70 - (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا) منهم (فأولئك يبدل الله سيئاتهم) المذكورة (حسنات) في الآخرة (وكان الله غفورا رحيما) لم يزل متصفا بذلك
واخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال لما أنزلت في الفرقان والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي الآية قال مشركو أهل مكة قد قتلنا النفس بغير حق ودعونا مع الله إلها آخر وأتينا الفواحش فنزلت إلا من تاب الآية
القول في تأويل قوله تعالى :" إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما " .
قوله تعالى : " إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا " لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عامل في الكافر والزاني . واختلفوا في القاتل من المسلمين على ما تقدم بيانه في ( النساء ) ومضى في ( المائدة ) القول في جواز التراخي في الاستثناء في اليمين ، وهو مذهب ابن عباس مستدلاً بهده الآية .
قوله تعالى : " فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات " قال النحاس : من أحسن ما قيل فيه أنه يكتب موضع كافر مؤمن ، وموضع عاص مطيع . وقال مجاهد و الضحاك : أن يبدلهم الله من الشرك الإيمان وروي نحوه عن الحسن . قال الحسن : قوم يقولون التبديل في الآخرة ، وليس كذلك ، إنما التبديل في الدنيا ، يبدلهم الله إيماناً من الشرك ، وإخلاصاً من الشك ، وإحصاناً من الفجور . وقال الزجاج : ليس بجعل مكان السيئة الحسنة . ولكن بجعل مكان السيئة التوبة ، والحسنة مع التوبة . وروى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن السيئات تبدل بحسنات " وروي معناه عن سليمان الفارسي سعيد بن جبير وغيرهما . وقال أبو هريرة : ذلك في الآخرة فيمن غلبت حسناته على سيئاته ، فيبدل الله السيئات حسنات . وفي الخبر : " ليتمنين أقوام أنهم أكثروا من السيئات " فقيل : ومن هم ؟ قال : " الذي يبدل الله سيئاتهم حسنات " رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكره الثعلبي و القشيري . وقيل : التبديل عبارة عن الغفران ، أي يغفر الله لهم تلك السيئات لا أن يبدلها حسنات . قلت : فلا يبعد في كرم الله تعالى إذا صحت توبة العبد أن يضع مكان كل سيئة حسنة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ : " أتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة وآخر أهل النار خروجاً منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال أعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغر ذنوبه فيقا لعملت يوم كذا وكذا كذا وعملت يوم كذا وكذا كذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق في كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له فإن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول : يا رب قد عملت أشياء لا أراها هاهنا " فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه . وقال أبو الطويل : يا رسول الله ، أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئاً وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا اقتطعها فهل له من توبة ؟ قال :" هل أسلمت " قال : أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنك عبد الله ورسوله . قال : " نعم تفعل الخيرات وتترك السيئات يجعلهن الله كلهن خيرات " . قلا : وغدراتي وفجراتي يا بني الله قال : ( نعم ) قال : الله أكبر ! فما زال يكررها حتى توارى . ذكره الثعلبي . قال مبشر بن عبيد ، وكان عاماً بالنحو والعربية : الحاجة التي تقطع على الحاج إذا توجهوا والداجة التي تقطع عليهم إذا قفلوا . " وكان الله غفورا رحيما " .
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر ؟ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك قال: ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قال: ثم أي ؟ قال: أن تزاني حليلة جارك" قال عبد الله : وأنزل الله تصديق ذلك "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر" الاية, وهكذا رواه النسائي عن هناد بن السري عن أبي معاوية به, وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث الأعمش ومنصور زاد البخاري وواصل ثلاثتهم عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود به, فالله أعلم, ولفظهما عن ابن مسعود قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ الحديث, طريق غريب.
قال ابن جرير : حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي , حدثنا عامر بن مدرك , حدثنا السري يعني ابن إسماعيل , حدثنا الشعبي عن مسروق قال: قال عبد الله , " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فاتبعته, فجلس على نشز من الأرض, وقعدت أسفل منه ووجهي حيال ركبتيه, واغتنمت خلوته وقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله, أي الذنب أكبر ؟ قال :أن تدعو لله نداً وهو خلقك قلت: ثم مه ؟ قال :أن تقتل ولدك كراهية أن يطعم معك قلت: ثم مه ؟ قال :أن تزاني حليلة جارك ثم قرأ "والذين لا يدعون مع الله" " الاية, وقال النسائي : حدثنا قتيبة بن سعيد , حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ألا إنما هي أربع فما أنا بأشح عليهن مني منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا تشركوا بالله شيئاً, ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق, ولا تزنوا, ولا تسرقوا".
