69 - (ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي) ادخلي (سبل ربك) طرقه من طلب المرعى (ذللا) جمع ذلول حال من السبل أي مسخرة لك فلا تعسر عليك وإن توعرت ولا تضلي عن العود منها وإن بعدت وقيل من الضمير في اسلكي أي منقادة لما يراد منك (يخرج من بطونها شراب) هو العسل (مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) من الأوجاع قيل لبعضها كمادل عليه هتنكير شفاء أو لكلها بضميمته إلى غيره أقول وبدونها بنيته وقد أمر به صلى الله عليه وسلم من استطلق عليه بطنه رواه الشيخان (إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) في صنعه تعالى
يقول تعالى ذكره : ثم كلي أيتها النحل من الثمرات "فاسلكي سبل ربك" يقول :فاسلكي طرق ربك "ذللا" يقول : مذللة لك ، والذلل : جمع ذلول .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال :حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، عن ورقاء ،عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : "فاسلكي سبل ربك ذللا" قال : لا يتوعر عليها مكان سلكته .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ،عن مجاهد : "فاسلكي سبل ربك ذللا" قال : طرقاً ذللاً ، قال : لا يتوعر عليها مكان سلكته . وعلى هذا التأويل الذي تأوله مجاهد ، الذلل من نعت السبل .
والتأويل على قوله : "فاسلكي سبل ربك ذللا" الذلل لك : لا يتوعر عليك سبيل سلكتيه ، ثم أسقطت الألف واللام فنصب على الحال .
وقال آخرون في ذلك بما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله "فاسلكي سبل ربك ذللا" : أي مطيعة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله "فاسلكي سبل ربك ذللا" قال : الذلول : الذي يقاد ويذهب به حيث أراد صاحبه ، قال : فهم يخرجون بالنحل ينتجعون بها ويذهبون ، وهي تتبعهم . وقرأ ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم ) ... الآية ، فعلى هذا القول ، الذلل من نعت النحل ، وكلا القولين غير بعيد من الصواب في الصحة وجهان مخرجان ،غير أنا اخترنا أن يكون نعتاً للسبل لأنها إليها أقرب .
وقوله "يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه" يقول تعالى ذكره : يخرج من بطون النحل شراب ، وهو العسل ، مختلف ألوانه ، لأن فيها أبيض وأحمر وأسحر ، وغير ذلك من الألوان .
قال أبو جعفر : أسحر : ألوان مختلفة مثل ابيض يضرب إلى الحمرة .
وقوله "فيه شفاء للناس" اختلف أهل التأويل فيما عادت عليه الهاء التي في قوله "فيه" ، فقال بعضهم : عادت على القرآن ،وهو المراد بها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا نصر بن عبد الرحمن ،قال : حدثنا المحاربي ، عن ليث ، عن مجاهد : "فيه شفاء للناس" قال : في القرآن شفاء .
وقال آخرون : بل أريد بها العسل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله "يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس" ففيه شفاء كما قال الله تعالى من الأدواء . وقد كان ينهى عن تفريق النحل ، وعن قتلها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر أن أخاه اشتكى بطنه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اذهب فاسق أخاك عسلاً ، ثم جاءه فقال : ما زاده إلا شدة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اذهب فاسق أخاك عسلاً ، فقد صدق الله وكذب بطن أخيك . فسقاه ، فكأنما نشط من عقال" .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتاد : "يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس" قال :جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه .
حدثنا ابن وكيع ، قال :حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ،عن عبد الله ، قال : شفاءان : العسل شفاء من كل داء ، والقرآن شفاء لما في الصدرو .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "فيه شفاء للناس" العسل .
وهذا القول : أعني قول قتادة أولى بتأويل الآية ، لأن قوله "فيه" في سياق الخبر عن العسل فأن تكون الهاء من ذكر العسل ، إذ كانت في سياق الخبر عنه أولى من غيره .
وقوله "إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون" يقول تعالى ذكره : إن في إخراج الله من بطون هذه النحل : الشراب المختلف ، الذي هو شفاء للناس ،لدلالة وحجة واضحة على من سخر النحل وهداها لأكل الثمرات التي تأكل ، واتخاذها البيوت التي تنحت من الجبال والشجر والعروش ، وأخرج من بطونها ما أخرج من الشفاء للناس ، أنه الواحد الذي ليس كمثله شيء ، وأنه لا ينبغي أن يكون له شريك ، ولا تصح الألوهة إلا له .
