وقالوا أيضا (ولا تؤمنوا) تصدقوا (إلا لمن) اللام زائدة (تبع) وافق (دينكم) قال تعالى: (قل) لهم يا محمد (إن الهدى هدى الله) الذي هو الإسلام وما عداه ضلال ، والجملة إعتراض (أن) أي بأن (يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) من الكتاب والحكمة والفضائل ، وأن مفعول تؤمنوا ، والمستثنى منه أحد قدم عليه المستثنى المعنى: لا تقروا بأن أحدا يؤتى ذلك إلا لمن اتبع دينكم (أو) بأن (يحاجوكم) أي المؤمنون يغلبوكم (عند ربكم) يوم القيامة لأنكم أصح دينا ، وفي قراءة: أأن بهمزة التوبيخ أي إيتاء أحد مثله تقرون به قال تعالى: (قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء) فمن أين لكم أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم (والله واسع) كثير الفضل (عليم) بمن هو أهله
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولا تصدقوا إلا من تبع دينكم فكان يهودياً.
وهذا خبر من الله عن قول الطائفة الذين قالوا لإخوانهم من اليهود: "آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار". واللام التي في قوله: "لمن تبع دينكم"، نظيرة اللام التي في قوله: "عسى أن يكون ردف لكم"، بمعنى : ردفكم ، "بعض الذي تستعجلون" [النمل: 72].
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم"، هذا قول بعضهم لبعض.
حدثني المثنى قال ،حدثنا إسحق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع مثله.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم" قال: لا تؤمنوا إلا لمن تبع اليهودية.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله: "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم"، قال: لا تؤمنوا إلا لمن آمن بدينكم، ومن خالفه فلا تؤمنوا له.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: قوله: "قل إن الهدى هدى الله"، اعتراض به في وسط الكلام ، خبراً من الله عن أن البيان بيانه والهدى هداه. قالوا: وسائر الكلام بعد ذلك متصل بالكلام الأول ، خبراً عن قيل اليهود بعضها لبعض. فمعنى الكلام عندهم: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو أن يحاجوكم عند ربكم، أي : ولا تؤمنوا أن يحاجكم أحد عند ربكم. ثم قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد: إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، و"إن الهدى هدى الله".
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم"، حسداً من يهود أن تكون النبوة في غيرهم ، وإرادة أن يتبعوا على دينهم.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله.
وقال آخرون: تأويل ذلك : قل يا محمد: "إن الهدى هدى الله"، إن البيان بيان الله، "أن يؤتى أحد"، قالوا: ومعناه : لا يؤتى أحد من الأمم مثل ما أوتيتم، كما قال: "يبين الله لكم أن تضلوا" [النساء: 176]، بمعنى: لا تضلون ، وكقوله: "كذلك سلكناه في قلوب المجرمين * لا يؤمنون به" [الشعراء: 200-201]، بمعنى: أن لا يؤمنوا، "مثل ما أوتيتم"، يقول: مثل ما أوتيت، أنت يا محمد، وأمتك من الإسلام والهدى، "أو يحاجوكم عند ربكم"، قالوا: ومعنى "أو": إلا، أي: إلا أن "يحاجوكم"، يعني : إلا أن يجادلوكم عند ربكم عندما فعل بهم ربكم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : قال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: "قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم"، يقول: مثل ما أوتيتم يا أمة محمد، "أو يحاجوكم عند ربكم"، تقول اليهود: فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة، حتى أنزل علينا المن والسلوى، فإن الذي أعطيتكم أفضل فقولوا: "إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء"، الآية.
فعلى هذا التأويل، جميع هذا الكلام، [أمر] من الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقوله لليهود، وهو متلاصق بعضه ببعض لا اعتراض فيه. و "الهدى" الثاني رد على "الهدى" الأول، و"أن" في موضع رفع على أنه خبر عن "الهدى".
وقال آخرون: بل هذا أمر من الله نبيه أن يقوله لليهود. وقالوا: تأويله: "قل" يا محمد "إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد" من الناس "مثل ما أوتيتم"، يقول: مثل الذي أوتيتموه أنتم يا معشر اليهود من كتاب الله، ومثل نبيكم ، فلا تحسدوا المؤمنين على ما أعطيتهم مثل الذي أعطيتكم من فضلي، فإن الفضل بيدي أوتيه من أشاء.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم"، يقول : لما أنزل الله كتاباً مثل كتابكم ، وبعث نبياً مثل نبيكم ، حسدتموهم على ذلك ، "قل إن الفضل بيد الله"، الآية.