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن المديني رحمه الله, حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان , حدثنا محمد بن سعد الأنصاري , سمعت أبا طيبة الكلاعي , سمعت المقداد بن الأسود رضي الله عنه يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ما تقولون في الزنا ؟ قالوا: حرمه الله ورسوله, فهو حرام إلى يوم القيامة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره . قال : فما تقولون في السرقة ؟ قالوا: حرمها الله ورسوله, فهي حرام, قال : لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره . وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا عمار بن نصر , حدثنا بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن الهيثم بن مالك الطائي , " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له".
وقال ابن جريج : أخبرني يعلى عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يحدث أن ناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا, وزنوا فأكثروا, ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن, لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة, فنزلت "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر" الاية, ونزلت "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم" الاية. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا ابن أبي عمر , حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي فاختة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل : إن الله ينهاك أن تعبد المخلوق وتدع الخالق, وينهاك أن تقتل ولدك وتغذو كلبك, وينهاك أن تزني بحليلة جارك . قال سفيان : وهو قوله "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر" الاية.
وقوله تعالى: "ومن يفعل ذلك يلق أثاماً" روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: أثاماً: واد في جهنم. وقال عكرمة "يلق أثاماً" أودية في جهنم يعذب فيها الزناة. وكذا روي عن سعيد بن جبير ومجاهد . وقال قتادة "يلق أثاماً" نكالاً, كنا نحدث أنه واد في جهنم.
وقد ذكر لنا أن لقمان كان يقول: يا بني, إياك والزنا, فإن أوله مخافة وآخره ندامة, وقد ورد في الحديث الذي رواه ابن جرير وغيره عن أبي أمامة الباهلي موقوفاً ومرفوعاً: أن غيا وآثاماً بئران في قعر جهنم, أجارنا الله منهما بمنه وكرمه. وقال السدي "يلق أثاماً" جزاء, وهذا أشبه بظاهر الاية, وبهذا فسره بما بعده مبدلاً منه, وهو قوله تعالى: "يضاعف له العذاب يوم القيامة" أي يكرر عليه ويغلظ "ويخلد فيه مهاناً" أي حقيراً ذليلاً. وقوله تعالى: "إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً" أي جزاؤه على ما فعل من هذه الصفات القبيحة ما ذكر "إلا من تاب" أي في الدنيا إلى الله عز وجل من جميع ذلك, فإن الله يتوب عليه, وفي ذلك دلالة على صحة توبة القاتل, ولا تعارض بين هذه وبين آية النساء "ومن يقتل مؤمناً متعمداً" الاية, فإن هذه وإن كانت مدنية إلا أنها مطلقة, فتحمل على من لم يتب لأن هذه مقيدة بالتوبة, ثم قد قال تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" الاية. قد ثبتت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحة توبة القاتل, كما ذكر مقرراً من قصة الذي قتل مائة رجل ثم تاب, فقبل الله توبته, وغير ذلك من الأحاديث. وقوله تعالى: "فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً" في معنى قوله "يبدل الله سيئاتهم حسنات" قولان (أحدهما) أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الاية, قال: هم المؤمنون كانوا من قبل إيمانهم على السيئات, فرغب الله بهم عن ذلك, فحولهم إلى الحسنات, فأبدلهم مكان السيئات الحسنات, وروي عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينشد عند هذه الاية:
بدلن بعد حره خريفا وبعد طول النفس الوجيفا
يعني تغيرت تلك الأحوال إلى غيرها, وقال عطاء بن أبي رباح : هذا في الدنيا, يكون الرجل على هيئة قبيحة ثم يبدله الله بها خيراً. وقال سعيد بن جبير : أبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الرحمن, وأبدلهم بقتال المسلمين قتال المشركين, وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات. وقال الحسن البصري : أبدلهم الله بالعمل السيء العمل الصالح, وأبدلهم بالشرك إخلاصاً, وأبدلهم بالفجور إحصاناً, وبالكفر إسلاماً, وهذا قول أبي العالية وقتادة وجماعة آخرين.
(والقول الثاني) أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات, وما ذلك إلا لأنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر, فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار, فيوم القيامة وإن وجده مكتوباً عليه, فإنه لا يضره وينقلب حسنة في صحيفته, كما ثبتت السنة بذلك, وصحت به الاثار المروية عن السلف رضي الله عنهم, وهذا سياق الحديث. قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار, وآخر أهل الجنة دخولاً إلى الجنة, يؤتى برجل فيقول نحوا كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها, قال: فيقال له: عملت يوم كذا, كذا وكذا, وعملت يوم كذا, كذا وكذا, فيقول: نعم لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئاً, فيقال: فإن لك بكل سيئة حسنة, فيقول: يا رب عملت أشياء لا أراها ههنا قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه " , انفرد بإخراجه مسلم .
