71 - (وإن) أي ما (منكم) أحد (إلا واردها) أي داخل جهنم (كان على ربك حتما مقضيا) حتمه وقضى به لا يتركه
يقول تعالى ذكره : وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم ، كان على ربك يا محمد إيرادهموها قضاء مقضياً، قد قضى ذلك وأوجبه في أم الكتاب.
واختلف أهل العلم في معنى الورود الذي ذكره الله في هذا الموضع ، فقال بعضهم : الدخول .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى، قال : أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو، قال : أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق، فقال ابن عباس: الورود : الدخول ، وقال نافع لا، فقرأ ابن عباس "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون" أورود هو أم لا؟ وقال : "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود" أورود هو أم لا؟ أما أنا وأنت فسندخلها، فانظر هل نخرج منها أم لا؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك ، قال : فضحك نافع.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : قال أبو راشد الحروري : ذكروا هذا فقال الحروري : لا يسمعون حسيسها ، قال ابن عباس : ويلك أمجنون أنت ؟ أين قوله تعالى : "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود"، "ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا" ، وقوله : "وإن منكم إلا واردها" والله إن كان دعاء من مضى : اللهم أخرجني من النار سالماً، وأدخلني الجنة غانماً.
قال ابن جريج : يقول : الورود الذي ذكره الله في القران : الدخول ، ليردنها كل بر وفاجر في القرآن أربعة أوراد "فأوردهم النار"، و"حصب جهنم أنتم لها واردون" ، "ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا" ، وقوله : "وإن منكم إلا واردها".
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس، قوله : "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا" يعرف البر والفاجر، ألم تسمع إلى قول الله تعالى لفرعون : "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود" ، وقال : "ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا" ، فسمى الورود في النار دخولاً، وليس بصادر.
حدثنا الحسن بن عرفة، قال : ثنا مروان بن معاوية، عن بكار بن أبي مروان، عن خالد بن معدان، قال : قال أهل الجنة بعد ما دخلوا الجنة : ألم يعدنا ربنا الورود على النار؟ قال : قد مررتم عليها وهي خامدة.
قال ابن عرفة: قال مروان بن معاوية: قال بكار بن أبي مروان، أو قال : جامدة.
حدثنا محمد بن المثنى، قال : ثنا مرحوم بن عبد العزيز، قال : ثنى أبو عمران الجوني، عن أبي خالد قال : تكون الأرضي يوماً ناراً، فماذا أعددتم لها؟ قال : فذلك قول الله "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا".
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، ثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي السليل، عن غنيم بن قيس، قال : ذكروا ورود النار، فقال كعب: تمسك النار للناس كأنها متن إهالة، حتى يستوي عليها أقدام الخلائق برهم وفاجرهم ، ثم يناديها مناد : أن أمسكي أصحابك ، ودعي أصحابي ، قال : فيخسف بكل ولي لها، ولهي أعلم بهم من الرجل بولده ، ويخرج المؤمنون ندية أبدانهم . قال : وقال كعب: مما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيرة سنة، مع كل واحد منهم عمود له شعبتان ، يدفع به الدفعة، فيصرع به في النار سبع مائة ألف.
حدثنا أبوكريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن مالك بن مغول ، عن أبي إسحاق ، قال : كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه ، قال : يا ليت أمي لم تلدني ، ثم يبكي ، فقيل : وما يبكيك يا أبا ميسرة؟ قال : أخبرنا أنا واردوها ، ولم يخبرنا أنا صادرون عنها .
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، عن إسماعيل ، عن قيس ، قال : بكى عبدالله بن رواحة في مرضه ، فبكت امرأته ، فقال : ما يبكيك ؟ قالت : رأيتك تبكي فبكيت ، قال ابن رواحة : إني قد علمت أني وارد النار فما أدري أناج منها أنا أم لا.
حدثنا القاسم ، قال :اثنا الحسين ، قال : ثنا أبو عمرو داود بن الزبرقان، قال : سمعت السدي يذكر عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود "وإن منكم إلا واردها" قال : داخلها .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله : "وإن منكم إلا واردها" قال : يدخلها.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم ، قال : كان عبد الله بن رواحة واضع رأسه في حجر امرأته ، فبكى ، فبكت امرأته ، قال : ما يبكيك ؟ قالت : رأيتك تبكي فبكيت ، قال : إني ذكرت قول الله "وإن منكم إلا واردها" فلا أدري أنجو منها، أم لا.
وقال آخرون : بل هو المر عليها.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "وإن منكم إلا واردها" يعني جهنم مر الناس عليها.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله : "وإن منكم إلا واردها" قال : هو المر عليها.
حدثنا خلاد بن أسلم قال : أخبرنا النضر، قال : أخبرنا إسرائيل، قال : أخبرنا أبو إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قوله "وإن منكم إلا واردها" قال : الصراط على جهنم مثل حد السيف فتمر الطبقة الأولى كالبرق ، والثانية كالريح ، والثالثة كأجود الخيل ، والرابعة كأجود البهائم . ثم يمرون والملائكة يقولون : اللهم سلم سلم.
وقال آخرون : بل الورود : هو الدخول ، ولكنه عنى الكفار دون المؤمنين.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى، قال : ثنا أبو داود، قال : ثنا شعبة، قال : أخبرني عبد الله بن السائب، عن رجل سمع ابن عباس يقرؤها "وإن منكم إلا واردها" يعني الكفار، قال : لا يردها مؤمن .