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع مثله.
وقال آخرون: بل تأويل ذلك : "قل" يا محمد: "إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم" أنتم يا معشر اليهود من كتاب الله. قالوا : وهذا آخر القول الذي أمر الله به نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقوله لليهود من هذه الآية. قالوا : وقوله : "أو يحاجوكم"، مردود على قوله: "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم".
وتأويل الكلام -على قول أهل هذه المقالة -: "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم"، فتتركوا الحق: أن يحاجوكم به عند ربكم من اتبعتم دينه فاخترتموه: أنه محق، وأنكم تجدون نعته في كتابكم. فيكون حينئذ قوله: "أو يحاجوكم" مردوداً على جواب نهي متروك، على قول هؤلاء.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم"، يقول: هذا الأمر الذي أنتم عليه: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، "أو يحاجوكم عند ربكم"، قال : قال بعضهم لبعض : لا تخبروهم بما بين الله لكم في كتابه ، ليحاجوكم -قال: ليخاصموكم- به عند ربكم ، "قل إن الهدى هدى الله".
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون قوله: "قل إن الهدى هدى الله" معترضاً به ، وسائر الكلام متسق على سياق واحد. فيكون تأويله حينئذ: "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم"، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم -بمعنى: لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم-، "أو يحاجوكم عند ربكم"، بمعنى : أو أن يحاجوكم عند ربكم... أحد بإيمانكم ، لأنكم أكرم على الله بما فضلكم به عليهم.
فيكون الكلام كله خبراً عن قول الطائفة التي قال الله عز وجل: "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار" سوى قوله : "قل إن الهدى هدى الله". ثم يكون الكلام مبتدأ بتكذيبهم في قولهم: "قل"، يا محمد، للقائلين ما قالوا من الطائفة التي وصفت لك قولها لتباعها من اليهود: "إن الهدى هدى الله"، إن التوفيق توفيق الله والبيان بيانه، إن الفضل بيده يؤتيه من يشاء، لا ما تمنيتموه أنتم يا معشر اليهود.
وإنما اخترنا ذلك من سائر الأقوال التي ذكرناها، لأنه أصحها معنىً، وأحسنها استقامةً، على معنى كلام العرب، وأشدها اتساقاً على نظم الكلام وسياقه. وما عدا ذلك من القول، فانتزاع يبعد من الصحة، على استكراه شديد للكلام.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: "قل" يا محمد، لهؤلاء اليهود الذين وصفت قولهم لأوليائهم: "إن الفضل بيد الله"، إن التوفيق للإيمان والهداية للإسلام ، بيد الله وإليه ، دونكم ودون سائر خلقه ، "يؤتيه من يشاء" من خلقه، يعني : يعطيه من أراد من عباده ، تكذيباً من الله عز وجل لهم في قولهم لتباعهم : لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. فقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم : ليس ذلك إليكم، إنما هو إلى الله الذي بيده الأشياء كلها، وإليه الفضل وبيده، يعطيه من يشاء، "والله واسع عليم"، يعني: والله ذو سعة بفضله على من يشاء أن يتفضل عليه، "عليم" ، ذو علم بمن هو منهم للفضل أهل.
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك قراءةً، عن ابن جريج في قوله: "قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء"، قال: الإسلام.
