69 - (ثم لننزعن من كل شيعة) فرقة منهم (أيهم أشد على الرحمن عتيا) جراءة
يقول تعالى ذكره ، ثم لنأخذن من كل جماعة منهم أشدهم على الله عتواً وتمرداً فلنبدأن بهم .
وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص "ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا" قال : نبدأ بالأكابر فالأكابر جرماً.
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس، قوله : "ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا" يقول : أيهم أشد للرحمن معصية، وهي معصيته في الشرك.
حدثني علي، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ، قوله : "أيهم أشد على الرحمن عتيا" يقول : عصياً.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم، قال : ثنا عيسى. وحدثني الحارث، قال : ثنا الحسن، قال : ثنا ورقاء، جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله : "من كل شيعة" قال : أمة وقوله "عتيا" قال : كفراً.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين، قال : ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله ، وزاد فيه ابن جريج: فلنبدأن بهم.
قال أبو جعفر: والشيعة هم الجماعة المتعاونون على الأمر من الأمور. يقال من ذلك : تشايع القوم : إذا تعاونوا، ومنه قولهم للرجل الشجاع : إنه لمشيع : أي معان ، فمعنى الكلام : ثم لننزعن من كل جماعة تشايعت على الكفر بالله ، أشدهم على الله عتوا، فلنبدأن بإصلائه جهنم . والتشايع في غير هذا الموضع : التفرق ؟ ومنه قول الله عز ذكره : "وكانوا شيعا" يعني : فرقاً، ومنه قول ابن مسعود أو سعد : إني أكره أن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول : شيعهت بين أمتي . بمعنى : فرقت.
قوله تعالى: " ثم لننزعن من كل شيعة " أي لنستخرجن من كل أمة وأهل دين " أيهم أشد على الرحمن عتيا " النحاس : وهذه الآية مشكلة في الإعراب، لأن القراء كلهم يقرؤون " أيهم " بالرفع إلا هارون القارىء الأعور فإن سيبويه حكى عنه: " ثم لننزعن من كل شيعة أيهم " بالنصب أوقع على أيهم لننزعن. قال أبو إسحاق في رفع " أيهم " ثلاثة أقوال، قال الخليل بن أحمد حكاه عنه سيبويه: إنه مرفوع على الحكاية، والمعنى: ثم لننزعن من كل شيعة الذي يقال من أجل عتوه أيهم أشد على الرحمن عتيا، وأنشد الخليل، فقال:
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم
أي فأبيت بمنزلة الذي يقال له لا هو حرج ولا محروم. وقال أبو جعفر النحاس: ورأيت أبا إسحاق يختار هذا القول ويستحسنه، قال: لأنه معنى قول أهل التفسير. وزعم أن ما " ثم لننزعن من كل شيعة " ثم لننزعن من كل فرقة الأعتى فالأعتى. كأنه يبتدأ بالتعذيب بأشدهم عتيا ثم الذي يليه، وهذا نص كلام أبي إسحاق في معنى الآية. وقال يونس: " لننزعن " بمنزلة الأفعال التي تلغى ورفع " أيهم " على الابتداء. المهدوي : والفعل الذي هو " لننزعن " عند يونس معلق، قال أبو علي: معنى ذلك أنه يعمل في موضع " أيهم أشد " لا أنه ملغى. ولا يعلق عند الخليل وسيبويه مثل " لننزعن "، إنما يعلق بأفعال الشك وشبهها ما لم يتحقق وقوعه. وقال سيبويه: " أيهم " مبني على الضم لأنها خالفت أخواتها في الحذف، لأنك لو قلت: رأيت الذي أفضل ومن أفضل كان قبيحاً، حتى تقول من هو أفضل، والحذف في " أيهم " جائز. قال أبو جعفر: وما علمت أحداً من النحويين إلا وقد خطأ سيبويه في هذا، وسمعت أبا إسحاق يقول: ما يبين لي أن سيبويه غلط في كتابه إلا في موضعين هذا أحدهما، قال: وقد علمنا أن سيبويه أعرب أياً وهي مفردة لأنها تضاف، فكيف يبنيها وهي مضافة؟! ولم يذكر أبو إسحاق فيما علمت إلا هذه الثلاثة الأقوال. أبو علي: إنما وجب البناء على مذهب سيبويه، لأنه حذف منه ما يتعرف به وهو الضمير مع افتقار إليه، كما حذف في " من قبل ومن بعد " ما يتعرفان به مع افتقار المضاف إلى المضاف