حدثنا محمد بن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا عمرو بن الوليد الشني ، قال : سمعت عكرمة يقول : "وإن منكم إلا واردها" يعني الكفار .
وقال آخرون : بل الورود عام لكل مؤمن وكافر، غير أن ورود المؤمن المرور، وورود الكافر الدخول.
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، في قوله : "وإن منكم إلا واردها" ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهريها وورود المشركين أن يدخلوها ، قال : وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الزالون والزالات يومئذ كثير، وقد أحاط الجسر سماطان من الملائكة ، دعواهم يومئذ يا الله سلم سلم.
وقال آخرون : ورود المؤمن ما يصيبه في الدنيا من حمى ومرض .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب، قال : ثنا ابن يمان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد قال : الحمى حظ كل مؤمن من النار، ثم قرأ : "وإن منكم إلا واردها".
حدثني عمران بن بكار الكلاعي، قال : ثنا أبو المغيرة، قال : ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، قال: ثنا إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلاً من أصحابه وبه وعك وأنا معه ، ثم قال : إن الله يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة.
وقال آخرون :يردها الجميع ، ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى، قال : ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال : ثني السدي، عن مرة، عن عبد الله "وإن منكم إلا واردها" قال : يردونها ثم يصدرون عنها بأعمالهم .
حدثنا ابن المثنى، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال : ثنا شعبة، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله، بنحوه.
حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال : ثنا أسباط، عن عبد الملك، عن عبيد الله ، عن مجاهد، قال : كنت عند ابن عباس ، فأتاه رجل يقال له أبو راشد، وهو نافع بن الأزرق، فقال له : يا ابن عباس أرأيت قول الله "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا" قال : أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها، فانظر هل نصدر عنها أم لا؟
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا أبو عاصم، قال : ثنا ابن جريج، قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود، فقال : نحن يوم القيامة على كوى أو كرى، فوق الناس ، فتدعى الأمم بأوثانها، وما كانت تعبد الأول فالأول ، فينطلق بهم ويتبعونه ، قال : ويعطى كل إنسان منافق ومؤمن نوراً، ويغشى ظلمة ثم يتبعونه ، وعلى جسر جهنم كلاليب تأخذ من شاء الله ، فيطفأ نور المنافق ، وينجو المؤمنون ، فتنجو أول زمرة كالقمر ليلة البدر، وسبعون ألفاً لا حساب عليهم ، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء، ثم كذلك ثم ، تحل الشفاعة فيشفعون ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله ممن في قلبه وزن شعيرة من خير، ثم يلقون تلقاء الجنة، ويهريق عليهم أهل الجنة الماء، فينبتون نبات الشيء في السيل ، ثم يسألون فيجعل لهم الدنيا وعشرة أمثالها.
حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن المبارك، عن الحسن ، قال : قال رجل لأخيه : هل أتاك بأنك وارد النار؟ قال : نعم ، قال : فهل أتاك أنك صادر عنها؟ قال : لا، قال : ففيم الضحك ؟ قال : فما رؤي ضاحكاً حتى لحق بالله .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : أخبرنا عمرو بن الحارث أن بكيرا حدثه أنه قال لبسر بن سعيد : إن فلانا يقول : إن ورود النار القيام عليها. قال بسر: أما أبو هريرة فسمعته يقول : إذا كان يوم القيامة يجتمع الناس ، نادى مناد : ليلحق كل أناس بما كانوا يعبدون ، فيقوم هذا إلى الحجر، وهذا إلى الفرس ، وهذا إلى الخشبة حتى يبقى الذين يعبدون الله ، فيأتيهم الله ، فإذا رأوه قاموا إليه ، فيذهب بهم فيسلك بهم على الصراط ، وفيه عليق ، فعند ذلك يؤذن بالشفاعة، فيمر الناس ، والنبيون يقولون : اللهم سلم سلم . قال بكير: فكان ابن عميرة يقول : فناج مسلم ومنكوس في جهنم ومخدوش ، ثم ناج.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : يردها الجميع ثم يصدر عنها المؤمنون ، فينجيهم الله ، ويهوي فيها الكفار. وورودهموها هو ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرورهم على الصراط المنصوب على متن جهنم ، فناج مسلم ومكدس فيها.
ذكر الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك :
حدثنا أبو كريب، قال : ثنا ابن إدريس، عن الأعمش ، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أم مبشر امرأة زيد بن حارثة، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة : "لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية ، قالت : فقالت حفصة : يا رسول الله ، أليس الله يقول "وإن منكم إلا واردها"؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمه ثم ينجي الله الذين اتقوا".
حدثنا الحسن بن مدرك، قال : ثنا يحيى بن حماد قال : ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أم مبشر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثله.