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثني هاشم بن يزيد , حدثنا محمد بن إسماعيل , حدثني أبي , حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام ابن آدم قال الملك للشيطان: أعطني صحيفتك, فيعطيه إياها, فما وجد في صحيفته من حسنة محا بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان وكتبهن حسنات, فإذا أراد أحدكم أن ينام فليكبر ثلاثاً وثلاثين تكبيرة, ويحمد أربعاً وثلاثين تحميدة, ويسبح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة فتلك مائة".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو سلمة وعارم , قالا: حدثنا ثابت يعني ابن يزيد أبو زيد , حدثنا عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال: يعطى الرجل يوم القيامة صحيفته فيقرأ أعلاها, فإذا سيئاته, فإذا كاد يسوء ظنه نظر في أسفلها فإذا حسناته, ثم ينظر في أعلاها فإذا هي قد بدلت حسنات. وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا هشام بن عمار , حدثنا سليمان بن موسى الزهري أبو داود , حدثنا أبو العنبس عن أبيه عن أبي هريرة قال: ليأتين الله عز وجل بأناس يوم القيامة رأوا أنهم قد استكثروا من السيئات, قيل: من هم يا أبا هريرة ؟ قال: الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات. وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا عبد الله بن أبي زياد , حدثنا سيار , حدثنا جعفر , حدثنا أبو حمزة عن أبي الضيف ـ قلت: وكان من أصحاب معاذ بن جبل ـ قال يدخل أهل الجنة الجنة على أربعة أصناف المتقين ثم الشاكرين ثم أصحاب اليمين قالت: لم سموا أصحاب اليمين ؟ قال: لأنهم قد عملوا الحسنات والسيئات, فأعطوا كتبهم بأيمانهم فقرؤوا سيئاتهم حرفاً حرفاً, وقالوا: يا ربنا هذه سيئاتنا, فأين حسناتنا ؟ فعند ذلك محا الله السيئات وجعلها حسنات, فعند ذلك قالوا: " هاؤم اقرؤوا كتابيه " فهم أكثر أهل الجنة.
وقال علي بن الحسين زين العابدين "يبدل الله سيئاتهم حسنات" قال: في الاخرة, وقال مكحول : يغفرها لهم فيجعلها حسنات, رواهما ابن أبي حاتم , وروى ابن جرير عن سعيد بن المسيب مثله. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي , حدثنا الوليد بن مسلم , حدثنا أبو جابر , أنه سمع مكحولاً يحدث قال: " جاء شيخ كبير هرم قد سقط حاجباه على عينيه, فقال: يا رسول الله, رجل غدر وفجر ولم يدع حاجة ولا داجة إلا اقتطفها بيمينه, لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم, فهل له من توبة ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أأسلمت ؟ فقال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمداً عبده ورسوله, فقال النبي :فإن الله غافر لك ما كنت كذلك, ومبدل سيئاتك حسنات فقال: يا رسول الله وغدراتي وفجراتي ؟ فقال : وغدراتك وفجراتك فولى الرجل يهلل ويكبر " .
وروى الطبراني من حديث أبي المغيرة عن صفوان بن عمر عن عبد الرحمن بن جبير عن أبي فروة شطب أنه " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها ولم يترك حاجة ولا داجة, فهل له من توبة ؟ فقال :أسلمت ؟ فقال: نعم, قال: فافعل الخيرات واترك السيئات, فيجعلها الله لك خيرات كلها قال: وغدراتي وفجراتي ؟ قال :نعم فما زال يكبر حتى توارى " . ورواه الطبراني من طريق أبي فروة الرهاوي عن ياسين الزيات , عن أبي سلمة الحمصي عن يحيى بن جابر عن سلمة بن نفيل مرفوعاً. وقال أيضاً: حدثنا أبو زرعة , حدثنا إبراهيم بن المنذر , حدثنا عيسى بن شعيب بن ثوبان عن فليح الشماس عن عبيد بن أبي عبيد , عن " أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءتني امرأة فقالت: هل لي من توبة ؟ إني زنيت, وولدت وقتلته, فقلت: لا, ولا نعمت العين ولا كرامة, فقامت وهي تدعو بالحسرة, ثم صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح, فقصصت عليه ما قالت المرأة وما قلت لها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئسما قلت, أما تقرأ هذه الاية ؟ " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا *إلا من تاب " الاية, فقرأتها عليها, فخرت ساجدة وقالت: الحمد الله الذي جعل لي مخرجاً " , هذا حديث غريب من هذا الوجه, وفي رجاله من لا يعرف, والله أعلم. وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن المنذر الحزامي بسنده بنحوه, وعنده: فخرجت تدعو بالحسرة وتقول: يا حسرتا أخلق هذا الحسن للنار ؟ وعنده أنه لما رجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, تطلبها في جميع دور المدينة فلم يجدها, فلما كان من الليلة المقبلة جاءته, فأخبرها بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرت ساجدة وقالت: الحمد لله الذي جعل لي مخرجاً وتوبة مما عملت, وأعتقت جارية كانت معها وابنتها, وتابت إلى الله عز وجل.
