7 - (يوفون بالنذر) في طاعة الله (ويخافون يوما كان شره مستطيرا) منتشرا
يقول تعالى ذكره : إن الأبرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ، بروا بوفائهم لله بالنذور التي كانوا ينذرونها في طاعة الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " يوفون بالنذر " قال : إذا نذروا في حق الله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " يوفون بالنذر " قال : كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والزكاة ، والحج والعمرة ، وما افترض عليهم ، فسماهم الله بذلك الأبرار ، فقال " يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا " .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " يوفون بالنذر " قال : بطاعة الله ، وبالصلاة ، وبالحج ، وبالعمرة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قوله " يوفون بالنذر " قال : في غير معصية ، وفي الكلام محذوف اجتزئ بدلالة الكلام عليه منه ، وهو كان ذلك ، وذلك أن معنى الكلام : إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ، كانوا يوفون بالنذر ، فترك ذكر كانوا لدلالة الكلام عليها ، والنذر : هو كل ما أوجبه الإنسان على نفسه من فعل ، ومنه قول عنترة :
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما والناذرين إذا لم ألقهما دمي
وقوله " ويخافون يوما كان شره مستطيرا " يقول تعالى ذكره : ويخافون عقاب الله بتركهم الوفاء بما نذروا الله من بر في يوم شره مستطيرا ، ممتداً طويلاً فاشياً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ،" ويخافون يوما كان شره مستطيرا " استطاروا الله شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض ، وأما رجل يقول عليه نذر أن لا يصل رحماً ، ولا يتصدق ، ولا يصنع خيراً ، فإنه لا ينبغي أن يكفر عنه ، ويأتي ذلك ، ومنه قولهم : استطار الصدع في الزجاجة واستطال : إذا امتد ، ولا يقال ذلك في الحائط ، ومنه قول الأعشى :
فبانت وقد أثارت في الفؤا د صدعاً على نأيها مستطيرا
يعني : ممتداً فاشياً .
قوله تعالى:" يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا" أي لا يخلفون إذا نذروا. وقال معمر عن قتادة: بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغيره من الواجبات. وقال مجاهد وعكرمة: يوفون إذا نذروا في حق الله جل ثناؤه. وقال الفراء والجرجاني: وفي الكلام إضمار، أي كانوا يوفون بالنذر في الدنيا. والعرب قد تزيد مرة((كان)) وتحذف أخرى. والنذر: حقيقته ما أوجبه المكلف على نفسه من الطاعات ما لو لم يوجبه لم يلزمه. وقال الكلبي: " يوفون بالنذر" أي يتممون العهود والمعنى واحد، وقد قال الله تعالى:" ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم" [ الحج:29] أي أعمال نسكهم التي ألزموهم أنفسهم بإحرامهم بالحج. وهذا يقوي قول قتادة. وان النذر يندرج فيه ما ألتزامه المرء بإيمانه من امتثال أمر الله، قاله القشيري. وروى أشهب عن مالك أنه قال: " يوفون بالنذر" هو نذر العتق والصيام والصلاة. وروى عنه أبو بكر بن عبد العزيز قال مالك: " يوفون بالنذر" قال: النذر: هو اليمين.
قوله تعالى: " ويخافون" أي يحذرون" يوما" أي يوم القيامة. " كان شره مستطيرا" أي عالياً داهياً فاشياً وهو في اللغة ممتداً، والعرب تقول: استطار الصدع في القارورة والزجاجة واستطال : إذا امتد، قال الأعشى:
وبانت وقد أسارت في الفؤا د صدعاً على نأيها مستطيرا
ويقال: استطار الحريق: إذا انتشر. واستطار الفجر إذا انتشر الضوء.
وقال حسان:
وهان على سراه بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
وكان قتادة يقول: استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض. وقال مقاتل: كان شره فاشياً في السموات فانشقت، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وفي الأرض نسفت الجبال وغارت المياه.
يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه به من السلاسل والأغلال والسعير, وهو اللهب والحريق في نار جهنم كما قال تعالى: "إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون" ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير قال بعده: "إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً" وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة. قال الحسن : برد الكافور في طيب الزنجبيل ولهذا قال: "عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً" أي هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفاً بلا مزج ويروون بها, ولهذا ضمن يشرب معنى يروى حتى عداه بالباء ونصب عيناً على التمييز, قال بعضهم: هذا الشراب في طيبه كالكافور, وقال بعضهم: هو من عين كافور, وقال بعضهم: يجوز أن يكون منصوباً بيشرب حكى هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير . وقوله تعالى: "يفجرونها تفجيراً" أي يتصرفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم, والتفجير هو الإنباع كما قال تعالى: " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " وقال "وفجرنا خلالهما نهراً".
