(ومن يطع الله والرسول) فيما أمر به (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين) أفاضل أصحاب الأنبياء لمبالغتهم في الصدق والتصديق (والشهداء) القتلى في سبيل الله (والصالحين) غير من ذكر (وحسن أولئك رفيقا) رفقاء في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم وإن كان مقرهم في الدرجات العالية بالنسبة إلى غيرهم
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: "ومن يطع الله والرسول"، بالتسليم لأمرهما، وإخلاص الرضى بحكمهما، والانتهاء إلى أمرهما، والانزجار عما نهيا عنه من معصية الله، فهو مع الذين أنعم الله عليهم بهدايته والتوفيق لطاعته في الدنيا من أنبيائه، وفي الآخرة إذا دخل الجنة، "والصديقي" وهل! جمع صديق.
واختلف في معنى: "الصديقين".
فقال بعضهم: الصديقون، تباع الأنبياء الذين صدقوهم واتبعوا منهاجهم بعدهم حتى لحقوا بهم. فكأن الصديق، فعيل، على مذهب قائلي هذه المقالة، من الصدق، كما يقال رجل سكير من السكر، إذا كان مدمناً على ذلك، وشريب ، و خمير.
وقال آخرون: بل هو فعيل من الصدقة، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو تأويل من قال ذلك، وهو ما:
حدثنا به سفيان بن وكيع قال، حدثنا خالد بن مخلد، عن موسى بن يعقوب قال، أخبرتني عمتي قريبة بنت عبد الله بن وهب بن زمعة، عن أمها كريمة ابنة المقداد، عن ضباعة بنت الزبير، وكانت تحت المقداد، عن المقداد قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: شيء سمعته منك شككت فيه! قال: إذا شك أحدكم في الأمر فليسألني عنه. قال قلت: قولك في أزواجك: إني لأرجو لهن من بعدي الصديقينقال: من تعدون الصديقين؟ قلت: أولادنا الذين يهلكون صغاراً. قال: لا، ولكن الصديقين هم المصدقون.
وهذا خبر، لو كان إسناده صحيحاً، لم نستجز أن نعدوه إلى غيره، ولو كان في إسناده بعض ما فيه.
فإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى ب الصديق، أن يكون معناه: المصدق قوله بفعله. إذ كان (الفعيل في كلام العرب، إنما يأتي، إذا كان مأخوذاً من الفعل، بمعنى المبالغة، إما في المدح، وإما في الذم، ومنه قوله جل ثناؤه في صفة مري : (وأمه صديقة) [المائدة :75].
وإذا كان معنى ذلك ما وصفنا، كان داخلاً من كان موصوفاً بما قلنا في صفة المتصدقين والمصدقين.
"والشهداء"، وهم جمع شهيد، وهو المقتول في سبيل الله، سمي بذلك لقيامه بشهادة الحق في جنب الله حتى قتل.
"والصالحين"، وهم جمع صالح، وهو كل من صلحت سريرته وعلانيته. وأما قوله جل ثناؤه: "وحسن أولئك رفيقا"، فإنه يعني: وحسن، هؤلاء الذين نعتهم ووصفهم، رفقاء في الجنة.
والرفيق في لفظ واحد بمعنى الجميع، كما قال الشاعر:
دعون الهوى، ثم ارتمين قلوبنا بأسهم أعداء، وهن صديق
بمعنى: وهن صدائق.
وأما نصب الرفيق، فإن أهل العربية مختلفون فيه.
فكان بعض نحوي البصرة يرى أنه منصوب على الحال، ويقول: هو كقول الرجل: كرم زيد رجلا، ويعدل به عن معنى: نعم الرجل، وبقول: إن نعم لا تقع إلا على اسم فيه ألف ولام، أو على نكرة.
وكان بعض نحوي الكوفة يرى أنه منصوب على التفسير، وينكر أن يكون حالاً، ويستشهد على ذلك بأن العرب تقول: كرم زيد من رجل و حسن أولئك من رفقاء، وأن دخول من دلالة على أن الرفيق مفسره. قال: وقد حكي عن العرب : نعمتم رجالاً، فدل على أن ذلك نظير قوله: وحسنتم رفقاء.
قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بالصواب، للعلة التي ذكرنا لقائليه.
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت، لأن قوماً حزنوا على فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حذراً أن لا يروه في الآخرة.
ذكر الرواية بذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم. يا فلان، مالي أراك محزوناً؟ قال: يا نبي الله ، شيء فكرت فيه! فقال: ما هو؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح، ننظر في وجهك ونجالسك، غداً ترفع مع النبيين فلا نصل إليك! فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه شيئاً، فأتاه جبريل عليه السلام بهذه الآية: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً". قال: فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم فبشره.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا، فإنك لو قدمت رفعت فوقنا فلم نرك ! فأنزل الله: "ومن يطع الله والرسول"، الآية.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين"، ذكر لنا أن رجالاً قالوا: هذا نبي الله نراه في الدنيا، فأما في الآخرة فيرفع فلا نراه! فأنزل الله: "ومن يطع الله والرسول"، إلى قوله: "رفيقا".
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم"، الآية، قال: قال ناس من الأنصار: يا رسول الله، إذا أدخلك الله الجنة فكنت في أعلاها، ونحن نشتاق إليك، فكيف نصنع؟ فأنزل الله "ومن يطع الله والرسول".
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "ومن يطع الله والرسول"، الآية، قال: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم له فضله على من آمن به في درجات الجنة، ممن اتبعه وصدقه، فكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا؟ فأنزل الله في ذلك. يقال : إن الأعلين ينحدرون إلى من هم أسفل منهم فيتجمعون في رياضها، فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه، وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به، فهم في روضه يحبرون ويتنعمون فيه.
فيه ثلاثة مسائل :
الأولى - قوله تعالى :" ومن يطع الله والرسول" لما ذكر تعالى الأمر الذي لو فعله المنافقون حين وعظوا به وأنابوا إليه لأنعم عليهم، ذكر بعد ذلك ثواب من يفعله وهذه الآية تفسير قوله تعالى :" اهدنا الصراط المستقيم " "صراط الذين أنعمت عليهم " وهي المراد في قوله عليه السلام عند موته.
" اللهم الرفيق الأعلى " وفي البخاري عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
ما من نبي يمرض إلى خير بين الدنيا والآخرة " كان في شكواه الذي مرض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول:" مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين " فعلمت أنه خير" وقالت طائفة إنما نزلت هذه الآية لما قال عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري -الذي أري الأذان - يا رسول الله إذا مت ومتنا كنت في عليين لا نراك ولا نجتمع بك وذكر حزنه على ذلك فزلت هذه الآية وذكر مكي عن عبد الله هذا وأنه لما مات النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم أعمني حتى لا أرى شيئاً بعده فعمي مكانه وحكاه القشيري فقال: اللهم أعمني فلا أرى شيئاً بعد حبيبي حتى ألقى حبيبي فعمي مكانه وحكي الثعلبي :
أنها نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف في وجهه الحزن، فقال له :"يا ثوبان ما غير لونك" فقال :يا رسول الله ما بي ضر ولا وجع غير أني لم إذا لم أرك اشتقت إليه واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة وأخاف ألا أراك هناك لأني عرفت أنك ترفع مع النيين إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل فذلك حين لا أراك أبداً، فأنزل الله تعالى هذه الآية ذكره الواحدي عن الكلبي وأسند عن مسروق قال:
قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا، فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا فأنزل الله تعالى :" ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين " وفي طاعة الله طاعة رسوله ولكنه ذكره تشريفاً لقدره وتنويهاً باسمه صلى الله عليه وسلم وعلى آلة " فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم " أي هم معهم في دار واحدة ونعيم واحد يستمتعون برؤيتهم والحضور معهم، لا أنهم يساوونهم في الدرجة، فإنهم يتفاوتون لكنهم يتزاورون للاتباع في الدنيا الاقتداء وكل من فيها قد رزق الرضا بحاله وقد ذهب عنه اعتقاد أنه مفضول قال الله تعالى :" ونزعنا ما في صدورهم من غل " [الأعراف :43] والصديق فعيل: المبالغ في الصدق أو في التصديق، والصديق هو الذي يحقق ما يقوله بلسانه وقيل: هم فضلاء أتباع الأنبياء الذين يسبقونهم إلى التصدق كأبي بكر الصديق. وقد تقدم في البقرة اشتقاق الصديق ومعنى الشهيد، والمراد هنا بالشهداء عمر وعثمان وعلي والصالحين سائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وقيل " والشهداء " القتلى في سبيل الله " والصالحين " صالحي أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قلت : واللفظ يعم كل صالح وشهيد الله أعلم والرفق لين الجانب وسمي الصاحب رفيقاً لارتفاقك بصحبته ومنه الرفة لارتفاق بعضهم ببعض ويجوز وحسن أولئك رفقاء قال الأخفش رفيقاً منصوب على الحال وهو بمعنى رفقاء، وقال:انتصب على التمييز فوجد لذلك فكأن المعنى حسن كل واحد منهم رفيقاً كما قال تعالى :" ثم نخرجكم طفلا"[الحج:5] أي نخرج كل واحد منكم طفلاً وقال تعالى : "ينظرون من طرف خفي " [الشورى:45] وينظر معنى هذه الآية "قوله صلى الله عليه وسلم :
