(ما أصابك) أيها الإنسان (من حسنة) خير (فمن الله) أتتك فضلاً منه (وما أصابك من سيئة) بلية (فمن نفسك) أتتك حيث ارتكبت ما يستوجبها من الذنوب (وأرسلناك) يا محمد (للناس رسولا) حال مؤكدة (وكفى بالله شهيدا) على رسالتك
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله : "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"، ما يصيبك ، يا محمد، من رخاء ونعمة وعافية وسلامة، فمن فضل الله عليك ، يتفضل به عليك إحسانا منه إليك ، وأما قوله : "وما أصابك من سيئة فمن نفسك"، يعني : وما أصابك من شدة ومشقة وأذى ومكروه ، "فمن نفسك"، يعني : بذنب استوجبتها به ، اكتسبته نفسك ، كما:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"، أما "من نفسك"، فيقول : من ذنبك .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"، عقوبة، يا ابن آدم بذنبك. قال : وذكر لنا "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : لا يصيب رجلا خدش عود، ولا عثرة قدم ، ولا اختلاج عرق ، إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر".
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"، يقول : الحسنة، ما فتح الله عليه يوم بدر، وما أصابه من الغنيمة والفتح ، و السيئة، ما أصابه يوم أحد، أن شخ في وجهه وكسرت رباعيته .
حدثني المثنى قال ، حدثنا "إسحاق" قال ، حدثنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة: "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"، يقول : بذنبك ، ثم قال : كل من عند الله ، النعم والمصيبات .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد، وابن أبي جعفر قالا، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع ، عن أبي العالية قوله : "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"، قال : هذه في الحسنات والسيئات .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي جعفر، عن الربيع ، عن أبي العالية مثله .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "وما أصابك من سيئة فمن نفسك"، قال : عقوبة بذنبك .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"، بذنبك ، كما قال لأهل أحد : "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم" [آل عمران :65 ]، بذنوبكم .
حدثني يونس قالع ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله : "وما أصابك من سيئة فمن نفسك"، قال : بذنبك ، وأنا قدرتها عليك .
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله : "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"، وأنا الذي قدرتها عليك .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال ، حدثنا محمد بن بشر قال ، حدثنيه إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح ، بمثله .
قال أبو جعفر: فإن قال قائل : وما وجه دخول "من" في قوله : "ما أصابك من حسنة" و"من سيئة"؟
قيل : اختلف في ذلك أهل العربية.
فقال بعض نحويي البصرة : أدخلت "من" لأن "من" تحسن مع النفي ، مثل : ما جاءني من أحد . قال : ودخول الخبر بالفاء ، لأن ما بمنزلة من .
وقال بعض نحويي الكوفة : أدخلت "من" مع "ما"، كما تدخل على إن في الجزاء، لأنهما حرفا جزاء . وكذلك ، تدخل مع من ، إذا كانت جزاء، فتقول العرب : من يزرك من أحد فتكرمه ، كما تقول : إن يزرك من أحد فتكرمه ، قال : وأت خلوها مع "ما" ومن ليعلم بدخولها معهما أنهما جزاء. قالوا: وإذا دخلت معهما لم تحذف ، لأنها إذا حذفت صار الفعل رافعاً شيئين . وذلك أن "ما" في قوله : "ما أصابك من سيئة" رفع بقوله : "أصابك"، فلو حذفت "من"، رفع قوله : "أصابك" السيئة، لأن معناه : إن تصبك سيئة، فلم يجز حذف "من" لذلك ، لأن الفعل الذي هو على فعل أو يفعل ، لا يرفع شيئين . وجاز ذلك مع من ، لأنها تشتبه بالصفات ، وهي في موضع اسم . فأما إن فإن "من" تدخل معها وتخرج ، ولا تخرج مع أي، لأنها تعرب فيبين فيها الإعراب . ودخلت "ما"، لأن الإعراب لا يظهر فيها.