وقوله تعالى : " ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم " : هذا نهي ، وهو من كلام اليهود بعضهم لبعض ، أي قال ذلك الرؤساء للسفلة . وقال السدي : من قول يهود خيبر ليهود المدينة . وهذه الآية أشكل ما في السورة . فروي عن الحسن ومجاهد أن معنى الاية ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، ولا تؤمنوا أن يحاجوكم عند ربكم لأنهم لا حجة لهم فإنكم أصح منهم دينا . وأن و يحاجوكم في موضع خفض ، أي بأن يحاجوكم أي باحتجاجهم ، أي لا تصدقوهم في ذلك فإنهم لا حجة لهم . أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من التوراة والمن والسلوى وفرق البحر وغيرها من الآيات والفضائل . فيكون أن يؤتى مؤخرا بعد أو يحاجوكم ،وقوله إن الهدى هدى الله اعتراض بين كلامين . وقال الأخفش : المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولا تصدقوا أن يحاجوكم ، يذهب إلى أنه معطوف . وقيل : المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، فالمد على الاستفهام أيضا تأكيد للإنكار الذي قالوه إنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتوه ، لأن علماء اليهود قالت لهم ، لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أي لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، فالكلام على نسقه . وأن في موضع رفع على قول من رفع في قولك أزيد ضربته ، والخبر محذوف تقديره أن يؤتى أحد ما أوتيتم تصدقون أو تقرون ، أي إيتاء موجود مصدق أو مقر به ، أي لا تصدقون بذلك . ويجوز أن تكون أن في موضع نصب على إضمار فعل ، كما جاز في قولك أزيدا ضربته ن وهذا أقوى في العربية لأن الاستفهام بالفعل أولى ، والتقدير أتقرون أن يؤتى ، أو أتشيعون ذلك ، أو أتذكرون ذلك ونحوه . وبالمد قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد . وقال أبو حاتم : آن معناه ألأن ، فحذفت لام الجر استخفافا وأبدلت مدة ، كقراءة من قرأ أن كان ذا مال أي ألأن . وقوله أو يحاجوكم على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين ، أو تكون أو بمعنى أن لنهما حرفا شك وجزاء يوضع أحدهما موضع الآخر . وتقدير الآية : وأن يحاجوكم عند ربكم يا معشر المؤمنين ن فقل : يا محمد إن الهدى هدى الله ونحن عليه . ومن قرأ بترك المد قال : إن النفي الأول دل على إنكارهم في قولهم ولا تؤمنوا . فالمعنى أن علماء اليهود قالت لهم : لا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أي لا إيمان لهم ولا حجة ، فعطف على المعنى من العلم والحكمة والكتاب والحجة والمن والسلوى وفلق البحر وغيرها من الفضائل والكرامات ، أي إنها لا تكون إلا فيكم فلا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم . فالكلام فيه تقديم وتاخير على هذه القراءة واللام زائدة .ومن استثنى ليس من الأول ، وإلا لم يجز الكلام . ودخلت أحد لأن أول الكلام نفي ، فدخلت في صلة أن لانه مفعول الفعل المنفي ، فأن في موضع نصب لعدم الخافض . وقال الخليل : أن في موضع خفض بالخافض المحذوف . وقيل : إن اللام ليست بزائدة ، وتؤمنوا محمول على تقروا . وقال ابن جريج : المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم . وقيل : المعنى لا تخبروا بما في كتابكم في صفة محمد صلى الله عليه وسلم إلا لمن تبع دينكم لئلا يكون طريقا إلى عبدة الأوثان إلى تصديقه . وقال الفراء : يجوز أن يكون قد انقطع كلام اليهود عند قوله تعالى عز وجل إلا لمن تبع دينكم ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم قل إن الهدى هدى الله . أي إن البيان الحق هو بيان الله عز وجل أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم بين ألا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، ولا مقدرة بعد أن اي لئلا تضلوا ، فلذلك صلح دخول أحد في الكلام وأو بمعنى حتى وإلا أن كما قال امرؤ القيس :
فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكا او نموت فنعذرا
وقال آخر :
وكنت إذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أو تستقيما
ومثله قولهم : لا نلتقي أو تقوم الساعة ، بمعنى حتى أو إلى أن ، وكذلك مذهب الكسائي . وهي عند الأخفش عاطفة على ولا تؤمنوا وقد تقدم . أي لا إيمان لهم ولا حجة ، فعطف على المعنى . ويحتمل أن تكون الآية كلها خطابا للمؤمنين من الله تعالى على جهة النثبيت لقلوبهم والتشحيذ لبصائرهم ، لئلا يشكوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم . والمعنى لا تصدقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع دينكم ، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الفضل والدين ، ولا تصدقوا أن يحاجكم في دينكم عند ربكم من خالفكم أو يقدر على ذلك ، فإن الهدى هدى الله وإن الفضل بيد الله . قال الضحاك : إن اليهود قالوا إنا نحاج عند ربنا من خالفنا في ديننا ، فبين الله تعالى أنهم هم المدحضون المعذبون وأن المؤمنين هم الغالبون . ومحاجتهم خصومتهم يوم القيامة . ففي الخبر عن رسول الله صلى اله عليه وسلم