إليه، لأن الصلة تبين الموصول وتوضحه كما أن المضاف إليه يبين المضاف ويخصصه. قال أبو جعفر: وفيه أربعة أقوال سوى هذه الثلاثة التي ذكرها أبو إسحاق، قال الكسائي : " لننزعن " واقعة على المعنى، كما تقول: لبست من الثياب وأكلت من الطعام ولم يقع " لننزعن " على " أيهم " فينصبها. زاد المهدوي : وإنما الفعل عنده واقع على موضع " من كل شيعة " وقوله: " أيهم أشد " جملة مستأنفة مرتفعة بالابتداء، ولا يرى سيبويه زيادة " من " في الواجب. وقال الفراء : المعنى ثم لننزعن بالنداء، ومعنى " لننزعن " لننادين. المهدوي : ونادى فعل يعلق إذا كان بعده جملة، كظننت فتعمل في المعنى ولا تعمل في اللفظ. قال أبو جعفر: وحكى أبو بكر بن شقير أن بعض الكوفيين يقول في " أيهم " معنى الشرط والمجازاة، فلذلك لم يعمل فيها ما قبلها، والمعنى: ثم لننزعن من كل فرقة إن تشايعوا أو لم يتشايعوا، كما تقول: ضربت القوم أيهم غضب، والمعنى إن غضبوا أو لم يغضبوا. قال أبو جعفر: فهذه ستة أقوال، وسمعت علي بن سليمان يحكي عن محمد بن يزيد قال: " أيهم " متعلق بشيعة فهو مرفوع بالابتداء، والمعنى: ثم لننزعن من الذين تشايعوا أيهم، أي من الذين تعاونوا فنظروا أيهم أشد على الرحمن عتياً، وهذا قول حسن. وقد حكى الكسائي أن التشايع التعاون. و " عتيا " نصب على البيان.
يخبر تعالى عن الإنسان أنه يتعجب ويستبعد إعادته بعد موته, كما قال تعالى: " وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد " وقال: " أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم " وقال ههنا: " ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا * أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا " يستدل تعالى بالبداءة على الإعادة, يعني أنه تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئاً, أفلا يعيده وقد صار شيئاً, كما قال تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" وفي الصحيح " يقول الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني, وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني, أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني, وليس أول الخلق بأهون علي من آخره, وأما أذاه إياي فقوله إن لي ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد".
وقوله: "فوربك لنحشرنهم والشياطين" أقسم الرب تبارك وتعالى بنفسه الكريمة أنه لا بد أن يحشرهم جميعاً وشياطينهم الذين كانوا يعبدون من دون الله " ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا " قال العوفي عن ابن عباس : يعني قعوداً كقوله: "وترى كل أمة جاثية" وقال السدي في قوله جثياً: يعني قياماً, وروي عن مرة عن ابن مسعود مثله. وقوله: "ثم لننزعن من كل شيعة" يعني من كل أمة, قال مجاهد "أيهم أشد على الرحمن عتياً" قال الثوري عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال: يحبس الأول على الاخر حتى إذا تكاملت العدة أتاهم جميعاً, ثم بدأ بالأكابر فالأكابر جرماً, وهو قوله: "ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتياً".
وقال قتادة : "ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتياً" قال: ثم لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤساءهم في الشر, وكذا قال ابن جريج وغير واحد من السلف, وهذا كقوله تعالى: " حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون * وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون " وقوله: "ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً" ثم ههنا لعطف الخبر على الخبر, والمراد أنه تعالى أعلم بمن يستحق من العباد أن يصلى بنار جهنم ويخلد فيها, وبمن يستحق تضعيف العذاب, كما قال في الاية المتقدمة " قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون ".
