77 - (ولله غيب السماوات والأرض) أي علم ما غاب فيهما (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب) منه لأنه بلفظ كن فيكون (إن الله على كل شيء قدير)
يقول تعالى ذكره : ولله ايها الناس ملك ما غاب عن أبصاركم في السماوت والأرض دون آلهتكم التي تدعون من دونه ، ودون كل ما سواه ، لا يملك ذلك أحد سواه "وما أمر الساعة إلا كلمح البصر" يقول : وما أمر قيام القيامة والساعة التي تنشر فيها الخلق للوقوف في موقف القيامة ، إلا كنظرة من البصر ، لأن ذلك إنما هو أن يقال له : كن فيكون .
كما حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "إلا كلمح البصر أو هو أقرب" والساعة : كلمح البصر ، أو أقرب .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "وما أمر الساعة إلا كلمح البصر" قال : هو أن يقول : كن ، فهو كلمح البصر ، فأمر الساعة كلمح البصر أو أقرب ، يعني يقول : أو هو أقرب من لمح البصر .
وقوله : "إن الله على كل شيء قدير" يقول : إن الله على إقامة الساعة في أقرب من لمح البصر قادر ،وعلى ما يشاء من الأشياء كلها ، لا يمتنع عليه شيء أراده .
قوله تعالى " ولله غيب السماوات والأرض " تقدم معناه . وهذا متصل بقوله "إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون " أي شرع التحليل والتحريم إنما يحسن ممن يحيط بالعواقب المصالح وأنتم أيها المشركون لا تحيطون بها فلم تتحكمون "وما أمر الساعة إلا كلمح البصر " وتجاوزن فيها بأعمالكم والساعة هي الوقت الذي تقوم فيه القيامة سميت ساعة لأنها تفجأ الناس في ساعة فيموت الخلق بصيحة واللمح النظر بسرعة يقال لمحه لمحا ولمحانا . ووجه التأويل أن الساعة لما كانت آتية ولا بد جعلت من القرب كلمح البصر وقال الزجاج لم يرد أن الساعة تأتي في لمح البصر وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها أي يقول للشيء كن فيكون . وقيل : إنما مثل بلمح البصر لأنه يلمح السماء مع ما هي عليه من البعد من الأرض . وقيل هو تمثيل للقرب كما يقول القائل : ما السنة إلا لحظة وشبهه وقيل : المعنى هو عند الله كذلك لا عند المخاطب وقيل أو بمنزلة بل "إن الله على كل شيء قدير " تقدم .
يخبر تعالى عن كمال علمه وقدرته على الأشياء في علمه غيب السموات والأرض واختصاصه بعلم الغيب, فلا اطلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه تعالى على ما يشاء, وفي قدرته التامة التي لا تخالف ولا تمانع, وأنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون, كما قال: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر" أي فيكون ما يريد كطرف العين, وهكذا قال ههنا: "وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير" كما قال: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" ثم ذكر تعالى منته على عباده في إخراجه إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئاً, ثم بعد هذا يرزقهم السمع الذي به يدركون الأصوات والأبصار التي بها يحسون المرئيات والأفئدة, وهي العقول التي مركزها القلب على الصحيح, وقيل: الدماغ والعقل به يميز بين الأشياء ضارها ونافعها, وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلاً قليلاً كلما كبر زيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده. وإنما جعل تعالى هذه في الإنسان ليتمكن بها من عبادة ربه تعالى, فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه.
كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول تعالى: من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب, وما تقرب إلي عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت عليه, ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها, ولئن سألني لأعطينه, ولئن دعاني لأجيبنه, ولئن استعاذ بي لأعيذنه, وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه" فمعنى الحديث أن العبد إذا أخلص الطاعة صارت أفعاله كلها لله عز وجل, فلا يسمع إلا لله, ولا يبصر إلا لله أي ما شرعه الله له, ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة الله عز وجل, مستعيناً بالله في ذلك كله, ولهذا جاء في بعض رواية الحديث في غير الصحيح بعد قوله ورجله التي يمشي بها "فبي يسمع, وبي يبصر, وبي يبطش, وبي يمشي" ولهذا قال تعالى: "وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون" كقوله تعالى في الاية الأخرى: "قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون * قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون" ثم نبه تعالى عباده إلى النظر إلى الطير المسخر بين السماء والأرض, كيف جعله يطير بجناحين بين السماء والأرض في جو السماء, ما يمسكه هناك إلا الله بقدرته تعالى التي جعل فيها قوى تفعل ذلك, وسخر الهواء يحملها ويسير الطير كذلك, كما قال تعالى في سورة الملك: " أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير " وقال ههنا: " إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ".