خير الرفقاء أربعة " ولم يذكر الله تعالى فتأمله .
الثانية -في هذه الآية دليل على خلافه أبي بكر رضي الله عنه، وذلك أن الله تعالى لما ذكر مراتب أوليائه في كتابه بدأ بالأعلى منهم وهم النبيون ثم ثنى بالصديقين ولم يجعل بينهما واسطة وأجمع المسلمون على تسمية أبي بكر الصديق رضي الله عنه صديقاً كما أجمعوا على تسمية محمد عليه السلام رسولاً، وإذا ثبت هذا وصح أنه الصديق وأنه ثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز أني يتقدم بعده أحد والله أعلم .
يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما فعلوه, لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر, وهذا من علمه تبارك وتعالى بما لم يكن أو كان, فكيف كان يكون, ولهذا قال تعالى: "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم" الاية, قال ابن جرير: حدثني المثنى, حدثني إسحاق, حدثنا أبو زهير عن إسماعيل, عن أبي إسحاق السبيعي, قال: لما نزلت "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم" الاية, قال رجل: لو أمرنا لفعلنا, والحمد لله الذي عافانا, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: "إن من أمتي لرجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي", ورواه ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن منير, حدثنا روح, حدثنا هشام عن الحسن بإسناده عن الأعمش, قال: لما نزلت "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم" الاية, قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لو فعل ربنا لفعلنا, فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: "للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي". وقال السدي: افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود, فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا, فقال ثابت: والله لو كتب علينا "أن اقتلوا أنفسكم" لفعلنا، فأنزل الله هذه الاية. ورواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي, حدثنا محمود بن غيلان, حدثنا بشر بن السري, حدثنا مصعب بن ثابت عن عمه عامر بن عبد الله بن الزبير قال: لما نزلت "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم" وحدثنا أبي, حدثنا أبو اليمان, حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو, عن شريح بن عبيد, قال: لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم" الاية, أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه بيده إلى عبد الله بن رواحة, فقال: "لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل" يعني ابن رواحة, ولهذا قال تعالى: "ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به" أي ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به وتركوا ما ينهون عنه "لكان خيراً لهم" أي من مخالفة الأمر وارتكاب النهي "وأشد تثبيتاً", قال السدي: أي وأشد تصديقاً " وإذا لآتيناهم من لدنا " أي من عندنا "أجراً عظيماً" يعني الجنة "ولهديناهم صراطاً مستقيماً" أي في الدنيا والاخرة, ثم قال تعالى: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً". أي من عمل بما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنه ورسوله فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ويجعله مرافقاً للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة وهم الصديقون, ثم الشهداء والصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم ثم أثنى عليهم تعالى فقال: "وحسن أولئك رفيقاً" وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب, حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه, عن عروة, عن عائشة, قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والاخرة" وكان في شكواه التي قبض فيها أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: "مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين" فعلمت أنه خير, وكذا رواه مسلم من حديث شعبة عن سعد بن إبراهيم به. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاخر "اللهم الرفيق الأعلى" ثلاثاً ثم قضى, عليه أفضل الصلاة والتسليم.