69- "ثم لننزعن من كل شيعة" الشيعة الفرقة التي تبعت ديناً من الأديان، وخصص ذلك الزمخشري فقال: هي الطائفة التي شاعت: أي تبعت غاوياً من الغواة قال الله تعالى: "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً". ومعنى "أيهم أشد على الرحمن عتياً" من كان أعصى الله وأعتى فإنه ينزع من كل طائفة من طوائف الغي والفساد أعصاهم وأعتاهم، فإذا اجتمعوا طرحهم في جهنم. والعتي ها هنا مصدر كالعتو، وهو التمرد في العصيان. وقيل المعنى: لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤسائهم في الشر. وقد اتفق القراء على قراءة أيهم بالضم إلا هارون الغازي فإنه قرأها بالفتح. قال الزجاج: في رفع أيهم ثلاثة أقوال: الأول قول الخليل بن أحمد إنه مرفوع على الحكاية. والمعنى: ثم لننزعن من كل شيعة الذين يقال لهم أيهم أشد، وأنشد الخليل في ذلك قول الشاعر:
وقد أبيت من الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم
أي فأبيت بمنزلة الذي يقال له هو لا حرج ولا محروم. قال النحاس: ورأيت أبا إسحاق يعني الزجاج يختار هذا القول ويستحسنه. القول الثاني قول يونس: وهو أن لننزعن بمنزلة الأفعال التي تلغى وتعلق، فهذا الفعل عنده معلق عن العمل في أي، وخصص الخليل وسيبويه وغيرهما التعليق بأفعال الشك ونحوهما مما لم يتحقق وقوعه. القول الثالث قول سيبويه، إن أيهم ها هنا مبني على الضم، لأنه خالف أخواته في الحذف، وقد غلط سيبويه في قوله هذا جمهور النحويين حتى قال الزجاج: ما تبين لي أن سيبويه غلط في كتابه إلا في موضعين هذا أحدهما، وللنحويين في إعراب أيهم هذه في هذا الموضع كلام طويل.
69 - " ثم لننزعن " ، لنخرجن ، " من كل شيعة " ، أي : من كل أمة وأهل دين من الكفار. " أيهم أشد على الرحمن عتياً " ، عتواً ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعنى جرأة . وقال مجاهد : فجوراً ، يريد : الأعتى فالأعتى
وقال الكلبي : قائدهم ورأسهم في الشر يريد أن يقدم في إدخال من هو أكبر جرماً وأشد كفراً .
في بعض الآثار : أنهم يحشرون جميعاً حول جهنم مسلسلين مغلولين ، ثم يقدم الأكفر فالأكفر .
ورفع " أيهم " على معنى : الذي يقال لهم : أيهم أشد على الرحمن عتياً .
وقيل : على الاستئناف ثم لننزعن [ يعمل في موضع ( من كل شيعة ) ] .
69ـ " ثم لننزعن من كل شيعة " من كل أمة شاعت ديناً . " أيهم أشد على الرحمن عتيا " من كان أعصى وأعتى منهم فنطرحهم فيها ، وفي ذكر الأشد تنبيه على أنه تعالى يعفو كثيراً من أهل العصيان ولو خص ذلك بالكفرة فالمراد أنه يميز طوائفهم أعتاهم فأعتاهم ويطرحهم في النار على الترتيب ، أو يدخل كلا طبقتها التي تليق به ، و " أيهم " مبني على الضم عند سيبويه لأن حقه أن يبنى كسائر الموصولات ، لكنه أعرب حملاً على " كل " وبعض للزوم الإضافة وإذا حذف صدر صلته زاد نقصه فعاد إلى حقه منصوب المحل بننزعن ، ولذلك قرىء منصوباً ومرفوع عند غيره إما بالابتداء على أنه استفهامي وخبره " أشد " ، والجملة محكية وتقدير الكلام : " لننزعن " من كل شيعة الذين يقال فيهم أيهم أشد ، أو معلق عنها للننزعن لتضمنه معنى التمييز اللازم للعلم ، أو مستأنفة والفعل واقع على " من كل شيعة " على زيادة من أو على معنى للننزعن بعض كل شيعة ، وإما بشيعة لأنها بمعنى تشيع وعلى للبيان أو متعلق بافعل وكذا الباء في قوله :
69. Then We shall pluck out from every sect whichever of them was most stern in rebellion to the Beneficent.
69 - Then shall We certainly drag out from every sect all those who were worst in obstinate rebellion against (God) Most Gracious.