حدثنا أبو كريب، قال : ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أم مبشر، عن حفصة، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية قالت : فقلت يا رسول الله ، أليس الله يقول "وإن منكم إلا واردها"؟ قال : فلم تسمعيه يقول "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا"؟"
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، قال : ثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقب ، عن سليمان بن عمرو بن عبد العتواري ، أحد بني ليث ، وكان في حجر أبي سعيد، قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "يوضع الصراط بين ظهري جهنم ، عليه حسك كحسك السعدان ، ثم يستجيز الناس ، فناج مسلم ومجروح به ، ثم ناج ومحتبس ومكدس فيها، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد تفقد المؤمنون رجالاً كانوا معهم في الدنيا يصلون صلاتهم ، ويزكون زكاتهم ويصومون صيامهم ، ويحجون حجهم ، ويغزون غزوهم ، فيقولون : أي ربنا عباد من عبادك كانوا معنا في الدنيا، يصلون صلاتنا، ويزكون زكاتنا، ويصومون صيامنا ، ويحجون حجنا ، ويغزون غزونا، لا نراهم ، فيقول : اذهبوا إلى النار، فمن وجدتم فيها منهم فأخرجوه ، فيجدونهم قد أخذتهم النار على قدر أعمالهم ، فمنهم من أخذته النار إلى قدميه ، ومنهم من أخذته إلى نصف ساقيه ، ومنهم من أخذته إلى ركبتيه ، ومنهم من أخذته، إلى ثدييه ، ومنهم من أخذته إلى عنقه ولم تغش الوجوه ، فيستخرجونهم منها، فيطرحونهم في ماء الحياة؟ قيل : وما ماء الحياة يا رسول الله ؟ قال : غسل أهل الجنة، فينبتون كما تنبت الزرعة في غثاء السيل ، ثم تشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً، فيستخرجونهم منها، ثم يتحنن الله برحمته على من فيها، فما يترك فيها عبداً في قلبه مثقال ذرة من الإيمان إلا أخرجه منها".
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال : ثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث بن خالد، عن يزيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يؤتى بالجسر- يعني يوم القيامة - فيجعل بين ظهري جهنم قلنا: يا رسول الله وما الجسر؟ قال : مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكود بنجد، يقال لها السعدان ، يمر المؤمنون عليها كالطرف والبرق وكالريح ، وكأجاود الخيل والركاب ، فناج مسلم ، ومخدوش مسلم ، ومكدوس في جهنم ، ثم يمر آخرهم يسحب سحباً، فما أنتم بأشد مناشدة لي في الحق قد تبين لكم ، من المؤمنين يومئذ للجبار تبارك وتعالى ، إذا رأوهم قد نجوا وبقي إخوانهم".
حدثني أحمد بن عيسى، قال : ثنا سعيد بن كثير بن عفير، لمال : ثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، قال : سألت جابر بن عبد الله عن الورود، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "هو الدخول ، يردون النار حتى يخرجوا منها، فآخر من يبقى رجل على الصراط يزحف ، فيرفع الله له شجرة، قال : فيقول : أي رب أدنني منها، قال : فيدنيه الله تبارك وتعالى منها، قال : ثم يقول : أي رب أدخلني الجنة، قال : فيقول : سل ، قال : فيسأل ، قال : فيقول ذلك لك وعشرة أضعافه أو نحوها؟ قال : فيقول : يا رب تستهزئ بي ؟ قال : فيضحك حتى تبدو لهواته وأضراسه".
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : أخبرني يحيى بن أيوبح ، وحدثنا أبو كريب ، قال : ثنا محمد بن زيد، عن رشدين جميعاً، عن زياد بن فائد، عن سهل بن معاذ، عن أبيه ، "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من حرس وراء المسلمين في سبيل الله متطوعاً، لا يأخذه سلطان بحرس ، لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم ، فإن الله تعالى يقول "وإن منكم إلا واردها"".
حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا معمر، أخبرني الزهري، عن ابن المسيب عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من مات له ثلاثة لم تمسه النار إلا تحلة القسم" يعني : الورود.
وأما قوله : "كان على ربك حتما مقضيا" فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم معناه : كان على ربك قضاء مقضيا.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله : "حتما" قال : قضاء.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج "حتما مقضيا" قال :قضاء.
وقال آخرون : بل معناه : كان على ربك قسماً واجباً.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم، قال : ثنا الحسين، قال : ثنا أبو عمرو داود بن الزبرقان، قال : سمعت السدي يذكر عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود "كان على ربك حتما مقضيا" قال : قسماً واجباً.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "كان على ربك حتما مقضيا" يقول : قسماً واجباً.
قال أبو جعفر: وقد بينت القول في ذلك.
قوله تعالى: " وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا " فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعال: " وإن منكم " هذا قسم، والواو يتضمنه. ويفسره حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
" لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم "قال الزهري : كأنه يريد هذه الآية: " وإن منكم إلا واردها " ذكره أبو داود الطيالسي ، فقوله: " إلا تحلة القسم " يخرج في التفسير المسند، لأن القسم المذكور في هذا الحديث معناه عند أهل العلم قوله تعالى: " وإن منكم إلا واردها ". وقد قيل: إن المراد بالقسم قوله تعالى: " والذاريات ذروا " [الذاريات: 1]إلى قوله: " إنما توعدون لصادق * وإن الدين لواقع " [الذاريات: 6] والأول أشهر، والمعنى متقارب.