(ذكر سبب نزول هذه الاية الكريمة)
قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جبير, قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محزون, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا فلان ما لي أراك محزوناً ؟" فقال: يا نبي الله شيء فكرت فيه, فقال: ما هو ؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك وغداً ترفع مع النبيين فلا نصل إليك, فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً, فأتاه جبريل بهذه الاية "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين" الاية, فبعث النبي صلى الله عليه وسلم فبشره. وقد روي هذا الأثر مرسلاً عن مسروق, وعن عكرمة, وعامر الشعبي وقتادة, وعن الربيع بن أنس وهو من أحسنها سنداً, قال ابن جرير: حدثنا المثنى, حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قوله: "ومن يطع الله والرسول" الاية, وقال: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم له فضل على من آمن به في درجات الجنة ممن اتبعه وصدقه, وكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضاً. فأنزل الله في ذلك, يعني هذه الاية, فقال: يعني رسول الله "إن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل منهم, فيجتمعون في رياض فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه, وينزل لهم أهل الدرجات فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به, فهم في روضة يحبرون ويتنعمون فيه", وقد روي مرفوعاً من وجه آخر, فقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم, حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد, حدثنا عبد الله بن عمران, حدثنا فضيل بن عياض عن منصور, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عائشة, قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إنك لأحب إلي من نفسي, وأحب إلي من أهلي, وأحب إلي من ولدي, وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك, وإذا ذكرت موتي وموتك, عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين, وإن دخلت الجنة خشيت أن لا أراك, فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت عليه "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً". وهكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه في صفة الجنة من طريق الطبراني عن أحمد بن عمرو بن مسلم الخلال, عن عبد الله بن عمران العابدي به, ثم قال: لا أرى بإسناده بأساً, والله أعلم. وقال ابن مردويه أيضاً: حدثنا سليمان بن أحمد, حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي, حدثنا أبو بكر بن ثابت ابن عباس المصري, حدثنا خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب, عن عامر الشعبي, عن ابن عباس: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحبك حتى إني لأذكرك في المنزل فيشق ذلك علي, وأحب أن أكون معك في الدرجة, فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً, فأنزل الله عز وجل هذه الاية. وقد رواه ابن جرير عن ابن حميد عن جرير عن عطاء, عن الشعبي مرسلاً, وثبت في صحيح مسلم من حديث هقل بن زياد عن الأوزاعي, عن يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال: كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته, فقال لي "سل", فقلت: يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة, فقال: "أو غير ذلك ؟" قلت: هو ذاك. قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود" .