قوله تعالى: " ثم كلي من كل الثمرات " وذلك أنها إنما تأكل النوار من الأشجار. " فاسلكي سبل ربك ذللا " أي طرق ربك. والسبل: الطرق، وأضافها إليه لأنه خالقها. أي ادخلي طرق ربك لطلب الرزق في الجبال وخلال الشجر. " ذللا " جمع ذلول وهو المنقاد، أي مطيعة مسخرة. فـ ( ذللا) حال من النحل. أي تنقاد وتذهب حيث شاء صاحبها، لأنها تتبع أصحابها حيث ذهبوا، قاله ابن زيد. وقيل: المراد بقوله ( ذللا) السبل. يقول: مذلل طرقها سهلة للسلوك عليها، واختاره الطبري ، و ( ذللا) حال من السبل. واليعسوب سيد النحل، إذا وقف وقفت وإذا سار سارت.
قوله تعالى: " يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس " فيه تسع مسائل:
الأولى - قوله تعالى: " يخرج من بطونها " رجع الخطاب إلى الخبر على جهة تعديد النعمة والتنبيه على العبرة فقال: " يخرج من بطونها شراب " يعني العسل. وجمهور الناس على أن العسل يخرج من أفواه النحل، وورد عن علي بين أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في تحقيره للدنيا: أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة، وأشرب شرابه رجيع نحلة. فظاهر هذا أنه من غير الفم. وبالجملة فإنه يخرج ولا يدري من فيها أو أسفلها، ولكن لا يتم صلاحه إلا بحمى أنفاسها. وقد صنع أرسطاطاليس بيتاً من زجاج لينظر إلى كيفية ما تصنع، فأبت أن تعمل حتى لطخت باطن الزجاج بالطين، ذكره الغزنوي . وقال: ( من بطونها) لأن استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطن.
الثانية - قوله تعالى: " مختلف ألوانه " يريد أنواعه من الأحمر والأبيض والأصفر والجامد والسائل، والأم واحدة والأولاد مختلفون دليل على أن القدرة نوعته بحسب تنويع الغذاء، كما يختلف طعمه بحسب اختلاف المراعي، ومن هذا المعنى قول زينب للنبي صلى الله عليه وسلم:
جرست نحله العرفط حين شبهت رائحته برائحة المغافير .
الثالثة : قوله تعالى " فيه شفاء للناس " الضمير للعسل قاله الجمهور أي في العسل شفاء للناس وروي عن ابن عباس والحسن ومجاهد والضحاك والفراء وابن كيسان : الضمير للقرآن أي في القرآن شفاء . النحاس: وهذا قول حسن أو فيما قصصنا عليكم من الآيات والبراهين شفاء للناس وقيل العسل فيه شفاء وهذا القول بين أيضا ، لأن أكثر الأشربة والمعجونات التي يعالج بها أصلها من العسل . قال القاضي أبو بكر بن العربي من قال إنه القرآن بعيد ما أراه يصح عنهم ، ولو صح نقلا لم يصح عقلا فإن مساق الكلام كله للعسل ليس للقرآن فيه ذكر ، قال ابن عطية وذهب قوم من أهل الجهالة إلى أن هذه الآية يراد بها أهل البيت وبنو هاشم ، وأنهم النحل ، وأن الشراب القرآن والحكمة ، وقد ذكر هذا بعضهم في مجلس المنصور أبي جعفر العباسي فقال له رجل ممن حضر : جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج في بطون بني هاشم فأضحك الحاضرين وبهت الآخر وظهرت سخافة قوله .