الثانية: واختلف الناس في الورود، فقيل: الورود الدخول، " روي عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمينن برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم " ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا " " أسنده أبو عمر في كتاب التمهيد . وهو قول ابن عباس وخالد بن معدان وابن جريج وغيرهم. وروي عن يونس أنه كان يقرأ وأن منكم إلا واردها الورود الدخول، على التفسير للورود، فغلط فيه بعض الرواة فألحقه بالقرآن. وفي مسند الدارمي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله عليه وسلم:
" يرد الناس النار ثم يصدرون منها بأعمالهم فمنهم كلمح البصر ثم كالريح ثم كحضر الفرس ثم كالراكب المجد في رحله ثم كشد الرجل في مشيته ". وروي عن ابن عباس أنه قال في هذه المسألة لنافع بن الأزرق الخارجي: أما أنا وأنت فلا بد أن نردها، أما أنا فينجيني الله منها، وأما أنت فما أظنه ينجيك لتكذيبك. وقد أشفق كثير من العلماء من تحقق الورود والجهل بالصدر، وقد بيناه في التذكرة . وقالت فرقة: الورود الممر على الصراط وروي عن ابن عباس وابن مسعود وكعب الأحبار والسدي ورواه السدي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وقاله الحسن أيضاً قال: ليس الورود الدخول، إنما تقول: وردت البصرة ولم أدخلها. قال: فالورود أن يمروا على الصراط. قال أبو بكر الأنباري: وقد بنى على مذهب الحسن قوم من أهل اللغة، واحتجوا بقول الله تعالى: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " [الأنبياء: 101] قالوا: فلا يدخل النار من ضمن الله أن يبعده منها. وكان هؤلاء يقرؤون " ثم " بفتح الثاء " ننجي الذين اتقوا ". واحتج عليهم الآخرون أهل المقالة الأولى بأن معنى قوله: " أولئك عنها مبعدون " عن العذاب فيها، والإحراق بها. قالوا: فمن دخلها وهو لا يشعر بها، ولا يحس منها وجعاً ولا ألماً، فهو مبعد عنها في الحقيقة. ويستدلون بقوله تعالى: " ثم ننجي الذين اتقوا " بضم الثاء، فـ" ثم " تدل على نجاء بعد الدخول.
قلت: وفي صحيح مسلم :
" ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة فيقولون اللهم سلم سلم، قيل: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهم " الحديث. وبه احتج من قال: إن الجواز على الصراط هو الورود الذي تضمنته هذه الآية لا الدخول فيها. وقالت فرقة: بل هو ورود إشراف واطلاع وقرب. وذلك أنهم يحضرون موضع الحساب وهو بقرب جهنم، فيرونها وينظرون إليها في حالة الحساب، ثم ينجي الله الذين اتقوا مما نظروا إليه، ويصار بهم إلى الجنة. " ونذر الظالمين " أي يؤمر بهم إلى النار قال الله تعالى: " ولما ورد ماء مدين " [القصص: 23] أي أشرف عليه لا أنه دخله. وقال زهير:
فلما وردن الماء زرقاً جمامه وضعن عصي الحاضر المتخيم
" وروت حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لا يدخل النار أحد من أهل بدر والحديبية، قالت فقلت: يا رسول الله وأين قول الله تعالى: " وإن منكم إلا واردها " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمه " ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا " ". أخرجه مسلم من " حديث أم مبشر، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة ". الحديث. ورجح الزجاج هذا القول بقوله تعالى: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " [الأنبياء: 101]. وقال مجاهد :
ورود المؤمنين النار هو الحمى التي تصيب المؤمن في دار الدنيا، وهي حظ المؤمن من النار فلا يردها. روى أبو هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضاً من وعك به، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
" أبشر فإن الله تبارك وتعالى يقول(( هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار )) " أسنده أبو عمر قال: حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: حدثنا قاسم بن أصبغ قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله عن أبي صالح الأشعري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم عاد مريضاً فذكره. وفي الحديث:
" الحمى حظ المؤمن من النار ". وقالت فرقة: الورود النظر إليها في القبر، فينجي منها الفائز، ويصلاها من قدر عليه دخولها، ثم يخرج منها بالشفاعة أو بغيرها من رحمة الله تعالى. واحتجوا بحديث ابن عمر:
" إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي "الحديث. وروى وكيع عن شعبة عن عبد الله بن السائب عن رجل عن ابن عباس أنه قال: في قول الله تعالى: " وإن منكم إلا واردها " قال: هذا خطاب للكفار. وروي عنه أنه كان يقرأ " وإن منهم " رداً على الآيات التي قبلها في الكفار قوله: " فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا * ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا * ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا " " وإن منهم " وكذلك قرأ عكرمة وجماعة، وعليها فلا شعب في هذه القراءة. وقالت فرقة: المراد بـ" منكم " الكفرة، والمعنى: قل لهم يا محمد. وهذا التأويل أيضاً سهل التناول، والكاف في " منكم " راجعة إلى الهاء في " لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا " فلا ينكر رجوع الكاف إلى الهاء، فقد عرف ذلك في قوله عز وجل: " وسقاهم ربهم شرابا طهورا * إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا " [الإنسان: 21 - 22] معناه كان لهم، فرجعت الكاف إلى الهاء. وقال الأكثر: المخاطب العالم كله، ولا بد من ورود الجميع، وعليه نشأ الخلاف في الورود. وقد بينا أقوال العلماء فيه. وظاهر الورود الدخول، لقوله عليه الصلاة والسلام: " فتمسه النار " لأن المسيس حقيقته في اللغة المماسة، إلا أنها تكون برداً وسلاماً على المؤمنين، وينجون منها سالمين. قال خالد بن معدان: إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا: ألم يقل ربنا: إنا نرد النار؟ فيقال: لقد وردتموها فألفيتموها رماداً.
