(وإذا لقوا) أي منافقو اليهود (الذين آمنوا قالوا آمنا) بأن محمد صلى الله عليه وسلم نبي وهو المبشر به في كتابنا (وإذا خلا) رجع (بعضهم إلى بعض قالوا) أي رؤساؤهم الذين لم ينافقوا لمن نافق (أتحدثونهم) أي المؤمنين (بما فتح الله عليكم) أي عرفكم في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم (ليحاجُّوكم) ليخاصموكم واللام للصيرورة (به عند ربكم) في الآخرة ويقيموا عليكم الحجة في ترك اتباعه مع علمكم بصدقه (أفلا تعقلون) أنهم يحاجونكم إذا حدثتموهم فتنبهوا
قوله تعالى وإذا لقوا الآية أخرج ابن جريرعن مجاهد قال قام النبي عليه الصلاة والسلام يوم قريظة تحت حصونهم فقال يا إخوان القردة ويا إخوان الخنازير ويا عبدة الطاغوت فقالوا من أخبر بهذا محمدا ما خرج هذا إلا منكم أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليكون لهم حجة عليكم فنزلت الآية وأخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا أن صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أيحدث العرب بهذا فإنكم كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم فأنزل الله وإذا لقوا الآية وأخرج عن السدي قال نزلت في ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا وكانوا يأتون المؤمنين من العرب بما تحدثوا به فقال بعضهم لبعض أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب ليقولوا نحن أحب إلى الله منكم وأكرم على الله منكم
قال أبو جعفر: أما قوله: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا"، فإنه خبر من الله جل ذكره عن الذين أيأس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من إيمانهم من يهود بني إسرائيل، الذين كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون وهم الذين إذا لقوا الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: "آمنا". يعني ذلك: أنهم إذا لقوا الذين صدقوا بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله، قالوا: "آمنا" أي صدقنا بمحمد وبما صدقتم به، وأقررنا بذلك. أخبر الله عز وجل عنهم أنهم تخفقوا بأخلاق المنافقين، وسلكوا منهاجهم، كما:حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس قوله: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم "، وذلك أن نفرًا من اليهود كانوا إذا لقوا محمدًا صلى الله عليه وسلم قالوا: "آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ".
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق،عن الضحاك، عن ابن عباس: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا"، يعني المنافقين من اليهود، كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: "آمنا".
وقد روي عن ابن عباس في تأويل ذلك قول آخر، وهو ما:حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمدبن إسحق عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا"، أي: بصاحبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه إليكم خاصة.
حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا" الآية، قال: هؤلاء ناس من اليهود، آمنوا ثم نافقوا.
القول في تأويل قوله تعالى :" وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون " .
قال أبو جعفر: يعني بقوله: "وإذا خلا بعضهم إلى بعض " أي: إذا خلا بعض هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم إلى بعض منهم، فصاروا في خلاء من الناس غيرهم، وذلك هو الموضع الذي ليس فيه غيرهم "قالوا" يعني: قال بعضهم لبعض: "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ".
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "بما فتح الله عليكم" فقال بعضهم بما:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشربن عمارة، عن أبي روق،عن الضحاك عن ابن عباس: "وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم "، يعني: بما أمركم الله به. فيقول الآخرون: إنما نستهزىء بهم ونضحك.
وقال آخرون بما:حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا"، أي: بصاحبكم رسول الله، ولكنه إليكم خاصة، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم، فكان منهم. فأنزل الله: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم "، أي: تقرون بأنه نبي، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجده في كتابنا؟ اجحدوه ولا تقروا لهم به. يقول الله: " أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ".
حدثني المثنى قال، حدثني آدم قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم "، أي بما أنزل الله عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم.
حدثنا بشربن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد ، عن قتادة: "قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم "، أي: بما من الله عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم، فإنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا به عليكم، "أفلا تعقلون".
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة:"أتحدثونهم بما فتح الله عليكم "، ليحتجوا به عليكم.