وقال مجاهد : "يفجرونها تفجيراً" يقودونها حيث شاؤوا وكذا قال عكرمة وقتادة , وقال الثوري يصرفونها حيث شاؤوا, وقوله تعالى: "يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً" أي يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر. قال الإمام مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن مالك عن عائشة رضي الله عنها " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" رواه البخاري من حديث مالك . ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد وهو اليوم الذي شره مستطير أي منتشر عام على الناس إلا من رحم الله, قال ابن عباس : فاشياً, وقال قتادة : استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض, وقال ابن جرير : ومنه قولهم: استطار الصدع في الزجاجة واستطال, ومنه قول الأعشى :
فبانت وقد أسأت في الفؤا د صدعاً على نأيها مستطيراً
يعني ممتداً فاشياً. وقوله تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه" قيل على حب الله تعالى, وجعلوا الضمير عائداً إلى الله عز وجل لدلالة السياق عليه, والأظهر أن الضمير عائد على الطعام أي ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له, قاله مجاهد ومقاتل واختاره ابن جرير كقوله تعالى: "وآتى المال على حبه" وكقوله تعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" وروى البيهقي من طريق الأعمش عن نافع قال: مرض ابن عمر فاشتهى عنباً أول ما جاء العنب فأرسلت صفية, يعني امرأته , فاشترت عنقوداً بدرهم فاتبع الرسول سائل فلما دخل به قال السائل: السائل. فقال ابن عمر : أعطوه إياه فأعطوه إياه, فأرسلت بدرهم آخر فاشترت عنقوداً فاتبع الرسول السائل, فلما دخل قال السائل: السائل. فقال ابن عمر : أعطوه إياه فأعطوه إياه, فأرسلت صفية إلى السائل فقالت والله إن عدت لا تصيب منه خيراً أبداً, ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت به. وفي الصحيح "أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر" أي في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه, ولهذا قال تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً" أما المسكين واليتيم فقد تقدم بيانهما وصفتهما, وأما الأسير فقال سعيد بن جبير والحسن والضحاك : الأسير من أهل القبلة, وقال ابن عباس : كان أسراؤهم يومئذ مشركين, ويشهد لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى, فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء, وقال عكرمة : هم العبيد, واختاره ابن جرير لعموم الاية للمسلم والمشرك, وهكذا قال سعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة , وقد وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الأرقاء في غير ما حديث, وحتى أنه كان آخر ما أوصى أن جعل يقول: "الصلاة وما ملكت أيمانكم" قال مجاهد : هو المحبوس, أي يطعمون الطعام لهؤلاء وهم يشتهونه ويحبونه قائلين بلسان الحال "إنما نطعمكم لوجه الله" أي رجاء ثواب الله ورضاه "لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً" أي لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها ولا أن تشكرونا عند الناس.
