(يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم) من عدوكم ، أي احترزوا منه وتيقظوا له (فانفروا) انهضوا إلى قتاله (ثبات) متفرقين سرية بعد أخرى (أو انفروا جميعا) مجتمعين
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "يا أيها الذين آمنوا"، صدقوا الله ورسوله ، "خذوا حذركم"، خذوا جنتكم وأسلحتكم التي تتقون بها من عدوكم لغزوهم وحربهم، "فانفروا" إليهم "ثبات".
وهي جمع ثبة، و الثبة، العصبة.
ومعنى الكلام: فانفروا إلى عدوكم جماعة بعد جماعة متسلحين.
ومن الثبة قول زهير:
وقد أغدو على ثبة كرام نشاوى واجدين لما نشاء
وقد تجمع الثبة على ثبين.
"أو انفروا جميعا"، يقول: أو انفروا جميعاً مع نبيكم صلى الله عليه وسلم لقتالهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثي المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "خذوا حذركم فانفروا ثبات"، يقول: عصباً، يعني سرايا متفرقين، أو انفروا"جميعا"، يعني: كلكم.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "فانفروا ثبات"، قال: فرقاً، قليلاً قليلاً.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "فانفروا ثبات"، قال: الثبات ا لفرق.
حدثنا الحسين بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة مثله.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فانفروا ثبات"، فهي العصبة، وهي الثبة، "أو انفروا جميعا"، مع النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "فانفروا ثبات"، يعني: عصباً متفرقين.
فيه خمس مسائل:
الأولى- قوله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم " هذا خطاب للمؤمنين المخلصين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأمر لهم بجهاد الكفار والخروج في سبيل الله وحماية الشرع ووجه النظم والاتصال بما قبل أنه لما ذكر طاعة الله وطاعة رسوله، أمر أهل الطاعة بالقيام بإحياء دينه وإعلاء دعوته، وأمرهم ألا يقتحموا على عدوهم على جهالة حتى يتحسسوا إلى ما عندهم ويعملوا كيف يردون عليهم فذلك أثبت لهم فقال " خذوا حذركم " فعلمهم مباشرة الحروب. ولا ينافي هذا التوكل بل هو مقام عين التوكل كما تقدم في آل عمران ويأتي والحذر والحذر لغتان كالمثل والمثل. قال الفراء: أكثر الكلام الحذر، والحذر مسمع أيضاً يقال: خذ حذرك. أي احذر وقيل: خذوا السلاح حذراً لأن به الحذر والحذر لا يدفع القدر وهي:
الثانية - خلافاً للقدرية في قولهم: إن الحذر يدفع ويمنع من مكائد الأعداء ولو لم يكن كذلك ما كان لأمرهم بالحذر معنى فيقال لهم : ليس في الآية دليل على أن الحذر ينفع من القدر شيئاً ولكنا تعبدنا بألا نلقي بأيدينا إلى التهلكة ومنه الحديث :
"اعقلها وتوكل " وإن كان القدر جارياً على ما قضى ، ويفعل الله ما يشاء فالمراد منه طمأنينة النفس، لا أن ذلك ينفع من القدر وكذلك أخذ الحذر والدليل على ذلك أن الله تعالى أثنى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله :" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا " [ التوبة : 51] فلو كان يصيبهم غير ما قضى عليهم لم يكن لهذا الكلام معنى .