حدثني المثنى قال، حدثني آدم قال، حدثنا أبو جعفر قال، قال قتادة: " أتحدثونهم بما فتح الله عليكم "، يعني: بما أنزل الله عليكم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته.
وقال آخرون في ذلك بما:حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبوعاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم " قال: قول يهود بني قريظة، حين سبهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم إخوة القردة والخنازير، قالوا: من حدثك؟ هذا حين أرسل إليهم علما فآذوا محمدًا، فقال: يا إخوة القردة والخنازير.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله إلا أنه قال: هذا، حين أرسل إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآذوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اخسأوا يا إخوة القردة والخنازير.
حدثنا القاسم قال، حدثني الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله: "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم "، قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال: يا إخوان القردة، ويا إخوان الخنازير، ويا عبدة الطاغوت. فقالوا: من أخبر هذا محمدًا؟ ما خرج هذا إلا منكم! "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم " بما حكم الله، للفتح، ليكون لهم حجة عليكم. قال ابن جريج، عن مجاهد: هذا حين أرسل إليهم علما فآذوا محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون بما:حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" من العذاب "ليحاجوكم به عند ربكم ": هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به. فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب، ليقولوا نحن أحب إلى الله منكم، وأكرم على الله منكم؟.
وقال آخرون بما: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم "، قال: كانوا إذا سئلوا عن الشيء قالوا: أما تعلمون في التوراة كذا وكذا؟ قالوا: بلى! قال: وهم يهود فيقول لهم رؤساؤهم الذين يرجعون إليهم: ما لكم تخبرونهم بالذي أنزل الله عليكم فيحاجوكم به عند ربكم؟ أفلا تعقلون؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن. فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق: اذهبوا فقولوا آمنا، واكفروا إذا رجعتم. قال: فكانوا يأتون المدينة بالبكر، ويرجعون إليهم بعد العصر. وقرأ قول الله: "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" ( آل عمران: 72). وكانوا يقولون إذا دخلوا المدينة: نحن مسلمون. ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره، فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر. فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهم قطع ذلك عنهم فلم يكونوا يدخلون. وكان المؤمنون الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يظنون أنهم مؤمنون، فيقولون لهم: أليس قد قال الله لكم كذا وكذا؟ فيقولون: بلى! فإذا رجعوا إلى قومهم يعني الرؤساء قالوا: "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم "، الآية.
وأصل الفتح في كلام العرب: النصر، والقضاء، والحكم. يقال منه: اللهم افتح بيني وبين فلان ، أي احكم بيني وبينه، ومنه قول الشاعر:
ألا أبلغ بني عصم رسولاً بأني عن فتاحتكم غني
قال أبو جعفر: ويقال للقاضي: الفتاح . ومنه قول الله عز وجل "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين" (الأعراف: 89) أي: احكم بيننا وبينهم.
فإذا كان معنى الفتح ما وصفنا، تبين أن معنى قوله: "قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم "، إنما هو: أتحدثونهم بما حكم الله به عليكم، وقضاه فيكم؟ ومن حكمه جل ثناؤه عليهم ما أخذ به ميثاقهم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به في التوراة. ومن قضائه فيهم أن جعل منهم القردة والخنازير، وغير ذلك من أحكامه وقضائه فيهم. وكل ذلك كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به، حجة على المكذبين به من اليهود المقرين بحكم التوراة، وغيرذلك من أحكامه وقضائه.
فإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى عندي بتأويل الأية قول من قال: معنى ذلك: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من بعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى خلقه؟ لأن الله جل ثناؤه إنما قص في أول هذه الآية الخبر عن قولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه: آمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؟ فالذي هوأولى بآخرها أن يكون نظير الخبر عما ابتدىء به أولها.