قال مجاهد وسعيد بن جبير : أما والله ما قالوه بألسنتهم ولكن علم الله به من قلوبهم, فأثنى عليهم به. ليرغب في ذلك راغب "إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً" أي إنما نفعل هذا لعل الله أن يرحمنا ويتلقانا بلطفه في اليوم العبوس القمطرير. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : عبوساً ضيقاً, قمطريراً طويلاً, وقال عكرمة وغيره عنه في قوله "يوماً عبوساً قمطريراً" قال: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران. وقال مجاهد "عبوساً" العابس الشفتين "قمطريراً" قال: يقبض الوجه بالبسور. وقال سعيد بن جبير وقتادة : تعبس فيه الوجوه من الهول, قمطريراً تقليص الجبين وما بين العينين من الهول. وقال ابن زيد , العبوس الشر, والقمطرير الشديد, وأوضح العبارات, وأجلاها, وأحلاها, وأعلاها وأولاها قول ابن عباس رضي الله عنه, قال ابن جرير : والقمطرير هو الشديد يقال: هو يوم قمطرير ويوم قماطر ويوم عصيب وعصبصب, وقد اقمطر اليوم يقمطر اقمطراراً, وذلك أشد الأيام وأطولها في البلاء والشدة ومنه قول بعضهم:
بني عمنا هل تذكرون بلاءنا ؟ عليكم إذا ما كان يوم قماطر
قال الله تعالى: "فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً" وهذا من باب التجانس البليغ "فوقاهم الله شر ذلك اليوم" أي آمنهم مما خافوا منه "ولقاهم نضرة" أي في وجوههم "وسروراً" أي في قلوبهم, قاله الحسن البصري وقتادة وأبو العالية والربيع بن أنس , وهذه كقوله تعالى: "وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة" وذلك أن القلب إذا سر استنار الوجه, قال كعب بن مالك في حديثه الطويل. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سراستنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر, وقالت عائشة رضي لله عنها: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسروراً تبرق أسارير وجهه الحديث. وقوله تعالى: "وجزاهم بما صبروا" أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم جنة وحريراً أي منزلاً رحباً وعيشاً رغيداً ولباساً حسناً. وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة هشام بن سليمان الداراني قال: قرىء على أبي سليمان الداراني سورة "هل أتى على الإنسان ؟" فلما بلغ القارىء إلى قوله تعالى: "وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً" قال: بما صبروا على ترك الشهوات في الدنيا ثم أنشد يقول:
كم قتيل بشهوة وأسير أف من مشتهى خلاف الجميل
شهوات الإنسان تورثه الذل وتلقيه في البلاء الطويل
وجملة 7- "يوفون بالنذر" مستأنفة مسوقة لبيان ما لأجله رزقوا ما ذكر، وكذا ما عطف عليها، ومعنى النذر في اللغة الإيجاب، والمعنى: يوفون بما أوجبه الله عليهم من الطاعات. قال قتادة ومجاهد: يوفون بطاعة الله من الصلاة والحج ونحوهما. وقال عكرمة: يوفون إذا نذروا في حق الله سبحانه، والنذر في الشرع ما أوجبه المكلف على نفسه، فالمعنى: يوفون بما أوجبوه على أنفسهم. قال الفراء: في الكلام إضمار: أي كانوا يوفون بالنذر في الدنيا. وقال الكلبي: يوفون بالعهد: أي يتممون العهد. والأولى حمل النذر هنا على ما أوجبه العبد على نفسه من غير تخصيص "ويخافون يوماً كان شره مستطيراً" المراد يوم القيامة، ومعنى استطارة شره فشوه وانتشاره، يقال استطار يستطير استطارة فهو مستطير، وهو استفعل من الطيران، ومنه قول الأعشى:
فباتت وقد أثارت في الفؤا د صدعاً على نأيها مستطيرا
والعرب تقول: استطار الصدع في القارورة والزجاجة: إذا امتد، ويقال استطار الحريق: إذا انتشر. قال الفراء: المستطير المستطيل. قال قتادة: استطار شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض. قال مقاتل: كان شره فاشياً في السموات فانشقت وتناثرت الكواكب وفزعت الملائكة، وفي الأرض نسفت الجبال وغارت المياه.
7- "يوفون بالنذر"، هذا من صفاتهم في الدنيا أي كانوا في الدنيا كذلك.
قال قتادة: أراد يوفون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة، وغيرها من الواجبات، ومعنى النذر: الإيجاب.
وقال مجاهد وعكرمة: إذا نذروا في طاعة الله وفوا به.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه". "ويخافون يوماً كان شره مستطيراً"، فاشياً ممتداً، استطار الصبح، إذا امتد وانتشر.
قال مقاتل: كان شره فاشياً في السموات فانشقت، وتناثرت الكواكب، وكورت الشمس والقمر، وفزعت الملائكة، وفي الأرض: فنسفت الجبال، وغارت المياه، وتكسر كل شيء على الأرض من جبل وبناء.
7-" يوفون بالنذر " استئناف ببيان ما رزقوه لأجله كأنه سئل عنه فأجيب بذلك ، وهو أبلغ في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن من وفى بما أوجبه على نفسه لله تعالى كان أوفى بما أوجبه الله تعالى عليه . " ويخافون يوماً كان شره " شدائده . " مستطيراً " فاشياً غاية الانتشار من استطار الحريق والفجر ، وهو أبلغ من طار ، وفيه إشعار بحسن عقيدتهم واجتنابهم عن المعاصي .
7. Because they perform the vow and fear a day whereof the evil is wide spreading,
7 - They perform (their) vows, and they fear a Day whose evil flies far and wide.