79 - (كلا) أي لا يؤتى ذلك (سنكتب) نأمر بكتب (ما يقول ونمد له من العذاب مدا) نزيده بذلك عذابا فوق عذاب كفره
يعني تعالى ذكره بقوله : "كلا" ليس الأمر كذلك ، ما اطلع الغيب ، فعلم صدق ما يقول ، وحقيقة ما يذكر، ولا اتخذ عند الرحمن عهدا بالإيمان بالله ورسوله ، والعمل بطاعته ، بل كذب وكفر . ثم قال تعالى ذكره "سنكتب ما يقول" : أي سنكتب ما يقول هذا الكافر بربه ، القائل "لأوتين مالا وولدا" "ونمد له من العذاب مدا" يقول : ونزيده من العذاب في جهنم بقيله الكذب والباطل في الدنيا ، زيادة على عذابه بكفره بالله.
قوله تعالى: " كلا " ليس في النصف الأول ذكر " كلا " وإنما جاء ذكره في النصف الثاني. وهو يكون بمعنيين: أحدهما: بمعنى حقاً. والثاني: بمعنى لا. فإذا كانت بمعنى حقاً جاز الوقف على ما قبله، ثم تبتدىء " كلا " أي حقاً. وإذا كانت بمعنى لا، كان الوقف على " كلا " جائزاً، كما في هذه الآية، لأن المعنى: لا ليس الأمر كذا. ويجوز أن تقف على قوله: " عهدا " وتبتدىء " كلا " أي حقاً " سنكتب ما يقول ". وكذا قوله تعالى: " لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا " [المؤمنون: 100] يجوز الوقف على " كلا " وعلى " تركت ". وقوله: " ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون * قال كلا " الوقف على " كلا " لأن المعنى، لا - وليس الأمر كما تظن " فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون " [الشعراء: 15]. فليس للحق في هذا المعنى موضع. وقال الفراء : " كلا " بمنزلة سوف لأنها صلة، وهي حرف رد فكأنها " نعم " و " لا " في الاكتفاء. قال: وإن جعلتها صلة لما بعدها لم تقف عليها، كقولك: كلا ورب الكعبة، لا تقف على كلا، لأنه بمزلة إي ورب الكعبة. قال الله تعالى: " كلا والقمر " [المدثر: 32] فالوقف على " كلا " قبيح لأنه صلة لليمين. وكان أبو جعفر محمد بن سعدان يقول في " كلا " مثل قول الفراء . وقال الأخفش : معنى كلا الردع والزجر. وقال أبو بكر بن الأنباري: وسمعت أبا العباس يقول: لا يوقف على " كلا " في جميع القرآن، لأنها جواب والفائدة تقع فيما بعدها. والقول الأول هو قول أهل التفسير.
قوله تعالى: " سنكتب ما يقول " أي سنحفظ عليه قوله فنجازيه به في الآخرة. " ونمد له من العذاب مدا " أي سنزيده عذاباً فوق عذاب.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن خباب بن الأرت قال: كنت رجلاً قيناً وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه منه, فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد, فقلت: لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث. قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيتك, فأنزل الله: " أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا * أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا * ونرثه ما يقول ويأتينا فردا " أخرجه صاحبا الصحيح وغيرهما من غير وجه عن الأعمش به وفي لفظ البخاري : كنت قيناً بمكة فعملت للعاص بن وائل سيفاً, فجئت أتقاضاه فذكر الحديث, وقال: "أم اتخذ عند الرحمن عهداً" قال: موثقاً.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى , عن مسروق قال: قال خباب بن الأرت : كنت قيناً بمكة فكنت أعمل للعاص بن وائل, فاجتمعت لي عليه دراهم فجئت لأتقاضاه, فقال لي: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد, فقلت: لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث, قال: فإذا بعثت كان لي مال وولد, فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله "أفرأيت الذي كفر بآياتنا" الايات. وقال العوفي عن ابن عباس : إن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطالبون العاص بن وائل السهمي بدين, فأتوه يتقاضونه, فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً ومن كل الثمرات ؟ قالوا: بلى. قال: فإن موعدكم الاخرة, فو الله لأوتين مالاً وولداً, ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به, فضرب الله مثله في القرآن, فقال " أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا * أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا * ونرثه ما يقول ويأتينا فردا " وهكذا قال مجاهد وقتادة وغيرهم: أنها نزلت في العاص بن وائل. وقوله: "لأوتين مالاً وولداً" قرأ بعضهم بفتح الواو من ولدا, وقرأ آخرون بضمها, وهو بمعناه, قال رؤبة:
الحمد لله العزيز فرداً لم يتخذ من ولد شيء ولداً
وقال الحارث بن حلزة:
ولقد رأيت معاشراً قد ثمروا مالاً وولدا
وقال الشاعر:
فليت فلاناً كان في بطن أمه وليت فلاناً كان ولد حمار
وقيل: إن الولد بالضم جمع, والولد بالفتح مفرد, وهي لغة قيس, والله أعلم. "أطلع الغيب" إنكار على هذا القائل "لأوتين مالاً وولداً" يعني يوم القيامة, أي أعلم ماله في الاخرة حتى تألى وحلف على ذلك "أم اتخذ عند الرحمن عهداً" أم له عند الله عهد سيؤتيه ذلك, وقد تقدم عند البخاري أنه الموثق. وقال الضحاك عن ابن عباس : "أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً" قال: لا إله إلا الله فيرجو بها. وقال محمد بن كعب القرظي "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً" قال: شهادة أن لا إله إلا الله, ثم قرأ "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً".