قلت: وهذا القول يجمع شتات الأقوال، فإن من وردها ولم تؤذه بلهبها وحرها فقد أبعد عنها ونجي منها. نجانا الله تعالى منها بفضله وكرمه، وجعلنا ممن وردها فدخلها سالماً، وخرج منها غانماً. فإن قيل: فهل يدخل الأنبياء النار؟قلنا: لا نطلق هذا، ولكن نقول: إن الخلق جميعاً يردونها كما دل عليه حديث جابر أول الباب، فالعصاة يدخلونها بجرائمهم، والأولياء والسعداء لشفاعتهم فبين الدخولين بون. وقال ابن الأنباري محتجاً لمصحف عثمان وقراءة العامة: جائز في اللغة أن يرجع من خطاب الغيبة إلى لفظ المواجهة بالخطاب، كما قال: " وسقاهم ربهم شرابا طهورا * إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا " [الإنسان 21-22] فأبدل الكاف من الهاء. وقد تقدم هذا المعنى في ((يونس)).
الثالثة: الاستثناء في قوله عليه السلام: " إلا تحلة القسم " يحتمل أن يكون استثناء منقطعاً: لكن تحلة القسم، وهذا معروف في كلام العرب، والمعنى ألا تمسه النار أصلاً، وتم الكلام هنا ثم ابتدأ " إلا تحلة القسم " أي لكن تحلة القسم لا بد منها في قوله تعالى: " وإن منكم إلا واردها " وهو الجواز على الصراط أو الرؤية أو الدخول دخول سلامة، فلا يكون في ذلك شيء من مسيس، لقوله عليه الصلاة والسلام:
" لا يموت لأحدكم ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار " والجنة الوقاية والستر، ومن وقي النار وستر عنها فلن تمسه أصلاً، ولو مسته لما كان موقى.
الرابعة: هذا الحديث يفسر الأول لأن فيه ذكر الحسبة، ولذلك جعله مالك بأثره مفسراً له. ويقيد هذا الحديث الثاني أيضاً ما رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
" من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كان له حجاباً من النار - أو - دخل الجنة " فقوله عليه السلام: " لم يبلغوا الحنث " - ومعناه عند أهل العلم لم يبلغوا الحلم ولم يبلغوا أن يلزمهم حنث - دليل على أن أطفال المسلمين في الجنة - والله أعلم - لأن الرحمة إذا نزلت بآبائهم استحال أن يرحموا من أجل من ليس بمرحوم. وهذا إجماع من العلماء في أن أطفال المسلمين في الجنة، ولم يخالف في ذلك إلا فرقة شذت من الجبرية فجعلتهم في المشيئة، وهو قول مهجور مردود بإجماع الحجة الذين لا تجوز مخالفتهم، ولا يجوز على مثلهم الغلط، إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد الثقات العدول، وأن قوله عليه الصلاة والسلام:
" الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه وأن الملك ينزل فيكتب أجله وعمله ورزقه " الحديث مخصوص، وأن من مات من أطفال المسلمين قبل الاكتساب فهو ممن سعد في بطن أمه ولم يشق بدليل الأحاديث والإجماع. وكذلك " قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله تعالى عنها:
يا عائشة إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم " ساقط ضعيف مردود بالإجماع والآثار، وطلحة بن يحيى الذي يرويه ضعيف لا يحتج به. وهذا الحديث مما انفرد به فلا يعرج عليه وقد روى شعبة عن معاوية بن قرة بن إياس المزني عن أبيه " عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً من الأنصار مات له ابن صغير فوجد عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أما يسرك ألا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته يستفتح لك، فقالوا: يا رسول الله أله خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين عامة " قال أبو عمر : هذا حديث ثابت صحيح، يعني ما ذكرناه مع إجماع الجمهور، وهو يعارض حديث يحيى ويدفعه. قال أبو عمر : والوجه عندي في هذا الحديث وما أشبهه من الآثار أنها لمن حافظ على أداء فرائضه، واجتنب الكبائر، وصبر واحتسب في مصيبته، فإن الخطاب لم يتوجه في ذلك العصر إلا إلى قوم الأغلب من أمرهم ما وصفنا، وهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وذكر النقاش عن بعضهم أنه قال: نسخ قوله تعالى: " وإن منكم إلا واردها " قوله: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " [الأنبياء: 101] وهذا ضعيف، وهذا ليس موضع نسخ. وقد بينا أنه إذا لم تمسه النار فقد أبعد عنها. وفي الخبر:
" تقول النار للمؤمن يوم القيامة جز - يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي ".
الخامسة: قوله تعالى: " كان على ربك حتما مقضيا " الحتم إيجاب القضاء، أي كان ذلك حتماً. " مقضيا " أي قضاه الله تعالى عليكم. وقال ابن مسعود: أي قسماً واجباً.
قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب , حدثنا غالب بن سليمان عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن, وقال بعضهم: يدخلونها جميعاً, ثم ينجي الله الذين اتقوا, فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له: إنا اختلفنا في الورود, فقال: يردونها جميعاً, وقال سليمان بن مرة : يدخلونها جميعاً, وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه, وقال: صمتاً إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا يبقى برولا فاجر إلا دخلها, فتكون على المؤمن برداً وسلاماً كما كانت النار على إبراهيم حتى إن للنار ضجيجاً من بردهم, ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثياً" غريب ولم يخرجوه.