ولما فرغ سبحانه من ذكر المثلين مدح نفسه بقوله: "ولله غيب السموات والأرض" أي يختص ذلك به لا يشاركه فيه غيره ولا يستقل به، والمراد علم ما غاب عن العباد فيهما، أو أراد بغيبهما يوم القيامة لأن علمه غائب عن العباد، ومعنى الإضافة إليهما التعلق بهما. والمعنى: التوبيخ للمشركين والتقريع لهم: أي أن العبادة إنما يستحقها من كانت هذه صفته لا من كان جاهلاً عاجزاً لا يضر ولا ينفع ولا يعلم بشيء من أنواع العلم "وما أمر الساعة" التي هي أعظم ما وقعت فيه المماراة من الغيوب المختصة به سبحانه "إلا كلمح البصر" اللمح النظر بسرعة، ولا بد فيه من زمان تتقلب فيه الحدقة نحو المرئي وكل زمان قابل للتجزئة، ولذا قال "أو هو" أي أمرهما "أقرب" وليس هذا من قبيل المبالغة، بل هو كلام في غاية الصدق، لأن مدة ما بين الخطاب وقيام الساعة متناهية، ومنها إلى الأبد غير متناه، ولا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي، أو يقال: إن الساعة لما كانت آتية ولا بد جعلت من القرب كلمح البصر. وقال الزجاج: لم يرد أن الساعة تأتي في لمح البصر، وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها، لأنه يقول للشيء كن فيكون، وقيل المعنى: هي عند الله كذلك وإن لم تكن عند المخلوقين بهذه الصفة، ومثله قوله سبحانه: " إنهم يرونه بعيدا * ونراه قريبا " ولفظ أوفى "أو هو أقرب" ليس للشك بل للتمثيل، وقيل دخلت لشك المخاطب، وقيل هي بمنزلة بل "إن الله على كل شيء قدير" ومجيء الساعة بسرعة من جملة مقدوراته.
77 - " ولله غيب السموات والأرض ، وما أمر الساعة" ، في قرب كونها ، " إلا كلمح البصر " ، إذا قال له ( كن ) فيكون ، " أو هو أقرب " ، بل هو أقرب ، " إن الله على كل شيء قدير " ، نزلت في الكفار الذين يستعجلون القيامة استهزاء .
77."ولله غيب السموات والأرض "يختص به علمه لا بعلمه غيره ، وهو ما غاب فيهما عن العباد بأن لم يكن محسوساً ولم يدل عليه محسوس.وقيل يوم القيامة فإن علمه غائب عن أهل السموات والأرض."وما أمر الساعة"وما أمر قيام الساعة في سرعته وسهولته."إلا كلمح البصر"إلا كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها. "أو هو أقرب"أو أمرها أقرب منه بأن يكون في زمان نصف تلك الحركة بل في الآن الذين تبتدئ فيه ، فإنه تعالى يحيي الخلائق دفعة وما يوجد دفعت كان في آن ، و"أو "للتخيير أو بمعنى بل . وقيل معناه أن قيام الساعة وإن تراخى فهو عند الله كالشيء الذي تقولون فيه هو كلمح البصر أو هو أقرب مبالغة في استقرابه . "إن الله على كل شيء قدير"فيقدر أن يحيي الخلائق دفعة كما قدر أن أحياهم متدرجاً ، ثم دل على قدرته فقال:
77. And unto Allah belongeth the Unseen of the heavens and the earth, and the matter of the Hour (of Doom) is but as a winkling of the eye, or it is nearer still. Lo! Allah is Able to do all things.
77 - To God belongeth the mystery of the heavens and the earth. and the decision of the hour (of judgment) is as the twinkling of an eye, or even quicker: for God hath power over all things.