77 - (قل) يا محمد لأهل مكة (ما) نافية (يعبأ) يكترث (بكم ربي لولا دعاؤكم) إياه في الشدائد فيكشفها (فقد) أي كيف يعبأ بكم وقد (كذبتم) الرسول والقرآن (فسوف يكون) العذاب (لزاما) ملازما لكم في الآخرة بعد ما يحل بكم في الدنيا فقتل منهم يوم بدر سبعون وجواب لولا دل عليه ما قبلها
القول في تأويل قوله تعالى : " قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما " .
قوله تعالى : " قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم " هذه آية مشكلة تعلقت بها الملحدة . يقال : ما عبأت بفلان أي ما باليت به ، أي ما كان له عندي وزن ولا قدر وأصل يعبأ من العبء وهو الثقيل . وقول الشاعر :
كأن بصدره وبجانبيه عبيراً بات يعبؤه عروس
أي يجعل بعضه على بعض . فالعبء الحمل الثقيل ، والجمع أعباء . والعبء المصدر . وما استفهامية ، ظهر في أثناء كلام الزجاج ، وصرح به الفراء . وليس يبعد أن تكون نافية ، لأنك إذا حكمت بأنها استفهام فهو نفي خرج مخرج الاستفهام ، كما قال تعالى : " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " [ الرحمن : 60 ] قال ابن الشجري : وحقيقة القول عندي أن موضع " ما " نصب ، والتقدير : أي عبء يعبأ بكم ، أي أي مبالاة يبالي ربي بكم لولا دعاؤكم ، أي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه ، فالمصدر الذين هو الدعاء على هذا القول مضاف إلى مفعوله ، وهو اختيار الفراء . وفاعله محذوف وجواب لولا محذوف كما حذف في قوله : " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " [ الرعد : 31 ] تقديره : لم يعبأ بكم . ودليل هذا القول قوله تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " [ الذاريات : 56] فالخطاب لجميع الناس ، فكأنه قال لقريش منهم : أي ما يبال الله بكم لولا عبادتكم إياه أن لو كانت ، وذلك الذي يعبأ بالبشر من أجله . ويؤيد هذا قراءة ابن الزبير وغيره . " فقد كذبتم "الكافرون فالخطاب بما يعبأ لجميع الناس لزاماً . وقال النقاش وغيره : المعنى ، لولا استغاثتكم إليه في الشدائد ونحو ذلك . بيانه : " فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين " [ العنكبوت : 56] ونحو هذا . وقيل : " ما يعبأ بكم " أي بمغفرة ذنوبكم ولا هو عنده عظيم " لولا دعاؤكم " معه الآلهة والشركاء . بيانه : " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم " [ النساء : 147] ، قاله الضحاك . وقال الوليد بن أبي الوليد : يلغني فيها أي ما خلقتم ولى حاجة إليكم إلا تسألوني فأغفر لكم وأعطيكم . وروى وهب بن منبه أنه كان في التتوراة : ( يا ابن آ دم وعزتي ما خلقتك لأربح عليك إنما خلقتك لأربح عليك إنما خلقتك لتربح علي فاتخذني بدلاً من كل شيء فأنا خير لك من كل شيء ) . قال ابن جني : قرأ ابن الزبير وابن عباس : فقد عذبتم الكافرون . قال الزهراوي و النحاس : هي قراءة ابن مسعود وهي على التفسير ، للتاء والميم في ( كذبتم ) وذهب القتبي والفارسي إلى أن الدعاء مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف ، الأصل لولا دعاؤكم آلهة قوله:" إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين " [ الأعراف : 194 ] . " فقد كذبتم " أي كذبتم بما دعيتم إليه ، هذا على القول الأول ، وكذبتم بتوحيد الله على الثاني . " فسوف يكون لزاما " أي يكون تكذيبكم ملازماً لكم . والمعنى : فسوف يكون جزاء التكذيب كما قال : " ووجدوا ما عملوا حاضرا " [ الكهف : 49 ] أي جزاء ما عملوا