وإذا كان ذلك كذلك، فالواجب أن يكون تلاومهم، كان فيما بينهم، فيما كانوا أظهروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه من قولهم لهم: آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به. وكان قيلهم ذلك، من أجل أنهم يجدون ذلك في كتبهم، وكانوا يخبرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. فكان تلاومهم فيما بينهم إذا خلوا على ما كانوا يخبرونهم بما هوحجة للمسلمين عليهم عند ربهم. وذلك أنهم كانوا يخبرونهم عن وجود نعت محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم، ويكفرون به. وكان فتح الله الذي فتحه للمسلمين على اليهود، وحكمه عليهم لهم في كتابهبم، أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث، فلما بعث كفروا به، بع علمهم بنبوته.
قال أبو جعفر: وقوله: "أفلا تعقلون "، خبر من الله تعالى ذكره عن اليهود اللائمين إخوانهم على ما أخبروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فتح الله لهم عليهم أنهم قالوا لهم: أفلا تفقهون أيها القوم وتعقلون، أن إخباركم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما في كتبكم أنه نبي مبعوث، حجة لهم عليكم عند ربكم، يحتجون بها عليكم؟ أي: فلا تفعلوا ذلك، ولا تقولوا لهم مثل ما قلتم، ولا تخبروهم بمثل ما أخبرتموهم به من ذلك. فقال جل ثناؤه: "أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ".
قوله تعالى : "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون" .
يقول تعالى: "أفتطمعون" أيها المؤمنون "أن يؤمنوا لكم" أي ينقاد لكم بالطاعة هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود الذين شاهد آباؤهم من الايات البينات ما شاهدوه، ثم قست قلوبهم من بعد ذلك: "وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه" أي يتأولونه على غير تأويله "من بعد ما عقلوه" أي فهموه على الجلية ومع هذا يخالفونه على بصيرة "وهم يعلمون" أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله، وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه" قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس، أنه قال: ثم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله" وليس قوله: يسمعون التوراة كلهم قد سمعها، ولكن هم الذي سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها. وقال محمد بن إسحاق، فيما حدثني بعض أهل العلم: أنهم قالوا لموسى: يا موسى، قد حيل بيننا وبين رؤية ربنا تعالى فأسمعنا كلامه حين يكلمك، فطلب ذلك موسى إلى ربه تعالى، فقال: نعم، مرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم ويصوموا، ثم خرج بهم حتى أتوا الطور، فلما غشيهم الغمام، أمرهم موسى أن يسجدوا، فوقعوا سجوداً، وكلمه ربه، فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم حتى عقلوا منه ما سمعوا، ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل، فلما جاؤوهم، حرف فريق منهم ما أمرهم به، وقالوا: حين قال موسى لبني إسرائيل: إن الله قد أمركم بكذا وكذا، قال ذلك الفريق الذين ذكرهم الله: إنما قال كذا وكذا خلافاً لما قال الله عز وجل لهم فهم الذين عنى الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، وقال السدي: "وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه" قال: هي التوراة حرفوها، وهذا الذي ذكره السدي أعم مما ذكره ابن عباس وابن إسحاق، وإن كان قد اختاره ابن جرير لظاهر السياق، فإنه ليس يلزم من سماع كلام الله أن يكون منه كما سمعه الكليم موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله" أي مبلغاً إليه، ولهذا قال قتادة في قوله: "ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون" قال: هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ووعوه، وقال مجاهد: الذين يحرفونه والذين يكتمونه هم العلماء منهم، وقال أبو العالية: عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فحرفوه عن مواضعه، وقال السدي "وهم يعلمون" أي أنهم أذنبوا، وقال ابن وهب: قال ابن زيد في قوله: "يسمعون كلام الله ثم يحرفونه" قال: التوراة التي أنزلها الله عليهم يحرفونها، يجعلون الحلال فيها حراماً والحرام فيها حلالاً، والحق فيها باطلاً والباطل فيها حقاً، إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله، وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب فهو فيه محق، وإذا جاءهم أحد يسألهم شيئاً ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق، فقال الله لهم: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون".