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق, أخبرنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر, عن عيسى بن طلحة, عن عمرو بن مرة الجهني, قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, شهدت أن لا إله إلا الله, وأنك رسول الله, وصليت الخمس, وأديت زكاة مالي. وصمت شهر رمضان, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات على ذلك كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة وهكذا ـ ونصب أصبعيه ـ ما لم يعق والديه" تفرد به أحمد. قال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو سعيد مولى أبي هاشم, حدثنا ابن لهيعة عن زبان بن فائد, عن سهل بن معاذ بن أنس, عن أبيه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء الصالحين, وحسن أولئك رفيقاً إن شاء الله" وروى الترمذي من طريق سفيان الثوري, عن أبي حمزة, عن الحسن البصري, عن أبي سعيد, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" ثم قال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وأبو حمزة اسمه عبد الله بن جابر شيخ بصري, وأعظم من هذا كله بشارة ما ثبت في الصحيح والمسانيد وغيرهما من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم, فقال: "المرء مع من أحب", قال أنس: فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث. وفي رواية عن أنس أنه قال: إني لأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما, وأرجو أن الله يبعثني معهم وإن لم أعمل كعملهم, قال الإمام مالك بن أنس, عن صفوان بن سليم, عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم, كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق المشرق أوالمغرب, لتفاضل ما بينهم" قالوا: يا رسول الله, تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم, قال "بلى, والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين", أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك واللفظ لمسلم, ورواه الإمام أحمد, حدثنا فزارة, أخبرني فليح عن هلال يعني ابن علي, عن عطاء, عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون ـ أو ترون ـ الكوكب الدري الغابر في الأفق الطالع في تفاضل الدرجات". قالوا: يا رسول الله أولئك النبيون ؟ قال: "بلى, والذي نفسي بيده, رجال آمنوا با لله وصدقوا المرسلين" قال الحافظ الضياء المقدسي: هذا الحديث على شرط البخاري, والله أعلم.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا علي بن عبد العزيز, حدثنا محمد بن عمار الموصلي, حدثنا عفيف بن سالم عن أيوب, عن عتبة, عن عطاء عن ابن عمر, قال: أتى رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سل واستفهم" فقال: يا رسول الله فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة, ثم قال: أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بما عملت به, إني لكائن معك في الجنة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم, والذي نفسي بيده, إنه ليضيء بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: لا إله إلا الله, كان له بها عهد عند الله, ومن قال: سبحان الله وبحمده, كتب له بها مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة" فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة من نعم الله, فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يتغمده الله برحمته" ونزلت هذه الايات " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " إلى قوله " وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا " فقال الحبشي: وإن عيني لتريان ما ترى عيناك في الجنة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم" فاستبكى حتى فاضت نفسه, قال ابن عمر: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيديه, فيه غرابة ونكارة وسنده ضعيف, ولهذا قال تعالى: "ذلك الفضل من الله" أي من عند الله برحمته وهو الذي أهلهم لذلك لا بأعمالهم "وكفى بالله عليماً" أي هو عليم بمن يستحق الهداية والتوفيق.
قوله 69- "ومن يطع الله والرسول" كلام مستأنف لبيان فضل طاعة الله والرسول، والإشارة بقوله "فأولئك" إلى المطيعين كما تفيده من "مع الذين أنعم الله عليهم" بدخول الجنة، والوصول إلى ما أعد الله لهم. والصديق المبالغ في الصدق كما تفيده الصيغة، وقيل: هم فضلاء أتباع الأنبياء. والشهداء: من ثبتت لهم الشهادة، والصالحين: أهل الأعمال الصالحة. والرفيق مأخوذ من الرفق، وهو لين الجانب، والمراد به المصاحب لارتفاقك بصحبته، ومنه الرفقة لارتفاق بعضهم ببعض، وهو منتصب على التمييز أو الحال كما قال الأخفش.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم " هم يهود كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضاً. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سفيان أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه. وقد روي من طرق أن جماعة من الصحابة قالوا: لما نزلت الآية لو فعل ربنا لفعلنا. أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن. وأخرجه ابن أبي حاتم عن عامر بن عبد الله بن الزبير. وأخرجه أيضاً عن شريح بن عبيد. وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، والضياء المقدسي في صفة الجنة، وحسنه عن عائشة قالت:" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلى من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك وعرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل جبريل بهذه الآية "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم" الآية". وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس نحوه.