وقوله : " فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " [ الأنفال : 35] أي جزاء ما كنتم تكفرون . وحسن إضمار التكذيب لتقدم ذكر فعله ، لأنك إذا ذكرت الفعل دل بلفظه على مصدره ، كما قال : " ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم " [ آل عمران : 110 ] أي لكان الإيمان . وقوله : " وإن تشكروا يرضه لكم " [ الزمر : 7 ] أي يرضى الشكر . ومثله كثير . وجمهور المفسرين على أن المراد باللزام هنا ما تزل بهم يوم بدر ، وهو قول عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب و أبي مالك و مجاهد و مقاتل وغيرهم . وفي صحيح مسلم عن عبد الله : وقد مضت البطشة والدخان واللزام . وسيأتي مبيناً في سورة ( الدخان ) إن شاء الله تعالى . وقالت فرقة : هو توعد بعذاب الآخرة . وعن ابن مسعود أيضاً : اللزام التكذيب نفسه ، أي لا يعطون التوبة منه ، ذكره الزهراوي ، فدخل في هذا يوم بدر وغيره من العذاب الذي يلزمونه . وقال أبو عبيدة : لزاماً فيصلاً أي فسوف يكون فيصلاً بينكم وبين المؤمنين . والجمهور من القراء على كسر اللام ، وأنشد أبو عبيدة الصخر :
فإما ينجوا من خسف أرض فقد لقيا حتوفهما لزاما
ولزاما وملازمة واحد . وقال الطبري : " لزاما" يعني عذاباً دائماً لازماً ، وهلاكاً مفنياً يلحق بعضكم ببعض ، كقول أبي ذؤيب :
ففاجأه بعادية لزام كما يتفجر الحوض اللقيف
يعني باللزام الذي يتبع بعضه بعضاً ، واللقيف المتساقط الحجارة المتهدم . النحاس : وحكى ابو حاتم عن أبي زيد قال : سمعت قعنبا أبا السمال يقرأ : : " لزاما " بفتح اللام . قال أبو جعفر : يكون مصدر لزم والكسر أولي ، يكون مثل قتال ومقاتلة ، كما أجمعوا على الكسر في قوله عز وجل : "ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى " [ طه : 129 ] قال غيره : اللزام بالكسر مصدر لازم لزاماً مثل خاصم خصاماً ، واللزام بالفتح مصدر لزم مثل سلم سلامة ، فاللزام بالفتح اللزوم ، واللزام الملازمة ، والمصدر في القراءتين وقع موقع اسم الفاعل ،فاللزام وقع موقع ملازم ، واللزام وقع موقع لازم . كما قال تعالى : " قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا " [ الملك : 30 ] أي غائراً .قال النحاس : وللفراء قول في اسم يكون ، قال : يكون مجهولاً وهذا غلط ، لان المجهول لا يكون خبره إلا جملة ، كما قال تعلى : " إنه من يتق ويصبر " [ يوسف : 90 ] وكما حكى النحويون كان زيد منطلق يكون في كان مجهول ويكون المبتدأ وخبره خبر المجول ، والتقدير : كان الحديث ، فأما أن يقال كان منطلقاً ، ويكون في كان مجهول فلا يجوز عند أحد علمناه . وبالله التوفيق وهو المستعان والحمد لله رب العالمين .
لما ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من الصفات الجميلة, والأقوال والأفعال الجليلة, قال بعد ذلك كله "أولئك" أي المتصفون بهذه "يجزون" يوم القيامة "الغرفة" وهي الجنة, قال أبو جعفر الباقر وسعيد بن جبير والضحاك والسدي : سميت بذلك لا رتفاعها "بما صبروا" أي على القيام بذلك "ويلقون فيها" أي في الجنة "تحية وسلاماً" أي يبتدرون فيها بالتحية والإكرام, ويلقون التوقير والاحترام, فلهم السلام وعليهم السلام, فإن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. وقوله تعالى: "خالدين فيها" أي مقيمين لا يظعنون ولا يحولون ولا يموتون ولا يزولون عنها ولا يبغون عنها حولاً, كما قال تعالى: "وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض" الاية.
