78 - (أطلع الغيب) أي أعلمه وأن يؤتى ما قاله واستغني بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل فحذفت (أم اتخذ عند الرحمن عهدا) بأن يؤتى ما قاله
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى عن مسروق ، قال : قال خباب بن الأرت : كنت قيناً بمكة، فكنت أعمل للعاص بن وائل ، فاجتمعت لي عليه دراهم ، فجئت لأتقاضاه ، فقال لي : لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، قال : قلت : لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث ، قال : فإذا بعثت كان لي مال وولد، قال : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى "أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا". . . إلى "ويأتينا فردا".
واختلفت القراء في قراءة قوله "وولدا" فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة "وولدا" بفتح الواو من الولد في كل القرآن ، غير أن أبا عمرو بن العلاء خص التي في سورة نوح بالضم ، فقرأها "ماله وولده" [نوح :21]. وأما عامة قراء الكوفة غير عاصم ، فإنهم قرءوا من هذه السورة من قوله "مالا وولدا" إلى آخر السورة ، واللتين في الزخرف ، والتي في نوح ، بالضم وسكون اللام.
وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك إذا ضمت واوه ، فقال بعضهم : ضمها وفتحها واحد، وإنما هما لغتان ، مثل قولهم العدم والعدم ، والحزن والحزن. واستشهدوا لقيلهم ذلك بقول الشاعر:
فليت فلانا كان في بطن أمه وليت فلانا كان ولد حمار
ويقول الحارث بن حلزة :
ولقد رأيت معاشرا قد ثمروا مالا وولدا
وقول رؤبة : الحمد لله العزيز فرداً لم يتخذ من ولد شيء ولداً وتقول العرب في مثلها: ولدك من دمي عقبيك ، قال : وهذا كله واحد، بمعنى الولد. وقد ذكر لي أن قيساً تجعل الولد جمعاً، والولد واحداً. ولعل الذين قرءوا ذلك بالضم فيما اختاروا فيه الضم ، إنما قرءوه كذلك ليفرقوا بين الجمع والواحد.
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك عندي أن الفتح في الواو من الولد والضم فيها بمعنى واحد، وهما لغتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب ، غير أن الفتح أشهر اللغتين فيها، فالقراءة به أعجب إلي لذلك.
وقوله "أطلع الغيب" يقول عز ذكره : أعلم هذا القائل هذا القول علم الغيب ، فعلم أن له في الآخرة مالاً وولداً باطلاعه على علم ما غاب عنه "أم اتخذ عند الرحمن عهدا" يقول : أم آمن بالله وعمل بما أمر به ، وانتهى عما نهاه عنه ، فكان له بذلك عند الله عهدا أن يؤتيه ما لقول من المال والولد.
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا" بعمل صالح قدمه.
" أطلع الغيب " قال ابن عباس: أنظر في اللوح المحفوظ؟!. وقال مجاهد : أعلم الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا؟! " أم اتخذ عند الرحمن عهدا " قال قتادة و الثوري : أي عملاً صالحاً. وقيل: هو التوحيد. وقيل: هو من الوعد. وقال الكلبي : عاهد الله تعالى أن يدخله الجنة. " كلا " رد عليه، أي لم يكن ذلك، لم يطلع الغيب، ولم يتخذ عندالرحمن عهداً، وتم الكلام عند قوله: " كلا ". وقال الحسن : إن الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة. والأول أصح لأنه مدون في الصحاح . وقرأ حمزة و الكسائي " وولدا " بضم الواو، والباقون بفتحها. واختلف في الضم والفتح على وجهين: أحدهما: أنهما لغتان معناهما واحد، يقال ولد وولد كما يقال عدم وعدم. وقال الحارث بن حلزة:
ولقد رأيت معاشراً قد ثمروا مالاً وولدا
وقال آخر:
فليت فلاناً كان في بطن أمه وليت فلاناً كان ولد حمار
والثاني: أن قيساً تجعل الولد بالضم جمعاً والولد بالفتح واحداً. قال الماوردي : وفي قوله تعالى: " لأوتين مالا وولدا " وجهان: أحدهما: أنه أراد في الجنة استهزاء بما وعد الله تعالى على طاعته وعبادته، قاله الكلبي . الثاني: أنه أراد في الدنيا، وهو قول الجمهور، وفيه وجهان محتملان: أحدهما: إن أقمت على دين آبائي وعبادة آلهتي لآوتين مالاً وولداً. الثاني: ولو كنت على باطل لما أوتيت مالاً وولداً.