الرابعة : اختلف العلماء في قوله تعالى " فيه شفاء للناس " هل هو على عمومه أم لا فقالت طائفة هو على العموم في كل حال ولكل أحد ، فروي عن ابن عمر أنه كان لا يشكو قرحة ولا شيئا إلا جعل عليه عسلا ، حتى الدمل إذا خرج عليه طلى علهي عسلا وحكى النقاش عن أبي وجرة أنه كان يكتحل بالعسل ويستمشي بالعسل ويتداوى بالعسل وروي أن عوف بن مالك الأشجعي مرض فقيل له :ألا نعالجك فقال ائتوني بالماء فإن الله تعالى يقول " ونزلنا من السماء ماء مباركا " ثم قال : ائتوني بعسل فإن الله تعالى يقول " فيه شفاء للناس " وائتوني بزيت ، فإن الله تعالى يقول " من شجرة مباركة " فجاءوه بذلك كله فخلطه جميعا ثم شربه فبرئ ومنهم من قال إنه على العموم غذا خلط بالخل ويطبخ فيأتي شربا ينتفع به في كل حالة من كل داء . وقالت طائفة إن ذلك على الخصوص ولا يقتضي العموم في كل علة وفي كل إنسان بل إنه خبر عن أنه يشفي كما يشفي غيره من الأدوية في بعض وعلى حال دون حال ففائدة الآية إخبار منه في أنه دواء لما كثر الشفاء به وصار خليطا ومعينا للأدوية في الأشربة والمعاجين ، وليس هذا بأول لفظ خصص فالقرآن مملوء منه ولغة العرب يأتي فيها العام كثير ابمعنى الخاص والخاص بمعنى العام ومما يدل على أنه ليس على العموم أن شفاء نكرة في سياق الإثبات ولا عموم فيها باتفاق أهل اللسان ومحققي أهل العلم ومختلفي أهل الأصول . لكن قد حملته طائفة من أهل الصدق والعزم على العموم ، فكانوا يستشفون بالعسل من كل الأوجاع والأمراض ، وكانوا يشفون من عللهم ببركة القرآن وبصحة التصديق والإيقان ابن العربي : ومن ضعفت نيته وغلبته على الدين عادته أخذه مفهوما على قول الأطباء والكل من حكم الفعال لما يشاء .
الخامسة : إن قال قائل : قد رأينا من ينفعه العسل ومن يضره فيكف يكون شفاء للناس ؟ قيل له الماء حياة كل شيء وقد رأينا من يقتله الماء إذا أخذه على ما يضاده من علة في البدن ، وقد رأينا شفاء العسل في أكثر هذه الأشربة ، قال معناه الزجاج وقد اتفق الأطباء عن بكرة أبيهم على مدح عموم منفعة السكنجبين في كل مرض ، وأصله العسل وكذلك سائر المعجونات على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حسم داء الإشكال وأزاح وجه الاحتمال حين أمر الذي يشتكي بطنه بشرب العسل . فلما أخبره أخوه بأنه لم يزده إلا استطلاقا أمره بعود الشراب له فبرئ وقال :
(صدق الله وكذب بطن أخيك )
السادسة : اعترض بعض زنادقة الأطباء على هذا الحديث فقال : قد أجمعت الأطباء على أن العسل يسهل فكيف يوصف لمن به الإسهال ، فالجواب أن ذلك القول حتى في نفسه لما حصل له التصديق بنبيه عليه السلام ، فيستعمله على الوجه الذي وفي المحل الذي أمره بعقد نية وحسن طوية فإنه يرى منفعته ويدرك بركته كما قد اتفق لصاحب هذا العسل وغيره كما تقدم وأما ما حكي من الإجماع فدليل على جهله بالنقل حيث لم يقيد وأطلق . قال الإمام أبو عبد الله المازري ينبغي أن يعلم أن الإسهال يعرض من ضروب كثيرة منها الإسهال الحادث عن التخم والهيضات والأطباء مجمعون في مثل هذا على أن علاجه بأن يترك للطبيعة وفعلها ، وإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت ما دامت القوة باقية ، فأما حبسها فضرر ، فإذا وضح فإذا وضح هذا قلنا فيمكن أن يكون ذلك الرجل أصابه الإسهال عن امتلاء وهيضة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بشرب العسل فزاده إلى أن فنيت المادة فوقف الإسهال فوافقه شرب العسل . فإذا خرج هذا عن صناعة الطب أذن ذلك بجهل المعترض بتلك الصناعة . قال : ولسنا نستظهر على قول نبينا بأن يصدقه الأطباء بل لو كذبوه لكذبناهم ولكفرناهم وصدقناه صلى الله عليه وسلم فإن أوجدنا بالمشاهدة صحة ما قالوه فتفتقر حينئذ إلى تأويل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخريجه على ما يصح إذ قامت الدلالة على أنه لا يكذب .