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا مروان بن معاوية عن بكار بن أبي مروان عن خالد بن معدان قال: قال أهل الجنة بعد ما دخلوا الجنة: ألم يعدنا ربنا الورود على النار ؟ قال: قد مررتم عليها وهي خامدة, وقال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: كان عبد الله بن رواحة واضعاً رأسه في حجر امرأته, فبكى فبكت امرأته, فقال: ما يبكيك ؟ قالت رأيتك تبكي فبكيت, قال: إني ذكرت قول الله عز وجل "وإن منكم إلا واردها" فلا أدري أأنجو منها أم لا ـ وفي رواية, وكان مريضاً.
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا ابن يمان عن مالك بن مغول عن أبي إسحاق كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال: ياليت أمي لم تلدني, ثم يبكي, فقيل له: ما يبكيك يا أبا ميسرة ؟ قال: أخبرنا أنا واردوها ولم نخبر أنا صادرون عنها, وقال عبد الله بن المبارك عن الحسن البصري قال: قال رجل لأخيه: هل أتاك أنك وارد النار ؟ قال: نعم, قال: فهل أتاك أنك صادر عنها ؟ قال: لا, قال: ففيم الضحك ؟ قال: فما رئي ضاحكاً حتى لحق بالله. وقال عبد الرزاق أيضاً: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو , أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق فقال ابن عباس : الورود الدخول, فقال نافع : لا, فقرأ ابن عباس "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون" وردوا أم لا, وقال: "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار" أوردها أم لا, أما أنا وأنت فسندخلها. فانظر هل نخرج منها أم لا ؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك, فضحك نافع .
وروى ابن جريج عن عطاء قال: قال أبو راشد الحروري وهو نافع بن الأزرق "لا يسمعون حسيسها" فقال ابن عباس : ويلك, أمجنون أنت ؟ أين قوله: "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار" "ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً" "وإن منكم إلا واردها" والله إن كان دعاء من مضى: اللهم أخرجني من النار سالماً, وأدخلني الجنة غانماً. وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي , حدثنا أسباط عن عبد الملك عن عبيد الله عن مجاهد قال: كنت عند ابن عباس فأتاه رجل يقال له أبو راشد وهو نافع بن الأزرق , فقال له: ياابن عباس أرأيت قول الله: "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً" ؟ قال: أما أنا وأنت ياأبا راشد فسنردها, فانظر هل نصدر عنها أم لا ؟
وقال أبو داود الطيالسي : قال شعبة : أخبرني عبد الله بن السائب عمن سمع ابن عباس يقرؤها " وإن منكم إلا واردها " يعني الكفار, وهكذا روى عمر بن الوليد الشني أنه سمع عكرمة يقرؤها كذلك " وإن منكم إلا واردها " قال وهم الظلمة كذلك كنا نقرؤها, رواه ابن أبي حاتم وابن جرير , وقال العوفي عن ابن عباس : قوله: "وإن منكم إلا واردها" يعني البر والفاجر, ألا تسمع إلى قول الله لفرعون: "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار" الاية, "ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً" فسمى الورود على النار دخولاً وليس بصادر.
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن عن إسرائيل عن السدي , عن مرة عن عبد الله هو ابن مسعود "وإن منكم إلا واردها" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرد الناس كلهم ثم يصدرون عنها بأعمالهم" ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبيد الله عن إسرائيل عن السدي به. ورواه من طريق شعبة عن السدي عن مرة عن ابن مسعود موقوفاً, هكذا وقع هذا الحديث ههنا مرفوعاً . وقد رواه أسباط عن السدي عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال: يرد الناس جميعاً الصراط, وورودهم قيامهم حول النار, ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم, فمنهم من يمر مثل البرق, ومنهم من يمر مثل الريح, ومنهم من يمر مثل الطير, ومنهم من يمر كأجود الخيل, ومنهم من يمر كأجود الإبل, ومنهم من يمر كعدو الرجل حتى إن آخرهم مراً رجل نوره على موضع إبهامي قدميه, يمر فيتكفأ به الصراط, والصراط دحض مزلة عليه حسك كحسك القتاد, حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس. وذكر تمام الحديث رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير : حدثنا خلاد بن أسلم , حدثنا النضر , حدثنا إسرائيل , أخبرنا ابو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قوله: "وإن منكم إلا واردها" قال: الصراط على جهنم مثل حد السيف, فتمر الطبقة الأولى كالبرق, والثانية كالريح, والثالثة كأجود الخيل, والرابعة كأجود البهائم. ثم يمرون والملائكة يقولون: اللهم سلم سلم, ولهذا شواهد في الصحيحين وغيرهما من رواية أنس وأبي سعيد وأبي هريرة وجابر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. وقال ابن جرير : حدثني يعقوب , حدثنا ابن علية عن الجريري عن أبي السليل عن غنيم بن قيس قال: ذكروا ورود النار, فقال كعب : تمسك النار الناس كأنها متن إهالة حتى يستوي عليها أقدام الخلائق: برهم وفاجرهم, ثم يناديها مناد: أن أمسكي أصحابك ودعي أصحابي, قال فتخسف بكل ولي لها, وهي أعلم بهم من الرجل بولده, ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم. قال كعب : ما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيرة سنة, مع كل واحد منهم عمود ذو شعبتين, يدفع به الدفع فيصرع به في النار سبعمائة ألف.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر , عن أم مبشر عن حفصة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدراً والحديبية قالت: فقلت أليس الله يقول: "وإن منكم إلا واردها" قالت: فسمعته يقول "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً " " . وقال أحمد أيضاً: حدثنا ابن إدريس , حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر , عن أم مبشر امرأة زيد بن حارثة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة فقال: "لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية قالت حفصة : أليس الله يقول "وإن منكم إلا واردها" ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم ننجي الذين اتقوا" الاية " , وفي الصحيحين من حديث الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار إلا تحلة القسم".
