(وما لكم لا تقاتلون) استفهام توبيخ ، أي لا مانع لكم من القتال (في سبيل الله و) في تخليص (المستضعفين من الرجال والنساء والولدان) الذين حبسهم الكفار عن الهجرة وآذوهم ، قال ابن عباس رضي الله عنه: كنت أنا وأمي منهم. (الذين يقولون) داعين يا (ربنا أخرجنا من هذه القرية) مكة (الظالم أهلها) بالكفر (واجعل لنا من لدنك) من عندك (وليا) يتولى أمورنا (واجعل لنا من لدنك نصيرا) يمنعنا منهم ، وقد استجاب الله دعاءهم فيسر لبعضهم الخروج وبقي بعضهم إلى أن فتحت مكة وولَّى صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد فأنصف مظلومهم من ظالمهم
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: "وما لكم" أيها المؤمنون، "لا تقاتلون في سبيل الله"، وفي "المستضعفين"، يقول: عن المستضعفين منكم، "من الرجال والنساء والولدان"، فأما من "الرجال"، فإنهم كانوا قد أسلموا بمكة، فغلبتهم عشائرهم على أنفسهم بالقهر لهم، وآذوهم ، ونالوهم بالعذاب والمكاره في أبدانهم ليفتنوهم عن دينهم، فحض الله المؤمنين على استنقاذهم من أيدي من قد غلبهم على أنفسهم من الكفار، فقال لهم: وما شأنكم لا تقاتلون في سبيل الله، وعن مستضعفي أهل دينكم وملتكم الذين قد استضعفهم الكفار فاستذلوهم ابتغاء فتنتهم وصدهم عن دينهم؟ "من الرجال والنساء والولدان"، جمع ولد: وهم الصبيان، "الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها"، يعني بذلك أن هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، يقولون في دعائهم ربهم بأن ينجييهم من فتنة من قد استضفهم من المشركين: يا ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها.
والعرب تسمي كل مدينة قرية -يعني: التي قد ظلمتنا وأنفسها أهلها- وهي في هذا الموضع ، فيما فسر أهل التأويل، مكة.
وخفض "الظالم" لأنه من صفة الأهل، وقد عادت الهاء والألف اللتان فيه على "القرية"، وكذلك تفعل العرب إذا تقدمت صفة الاسم الذي معه عائد لاسم قبلها، تبعت إعرابها إعراب الاسم الذي قبلها، كأنها صفة له، فتقول: مررت بالرجل الكريم أبوه.
"واجعل لنا من لدنك وليا"، يعني: أنهم يقولون أيضاً في دعائهم: يا ربنا، واجعل لنا من عندك ولياً، يلي أمرنا بالكفاية مما نحن فيه من فتنة أهل الكفر بك، "واجعل لنا من لدنك نصيرا"، يقولون: واجعل لنا من عندك من ينصرنا على من ظلمنا من أهل هذه القرية الظالم أهلها، بصدهم إيانا عن سبيلك، حتى تظفرنا بهم، وتعلي دينك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها"، قال: أمر المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفي المؤمنين، كانوا بمكة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان" - الصبيان - "الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها"، مكة، أمر المؤمنين أن يقاتلوا عن مستضعفين مؤمنين كانوا بمكة.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها"، يقول: وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وفي المستضعفين، وأما "القرية"، فمكة.
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن عثمان بن عطا، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين"، قال: وفي المستضعفين.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير، أنه سمع محمد بن مسلم بن شهاب يقول، "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان"، قال: في سبيل الله وسبيل المستضعفين.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن وقتادة في قوله: "أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها"، قالا: خرج رجل من القرية الظالمة إلى القرية الصالحة فأدركه الموت في الطريق، فنأى بصدره إلى القرية الصالحة -فما تلافاه إلا ذلك- فاحتجت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأمروا أن يقدروا أقرب القريتين إليه، فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بشبر. وقال بعضهم: قرب الله إليه القرية الصالحة، فتوفته ملائكة الرحمة.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان"، هم أناس كانوا بمكة، لا يستطيعون أن يخرجوا منها ليهاجروا، فعذرهم الله، فهم أولئك، وقوله: "ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها"، فهي مكة.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها"، قال: وما لكم لا تفعلون؟ تقاتلون لهؤلاء الضعفاء المساكين الذين يدعون الله أن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلها، فهم ليس لهم قوة، فما لكم لا تقاتلون حتى يسلم الله هؤلاء ودينهم؟ قال: و"القرية الظالم أهلها"، مكة.