السابعة : في قوله تعالى " فيه شفاء للناس " دليل على جواز التعالج بشرب الدواء وغير ذلك خلافا لمن كره ذلك من جلة العلماء وهو يرد على الصوفية الذين يزعمون أن الولاية لا تتم إلا إذا رضي بجميع ما نزل به من البلاء ولا يجوز له مداواة ولا معنى لمن أنكر ذلك روى الصحيح "عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله " و"روى أبو داود والترمذيعن أسامة بن شريك قال : قالت الأعراب : ألا نتداوى يا رسول الله ؟ قال نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا قالوا يا رسول الله وما هو ؟ قال الهرم" لفظ الترمذي وقال حديث حسن صحيح و"روي عن أبي خزامة عن أبيه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا قال هي من قدر الله "قال حديث حسن ولا يعرف لأبي خزامة غير هذا الحديث و"قال صلى الله عليه وسلم : إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار وما أحب أن أكتوي " أخرجه الصحيح والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصى . وعلى إباحة التداوي والاسترقاء جمهور العلماء . روي أن ابن عمر اكتوى من اللقوة ورقى من العقرب و"عن ابن سيرين أن ابن عمر كان يسقي ولده الترياق " وقال مالك : لا بأس بذلك وقد احتج من كره ذلك بما رواه أبو هريرة قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دخلت أمة بقضها وقضيضها الجنة كانوا لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون "قالوا فالواجب على المؤمن أن يترك ذلك اعتصاما بالله وتوكلا عليه وثقة به وانقطاعا إليه ، فإن الله تعالى قد علم أيام المرض وأيام الصحة فلو حرص الخلق على تقليل ذلك أو زيادته ما قدروا قال الله تعالى " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها " وممن ذهب إلى هذا جماعة من أهل الفضل والأثر وهو قول ابن مسعود وأبي الدرداء رضوان الله عليهما دخل عثمان بن عفان على ابن مسعود في مرضه الذي قبض فيه فقال له عثمان : ما تشتكي قال ذنوبي قال فما تشتهي ؟ قال رحمة ربي . قال : ألا أدعو لك طبيبا ؟ قال الطبيب أمرضني وذكر الحديث وسيأتي بكماله في فضل الواقعة إن شاء الله تعالى وذكر وكيع قال : حدثنا أبو هلال عن معاوية بن قرة قال مرض أبو الدرداء فعادوه وقالوا ألا ندعو لك طبيبا ؟ قال الطبيب أضجعني وإلى هذا ذهب الربيع بن خيثم وكره سعيد بن جبير الرقى . وكان الحسن يكره شرب الأدوية كلها إلا اللبن والعسل . وأجاب الأولون عن الحديث بأنه لا حجة فيه ، لأنه يحتمل أن يكون قصد إلى نوع من الكي مكروه بدليل كي النبي صلى الله عليه وسلم أبيا يوم الأحزاب على أحكله لما رمي قال : (الشفاء في ثلاثة ) كما تقدم . ويحتمل أن يكون قصد إلى الرقى بما ليس في كتاب الله وقد قال سبحانه وتعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء " على ما يأتي بيانه ورقى أصحابه وأمرهم بالرقية على ما يأتي بيانه .
الثامنة : ذهب مالك وجماعة أصحابه إلى أن لا زكاة في العسل وإن كان مطعوما مقتاتا . واختلف فيه قول الشافعي والذي قطع به في قوله الجديدأنه لا زكاة فيه . وقال أبو حنيفة بوجوب زكاة العسل في قليله وكثيره لأن النصاب عنده فيه ليس بشرط . وقال محمد بن الحسن لا شيء فيه حتى يبلغ ثمانية أفراق والفرق ستة وثلاثون رطلا من أرطال العراق . وقال أبو يوسف في كل عشرة أزقاق زق ، متمسكا بما رواه الترمذي "عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في العسل في كل عشرة أزقاق زق " قال أبو عيسى في إسناده مقال ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول أحمدوإسحاق وقال بعض أهل العلم ليس في العسل شيء .
التاسعة : قوله تعالى " إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون " أي يعتبرون ومن العبرة في النحل بإنصاف النظر وإلطاف الفكر في عجيب أمرها فيشهد اليقين بأن ملهمها الصنعة اللطيفة مع البنية الضعيفة وحذقها باحتيالها في تفاوت أحوالها هوالله سبحانه وتعالى كما قال " وأوحى ربك إلى النحل " ثم إنها تأكل الحامض والمر والحلو والمالح والحشائش الضارة ، فيجعله الله تعالى عسلا حلوا وشفاء وفي هذا دليل على قدرته .