وقال عبد الرزاق قال معمر أخبرني الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من مات له ثلاثة لم تمسه النار إلا تحلة القسم" يعني الورود, وقال أبو داود الطيالسي حدثنا زمعة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم" قال الزهري كأنه يريد هذه الاية "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا". وقال ابن جرير حدثني عمران بن بكار الكلاعي حدثنا أبو المغيرة حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم حدثنا إسماعيل بن عبيد الله عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلاً من أصحابه وعك وأنا معه ثم قال إن الله تعالى يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الاخرة" غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وحدثنا أبو كريب , حدثنا ابن يمان عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: الحمى حظ كل مؤمن من النار ثم قرأ "وإن منكم إلا واردها". وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات, بنى الله له قصراً في الجنة فقال عمر : إذاً نستكثر يارسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكثر وأطيب" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وحسن أولئك رفيقاً إن شاء الله, ومن حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعاً لا بأجر سلطان لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم". قال تعالى: "وإن منكم إلا واردها" وإن الذكر في سبيل الله يضاعف فوق النفقة بسبعمائة ضعف. وفي رواية بسبعمائة ألف ضعف.
وروى أبو داود عن أبي الطاهر عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب , كلاهما عن زبان عن سهل عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الصلاة والصيام والذكر يضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف" وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قوله: "وإن منكم إلا واردها" قال: هو الممر عليها. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: "وإن منكم إلا واردها" قال: ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهرانيها وورود المشركين أن يدخلوها, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الزالون والزالات يومئذ كثير وقد أحاط بالجسر يومئذ سماطان من الملائكة دعاؤهم يا ألله سلم سلم" وقال السدي عن مرة عن ابن مسعود في قوله "كان على ربك حتماً مقضياً" قال: قسماً واجباً. وقال مجاهد : حتماً, قال قضاء, وكذا قال ابن جريج .
وقوله: "ثم ننجي الذين اتقوا" أي إذا مر الخلائق كلهم على النار وسقط فيها من سقط من الكفار والعصاة ذوي المعاصي بحسبهم, نجى الله تعالى المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم, فجوازهم على الصراط وسرعتهم بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا, ثم يشفعون في أصحاب الكبائر من المؤمنين, فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون فيخرجون خلقاً كثيراً قد أكلتهم النار إلا دارات وجوههم وهي مواضع السجود, وإخراجهم إياهم من النار بحسب ما في قلوبهم من الإيمان, فيخرجون أولاً من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان, ثم الذي يليه, ثم الذي يليه, ثم الذي يليه, حتى يخرجون من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان, ثم يخرج الله من النار من قال يوماً من الدهر: لا إله إلا الله وإن لم يعمل خيراً قط, ولا يبقى في النار إلا من وجب عليه الخلود كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولهذا قال تعالى: "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً".
71- "وإن منكم إلا واردها" الخطاب للناس من غير التفات، أو للإنسان المذكور، فيكون التفاتاً: أي ما منكم من أحد إلا واردها: أي واصلها.
وقد اختلف الناس في هذا الورود، فقيل الورود الدخول ويكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم. وقالت فرقة: الورود هو المرور على الصراط، وقيل ليس الورود الدخول إنما هو كما يقول وردت البصرة ولم أدخلها، وقد توقفت كثير من العلماء عن تحقيق هذا الورود، وحمله على ظاهره لقوله تعالى: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون" قالوا: فلا يدخل النار من ضمن الله أن يبعده عنها، ومما يدل على أن الورود لا يستلزم الدخول قوله تعالى: " ولما ورد ماء مدين " فإن المراد أشرف عليه لا أنه دخل فيه، ومنه قول زهير.
فلما وردن الماء زرقاً حمامه وضعن عصي الحاضر المتخيم
ولا يخفى أن القول بأن الورود هو المرور على الصراط، أو الورود على جهنم وهي خامدة فيه، جمع بين الأدلة من الكتاب والسنة، فينبغي حمل هذه الآية على ذلك، لأنه قد حصل الجمع بحمل الورود على دخول النار مع كون الداخل من المؤمنين مبعداً من عذابها، أو بحمله على المضي فوق الجسر المنصوب علها، وهو الصراط "كان على ربك حتماً مقضياً" أي كان ورودهم المذكور أمراً محتوماً قد قضى سبحانه أنه لا بد من وقوعه لا محالة، وقد استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن العقاب واجب على الله، وعند الأشاعرة أن هذا مشبه بالواجب من جهة استحالة تطرق الخلف إليه.
71 - قوله عز وجل : " وإن منكم إلا واردها " ، وما منكم إلا واردها ، وقيل : القسم فيه مضمر ، أي : و الله ما منكم من أحد إلا واردها ، والورود هو موافاة المكان .
واختلفوا في معنى الورود هاهنا ، وفيما تنصرف إليه الكناية في قوله : " واردها " : قال ابن عباس رضي الله عنهما وهو قول الأكثرين ، معنى الورود هاهنا هو الدخول ، والكناية راجعة إلى النار ،وقالوا : النار يدخلها البر والفاجر ، ثم ينجي الله المتقين ، فيخرجهم منها .