وقوله: "كلا" هي حرف ردع لما قبلها, وتأكيد لما بعدها "سنكتب ما يقول" أي من طلبه ذلك وحكمه لنفسه بما يتمناه وكفره بالله العظيم , "ونمد له من العذاب مداً" أي في الدار الاخرة على قوله ذلك وكفره بالله في الدنيا, "ونرثه ما يقول" أي من مال وولد نسلبه منه عكس ما قال إنه يؤتى في الدار الاخرة مالاً وولداً زيادة على الذي له في الدنيا, بل في الاخرة يسلب منه الذي كان له في الدنيا, ولهذا قال تعالى: "ويأتينا فرداً" أي من المال والولد. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس , "ونرثه ما يقول" قال: نرثه.
قال مجاهد : "ونرثه ما يقول" ماله وولده. وذلك الذي قال العاص بن وائل. وقال عبد الرزاق عن معمر , عن قتادة "ونرثه ما يقول" قال: ما عنده. وهو قوله: "لأوتين مالاً وولداً". وفي حرف ابن مسعود : ونرثه ما عنده وقال قتادة "ويأتينا فرداً" لا مال له ولا ولد. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم "ونرثه ما يقول" قال: ما جمع من الدنيا وما عمل فيها, قال "ويأتينا فرداً" قال: فرداً من ذلك لا يتبعه قليل ولا كثير.
79- "كلا سنكتب ما يقول" كلا حرف ردع وزجر: أي ليس الأمر على ما قال هذا الكافر من أنه يؤتى المال والولد سيكتب ما يقول: أي ستحفظ عليه ما يقوله فنجازيه في الآخرة، أو سنظهر ما يقول، أو سننتقم منه انتقام من كتبت معصيته "ونمد له من العذاب مداً" أي نزيده عذاباً فوق عذابه مكان ما يدعيه لنفسه من الإمداد بالمال والولد، أو نطول له من العذاب ما يستحقه وهو عذاب من جمع بين الكفر والاستهزاء.
79 - " كلا " ، رد عليه ، يعني ، لم يفعل ذلك ، " سنكتب " ، سنحفظ عليه ، " ما يقول " ، [ فنجازيه به في الآخرة . وقيل : نأمر به الملائكة حتى يكتبوا ما يقول ] . " ونمد له من العذاب مداً " ، أي : نزيده عذاباً فوق العذاب . وقيل : نطيل مدة عذابه .
79 -"كلا" ردع وتنبيه على أنه مخطئ فيما تصوره لنفسه." سنكتب ما يقول" سنظهر له أنا كتبنا قوله على طريقة قوله:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة
أي تبين أني لم تلدني لئيمة ، أو سننتقم منه انتقام من كتب جريمة العدو وحفظها عليه فإن نفس الكتابة لا تتأخر عن القول لقوله تعالى:
"ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد". " ونمد له من العذاب مدا " ونطول له من العذاب ما يستأهله، أو نزيد عذابه ونضاعفه له لكفره وافترائه واستهزائه على الله جلت عظمته ، ولذلك أكده بالمصدر دلالة على فرط غضبه عليه.
79. Nay, but We shall record that which he saith and prolong for him a span of torment.
79 - Nay! we shall record what he says, and we shall add and add to his punishment.