الثالثة - قوله تعالى :" فانفروا ثبات " يقال : نفر ينفر (بكسر الفاء ) نفيراً. ونفرت الدابة تنفر (بضم الفاء) نفوراً، المعنى: انهضوا لقتال العدو، واستنفر الإمام الناس دعاهم إلى النفر إي للخروج إلى قتال العدو، والنفير اسم للقوم الذين ينفرون وأصله من النفار والنفور وهو الفزع ومنه قوله تعالى :" ولوا على أدبارهم نفورا" [الإسراء:46] أي نافرين، ومنه نفر الجلد أي ورم ، وتخلل رجل بالقصب فنفر فمه أي ورم وقال أبو عبيد: إنما هو من نفار الشيء من الشيء وهو تجافيه عنه وتباعده نه قال ابن فارس: النفر عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة والنفير أيضاً وكذلك النفر والنفرة، حكاها الفراء بالهاء ويوم النفر : يوم ينفر الناس عن منى وثبات معناه جماعات متفرقات ويقال: ثبين يجع جمع السلامة في التأنيث والتذكير قال عمرو بن كلثوم :
فأما يوم خشيتنا عليهم فتصبح خلينا عصبا ثبينا
فقوله تعالى :" ثبات " كناية عن السرايا، الواحدة ثبة وهي العصابة من الناس وكانت في الأصل الثيبة وقد ثبيت الجيش جعلتهم ثبة ثبة والثبة :وسط الحوض الذي يثوب إليه الماء أي يرجع قال النحاس: وربما توهم الضعيف في العربية أنهما واحد وأن أحدهما من الآخر وبينهما فرق فثبة الحوض يقال في تصغيرها ثويبة لأنها من ثاب يثوب ويقال في ثبة الجماعة: ثبية قال غيره: فثبة الحوض محذوفة الواو وهو عين الفعل وثبة الجماعة معتل اللام من ثبا يثبو مثل خلا يخلو. ويجوز أن يكون الثبة بمعنى الجماعة من ثبة الحوض لأن الماء إذا ثاب اجتمع فعلى هذا تصغر به الجماعة ثوبية فتدخل إحدى الياءين في الأخرى وقد قيل: إن ثبة الجماعة إنما اشتقت من ثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه في حياته وجمعت محاسن ذكره فيعود إلى الاجتماع .
الرابعة - قوله تعالى :"أو انفروا جميعا" معناه الجيش الكثيف مع الرسول عليه السلام قاله ابن عباس وغيره ولا تخرج السرايا إلا بإذن الإمام ليكون متجسساً لهم عضداً من ورائهم وربما احتاجوا إلى درئه وسيأتي حكم السرايا وغنائهم وأحكامهم الجيوش ووجوب النفير في الأنفال وبراءة إن شاء الله تعالى .
الخامسة - ذكر ابن خويز منداد: وقيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :" انفروا خفافا وثقالا" وبقوله : " إلا تنفروا يعذبكم " ولأن يكون "انفروا خفافا وثقالا" منسوخاً بقوله: " فانفروا ثبات أو انفروا جميعا" وبقوله :" وما كان المؤمنون لينفروا كافة " أولى لأن فرض الجهاد تقرر عن الكفاية فمتى سد الثغور بعض المسلمين أسقط الفرض عن الباقين . والصحيح أن الآيتين جميعاً محكمتان إحداهما في الوقت الذي يحتاج فيه إلى تعين الجميع والأخر عند الاكتفاء بطائفة دون غيرها.
يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوهم, وهذا يستلزم التأهب لهم بإعداد الأسلحة والعدد, وتكثير العدد بالنفير في سبيل الله "ثبات" أي جماعة بعد جماعة وفرقة بعد فرقة وسرية بعد سرية, والثباب جمع ثبة, وقد تجمع الثبة على ثبين, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوله: "فانفروا ثبات" أي عصباً يعني, سرايا متفرقين "أو انفروا جميعاً" يعني كلكم, وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والسدي وقتادة والضحاك وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وخصيف الجزري.
وقوله تعالى: "وإن منكم لمن ليبطئن" قال مجاهد وغير واحد: نزلت في المنافقين, وقال مقاتل بن حيان: "ليبطئن" أي ليتخلفن عن الجهاد, ويحتمل أن يكون المراد أنه يتباطأ هو في نفسه, ويبطىء غيره عن الجهاد كما كان عبد الله بن أبي بن سلول ـ قبحه الله ـ يفعل, يتأخر عن الجهاد ويثبط الناس عن الخروج فيه. وهذا قول ابن جريج وابن جرير, ولهذ قال تعالى إخباراً عن المنافق أنه يقول: إذا تأخر عن الجهاد "فإن أصابتكم مصيبة" أي قتل وشهادة وغلب العدو لكم لما لله في ذلك من الحكمة " قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا " أي إذ لم أحضر معهم وقعة القتال يعد ذلك من نعم الله عليه, ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر أو الشهادة إن قتل.