المراد بالوحي هنا الإلهام والهداية, والإرشاد للنحل أن تتخذ من الجبال بيوتاً تأوي إليها, ومن الشجر ومما يعرشون, ثم هي محكمة في غاية الإتقان في تسديسها ورصها بحيث لا يكون في بيتها خلل, ثم أذن لها تعالى إذناً قدرياً تسخيرياً أن تأكل من كل الثمرات, وأن تسلك الطرق التي جعلها الله تعالى مذللة لها, أي مسهلة عليها حيث شاءت من هذا الجو العظيم, والبراري الشاسعة, والأودية والجبال الشاهقة, ثم تعود كل واحدة منها إلى بيتها لا تحيد عنه يمنة ولا يسرة, بل إلى بيتها وما لها فيه من فراخ وعسل, فتبني الشمع من أجنحتها وتقيء العسل من فيها, وتبيض الفراخ من دبرها, ثم تصبح إلى مراعيها.
وقال قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: "فاسلكي سبل ربك ذللاً" أي مطيعة, فجعلاه حالاً من السالكة, قال ابن زيد: وهو كقول الله تعالى: "وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون" قال: ألا ترى أنهم ينقلون النحل ببيوته من بلد إلى بلد وهو يصحبهم, والقول الأول هو الأظهر, وهو أنه حال من الطريق, أي فاسلكيها مذللة لك, نص عليه مجاهد, وقال ابن جرير: كلا القولين صحيح. وقد قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا شيبان بن فروخ, حدثنا مكين بن عبد العزيز عن أبيه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمر الذباب أربعون يوماً, والذباب كله في النار إلا النحل".
وقوله تعالى: "يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس" ما بين أبيض وأصفر وأحمر وغير ذلك من الألوان الحسنة على اختلاف مراعيها ومأكلها منها. وقوله: "فيه شفاء للناس" أي في العسل شفاء للناس, أي من أدواء تعرض لهم, قال بعض من تكلم على الطب النبوي: لو قال فيه الشفاء للناس, لكان دواء لكل داء, ولكن قال فيه شفاء للناس, أي يصلح لكل أحد من أدواء باردة, فإنه حار والشيء يداوى بضده.
وقال مجاهد وابن جرير في قوله: "فيه شفاء للناس" يعني القرآن, وهذا قول صحيح في نفسه, ولكن ليس هو الظاهر ههنا من سياق الاية, فإن الاية إنما ذكر فيها العسل ولم يتابع مجاهد على قوله ههنا, وإنما الذي قاله ذكروه في قوله تعالى: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين" وقوله تعالى: "يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين" والدليل على أن المراد بقوله تعالى: "فيه شفاء للناس" هو العسل, الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من رواية قتادة عن أبي المتوكل علي بن داود الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه, فقال "اسقه عسلاً" فذهب فسقاه عسلاً, ثم جاء فقال: يارسول الله سقيته عسلاً, فما زاده إلا استطلاقا, قال: "اذهب فاسقه عسلاً" فذهب فسقاه عسلاً, ثم جاء فقال: يارسول الله, ما زاده إلا استطلاقا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق الله وكذب بطن أخيك, اذهب فاسقه عسلاً" فذهب فسقاه عسلاً فبرىء. قال بعض العلماء بالطب: كان هذا الرجل عنده فضلات, فلما سقاه عسلاً وهو حار تحللت, فأسرعت في الاندفاع فزاده إسهالاً, فاعتقد الأعرابي أن هذا يضره وهو مصلحة لأخيه, ثم سقاه فازداد التحليل والدفع, ثم سقاه فكذلك, فلما اندفعت الفضلات الفاسده المضرة بالبدن, استمسك بطنه, وصلح مزاجه, واندفعت الأسقام والالام ببركة إشارته, عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.
وفي الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الحلواء والعسل, هذا لفظ البخاري: وفي صحيح البخاري من حديث سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم, أو شربة عسل, أو كية بنار, وأنهى أمتي عن الكي".