فيه ثلاثة مسائل :
الأولى -قوله تعالى :" وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله " حض على الجهاد وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سواء العذاب ويفتنونهم عن الدين فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده وإن كان في ذلك تلف النفوس، وتخليص الأسارى واجب على جماعة المسلمين إما بالقتال وإما بالأموال، وذلك أوجب لكونها دون النفوس إذ هي أهون منها قال مالك: واجب على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم . وهذا لا خلاف فيه "لقوله عليه السلام:
فكلوا العاني" وقد مضى في البقرة وكذلك قولوا : عليهم أن يواسوهم فإن المواساة دون المفاداة فإن كان الأسير غنياً فهل يرجع عليه الفادي أم لا ، قولان للعلماء أصحهما الرجوع.
الثانية- قوله تعالى :" والمستضعفين " عطف على اسم الله عز وجل أي وفي سبيل المستضعفين فإن خلاص المستضعفين من سبيل الله وهذا اختيار الزجاج وقاله الزهري وقال محمد بن يزيد: أختار أن يكون المعنى وفي المستضعفين فيكون عطفاً على السبيل، أي وفي المستضعفين لاستنقاذهم فالسبيلان مختلفان ويعني بالمستضعفين من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال كفرة قريش وأذاهم وهم المعنيون "بقوله عليه السلام :
اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين"
وقال ابن عباس: كنت أنا وأمي من المستضعفين .في البخاري عنه "إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان " فقال:
كنت أنا وأمي من ممن عذر الله ، أنا من الوالدين وأمي من النساء .
الثالثة- قوله تعالى :" من هذه القرية الظالم أهلها " القرية هنا مكة بإجماع من المتأولين. ووصفها بالظلم وإن كان الفعل للأهل لعلقة الضمير وهذا كما تقول: مررت بالرجل الواسعة داره والكريم أبوه والحسنة جاريته وإنما وصف الرجل بها للعلقة اللفظية بينهما وهو الضمير فلو قلت: مررت بالرجل الكريم عمرو لم تجز المسألة لأن الكرم لعمرو فلا يجوز أن يجعل صفة لرجل إلا بعلقة وهي الهاء ولا تثنى هذه الصفة ولا تجمع لأنها تقوم مقام الفعل فالمعنى أي التي ظلم أهلها ولهذا لم يقل الظالمين وتقول : مررت برجلين كريم أبواهما حسنة جاريتاهما، وبرجال كريم آباؤهم حسنة جواريهم. " واجعل لنا من لدنك " أي من عندك " وليا" أي من يستنقذنا " واجعل لنا من لدنك نصيرا" أي ينصرنا عليهم .
يحرض تعالى عباده المؤمنين على الجهاد في سبيله, وعلى السعي في استنقاذ المستضعفين بمكة من الرجال والنساء والصبيان المتبرمين من المقام بها, ولهذا قال تعالى: "الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية" يعني مكة, كقوله تعالى: "وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك", ثم وصفها بقوله: "الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً" أي سخر لنا من عندك ولياً وناصراً, قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد, حدثنا سفيان عن عبيد الله, قال: سمعت ابن عباس قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين. حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا حماد بن زيد عن أيوب, عن ابن مليكة أن ابن عباس تلا "إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان" قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله عز وجل.