"ولئن أصابكم فضل من الله" أي نصر وظفر وغنيمة "ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة" أي كأنه ليس من أهل دينكم "يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً" أي بأن يضرب لي بسهم معهم فأحصل عليه. وهو أكبر قصده وغاية مراده.
ثم قال تعالى: "فليقاتل" أي المؤمن النافر " في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة " أي يبيعون دينهم بعرض قليل من الدنيا, وما ذلك إلا لكفرهم وعدم إيمانهم, ثم قال تعالى: "ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" أي كل من قاتل في سبيل الله سواء قتل أو غلب عند الله مثوبة عظيمة وأجر جزيل, كما ثبت في الصحيحين: وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه بما نال من أجر أو غنيمة.
قوله 71- "يا أيها الذين آمنوا" هذا خطاب لخلص المؤمنين، وأمر لهم بجهاد الكفار والخروج في سبيل الله، والحذر والحذر لغتان كالمثل والمثل. قال الفراء: أكثر الكلام الحذر. والحذر مسموع أيضاً، يقال: خذ حذرك أي إحذر، وقيل معنى الآية: الأمر لهم يأخذ السلاح حذراً، لأن به الحذر. قوله "فانفروا" نفر ينفر بكسر الفاء نفيراً، ونفرت الدابة تنفر بضم الفاء نفوراً. والمعنى: انهضوا لقتال العدو. أو النفير اسم للقوم الذين ينفرون، وأصله من النفار والنفور، وهو الفزع، ومنه قوله تعالى " ولوا على أدبارهم نفورا " أي: نافرين. قوله "ثبات" جمع ثبة: أي جماعة، والمعنى: انفروا جماعات متفرقات. قوله "أو انفروا جميعاً" أي: مجتمعين جيشاً واحداً. ومعنى الآية: الأمر لهم بأن ينفروا على أحد الوصفين ليكون ذلك أشد على عدوهم وليأمنوا من أن يتخطفهم الأعداء إذا نفر كل واحد منهم وحده أو نحو ذلك، وقيل: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى "انفروا خفافاً وثقالاً" وبقوله " إلا تنفروا يعذبكم " والصحيح أن الآيتين جميعاً محكمتان: إحداهما في الوقت الذي يحتاج فيه إلى نفور الجميع، والأخرى عند الاكتفاء بنفور البعض دون البعض.
71-قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم"،أي: عدتكم وآلتكم من السلاح، والحذر والحذر واحد، كالمثل والمثل والشبه والشبه،"فانفروا"اخرجوا"ثبات"أي: سرايا متفرقين سرية بعد سرية، والثبات جماعات في تفرقة واحدتها ثبة،"أو انفروا جميعاً"أي: مجتمعين كلكم مع النبي صلى الله عليه وسلم .
71"يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم" تيقظوا واستعدوا للأعداء، والحذر والحذر كالأثر والأثر. وقيل ما يحذر به كالحزم والسلاح. "فانفروا" فاخرجوا إلى الجهاد. "ثبات" جماعات متفرقة، جمع ثبة من ثبيت على فلان تثبية إذا ذكرت متفرق محاسنه ويجمع أيضاً على ثبين جبراً لما حذف من عجزه. "أو انفروا جميعاً" مجتمعين كوكبة واحدة، والآية وإن نزلت في الحرب لكن ينبغي إطلاق لفظها وجوب المبادرة إلى الخيرات كلها كيفما أمك قبل الفوات.
71. O ye who believe! Take your precautions, then advance the proven ones, or advance all together.
71 - Ye who believe take your precautions, and either go forth in parties or go forth all together.