وقوله تعالى: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض" الاية، قال محمد بن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، وعن ابن عباس "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا" أي أن صاحبكم محمد رسول الله، ولكنه إليكم خاصة، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم، فأنزل الله "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم" أي تقرون بأنه نبي. وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه. وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا، اجحدوه ولا تقروا به. يقول الله تعالى " أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون " وقال الضحاك عن ابن عباس: يعني المنافقين من اليهود، كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا، وقال السدي: هؤلاء ناس من اليهود، آمنوا ثم نافقوا. وكذا قال الربيع بن أنس وقتادة وغير واحد من السلف والخلف حتى قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فيما رواه ابن وهب عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال "لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن" فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق: اذهبوا فقولوا: آمنا واكفروا إذا رجعتم إلينا، فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر . وقرأ قول الله تعالى "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" وكانوا يقولون إذا دخلوا المدينة: نحن مسلمون ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره، فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر ، فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم قطع ذلك عنهم، فلم يكونوا يدخلون، وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون فيقولون: أليس قد قال الله لكم كذا وكذا، فيقولون: بلى، فإذا رجعوا إلى قومهم، يعني الرؤساء ، فقالوا: "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" الاية، وقال أبو العالية "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" يعني بما أنزل عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم" قال كانوا يقولون: سيكون نبي فخلا بعضهم ببعض، فقالوا "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" قول آخر في المراد بالفتح، قال ابن جريج: حدثني القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في قوله تعالى: "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم، فقال: يا إخوان القردة والخنازير ، ويا عبدة الطاغوت، فقالوا: من أخبر بهذا الأمر محمداً ؟ ما خرج هذا القول إلا منكم "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" بما حكم الله للفتح ليكون لهم حجة عليكم، قال ابن جريج عن مجاهد: هذا حين أرسل إليهم علياً فآذوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وقال السدي "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" من العذاب "ليحاجوكم به عند ربكم" هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به، فقال بعضهم لبعض "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" من العذاب ليقولوا: نحن أحب إلى الله منكم، وأكرم على الله منكم. وقال عطاء الخراساني "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" يعني بما قضى لكم وعليكم. وقال الحسن البصري: هؤلاء اليهود كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قال بعضهم: لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ليحاجوكم به عند ربكم فيخصموكم. وقوله تعالى: " أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون " قال أبو العالية: يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به، وهم يجدونه مكتوباً عندهم، وكذا قال قتادة، وقال الحسن " أن الله يعلم ما يسرون " قال: كان ما أسروا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وخلا بعضهم إلى بعض، تناهوا أن يخبر أحد منهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليهم مما في كتابهم خشية أن يحاجهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما في كتابهم عند ربهم "وما يعلنون" يعني حين قالوا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: وآمنا. كذا قال أبو العالية والربيع وقتادة.
76- "وإذا لقوا الذين آمنوا" يعني أن المنافقين إذا لقوا الذين آمنوا "قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض" أي إذا خلا الذين لم ينافقوا بالمنافقين قالوا لهم عاتبين عليهم "أتحدثونهم بما فتح الله عليكم" أي حكم عليكم من العذاب، وذلك أن أناساً من اليهود أسلموا ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذب به آباؤهم، وقيل: إن المراد ما فتح الله عليهم في التوراة من صفة محمد، وقد تقدم معنى خلا. والفتح عند العرب: القضاء والحكم، والفتاح: القاضي بلغة اليمن، والفتح: النصر، ومن ذلك قوله تعالى: " يستفتحون على الذين كفروا " وقوله: "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح" ومن الأول: " ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم " أي الحاكمين، ويكون الفتح بمعنى الفرق بين الشيئين، والمحاجبة: إبراز الحجة، أي لا تخبروهم بما حكم الله به عليكم من العذاب فيكون ذلك حجة لهم عليكم فيقولون: نحن أكرم على الله منكم وأحق بالخير منه. والحجة، الكلام المستقيم، وحاججت فلاناً فحججته أي غلبته بالحجة. "أفلا تعقلون" ما فيه الضرر عليكم من هذا التحدث الواقع منكم لهم.