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "وأرسلناك للناس رسولا"، إنما جعلناك ، يا محمد ، رسولاً بيننا وبين الخلق ، تبلغهم ما أرسلناك به من رسالة، وليس عليك غير البلاغ وأداء الرسالة إلى من أرسلت ، فإن قبلوا ما أرسلت به فلأنفسهم ، وإن ردوا فعليها، "وكفى بالله" عليك وعليهم ، "شهيداً"، يقول : حسبك الله تعالى ذكره ، شاهداً عليك في بلاغك ما أمرتك ببلاغه من رسالته ووحيه ، وعلى من أرسلت إليه في قبولهم منك ما أرسلت به إليهم ، فإنه لا يخفى عليه أمرك وأمرهم ، وهو مجازيك ببلاغك ما وعدك ، ومجازيهم ما عملوا من خير وشر، جزاء المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته.
قوله تعالى :" ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " أي ما أصابك يا ممد بن خصب ورخاء وصحة وسلامة فبفضل الله عليك وإحسانه إليك، وما أصابك من جدب وشدة فبذنب أتيته عوقبت عليه، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم المراد أمته، أي ما أصابكم يا معشر الناس من خصب واتساع رزق فمن تفضل الله عليكم، وما أصابكم من جدب وضيق رزق فمن أنفسكم أي من أجل ذنوبكم وقع ذلك بكم قاله الحسن والسدي وغيرهما كما قال تعالى :" يا أيها النبي إذا طلقتم النساء"[ الطلاق: 1] وقد قيل الخطاب للإنسان والمراد به الجنس، كما قال تعالى :" والعصر * إن الإنسان لفي خسر " [العصر : 1-2] أي إن الناس لفي خسر ، ألا تراه استثنى منهم فقال: " إلا الذين آمنوا " ولا يستثنى إلا من جملة أو جماعة وعلى هذا التأويل يكون قوله " ما أصابك " استئنافاً وقيل: في الكلام حذف تقديره يقولون وعليه يكون الكلام متصلاً، والمعنى فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً حتى يقولوا ما أصابك من حسنة فمن الله وقيل: إن ألف الاستفهام مضمرة والمعنى أفمن نفسك ؟ ومثله قوله تعالى :" وتلك نعمة تمنها علي " [الشعراء : 22] والمعنى أو تلك نعمة؟ وكذا قوله تعالى:
" فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي " [ الأنعام :77] أي أهذا ربي ؟ قال أبو خراش الهذلي:
رموني وقالوا يا خويلد لم ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
أراد أهم فأضمر ألف الاستفهام وهو كثير وسيأتي قال الأخفش ما بمعنى الذي .وقيل: هو شرط قال النحاس: والصواب قول الأخفش، لأنه نزل في شيء بعينه من الجدب وليس هذا من المعاصي في شيء ولو كان منها لكان وما أصبت من سيئة وروى عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس وأبي وابن مسعود ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك فهذه قراءة علي التفسير، وقد أثبها بعض أهل الزيغ من القرآن والحديث بذلك عن ابن مسعود وأبي منقطع لأن مجاهداً لم ير عبد الله ولا أبياً وعلى قول من قال : الحسنة الفتح والغنيمة يوم بدر والسيئة ما أصباهم يوم أحد، أنهم عوقبوا عند خلاف الرماة الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحموا ظهره ولا يبرحوا من مكانهم فرأوا الهزيمة على قريش والمسلمون يغنمون أموالهم فتركوا مصافهم فنظر خالد بن الوليد وكان مع الكفار يومئذ ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انكشف من الرماة فأخذ سرية من الخيل ودار حتى صار خلف المسلمين وحمل عليهم ولم يكن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرماة إلا صاحب الراية، حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف حتى استشهد مكانه على ما تقدم في آل عمران بيانه فأنزل الله تعالى نظير هذا الآية وهو قوله تعالى :" أو لما أصابتكم مصيبة " يعني يوم أحد " قد أصبتم مثليها " يعني يوم بدر " قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم " [ آل عمران: 165] ولا يجوز أن تكون الحسنة ههنا الطاعة والسيئة المعصية كما قالت القدرية، إذ لو كان كذلك لكان ما أصبت كما قدمنا، إذ هو بمعنى الفعل عندهم والكسب عندنا، وإنما تكون الحسنة والطاعة والسيئة المعصية في نحو قوله :" من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها" [الأنعام : 160] وأما في هذه الآية فهي كما تقدم شرحنا له من الخصب والجدب والرخاء والشدة على نحو ما جاء في آية الأعراف وهي قوله تعالى " ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون" [الأعراف :130] " بالسنين " بالجدب سنة بعد سنة حبس المطر عنهم فنقصت ثمارهم وغلت أسعارهم " فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه " [ الأعراف: 131] أي يتشاءمون بهم ويقولون هذا من أجل اتباعنا لك وطاعتنا إياك فرد الله عليهم بقوله :" ألا إنما طائرهم عند الله " [الأعراف: 131] يعني أن طائر البركة وطائر الشؤم من الخير والشر والنفع والضر من الله تعالى لا صنع فيه لمخلوق فكذلك قوله تعالى فيما أخبر عنهم أنهم يضيفونه للنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: " وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله " كما قال " ألا إنما طائرهم عند الله " [ الأعراف :131] وكما قال تعالى : " وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله " [ آل عمران : 166] أي بقضاء الله وقدره وعلمه، وآيات الكتاب يشهد بعضها لبعض قال علماؤنا: وممن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشك في أن كل شيء بقضاء الله وقدره وإرادته ومشيئته كما قال تعالى : " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " [الأنبياء: 35] وقال تعالى :" وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال " [الرعد:11] .