قلت: قول الكلبي أشبه بظاهر الأحاديث، بل نصها يدل على ذلك، قال مسروق : سمعت خباب بن الأرت يقول:
جئت العاص بن وائل السهمي أتقاضاه حقاً لي عنده. فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد. فقلت: لا حتى تموت ثم تبعث. قال: وإني لميت ثم مبعوث؟! فقلت: نعم. فقال: إن لي هناك مالاً وولداً فأقضيك، فنزلت هذه الآية، قال الترمذي : فقلت: نعم. فقال: هذا حديث حسن صحيح.
قوله تعالى: " أطلع الغيب " ألفه ألف استفهام لمجيء " أم " بعدها، ومعناه التوبيخ، وأصله أاطلع فحذفت الألف الثانية لأنها ألف وصل. فإن قيل: فهلا أتوا بمدة بعد الألف فقالوا: آطلع كما قالوا: " قل الحمد " [النمل: 59] " آلذكرين حرم " [الأنعام: 143] قيل له: كان الأصل في هذا " آلله " " آلذكرين " فأبدلوا من الألف الثانية مدة ليفرقوا بين الاستفهام والخبر، وذلك أنهم لو قالوا: الله خير بلا مد لالتبس الاستفهام بالخبر، ولم يحتاجوا إلى هذه المدة في قوله: " أطلع " لأن ألف الاستفهام مفتوحة وألف الخبر مكسورة، وذلك أنك تقول في الاستفهام: أطلع؟ أفترى؟ أصطفى؟أستغفرت؟ بفتح الألف، وتقول في الخبر: اطلع، افترى، اصطفى، استغفرت لهم بالكسر، فجعلوا الفرق بالفتح والكسر ولم يحتاجوا إلى فرق آخر.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن خباب بن الأرت قال: كنت رجلاً قيناً وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه منه, فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد, فقلت: لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث. قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيتك, فأنزل الله: " أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا * أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا * ونرثه ما يقول ويأتينا فردا " أخرجه صاحبا الصحيح وغيرهما من غير وجه عن الأعمش به وفي لفظ البخاري : كنت قيناً بمكة فعملت للعاص بن وائل سيفاً, فجئت أتقاضاه فذكر الحديث, وقال: "أم اتخذ عند الرحمن عهداً" قال: موثقاً.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى , عن مسروق قال: قال خباب بن الأرت : كنت قيناً بمكة فكنت أعمل للعاص بن وائل, فاجتمعت لي عليه دراهم فجئت لأتقاضاه, فقال لي: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد, فقلت: لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث, قال: فإذا بعثت كان لي مال وولد, فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله "أفرأيت الذي كفر بآياتنا" الايات. وقال العوفي عن ابن عباس : إن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطالبون العاص بن وائل السهمي بدين, فأتوه يتقاضونه, فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً ومن كل الثمرات ؟ قالوا: بلى. قال: فإن موعدكم الاخرة, فو الله لأوتين مالاً وولداً, ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به, فضرب الله مثله في القرآن, فقال " أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا * أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا * ونرثه ما يقول ويأتينا فردا " وهكذا قال مجاهد وقتادة وغيرهم: أنها نزلت في العاص بن وائل. وقوله: "لأوتين مالاً وولداً" قرأ بعضهم بفتح الواو من ولدا, وقرأ آخرون بضمها, وهو بمعناه, قال رؤبة:
الحمد لله العزيز فرداً لم يتخذ من ولد شيء ولداً
وقال الحارث بن حلزة:
ولقد رأيت معاشراً قد ثمروا مالاً وولدا
وقال الشاعر:
فليت فلاناً كان في بطن أمه وليت فلاناً كان ولد حمار
وقيل: إن الولد بالضم جمع, والولد بالفتح مفرد, وهي لغة قيس, والله أعلم. "أطلع الغيب" إنكار على هذا القائل "لأوتين مالاً وولداً" يعني يوم القيامة, أي أعلم ماله في الاخرة حتى تألى وحلف على ذلك "أم اتخذ عند الرحمن عهداً" أم له عند الله عهد سيؤتيه ذلك, وقد تقدم عند البخاري أنه الموثق. وقال الضحاك عن ابن عباس : "أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً" قال: لا إله إلا الله فيرجو بها. وقال محمد بن كعب القرظي "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً" قال: شهادة أن لا إله إلا الله, ثم قرأ "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً".