ثم قال تعالى: "الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت" أي المؤمنون يقاتلون في طاعة الله ورضوانه, والكافرون يقاتلون في طاعة الشيطان, ثم هيج تعالى المؤمنين على قتال أعدائه بقوله: "فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً"
قوله 75- "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله" خطاب للمؤمنين المأمورين بالقتال على طريق الالتفات. قوله "والمستضعفين" مجرور عطفاً على الاسم الشريف أي: ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وسبيل المستضعفين حتى تخلصوهم من الأسر وتريحوهم مما هم فيه من الجهد. ويجوز أن يكون منصوباً على الاختصاص: أي وأخص المستضعفين فإنهم من أعظم ما يصدق عليه سبيل الله، واختار الأول الزجاج والأزهري. وقال محمد بن يزيد: أختار أن يكون المعنى وفي المستضعفين فيكون عطفاً على السبيل، والمراد بالمستضعفين هنا من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال الكفار، وهم الذين كان يدعو لهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين" كما في الصحيح. ولا يبعد أن يقال: إن لفظ الآية أوسع، والاعتبار بعموم اللفظ لولا تقييده بقوله: "الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها" فإنه يشعر باختصاص ذلك بالمستضعفين الكائنين في مكة لأنه قد أجمع المفسرون على أن المراد بالقرية الظالم أهلها مكة. وقوله "من الرجال والنساء والولدان" بيان للمستضعفين.
75-قوله تعالى:" وما لكم لا تقاتلون" لا تجاهدون " في سبيل الله " في طاعة الله ، يعاتبهم على ترك الجهاد، "والمستضعفين" أي: عن المستضعفين ، وقال ابن شهاب: في سبيل المستضعفين لتخليصهم ، وقيل: في تخليص المستضعفين من أيدي المشركين ، وكان بمكة جماعة، "من الرجال والنساء والولدان"، يلقون من المشركين أذى كثيراً،" الذين " يدعون و"يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها" ، يعني: مكة، الظالم أي: المشرك، أهلها يعني القرية التي من صفتها أن أهلها مشركون،وإنما خفض "الظالم" لأنه نعت للأهل، فلما عاد الأهل إلى القرية صار كأن الفعل لها ، كما يقال مررت برجل حسنة عينه."واجعل لنا من لدنك ولياً"،أي: من يلي امرنا،"واجعل لنا من لدنك نصيراً"،أي: من يمنع العدو عنا، فاستجاب الله دعوتهم ، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ولى عليهم عتاب بن أسيد وجعله الله لهم نصيراً ينصف المظلومين من الظالمين.
75"وما لكم" مبتدأ وخبر. "لا تقاتلون في سبيل الله" حال والعامل فيها ما في الظرف من معنى الفعل. "والمستضعفين" عطف على إسم الله تعالى أي وفي سبيل المستضعفين، وهو تخليصهم من الأسر وصونهم من العدو، أو على سبيل بحذف المضاف أي وفي خلاص المستضعفين، ويجوز نصبه على الاختصاص فإن سبيل الله تعالى يعم أبواب الخير، وتخليص ضعفة المسلمين من أيدي الكفار أعظمها وأخصها، "من الرجال والنساء والولدان" بيان للمستضعفين وهم المسلمون الذين بقوا بمكة لصد المشركين، أو ضعفهم عن الهجرة مستذلين ممتحنين، وإنما ذكر الولدان مبالغة في الحث وتنبيها على تناهي ظلم المشركين بحيث بلغ أذاهم الصبيان، وأن دعوتهم أجيبت بسبب مشاركتهم في الدعاء حتى يشاركوا في استنزال الرحمة واستدفاع البلية. وقيل المراد به العبيد والإماء وهو جمع وليد. "الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً" فاستجاب الله دعاءهم بأن يسر لبعضهم الخروج إلى المدينة وجعل لمن بقي منهم خير ولي وناصر بفتح مكة على نبيه صلى الله عليه وسلم، فتولاهم نصرهم ثم استعمل عليهم عتاب بن أسيد فحماهم ونصرهم حتى صاروا أعز أهلها، والقرية مكة والظالم صفتها، وتذكيره لتذكير ما أسند إليه فإن اسم الفاعل أو المفعول إذا جرى على غير من هو له كان كالفعل يذكر ويؤنث على حسب ما عمل فيه.
75. How should ye not fight for the cause of Allah and of the feeble among men and of the women and the children who are crying: Our Lord! Bring us forth from out this town of which the people are oppressors! Oh, give us from Thy presence some protecting friend! Oh, give us from Thy presence some defender!
75 - And why should ye not fight in the cause of God and of those who, being weak, are ill treated (and oppressed)? whose cry is: our Lord rescue us from this town, whose people are oppressors; and raise for us from thee one who will protect; and raise for us from thee one who will help