إن اليهود والنصارى يحاجونا عند ربنا فيقولون أعطيتنا أجرا واحدا وأعطيتهم أجرين فيقول هل ظلمتكم من حقوقكم شيئا قالوا لا قال فإن فضلي أوتيه من أشاء . قال علماؤنا : فلو علموا أن ذلك من فضل الله لم يحاجونا عند ربنا ، فاعلم الله نبيه صلى الله عليهوسلم أنهم يحاجونكم يوم القيامة عند ربكم ، ثم قال : قل لهم الآن إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله وساع عليم . وقرأ ابن كثير آن يؤتى بالمد على الاستفهام ، كما قال الأعشى :
أأن رأت رجلا أعشى أضربه ريب المنون ودهر متبل خبل
وقرأ الباقون بغير مد على الخبر . وقرأ سعيد بن جبير إن يؤتى بكسر الهمزة ، على معنى النفي ، ويكون من كلام الله تعالى كما قال الفراء . والمعنى : قل يا محمد إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم . يعني اليهود بالباطل فيقولون نحن أفضل منكم . ونصب أو يحاجوكم يعني بإضمار أن وأو تضمر بعدها أن إذا كانت بمعنى حتى و إلا أن . وقرأ الحسن أن يؤتى بكسر التاء وياء مفتوحة ، على معنى أن يؤتي أحد أحدا مثل ما أوتيتم ، فحذف المفعول :
قوله تعالى : قل إن الهدى هدى الله :
فيه قولان :
أحدهما : أن الهدى إلى الخير والدلالة إلى الله عز وجل بيد الله جل ثناؤه يؤتيه أنبياءه ، فلا تنكروا أن يؤتى أحد سواكم مثل ما أوتيتم ، فإن أنكروا ذلك فقل لهم إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء . والقول الآخر : قل إن الهدى هدى الله الذي آتاه المؤمنين من التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم لا غيره . وقال بعض أهل الإشارات في هذه الآية : لا تعاشروا إلا من يوافقكم على أحوالكم وطريقتكم فإن من لا يوافقكم لا يرافقكم والله أعلم .
يخبر تعالى عن حسد اليهود للمؤمنين, وبغيهم إياهم الإضلال, وأخبر أن وبال ذلك إنما يعود على أنفسهم وهم لا يشعرون أنهم ممكور بهم, ثم قال تعالى منكراً عليهم "يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون" أي تعلمون صدقها وتتحققون حقها "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون" أي تكتمون ما في كتبكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم تعرفون ذلك وتتحققونه "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره" الاية, هذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم, وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار, ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح, فإذا جاء النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس: إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيضة وعيب في دين المسلمين, ولهذا قالوا "لعلهم يرجعون". وقال ابن أبي نجيح : عن مجاهد في قوله تعالى إخباراً عن اليهود بهذه الاية, يعني يهوداً صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح, وكفروا آخر النهار مكراً منهم, ليروا الناس أن قد بدت لهم الضلالة منه بعد أن كانوا اتبعوه. وقال العوفي عن ابن عباس : قالت طائفة من أهل الكتاب: إذ لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا, وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا, وهكذا روي عن قتادة والسدي والربيع وأبي مالك .
وقوله تعالى: "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم" أي لا تطمئنوا أو تظهروا سركم وما عندكم إلا لمن تبع دينكم, ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين فيؤمنوا به ويحتجوا به عليكم قال الله تعالى: "قل إن الهدى هدى الله" أي هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان بما ينزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الايات البينات, والدلائل القاطعات, والحجج الواضحات، وإن كتمتم أيها اليهود ما بأيديكم من صفة محمد النبي الأمي في كتبكم التي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين. وقوله "أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم" يقولون: لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين, فيتعلموه منكم, ويساووكم فيه ويمتازوا به عليكم لشدة الإيمان به, أو يحاجوكم به عند ربكم, أي يتخذوه حجة عليكم بما في أيديكم, فتقوم به عليكم الدلالة, وتتركب الحجة في الدنيا والاخرة, قال الله تعالى: "قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء" أي الأمور كلها تحت تصرفه, وهو المعطي المانع, يمن على من يشاء بالإيمان والعلم والتصور التام, ويضل من يشاء فيعمي بصره وبصيرته, ويختم على قلبه وسمعه, ويجعل على بصره غشاوة, وله الحجة التامة والحكمة البالغة "والله واسع عليم * يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم" أي اختصكم أيها المؤمنون من الفضل بما لا يحد ولا يوصف بما شرف به نبيكم محمداً صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء, وهداكم به إلى أكمل الشرائع.