وقوله تعالى: "حسنت مستقراً ومقاماً" أي حسنت منظراً وطابت مقيلاً ومنزلاً, ثم قال تعالى: "قل ما يعبأ بكم ربي" أي لا يبالي ولا يكترث بكم إذا لم تعبدوه, فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلاً. قال مجاهد وعمرو بن شعيب "قل ما يعبأ بكم ربي" يقول: ما يفعل بكم ربي. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "قل ما يعبأ بكم ربي" الاية, يقول: لولا إيمانكم. وأخبر تعالى الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين, ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين.
وقوله تعالى: "فقد كذبتم" أيها الكافرون "فسوف يكون لزاماً" أي فسوف يكون تكذيبكم لزاماً لكم, يعني مقتضياً لعذابكم وهلاككم ودماركم في الدنيا والاخرة, ويدخل في ذلك يوم بدر, كما فسره بذلك عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومحمد بن كعب القرظي ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم. وقال الحسن البصري "فسوف يكون لزاماً" أي يوم القيامة, ولا منافاة بينهما.
77- "قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم" بين سبحانه أنه غني عن طاعة الكل، وإنما كلفهم لينتفعوا بالتكليف، يقال ما عبأت بفلان: أي ما باليت به ولا له عندي قدر، وأصل يعبأ من العبء، وهو الثقل. قال الخليل: ما أعبأ بفلان: أي ما أصنع به، كأنه يستقله ويستحقره، ويدعي أن وجوده وعدمه سواء، وكذا قال أبو عبيدة. قال الزجاج: ما يعبأ بكم ربي يريد: أي وزن يكون لكم عنده. والعبء: الثقل عندي أن موضع ما نصب والتقدير: أي: عبء يعبأبكم أي: أي مبالاة يبالي بكم "لولا دعاؤكم": أي لولا دعاؤكم إياه لتعبدوه، وعلى هذا فالمصدر الذي هو الدعاء مضاف إلى مفعوله، وهو اختيار الفراء، وفاعله محذوف، وجواب لولا محذوف: تقديره لولا دعاؤكم لم يعبأ بكم، ويؤيد هذا قوله: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" والخطاب لجميع الناس، ثم خص الكفار منهم فقال "فقد كذبتم" وقرأ ابن الزبير فقد كذب الكافرون وفي هذه القراءة دليل بين على أن الخطاب لجميع الناس. وقيل إن المصدر مضاف إلى الفاعل: أي لولا استغاثتكم إليه في الشدائد. وقيل المعنى: ما يعبأ بكم: أي بمغفرة ذنوبكم لولا دعاؤكم الآلهة معه. وحكى ابن جني أن ابن عباس قرأ كقراءة ابن الزبير. وحكى الزهراوي والنحاس أن ابن مسعود قرأ كقراءتهما، وممن قال بأن الدعاء مضاف إلى الفاعل القتيبي والفارسي قالا: والأصل لولا دعاؤكم الآلهة معه. وحكى ابن جني أن ابن عباس قرأ كقراءة ابن الزبير. وحكى الزهراوي والنحاس أن ابن مسعود قرأ كقراءتهما، وممن قال بأن الدعاء محذوف تقديره على هذا الوجه: لولا دعاؤكم لم يعذبكم، ويكون معنى فقد كذبتم على الوجه الأول فقد كذبتم بما دعيتم إليه، وعلى الوجه الثاني: فقد كذبتم بالتوحيد. ثم قال سبحانه "فسوف يكون لزاماً" أي فسوف يكون جزاء التكذيب لازماً لكم، وجمهور المفسرين على أن المراد باللزام هنا: ما لزم المشركين يوم بدر، وقالت طائفة: هو عذاب الآخرة. قال أبو عبيدة: لزاماً فيصلاً: أي فسوف فيصلاً بينكم وبين المؤمنين. قال الزجاج: فسوف يكون تكذيبكم لزاماً يلزمكم فلا تعطون التوبة، وجمهور القراء على كسر اللام من لزاماً، وأنشد أبو عبيدة لصخر:
فاما ينجوا من خسف أرض فقد لقيا حتوفهما لزاما
قال ابن جرير لزاماً: عذاباً دائماً وهلاكاً مفنياً يلحق بعضكم ببعض، كقول أبي ذؤيب:
ففاجأه بعادية لزام كما يتفجر الحوض اللفيف