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم, حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل عن عاصم بن عمر بن قتادة, سمعت جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن كان في شيء من أدويتكم, أو يكون في شيء من أدويتكم خير: ففي شرطة محجم, أو شربة عسل, أو لذعة بنار توافق الداء, وما أحب أن أكتوي" ورواه مسلم من حديث عاصم بن عمر بن قتادة عن جابر به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق, أنبأنا عبد الله أنبأنا سعيد بن أبي أيوب, حدثنا عبد الله بن الوليد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث إن كان في شيء شفاء: فشرطة محجم, أو شربة عسل, أو كية تصيب ألماً, وأنا أكره الكي ولا أحبه" ورواه الطبراني عن هارون بن سلول المصري عن أبي عبد الرحمن المقري, عن عبد الله بن الوليد به, ولفظه "إن كان في شيء شفاء: فشرطة محجم" وذكره, وهذا إسناد صحيح, ولم يخرجوه. وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني في سننه: حدثنا علي بن سلمة هو التغلبي, حدثنا زيد بن حباب, حدثنا سفيان عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص عن عبد الله هو ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن" وهذا إسناد جيد تفرد بإخراجه ابن ماجه مرفوعا, وقد رواه ابن جرير عن سفيان بن وكيع عن أبيه عن سفيان هو الثوري به موقوفا وله شبه.
وروينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إذا أراد أحدكم الشفاء فليكتب آية من كتاب الله في صحيفة, وليغسلها بماء السماء, وليأخذ من امرأته درهماً عن طيب نفس منها, فليشتر به عسلاً فليشربه بذلك فإنه شفاء: أي من وجوه, وقال الله تعالى: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين" وقال: " ونزلنا من السماء ماء مباركا " وقال: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً" وقال في العسل: "فيه شفاء للناس".
وقال ابن ماجه أيضاً: حدثنا محمود بن خداش حدثنا سعيد بن زكريا القرشي, حدثنا الزبير بن سعيد الهاشمي عن عبد الحميد بن سالم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله "من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر, لم يصبه عظيم من البلاء" الزبير بن سعيد متروك. وقال ابن ماجه أيضاً: حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف بن سرح الفريابي, حدثنا عمرو بن بكير السكسكي, حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة سمعت أبا أبي بن أم حرام وكان قد صلى القبلتين, يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم بالسنا والسنوت, فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام" قيل: يارسول الله وما السام ؟ قال "الموت" قال عمرو: قال ابن أبي عبلة: السنوت الشبت. وقال آخرون: بل هو العسل الذي في زقاق السمن, وهو قول الشاعر:
هم السمن بالسنوت لا لبس فيهم وهم يمنعون الجار أن يقردا
كذا رواه ابن ماجه, وقوله: لا لبس فيهم أي لا خلط. وقوله: يمنعون الجار أن يقردا, أي يضطهد ويظلم, وقوله: " إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون " أي إن في إلهام الله لهذه الدواب الضعيفة الخلقة إلى السلوك في هذه المهامه والاجتناء من سائر الثمار, ثم جمعها للشمع والعسل وهو من أطيب الأشياء, لاية لقوم يتفكرون في عظمة خالقها ومقدرها ومسخرها وميسرها, فيستدلون بذلك على أنه الفاعل القادر الحكيم العليم الكريم الرحيم.