قوله 73- "ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم" هذا من كلام اليهود بعضهم لبعض: أي قال ذلك الرؤساء للسفلة لا تصدقوا تصديقاً صحيحاً إلا لمن تبع دينكم من أهل الملة التي أنتم عليها، وأما غيرهم ممن قد أسلم فأظهروا لهم ذلك خداعاً "وجه النهار واكفروا آخره" ليفتتنوا، ويكون قوله "أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم" على هذا متعلقاً بمحذوف: أي فعلتم ذلك لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم: يعني أن ما بكم من الحسد والبغي أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من فضل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم. وقوله "أو يحاجوكم" معطوف على أن يؤتى: أي لا يؤمنوا إيماناً صحيحاً وتقروا بما في صدوركم إقراراً صادقاً لغير من تبع دينكم، فعلتم ذلك ودبرتموه أن المسلمين يحاجوكم يوم القيامة عند الله بالحق. وقوله "إن الهدى هدى الله" جملة اعتراضية. وقال الأخفش: المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ولا تصدقوا أن يحاجوكم، فذهب إلى أنه معطوف، وقيل: المراد لا تؤمنوا وجه النهار وتكفروا آخره إلا لمن تبع دينكم: أي لمن دخل في الإسلام وكان من أهل دينكم قبل إسلامه، لأن إسلام من كان منهم هو الذي قتلهم غيظاً وأماتهم حسرة وأسفاً، ويكون قوله "أن يؤتى" على هذا متعلقاً بمحذوف كالأول، وقيل: إن قوله "أن يؤتى" متعلق بقوله "لا تؤمنوا" أي لا تظهروا إيمانكم ب"أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم" أي أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم، ولا تفشوه إلا لأتباع دينكم، وقيل المعنى: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتوه، فتكون على هذا أن وما بعدها في محل رفع على الابتداء، والخبر محذوف تقديره تصدقون بذلك، ويجوز أن تكون في محل نصب على إضمار فعل تقديره تقرون أن يؤتى، وقد قرأ آن يؤتى بالمد ابن كثير وابن محيصن وحميد. وقال الخليل: أن في موضع خفض والخافض محذوف. وقال ابن جريج: المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية أن يؤتى، وقيل المعنى: لا تخبروا بما في كتابكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من تبع دينكم، لئلا يكون ذلك سبباً لإيمان غيرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقال الفراء: يجوز أن يكون قد انقطع كلام اليهود عند قوله "إلا لمن تبع دينكم" ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم "قل إن الهدى هدى الله" أي: إن البيان الحق بيان الله بين أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم على تقدير لا كقوله تعالى "يبين الله لكم أن تضلوا" أي: لئلا تضلوا، وأو في قوله "أو يحاجوكم" بمعنى حتى، وكذلك قال الكسائي، وهي عند الأخفش عاطفة كما تقدم. وقيل: إن هدى الله بدل من الهدى، وأن يؤتى خبر إن على معنى قل: إن هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. وقد قيل: إن هذه الآية أعظم آي هذه السورة إشكالاً وذلك صحيح. وقرأ الحسن يؤتي بكسر التاء الفوقية. وقرأ سعيد بن جبير إن يؤتى بكسر الهمزة على أنها النافية.
73-قوله تعالى :" ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم" هذا متصل بالأول من قول اليهود بعضهم لبعض" ولا تؤمنوا" أي لا تصدقوا" إلا لمن تبع دينكم" وافق ملتكم ، واللام في لمن صلة ، أي لا تصدقوا إلا من تبع دينكم اليهودية كقوله تعالى :" قل عسى أن يكون ردف لكم"(72-النحل) أي : ردفكم ."قل إن الهدى هدى الله" هذا خبر من الله عز وجل أن البيان بيانه ، ثم اختلفوا: فمنهم من قال : كلام معترض بين كلامين ، وما بعده متصل بالكلام الأول / إخبار عن قول اليهود بعضهم لبعض ، ومعناه : و تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، و لا تؤمنوا إن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والكتاب والحكمة والآيات من المن والسلوى وفلق البحر ، وغيرها من الكرامات . ولا تؤمنوا أن يحاجوكم عند ربكم لأنكم اصح ديناً منهم . وهذا معنى قول مجاهد.
وقيل: أن اليهود قالت لسفلتهم " ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم" "أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم" العلم ، أي: لئلا يؤتى أحد ، ولا فيه مضمرة ، كقوله تعالى " يبين الله لكم أن تضلوا" (النساء-176) أي: لئلا تضلوا ، يقول : لا تصدقوهم لئلا يعلموا مثل ما علمتم فيكون لكم الفضل عليهم في العلم ، ولئلا يحاجوكم عند ربكم فيقولوا : عرفتم إن ديننا حق ، وهذا معنى قول ابن جريح.