يعني باللزام الذي يتبع بعضه بعضاً، وباللفيف المتساقط من الحجارة المنهدمة. وحكى أبو حاتم عن أبي زيد قال: سمعت أبا السماك يقرأ لزاماً بفتح اللام. قال أبو جعفر يكون مصدر لزم، والكسر أولى.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال:" سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك"، فأنزل الله تصديق ذلك "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون". وأخرجا وغيرهما أيضاً عن ابن عباس أن ناساً من أهل الشرك قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزلت "والذين لا يدعون" الآية، ونزلت "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم" الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو في قوله: "يلق أثاماً" قال: واد في جهنم. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر" الآية اشتد ذلك على المسلمين، فقالوا: ما منا أحد إلا أشرك وقتل وزنى، فأنزل الله "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم" الآية، يقول لهؤلاء الذين أصابوا هذا في الشرك، ثم نزلت هذه الآية " إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات " فأبدلهم الله بالكفر الإسلام، وبالمعصية الطاعة، وبالإنكار المعرفة، وبالجهالة العلم. وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً" ثم نزلت "إلا من تاب وآمن" فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط فرحه بها، وفرحه بـ "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات" قال: هم المؤمنون الذين كانوا من قبل إيمانهم على السيئات، فرغب الله بهم عن ذلك فحولهم إلى الحسنات، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات. وأخرج أحمد وهناد وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى الرجل يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، فيعرض عليه صغارها وينحى عنه كبارها، فيقال: عملت يوم كذا كذا، وهو يقر، ليس ينكر، وهو مشفق من الكبائر أن تجيء، فيقال: أعطوه بكل سيئة عملها حسنة" والأحاديث في تكفير السيئات وتبديلها بالحسنات كثيرة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "والذين لا يشهدون الزور" قال: إن الزور كان صنماً بالمدينة يلعبون حوله كل سبعة أيام، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مروا به مروا كراماً لا ينظرون إليه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين" قال: يعنون من يعمل بالطاعة فتقر به أعيننا في الدنيا والآخرة "واجعلنا للمتقين إماماً" قال: أئمة هدىً يهتدى بنا ولا تجعلنا أئمة ضلالة، لأنه قال لأهل السعادة "وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا" ولأهل الشقاوة "وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار". وأخرج الحكيم الترمذي عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "أولئك يجزون الغرفة" قال: الغرفة من ياقوتة حمراء، أو زبرجدة خضراء، أو درة بيضاء، ليس فيها فصم ولا وصم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم" يقول: لولا إيمانكم، فأخبر الله أنه لا حاجة له بهم إذا لم يخلقهم مؤمنين. ولو كانت له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين "فسوف يكون لزاماً" قال: موتاً. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري عنه أنه كان يقرأ -فقد كذب الكافرون، فسوف يكون لزاماً- وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن الزبير أنه قرأها كذلك. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه "فسوف يكون لزاماً" قال: القتل يوم بدر، وفي الصحيحين عنه قال: خمس قد مضين: الدخان والقمر واللزوم والبطشة واللزام.
77- "قل ما يعبأ بكم ربي"، قال مجاهد وابن زيد: أي: ما يصنع وما يفعل بكم. قال أبو عبيدة يقال: ما عبأت به شيئاً أي: لم أعده، فوجوده وعدمه سواء، مجازه: أي وزن وأي مقدار لكم عنده، "لولا دعاؤكم" إياه، وقيل: لولا إيمانكم، وقيل: لولا عبادتكم، وقيل: لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام، فإذا آمنتم ظهر لكم قدر.