والدليل على أن الورود هو الدخول : قول الله عز وجل حكاية عن فرعون : " يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار " ( هود : 98 ) .
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار أن نافع بن الأزرق مارى ابن عباس رضي الله عنهما في الورود ،فقال ابن عباس رضي الله عنه : هو الدخول . وقال نافع : ليس الورود الدخول ،فتلا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى :" إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون " ( الأنبياء : 98 ) أدخلها هؤلاء أم لا ؟ ثم قال : يا نافع أما والله أنت وأنا سنردها ، وأنا أرجو أن يخرجني الله وما أرى الله عز وجل أن يخرجك منها بتكذيبك .
وقال قوم : ليس المراد من الورود الدخول ، وقالوا : النار لا يدخلها مؤمن أبداً ، لقوله تعالى : " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها " ( الأنبياء : 101/ 102 ) ، وقالوا : كل من دخلها لا يخرج منها . والمراد من قوله : " وإن منكم إلا واردها " ، الحضور والرؤية ، لا الدخول كما قال الله تعالى : " ولما ورد ماء مدين " ( القصص : 23 ) أراد به الحضور .
وقال عكرمة : الآية في الكفار فإنهم يدخلونها ولا يخرجون منها .
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنه قال " وإن منكم إلا واردها " يعني : القيامة ، والكناية راجعة إليها .
والأول أصح . وعليه أهل السنة ، أنهم جميعاً يدخلون النار ثم يخرج الله عز وجل منها أهل الإيمان ، بدليل قوله تعالى : " ثم ننجي الذين اتقوا " ، أي اتقوا الشرك ، وهم المؤمنون . والنجاة إنما تكون مما دخلت فيه .
وقرأ الكسائي ويعقوب "ننجي" بالتخفيف والآخرون : بالتشديد.
والدليل على هذا : ما أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر بن الحسن الحيري ، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أخبرنا عبد الرحيم بن منيب ، أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم " .
وأراد بالقسم قوله : " وإن منكم إلا واردها " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، أخبرنا هشام ، أخبرنا قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ،ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير " ، وقال أبان عن قتادة : ( من إيمان ) مكان ( خير ) .
أخبرنا أبو المظفر محمد بن إسماعيل بن علي الشجاعي ،أخبرنا أبو نصر النعمان بن محمد بن محمود الجرجاني ، أخبرنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ، أخبرنا محمد بن عبد الوهاب ، أخبرنا محمد بن الفضل أبو النعمان ، أخبرنا سلام بن مسكين ، أخبرنا أبو الظلال عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن رجلاً في النار ينادي ألف سنة يا حنان يا منان ، فيقول الله عز وجل لجبريل : اذهب فائتني بعبدي هذا ، قال: فذهب جبريل فوجد أهل النار منكبين يبكون ، قال : فرجع فأخبر ربه عز وجل ، قال اذهب فإنه في موضع كذا و كذا ، قال : فجاء به ، قال : يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك ؟ قال : يا رب شر مكان وشر مقيل ،قال: ردوا عبدي ،قال: ما كنت أرجو أن تعيدني إليها إذ أخرجتني منها ، قال الله تعالى لملائكته : دعوا عبدي " .
وأما قوله عز وجل : " لا يسمعون حسيسها " ( الأنبياء : 102 ) قيل : إن الله عز وجل أخبر عن وقت كونهم في الجنة أنهم لا يسمعون حسيسها ، فيجوز أن يكونوا قد سمعوا ذلك قبل دخولهم الجنة ، لأنه لم يقل : لم يسمعوا حسيسها .ويجوز أن لا يسمعوا حسيسها عند دخولهم إياها ، لأن الله عز وجل يجعلها عليهم برداً وسلاماً .
وقال خالد بن معدان : يقول أهل الجنة ألم يعدنا ربنا أن نرد النار ؟ فيقال : بلى ،ولكنكم مررتم بها ، وهي خامدة .
وفي الحديث : تقول النار للمؤمن : " جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي " .
وروي عن مجاهد في قوله عز وجل : " وإن منكم إلا واردها " قال : من حم من المسلمين فقد وردها.
وفي الخبر :" الحمى كير من جهنم ، وهي حظ المؤمن من النار " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا محمد بن المثنى ، أخبرنا يحيى ، عن هشام ، أخبرني أبي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء " .
" كان على ربك حتماً مقضياً " ، أي : كان ورودكم جهنم حتماً لازماً ، " مقضياً " : قضاه الله عليكم .
71 -"وإن منكم" وما منكم التفات إلى الإنسان ويؤيده أنه قرىء وإن منهم . " إلا واردها " إلا واصلها وحاضر دونها يمر بها المؤمنون وهي خامدة وتنهار بغيرهم. وعن جابر رضي الله عنه أنه عليه السلام "سئل عنه فقال: إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض :أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار، فيقال لهم : قد وردتموها وهي خامدة" . وأما قوله تعالى:"أولئك عنها مبعدون" فالمراد عن عذابها. وقيل ورودها الجواز على الصراط فإنه ممدود عليها. " كان على ربك حتما مقضيا " كان ورودهم واجباً أوجبه الله على نفسه وقضى به بأن وعد به وعداً لا يمكن خلفه. وقيل أقسم عليه.
71. There is not one of you but shall approach it. That is a fixed ordinance of thy Lord.
71 - Not one of you but will Pass over it: this is, with thy Lord, a decree which must be accomplished.