76. " وإذا لقوا الذين آمنوا " قال ابن عباس و الحسن و قتادة : يعني منافقي اليهود الذين آمنوا بألسنتهم إذا لقوا المؤمنين المخلصين " قالوا: آمنا " كإيمانكم " وإذا خلا " رجع " بعضهم إلى بعض " - كعب بن الأشرف وكعب بن أسد ووهب بن يهودا وغيرهم من رؤساء اليهود - لأمرهم على ذلك " قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم " بما قص الله عليكم في كتابكم: أن محمداً حق وقوله صدق. والفتاح القاضي.
وقال الكسائي : بما بينه الله لكم [ من العلم بصفة النبي صلى الله عليه وسلم ونعته، وقال: ] الواقدي : بما أنزل الله عليكم، ونظيره: " لفتحنا عليهم بركات من السماء " (44-الأنعام) أي أنزلنا، وقال أبو عبيدة: بما من الله عليكم وأعطاكم " ليحاجوكم به " ليخاصموكم، يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يحتجوا بقولكم (عليكم) فيقولوا قد أقررتم أنه نبي حق في كتابكم ثن لا تتبعونه!! وذلك أنهم قالوا لأهل المدينة حين شاورهم في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم: آمنوا به فإنه حق ثم قال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما أنزل الله عليكم لتكون لهم الحجة عليكم " عند ربكم " في الدنيا والآخرة، وقيل: إنهم أخبروا المؤمنين بما عذبهم الله به على الجنايات فقال بعضهم لبعض: [ أتحدثونهم بما أنزل الله عليكم من العذاب ليحاجوكم به عند ربكم، ليروا الكرامة لأنفسهم عليكم عند الله وقال مجاهد : هو قول يهود بني قريظة قال بعضهم لبعض ] حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " يا إخوان القردة والخنازير " فقالوا: من أخبرمحمد بهذا؟ ما خرج هذا إلا منكم، " أفلا تعقلون ".
76-" وإذا لقوا الذين آمنوا " يعني منافقيهم . " قالوا آمنا " بأنكم على الحق ، وإن رسولكم هو المبشر به في التوراة " وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا " أي الذين لم ينافقوا منهم عاتبين على من نافق . " أتحدثونهم بما فتح الله عليكم " بما بين لكم في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، أو الذين نافقوا لأعقابهم إظهاراً للتصلب في اليهودية ، ومنعاً لهم عن إبداء ما وجدوا في كتابهم ، فينافقون الفريقين . فالاستفهام على الأول تقريع وعلى الثاني إنكار ونهي " ليحاجوكم به عند ربكم " ليحتجوا عليكم بما أنزل ربكم في كتابه ، جعلوا محاجتهم بكتاب الله وحكمه محاجة عنده كما يقال عند الله كذا ،ويراد به أنه جاء في كتابه وحكمه ، وقيل عند ذكر ربكم ، أو بين يدي رسول ربكم . وقيل عند ربكم في القيامة وفيه نظر إذ الإخفاء لا يدفعه . " أفلا تعقلون " إما من تمام كلام اللائمين وتقديره : أفلا تعقلون أنهم يحاجونكم به فيحجونكم ، أو خطاب من الله تعالى للمؤمنين متصل بقوله : " أفتطمعون " ، والمعنى : أفلا تعقلون حالهم وأن لا مطمع لكم في إيمانهم .
76. And when they fall in with those who believe, they say: We believe. But when they go apart one with another they say: Prate ye to them of that which Allah hath disclosed to you that they may contend with you before your Lord concerning it? Have ye then no sense?
76 - Behold! when they meet the men of faith, they say: we believe: but when they meet each other in private, they say: shall you tell them what God hath revealed to you, that they may engage you in argument about it before your Lord? do ye not understand (their aim)?