ثم قال تعالى مخبراً عن عموم رحمته بعباده, وأنه من تاب إليه منهم تاب عليه من أي ذنب كان جليلاً أو حقيراً, كبيراً أو صغيراً, فقال تعالى: "ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً" أي فإن الله يقبل توبته, كما قال تعالى: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً" الاية, وقال تعالى: "ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده" الاية, وقال تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" الاية, أي لمن تاب إليه.
70-"إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً" قيل هو استثناء متصل، وقيل منقطع. قال أبو حيان: لا يظهر الاتصال لأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه يضاعف له العذاب، فيصير التقدير: إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فلا يضاعف له العذاب، ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المضعف. قال: والأولى عندي أن تكون منقطعاً: أي لكن من تاب. قال القرطبي: لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عام في الكافر والزاني. واختلفوا في القاتل من المسلمين. وقد تقدم بيانه في النساء والمائدة، والإشارة بقوله: "فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات" إلى المذكورين سابقاً، ومعنى تبديل السيئات حسنات أنه يمحو عنهم المعاصي ويثبت لهم مكانها طاعات. قال النحاس: من أحسن ما قيل في ذلك أنه يكتب موضع كافر مؤمن، وموضع عاص مطيع. قال الحسن: قوم يقولون التبديل في الآخرة، وليس كذلك إنما التبديل في الدنيا يبدل الله لهم إيماناً مكان الشرك، وإخلاصاً من الشك، وإحصاناً من الفجور. قال الزجاج: ليس يجعل مكان السيئة الحسنة، ولكن يجعل مكان السيئة التوبة والحسنة مع التوبة. وقيل إن السيئات تبدل بحسنات، وبه قال جماعة من الصحابة ومن بعدهم. وقيل التبديل عبارة عن الغفران: أي يغفر الله لهم تلك السبئات، لا أن يبدلها حسنات، وقيل المراد بالتبديل: أن يوفقه لأضداد ما سلف منه "وكان الله غفوراً رحيماً" هذه الجملة مقررة لما قبلها من التبديل .
70- "إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً"، قال قتادة: إلا من تاب من ذنبه، وآمن بربه، وعمل عملاً صالحاً فيما بينه وبين ربه.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله، حدثنا موسى بن محمد، حدثنا موسى بن هارون الحمال، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الشافعي، حدثنا عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين: "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر" الآية، ثم نزلت: "إلا من تاب"، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط كفرحه بها وفرحه بـ: " إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " (الفتح-1و2).
"فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً"، فذهب جماعة إلى أن هذا التبديل في الدنيا، قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، والسدي، والضحاك: يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام، فيبدلهم بالشرك إيماناً، وبقتل المؤمنين قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصاناً.
وقال قوم: يبدل الله سيئاتهم التي عملوها في الإسلام حسنات يوم القيامة، وهو قول سعيد بن المسيب، ومكحول، يدل عليه ما:
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو القاسم علي بن أبي أحمد الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا أبو عمار الحسين بن خريت، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عم المعرور بن سويد، عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم آخر رجل يخرج من النار، يؤتى به يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، ويخبأ عنه كبارها، فيقال له عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا، وهو مقر لا ينكر، وهو مشفق من كبارها، فيقال: أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة، فيقول: رب إن لي ذنوباً ما أراها ها هنا، قال أبو ذر: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه".
وقال بعضهم: إن الله عز وجل يمحو بالندم جميع السيئات، ثم يثبت مكان كل سيئة حسنة.
70ـ " إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات " بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانها لواحق طاعتهم ، أو يبدل ملكة المعصية في النفس بملكة الطاعة . وقيل بأن يوفقه لأضداد ما سلف منه ، أو بأن يثبت له بدل كل عقاب ثواباً . " وكان الله غفوراً رحيماً " فلذلك يعفو عن السيئات ويثيب على الحسنات .
70. Save him who repenteth and believeth and doth righteous work; as for such, Allah will change their evil deeds to good deeds. Allah is ever Forgiving, Merciful.
70 - Unless he, repents, believes, and works righteous deeds, for God will change the evil of such persons into good, and God is Oft Forgiving, Most Merciful,