد وصفهن بالسكينة كما يقال: كأن على رؤوسهم الطير. وأخرج ابن مردويه وعن عائشة قالت: رحم الله نساء الأنصار لما نزلت "يا أيها النبي قل لأزواجك" الآية شققن مروطهن، فاعجرن بها وصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسهن الغربان. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن، وإدناء الجلباب أن تقنع وتشده على جبينها. وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب في قوله: "لئن لم ينته المنافقون" يعني المنافقين بأعيانهم "والذين في قلوبهم مرض" شك: يعني المنافقين أيضاً. وأخرج ابن سعد أيضاً عن عبيد بن جبير قال: "الذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة" هم المنافقون جميعاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "لنغرينك بهم" قال: لنسلطنك عليهم.
68- "ربنا آتهم ضعفين من العذاب"، أي: ضعفي عذاب غيرهم، "والعنهم لعناً كبيراً"، قرأ عاصم: كبيراً بالباء. قال الكلبي: أي: عذاباً كثيراً، وقرأ الآخرون بالثاء لقوله تعالى: "أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" (البقرة-161)، وهذا يشهد للكثرة، أي: مرة بعد مرة.
68 -" ربنا آتهم ضعفين من العذاب " مثلي ما آتيتنا منه لأنهم ضلوا وأضلوا . " والعنهم لعنا كبيرا " كثير العدد ، وقرأ عاصم بالباء أي لعناً هو أشد اللعن وأعظمه .
68. Our Lord! Oh, give them double torment and curse them with a mighty curse.
68 - Our Lord Give them double Penalty and curse them with a very great Curse