69-قوله تعالى:" ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين "الآية ، " نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه يعرف الحزن في وجهه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما غير لونك؟ فقال: يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك لأنك ترفع مع النبيين ، وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبداً ، فنزلت هذه الآيه".
وقال قتادة:قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : كيف يكون الحال في الجنة وأنت في الدرجات العليا ونحن أسفل منك؟ فكيف نراك؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
"ومن يطع الله" في أداء الفرائض،"والرسول" في السنن"فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين"أي لا تفوتهم رؤية الأنبياء ومجالستهم لا لأنهم يرفعون إلى درجة الأنبياء"والصديقين"، وهم أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والصديق المبالغ في الصدق،"والشهداء"، قيل: هم الذين استشهدوا في يوم احد، وقيل: الذين استشهدوا في سبيل الله ، وقال عكرمة : النبيون ههنا : محمد صلى الله عليه وسلم ، والصديقون أبو بكر، والشهداء عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم "والصالحين": سائر الصحابة رضي الله عنهم ،"وحسن أولئك رفيقاً"، يعني: رفقاء في الجنة ، والعرب تضع الواحد موضع الجمع، كقوله تعالى:"ثم نخرجكم طفلاً" (غافر-67)أي: أطفالاً "ويولون الدبر" أي: الأدبار.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي أنا أبو العباس السراج أنا قتيبة بن سعد أنا حمد بن زيد عن ثابت عن انس "أن رجلاً قال: يارسول الله الرجل يحب قوماً ولما يلحق بهم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :المرء مع من احب".
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي وأبو عمرو محمد بن عبد الرحمن النسوي قالا: أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري أنا أبو العباس الأصم أنا أبو يحيى زكريا بن يحيى المروزي أنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قال رجل يا رسول الله متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: فلم يذكر كثيراً، إلا أنه يحب الله ورسوله قال:فأنت مع من أحببت".
69"ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم" مزيد ترغيب في الطاعة بالوعد عليها مرافقة أكرم الخلائق وأعظمهم قدراً. "من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين" بيان للذين أو حال منه، أو من ضميره قسمهم أربعة بحسب منازلهم في العلم والعمل، وحث كافة الناس على أن لا يتأخروا عنهم، وهم: الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حد الكمال إلى درجة التكميل. ثم الصديقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان، حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليها. ثم الشهداء الذين أدى بهم الحرص على الطاعة والجد في إظهار الحق حتى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله تعالى. ثم الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته. ولك أن تقول المنع عليهم هم العارفون بالله وهؤلاء إما أن يكونوا بالغين درجة العيان أو واقفين في مقام الاستدلال والبرهان. والأولون إما أن ينالوا مع العيان القرب بحيث يكونوا كمن يرى الشيء قريباً وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أولاً فيكونون كمن يرى الشيء بعيداً وهم الصديقون، والآخرون إما أن يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة وهم العلماء الراسخون في العلم الذين هم شهداء الله في أرضه، وإما أن يكون بأمارات و إقناعات تطمئن إليها نفوسهم وهم الصالحون. "وحسن أولئك رفيقاً" في معنى التعجب، "رفيقاً" في معنى التعجب، ورفيقاً على التمييز أو الحال ولم يجمع لأنه يقال للواحد والجمع كالصديق، أو لأنه أريد وحسن كل واحد منهم رفيقاً. روي أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه يوماً وقد تغير وجهه ونحل جسمه، فسأله عن حاله فقال: ما بي من وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك لأني عرفت أنك ترتفع مع النبيين وإن أدخلت الجنة كنت في منزل دون منزلك، وإن لم أدخل فذلك حين لا أراك أبداً، فنزلت.
69. Whoso obeyeth Allah and the messenger, they are with those unto whom Allah hath shown favor, of the Prophets and the saints and the martyrs and the righteous. The best of company are they!
69 - All who obey God and the apostle are in the company of those on whom is the grace of God, of the prophets (who teach), the sincere (lovers of truth), the witnesses (who testify), and the righteous (who do good): ah what a beautiful fellowship