وقرأ الحسن والأعمش (إن يؤتى) بكسر الألف ، فيكون قول اليهود تاماً عند قوله " إلا لمن تبع دينكم" وما بعد من قول الله تعالى يقول : قل يا محمد( إن الهدى هدى الله إن يؤتى ) إن بمعنى الجحد ، أي ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم " أو يحاجوكم عند ربكم " يعني : إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل فيقولوا : نحن أفضل منكم ، فقوله عز وجل ( عند ربكم ) أي عند فضل ربكم بكم ذلك ، وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن والكلبي ومقاتل . وقال الفراء : ويجوز أن يكون أو بمعنى حتى كما يقال : تعلق به أو يعطيك حقك أي حتى يعطيك حقك ، ومعنى الآية : ما أعطي أحد مثل ما أعطيتم يا أمة محمد من الدين والحجة حتى يحاجوكم عند ربكم .
وقرأ ابن كثير (آن يؤتى) بالمد على الاستفهام وحينئذ يكون فيه اختصار تقديره : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونه ولا تؤمنون به ، هذا قول قتادة والربيع وقالا: هذا من قول الله تعالى يقول: قل لهم يا محمد ( إن الهدى هدى الله) بان انزل كتاباً مثل كتابكم وبعث نبياً حسدتموه وكفرتم به.
"قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم" ، قوله أو يحاجوكم على هذه القراءة رجوع إلى خطاء المؤمنين وتكون أو بمعنى إن لأنهما حرفاً شرط وجزاء يوضح أحدهما موضع الآخر ، أي وإن يحاجوكم يا معشر المؤمنين عند ربكم فقل يا محمد: إن الهدى هدى الله ونحن عليه ، ويجوز أن يكون الجميع خطاباً للمؤمنين ، ويكون نظم الآية :أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤمنين حسدوكم فقل( إن الفضل بيد الله) وإن حاجوكم (فقل إن الهدى هدى الله).
ويجوز أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله (لعلهم يرجعون ) ، وقوله تعالى: ( ولا تؤمنوا) من كلام الله يثبت به قلوب المؤمنين لئلا يشكوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم ، يقول لا تصدقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع دينكم ، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين والفضل، ولا تصدقوا أن يحاجوكم في دينكم عند ربكم و يقدروا على ذلك فإن الهدى هدى الله و( إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) فتكون الآية كلها خطاب الله للمؤمنين عند تلبيس اليهود لئلا يرتابوا.
73" ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم " ولا تقروا عن تصديق قلب إلا لأهل دينكم، أو لا تظهروا إيمانكم وجه النهار لمن كان على دينكم فإن رجوعهم أرجى وأهم. "قل إن الهدى هدى الله" هو يهدي من يشاء إلى الإيمان ويثبته عليه. "أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم" متعلق بمحذوف أي دبرتم ذلك وقلتم لأن يؤتى أحد، المعنى أن الحسد حملكم على ذلك أو بلا تؤمنوا أي ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأشياعكم، ولا تفشوه إلى المسلمين لئلا يزيد ثباتهم ولا إلى المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام وقوله: " قل إن الهدى هدى الله " اعتراض يدل على أن كيدهم لا يجدي بطائل، أو خبر إن على أن هدى الله بدل من الهدى. وقراءة ابن كثير "أن يؤتى" على الاستفهام للتقريع، تؤيد الوجه الأول أي إلا أن يؤتى أحد دبرتم .و قرىء "إن" على أنها نافية فيكون من كلام الطائفة أي ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم وقولوا لهم ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. "أو يحاجوكم عند ربكم" عطف على "أن يؤتى" على الوجهين الأولين وعلى الثالث معناه: حتى يحاجوكم عند ربكم فيدحضوا حجتكم عند ربكم، والواو ضمير أحد لأنه في معنى الجمع إذ المراد به غير أتباعهم. " قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ".
73. And believe not save in one who followeth your religion. Say (O Muhammad): Lo! the guidance is Allah's guidance. that any one is given the like of that which was given unto you or that they may argue with you in the presence of their Lord. Say (O Muhammad): Lo! the bounty is in Allah's hand. He bestoweth it on whom He will. Allah is All Embracing, All Knowing.
73 - And believe no one unless he follows your religion. say: turn guidance is the guidance of God: (fear ye) lest a revelation be sent to someone (else) like unto that which was sent unto you? or that those (receiving such revelation) should engage you in argument before your lord? say: all bounties are in the hand of God: he granteth them to whom he pleaseth: and God careth for all, and he knoweth all things.