69- "ثم كلي من كل الثمرات" من للتبعيض لأنها تأكل النور من الأشجار فإذا أكلتها "فاسلكي سبل ربك" أي الطرق التي فهمك الله وعلمك، وأضافها إلى الرب لأنه خالقها وملهم النحل أن تسلكها: أي ادخلي طرق ربك لطلب الرزق في الجبال وخلال الشجر، أو اسلكي ما أكلت في سبل ربك: أي في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور عسلاً أو إذا أكلت الثمار في الأمكنة البعيدة فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل ربك لا تضلين فيها، وانتصاب "ذللاً" على الحال من السبل، وهي جمع ذلول: أي مذللة غير متوعرة، واختار هذا الزجاج وابن جرير، وقيل حال من النحل: يعني: مطيعة للتسخير وإخراج العسل من بطونها، واختار هذا ابن قتيبة، وجملة "يخرج من بطونها" مستأنفة عدل به عن خطاب النحل، تعديداً للنعم، وتعجيباً لكل سامع، وتنبيهاً على الغير، وإرشاداً إلى الآيات العظيمة الحاصلة من هذا الحيوان الشبيه بالذباب، والمراد "شراب" في الآية هو العسل، ومعنى "مختلف ألوانه" أن بعضه أبيض وبعضه أحمر وبعضه أزرق وبعضه أصفر باختلاف ذوات النحل وألوانها ومأكولاتها. وجمهور المفسرين على أن العسل يخرج من أفواه النحل، وقيل من أسفلها، وقيل لا يدري من أين يخرج منها، والضمير في قوله: "فيه شفاء للناس" راجع إلى الشراب الخارج من بطون النحل وهو العسل، وإلى هذا ذهب الجمهور. وقال الفراء وابن كيسان وجماعة من السلف: إن الضمير راجع إلى القرآن، ويكون التقدير فيما قصصنا عليكم من الآيات والبراهين شفاءً للناس، ولا وجه للعدول عن الظاهر ومخالفة المرجع الواضح والسياق البين.
وقد اختلف أهل العلم هل هذا الشفاء الذي جعله الله في العسل عام لكل داء أو خاص ببعض الأمراض، فقالت طائفة: هو على العموم، وقالت طائفة: إن ذلك خاص ببعض الأمراض، ويدل على هذا أن العسل نكرة في سياق الإثبات فلا يكون عاماً، وتنكيره إن أريد به التعظيم لا يدل إلا على أن فيه شفاءً عظيماً لمرض أو أمراض، لا لكل مرض، فإن تنكير التعظيم لا يفيد العموم، والظاهر المستفاد من التجربة ومن قوانين علم الطب، أنه إذا استعمل منفرداً كان دواءً لأمراض خاصة وإن خلط مع غيره كالمعاجين ونحوها كان مع ما خلط به دواء لكثير من الأمراض. وبالجملة فهو من أعظم الأغذية وأنفع الأدوية، وقليلاً ما يجتمع هذان الأمران في غيره "إن في ذلك" المذكور من أمر النحل "لآية لقوم يتفكرون" أي يعملون أفكارهم عند النظر في صنع الله سبحانه وعجائب مخلوقاته فإن أمر النحل من أعجبها وأغربها وأدقها وأحكمها.
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والحاكم وصححه والبيهقي في سننه وابن مردويه عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: "تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً" قال: السكر ما حرم من ثمرتهما، والرزق الحسن ما حل. وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه قال: السكر الحرام، والرزق الحسن زبيبه وخله وعنبه ومنافعه. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: السكر النبيذ، والرزق الحسن الزبيب، فنسختها هذه الآية "إنما الخمر والميسر". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عنه أيضاً في الآية قال: فحرم الله بعد ذلك السكر منع تحريم الخمر لأنه منه، ثم قال: "ورزقاً حسناً" فهو الحلال من الخل والزبيب والنبيذ وأشباه ذلك، فأقره الله وجعله حلالاً للمسلمين. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه سئل عن السكر، فقال: الخمر بعينها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود قال: السكر خمر. وأخرد ابن أبي حاتم عن ابن عباس "وأوحى ربك إلى النحل" قال: ألهمها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "فاسلكي سبل ربك ذللاً" قال: طرقاً لا يتوعر عليها مكان سلكته. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ذللاً قال: مطيعة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: ذليلة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "يخرج من بطونها شراب" قال: العسل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: هو العسل فيه الشفاء وفي القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن مسعود قال: إن العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود قال: عليكم بالشفاءين العسل والقرآن. وأخرج ابن ماجه والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب وابن السني وأبو نعيم والخطيب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عليكم بالشفاءين العسل والقرآن". وقد وردت أحاديث في كون العسل شفاء: منها ما أخرجه البخاري من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشفاء في ثلاثة في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وأنا أنهى أمتي عن الكي". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي سعيد "أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أخي استطلق بطنه، فقال: اسقه عسلاً فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: سقيته عسلاً فما زاده إلا استطلاقاً، قال: اذهب فاسقه عسلاً فذهب فسقاه، ثم جاء فقال: ما زاده إلا استطلاقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذب بطن أخيك اذهب فاسقه عسلاً فذهب فسقاه عسلاً فبرأ".