وقوله: "كلا" هي حرف ردع لما قبلها, وتأكيد لما بعدها "سنكتب ما يقول" أي من طلبه ذلك وحكمه لنفسه بما يتمناه وكفره بالله العظيم , "ونمد له من العذاب مداً" أي في الدار الاخرة على قوله ذلك وكفره بالله في الدنيا, "ونرثه ما يقول" أي من مال وولد نسلبه منه عكس ما قال إنه يؤتى في الدار الاخرة مالاً وولداً زيادة على الذي له في الدنيا, بل في الاخرة يسلب منه الذي كان له في الدنيا, ولهذا قال تعالى: "ويأتينا فرداً" أي من المال والولد. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس , "ونرثه ما يقول" قال: نرثه.
قال مجاهد : "ونرثه ما يقول" ماله وولده. وذلك الذي قال العاص بن وائل. وقال عبد الرزاق عن معمر , عن قتادة "ونرثه ما يقول" قال: ما عنده. وهو قوله: "لأوتين مالاً وولداً". وفي حرف ابن مسعود : ونرثه ما عنده وقال قتادة "ويأتينا فرداً" لا مال له ولا ولد. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم "ونرثه ما يقول" قال: ما جمع من الدنيا وما عمل فيها, قال "ويأتينا فرداً" قال: فرداً من ذلك لا يتبعه قليل ولا كثير.
ثم أجاب سبحانه عن قول هذا الكافر بما يدفعه ويبطله، فقال 78- "أطلع" على "الغيب" أي أعلم ما غاب عنه حتى يعلم أنه في الجنة "أم اتخذ عند الرحمن عهداً" بذلك، فإنه لا يتوصل إلى العلم إلا بإحدى هاتين الطريقتين، وقيل المعنى: أنظر في اللوح المحفوظ؟ أم اتخذ عند الرحمن عهداً، وقيل معنى: أم اتخذ عند الرحمن عهداً؟ أم قال لا إله إلا الله فأرحمه بها، وقيل المعنى أم قدم عملاً صالحاً فهو يرجوه، واطلع مأخوذ من قولهم: اطلع الجبل إذاً ارتقى إلى أعلاه. وقرأ حمزة والكسائي ويحيى بن وثاب والأعمش "وولداً" بضم الواو، والباقون بفتحها، فقيل هما لغتان معناهما واحد، يقال ولد وولد كما يقال عدم وعدم، قال الحارث بن حلزة:
ولقد رأيت معاشراً قد ثمروا مالاً وولداً
وقال آخر:
فليت فلاناً كان في بطن أمه وليت فلاناً كان ولد حمار
وقيل الولد بالضم للجمع وبالفتح للواحد. وقد ذهب الجمهور إلى أن هذا الكافر أراد بقوله: لأوتين مالاً وولداً أنه يؤتى ذلك في الدنيا. وقال جماعة في الجنة، وقيل المعنى: إن أقمت على دين آبائي لأوتين، وقيل المعنى: لو كنت على باطل لما أوتيت مالاً وولداً.
78 - قوله عز وجل : " أطلع الغيب " ، قال ابن عباس : أنظر في اللوح المحفوظ ؟ وقال مجاهد : أعلم علم الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا ؟
" أم اتخذ عند الرحمن عهداً " ، يعني قال لا إله إلا الله . وقال قتادة : يعني عملاً صالحاً قدمه . وقال الكلبي : أعهد إليه أن يدخل الجنة ؟ .
78 -" أطلع الغيب " أقد بلغ من عظمة شأنه إلى أن أرتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار حتى ادعى أن يؤتى في الآخرة مالاً وولداً وتألى عليه."أم اتخذ عند الرحمن عهداً " أو اتخذ من عالم الغيب عهدا بذلك فإنه لا يتوصل إلى العلم به إلا بأحد هذين الطريقين. وقيل العهد كلمة الشهادة والعمل الصالح فإن وعد الله بالثواب عليهما كالعهد عليه.
78. Hath he perused the Unseen, or hath he made a pact with the Beneficent?
78 - Has he penetrated to the unseen, or has he taken a contract with (God) Most Gracious?