وقال قوم: معناها: قل ما يعبأ بخلقكم ربي لولا عبادتكم وطاعتكم إياه يعني إنه خلقكم لعبادته، كما قال: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات-56) وهذا قول ابن عباس ومجاهد.
وقال قوم: قل ما يعبأ ما يبالي بمغفرتكم ربي لولا دعاؤكم معه آلهة، أو ما يفعل بعذابكم لولا شرككم، كما قال الله تعالى: "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم" (النساء-147).
وقيل: ما يعبأ بعذابكم لولا دعاؤكم إياه في الشدائد، كما قال: "فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله" (العنكبوت-65)، وقال: "فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون" (الأنعام-42).
وقيل: "قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم" يقول: ما خلقتم ولي إليكم حاجة إلا أن تسألوني فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم.
"فقد كذبتم"، أيها الكافرون، يخاطب أهل مكة، يعني: إن الله دعاكم بالرسول إلى توحيده وعبادته فقد كذبتم الرسول ولم تجيبوه. "فسوف يكون لزاماً"، هذا تهديده لهم، أي: يكون تكذيبكم لزاماً، قال ابن عباس: موتاً. وقال أبو عبيدة: هلاكاً. وقال ابن زيد: قتالاً. والمعنى: يكون التكذيب لازماً لمن كذب، فلا يعطى التوبة حتى يجازى بعمله. وقال ابن جرير: عذاباً دائماً لازماً وهلاكاً مقيماً يلحق بعضكم ببعض.
واختلفوا فيه، فقال قوم: هو يوم بدر قتل منهم سبعون وأسر سبعون. وهو قول عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومجاهد ومقاتل، يعني: أنهم قتلوا يوم بدر واتصل بهم عذاب الآخرة، لازماً لهم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عمر بن حفص بن غياث، أخبرنا أبي، أخبرنا الأعمش، حدثنا مسلم، عن مسروق قال: قال عبد الله: خمس قد مضين: الدخان، والقمر، والروم، والبطشة، واللزام، "فسوف يكون لزاماً".
وقيل: اللزام هو عذاب الآخرة.
77ـ " قل ما يعبأ بكم ربي " ما يصنع بكم من عبأت الجيش إذا هيأته أو لا يعتد بكم . " لولا دعاؤكم " لولا عبادتكم فإن شرف الإنسان وكرامته بالمعرفة والطاعة وإلا فهو وسائر الحيوانات سواء . وقيل معناه ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة إن جعلت استفهامية فمحلها النصب على المصدر كأنه قيل : أي عبء يعبأ بكم . " فقد كذبتم " بما أخبرتكم به حيث خالفتموه . وقيل فقد قصرتم في العبادة من قولهم : كذب القتال إذا لم يبالغ فيه . وقرئ (( فقد كذب الكافرون )) أي الكافرون منكم لأن توجه الخطاب إلى الناس عامة بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب. " فسوف يكون لزاماً " يكون جزاء التكذيب لازماً يحيق بكم لا محالة ، أو أثره لازماً بكم حتى يكبكم في النار ، وإنا أضمر من غير ذكر للتهويل والتنبيه على أنه لا يكتنهه الوصف ، وقيل المراد قتل يوم بدر وأنه لزوم بين القتلى لزاماً ، وقرئ (( لزاماً ))) بالفتح بمعنى اللزوم كالثبات والثبوت .
" عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة الفرقان لقي الله وهو مؤمن بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأدخل الجنة بغير نصب " .
77. Say (O Muhammad, unto the disbelievers): My Lord would not concern himself with you but for your prayer. But now ye have denied (the Truth), therefor there will be judgment.
77 - Say (to the Rejecters): My Lord is not uneasy because of you if ye call not on Him: but ye have indeed rejected (Him), and soon will come the inevitable (punishment)!