69 - " ثم كلي من كل الثمرات " ، ليس معنى الكل العموم ، وهو كقوله تعالى : " وأوتيت من كل شيء " ( النمل - 23 ) .
" فاسلكي سبل ربك ذللاً " . قيل : هي نعت الطرق ، يقول : هي مذللة للنحل سهلة المسالك .
قال مجاهد : لا يتوعر عليها مكان سلكته .
وقال آخرون : الذلل نعت النحل ، أي : مطيعة منقادة بالتسخير . يقال : إن أربابها ينقلونها من مكان إلى مكان ولها يعسوب إذا وقف وقفت وإذا سار سارت .
" يخرج من بطونها شراب " ، يعني : العسل " مختلف ألوانه " ، أبيض وأحمر وأصفر . " فيه شفاء للناس " ، أي : في العسل . وقال مجاهد : أي في القرآن ، والأول أولى .
أنبأنا إسماعيل بن عبد القاهر ، حدثنا عبد الغافر بن محمد ، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن مثنى ، أخبرنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أبي المتوكل ، عن أبي سعيد الخدري قال :" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اسقه عسلاً ، فسقاه ثم جاء فقال : إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له ثلاث مرات ، ثم جاء الرابعة فقال : اسقه عسلاً ، قال : قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق الله وكذب بطن أخيك ، فسقاه فبرأ ".
قال ابن مسعود : العسل شفاء من كل داء ، والقرآن شفاء لما في الصدور .
وروي عنه أنه قال : عليكم بالشفاءين القرآن والعسل .
" إن في ذلك لآيةً لقوم يتفكرون " ، فيعتبرون .
69."ثم كلي من كل الثمرات"من كل ثمرة تشتهينها مرها وحلوها. " فاسلكي"ما أكلت."سبل ربك "في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلاً من أجوافك ، أو "فاسلكي"الطرق التي ألهمك في عمل العسل ، أو فاسلكي راجعة إلى بيوتك "سبل ربك"لا تتوعر عليك . ولا تلتبس ."ذللاً"جمع ذلول وهي حال من السبل . أي مذللة ذللها الله تعالى وسهلها لك ، أو من الضمير في اسلكن أي وأنت ذلل منقادة لما أمرت به."يخرج من بطونها"كأنه عدل به عن خطاب النحل إلى خطاب الناس، لأنه محل الإنعام عليهم والمقصود من خلق النحل وإلهامه لأجلهم."شراب"يعني العسل لأنه مما يشرب، واحتج به من زعم أن النحل تأكل الأزهار والأوراق العطرة فتستحيل في بطنها عسلاً ، ثم تفئ ادخاراً للشتاء ، ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها أجزاء طلية حلوة صغيرة متفرقة على الأوراق والأزهار ، وتضعها في بيوتها ادخاراً فإذا اجتمع في بيوتها شيء كثير منها كان العسل فسر البطون بالأفواه. "مختلف ألوانه"أبيض وأصفر وأحمر وأسود بحسب اختلاف سن النحل والفصل . "فيه شفاء للناس"إما بنفسه كما في الأمراض البلغمية ، أو مع غيره كما في سائر الأمراض ، إذ قلما يكون معجون إلا والعسل جزء منه، مع أن التنكير فيه مشعر يكون بالتبعيض،ويجوز أن يكون للتعظيم .وعن قتادة "أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي يشتكي بطنه فقال :اسقه العسل، فذهب ثم رجع فقال:قد سقيته فما نفع فقال: اذهب وسقه عسلاً فقد صدق الله وكذب بطن أخيك.فسقاه فشفاه الله تعالى فبرأ فكأنما أنشط من عقال". وقيل الضمير للقرآن أو لما بين الله من أحوال النحل ."إن في ذلك لآيةً لقوم يتفكرون"فإن من تدبر اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة والأفعال العجيبة حق التدبر علم قطعاً أنه لا بد له من خالق قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها عليه .
69. Then eat of all fruits, and follow the ways of thy Lord, made smooth (for thee). There cometh forth from their bellies a drink diverse of hues, wherein is healing for mankind. Lo! herein is indeed a portent for people who reflect.
69 - Then to eat of all the produce (of the earth), and find with skill the spacious paths of its Lord: there issues from within their bodies a drink of varying colours, wherein is healing for men: verily in this is a sign for those who give thought.