مسألة- وقد تجاذب بعض جهالة أهل السنة هذه الآية واحتج بها كما تجاذبها القدرية واحتجوا بها، ووجه احتجاجهم بها أن القدرية يقولون : إن الحسنة ههنا الطاعة والسيئة المعصية قالوا: وقد نسب المعصية في قوله تعالى :" وما أصابك من سيئة فمن نفسك " إلى الإنسان دون الله تعالى ، فهذا وجه تعلقهم بها ووجه تعلق الآخرين منها قوله تعالى :" كل من عند الله " قالوا: فقد أضاف الحسنة والسيئة إلى نفسه دون خلقه. وهذه الآية إنما يتعلق بها الجهال من الفريقين جميعاً، لأنهم بنوا ذلك على أن السيئة هي العصية وليست كذلك لما بيناه، والله أعلم والقدرية إن قالوا: " ما أصابك من حسنة " أي من طاعة " فمن الله " فليس هذا اعتقادهم لأن اعتقادهم الذي بنوا عليه مذهبهم أن الحسنة فعل المحسن والسيئة فعلى المسيء وأيضاً فلو كان لهم فيها حجة لكان يقول: ما أصبت من حسنة وما أصبت من سيئة، لأنه الفاعل للحسنة والسيئة جميعاً فلا يضاف إليه إلا بفعله لهما لا بفعل غيره نص على هذه المقالة الإمام أبو الحسن شبيب بن إبراهيم بن محمد بن حيدرة في كتابه المسمى بحز الغلاصم في إفحام المخاصم .
قوله تعالى :" وأرسلناك للناس رسولا" مصدر مؤكد ويجوز أن يكون المعنى ذا رسالة " وكفى بالله شهيدا" نصب على البيان والباء زائدة أي كفى الله شهيداً على صدق رسالة نبيه وأنه صادق .
كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة, وإن لم تكن ذات النصب, وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين, وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم ولم يكن الحال إذ ذاك مناسباً لأسباب كثيرة منها: قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم, ومنها: كونهم كانوا في بلدهم, وهو بلد حرام, أشرف بقاع الأرض, فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداء كما يقال, فلهذا لم يؤمر بالجهاد إلا بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار, ومع هذا لما أمروا بما كانوا يودونه, جزع بعضهم منه, وخافوا مواجهة الناس خوفاً شديداً "وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب" أي لولا أخرت فرضه إلى مدة أخرى, فإن فيه سفك الدماء, ويتم الأولاد, وتأيم النساء, وهذه الاية كقوله تعالى: "ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال" الايات, قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وعلي بن زنجة, قالا: حدثنا علي بن الحسن عن الحسين بن واقد, عن عمرو بن دينار, وعن عكرمة, عن ابن عباس: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة, فقالوا: يا نبي الله, كنا في عزة ونحن مشركون, فلما آمنا صرنا أذلة, قال: "إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم ", فلما حوله الله إلى المدينة, أمره بالقتال فكفوا فأنزل الله "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم" الاية, ورواه النسائي والحاكم وابن مردويه من حديث علي بن الحسن بن شقيق به, وقال أسباط, عن السدي: لم يكن عليهم إلا الصلاة والزكاة, فسألوا الله أن يفرض عليهم القتال, فلما فرض عليهم القتال "إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب" وهو الموت. قال الله تعالى: " قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ". وقال مجاهد: إن هذه الاية نزلت في اليهود, رواه ابن جرير, وقوله: " قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى " أي آخرة المتقي خير من دنياه. "ولا تظلمون فتيلاً" أي من أعمالكم بل توفونها أتم الجزاء, وهذه تسلية لهم عن الدنيا وترغيب لهم في الاخرة وتحريض لهم على الجهاد. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا حماد بن زيد عن هشام, قال: قرأ الحسن "قل متاع الدنيا قليل" قال: رحم الله عبداً صحبها على حسب ذلك, وما الدنيا كلها أولها وآخرها إلا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه. وقال ابن معين كان أبو مصهر ينشد:
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له من الله في دار المقام نصيب
فإن تعجب الدنيا رجالاً فإنهـــــــا متــــــــاع قليل والزوال قريب
وقوله تعالى: "أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة" أي أنتم صائرون إلى الموت لا محالة ولا ينجو منه أحد منكم, كما قال تعالى: "كل من عليها فان" الاية, وقال تعالى: "كل نفس ذائقة الموت", وقال تعالى: " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد " والمقصود أن كل أحد صائر إلى الموت لا محالة, ولا ينجيه من ذلك شيء سواء جاهد أو لم يجاهد, فإن له أجلاً محتوماً, ومقاماً مقسوماً, كما قال خالد بن الوليد حين جاء الموت على فراشه: لقد شهدت كذا وكذا موقفاً, وما من عضو من أعضائي إلا وفيه جرح من طعنة أو رمية, وها أنا أموت على فراشي, فلا نامت أعين الجبناء, وقوله: "ولو كنتم في بروج مشيدة" أي حصينة منيعة عالية رفيعة, وقيل, هي بروج في السماء قال السدي, وهو ضعيف, والصحيح أنها المنيعة, أي لا يغني حذر وتحصن من الموت, كما قال زهير بن أبي سلمى:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم
ثم قيل: المشيدة هي المشيدة كما قال: وقصر مشيد وقيل: بل بينهما فرق, وهو أن المشيدة بالتشديد هي المطولة, وبالتخفيف هي المزينة بالشيد وهو الجص وقد ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم ـ ههنا ـ حكاية مطولة عن مجاهد, أنه ذكر أن امرأة فيمن كان قبلنا أخذها الطلق, فأمرت أجيرها أن يأتيها بنار, فخرج فإذا هو برجل واقف على الباب, فقال: ما ولدت المرأة ؟ فقال: جارية, فقال: أما إنها ستزني بمائة رجل ثم يتزوجها أجيرها ويكون موتها بالعنكبوت. قال: فكر راجعاً, فبعج بطن الجارية بسكين فشقه ثم ذهب هارباً, وظن أنها قد ماتت, فخاطت أمها بطنها فبرئت وشبت وترعرعت ونشأت أحسن امرأة ببلدتها, فذهب ذاك الأجير ما ذهب ودخل البحور فاقتنى أموالاً جزيلة, ثم رجع إلى بلده وأراد التزوج, فقال لعجوز: أريد أن أتزوج بأحسن امرأة بهذه البلدة, فقالت ليس ههنا أحسن من فلانة, فقال: اخطبيها علي, فذهبت إليها فأجابت, فدخل بها فأعجبته إعجاباً شديداً, فسألته عن أمره ومن أين مقدمه, فأخبرها خبره وما كان من أمره في الجارية, فقالت: أنا هي وأرته مكان السكين, فتحقق ذلك, فقال: لئن كنت إياها فلقد أخبرني باثنتين لا بد منهما (إحداهما) أنك قد زنيت بمائة رجل, فقالت: لقد كان شيء من ذلك ولكن لا أدري ما عددهم فقال: هم مائة: (والثاني) أنك تموتين بالعنكبوت فاتخذ لها قصراً منيعاً شاهقاً ليحرزها من ذلك, فبينما هم يوماً فإذا بالعنكبوت في السقف فأراها, فقالت: أهذه هي التي تحذرها علي, والله لا يقتلها إلا أنا, فأنزلوها من السقف, فعمدت إليها فوطئتها بإبهام رجلها فقتلتها, فطار من سمها شيء فوقع بين ظفرها ولحمها واسودت رجلها, فكان في ذلك أجلها, فماتت, ونذكر ههنا قصة صاحب الحضر وهو الساطرون لما احتال عليه سابور حتى حصره فيه وقتل من فيه بعد محاصرة سنتين, وقالت العرب في ذلك أشعاراً منها:
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجـ ــلة تجـــبى إليه والخابور
شـــــاده مرمراً وجلـــــله كلــ ـــساً فللطير في ذراه وكور
لم تهبه أيدي المنون فباد الـ ـملــــــك عنه فبابه مهجور
ولما دخل على عثمان جعل يقول: اللهم اجمع أمة محمد ثم تمثل بقول الشاعر:
أرى الموت لا يبقي عزيزاً ولم يدع لـــعاد مــــلاذاً في البلاد ومربعا
يبيت أهل الحصن والحصن مغـــلق ويأتي الجبال في شماريخها معا
قال ابن هشام: وكان كسرى سابور ذو الأكتاف قتل الساطرون ملك الحضر, وقال ابن هشام: إن الذي قتل صاحب الحضر سابور بن أردشير بن بابك أول ملوك بني ساسان, وأذل ملوك الطوائف, ورد الملك إلى الأكاسرة, فأما سابور ذو الأكتاف فهو من بعد ذلك بزمن طويل, والله أعلم, ذكره السهيلي, قال ابن هشام: فحصره سنتين وذلك لأنه كان أغار على بلاد سابور في غيبته وهو في العراق, وأشرفت بنت الساطرون وكان اسمها النضيرة, فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج, وعلى رأسه تاج من ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ, فدست إليه أن تتزوجني إن فتحت لك باب الحصن, فقال: نعم, فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر وكان لا يبيت إلا سكران, فأخذت مفاتيح باب الحصن من تحت رأسه فبعثت بها مع مولى لها ففتح الباب, ويقال: دلتهم على طلسم كان في الحصن لا يفتح حتى تؤخذ حمامة ورقاء فتخضب رجلاها بحيض جارية بكر زرقاء, ثم ترسل, فإذا وقعت على سور الحصن سقط ذلك ففتح الباب, ففعل ذلك, فدخل سابور, فقتل ساطرون واستباح الحصن وخربه, وسار بها معه وتزوجها, فبينما هي نائمة على فراشها ليلاً إذ جعلت تتململ لا تنام, فدعا لها بالشمع ففتش فراشها فوجد فيه ورقة آس, فقال لها سابور: هذا الذي أسهرك فما كان أبوك يصنع بك ؟ قالت: كان يفرش لي الديباج ويلبسني الحرير, ويطعمني المخ, ويسقيني الخمر, قال الطبري: كان يطعمني المخ والزبد, وشهد أبكار النحل, وصفو الخمر! وذكر أنه كان يرى مخ ساقها, قال: فكان جزاء أبيك ما صنعت به ؟! أنت إلي بذاك أسرع, ثم أمر بها فربطت قرون رأسها بذنب فرس, فركض الفرس حتى قتلها, وفيه يقول عدي بن زيد العبادي أبياته المشهورة.
أيــــها الشامت المـــــعيــر بالدهـ ـر أأنت المبـــرأ المـــوفور
أم لديك العهد الـــــوثيق من الأيـ ـام بل أنت جاهل مـــــغرور
من رأيت المنــــون خلــــد أم من ذا عليه من أن يضام خفير
أين كسرى كسرى الملوك أنوشر وان أم أين قبله سابـــــور
وبنو الأصفر الكرام مــــــلوك الـ ـروم لم يبق منهم مذكــور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجـــلة تجبـــــى إلــيه والخابــــور
رشاده مرمــــــراً وجللـــــــه كلـ ساً فللطير فــــي ذراه وكور
لم يهبه ريــــــب المنـــــون فباد الملك عنه فبابـــــه مهجور
وتذكر رب الخورنق إذ شـــرف يــــوماً وللــــهدى تفكــــير
سره ماله وكثرة مــــــا يــــملك والبـــــحر معرضاً والسدير
فارعوى قلــــبه وقـــال فما غبـ ـطة حي إلى الممات يصير
ثم أضحوا كأنهــــــم ورق جف فألوت بـــــه الصبا والدبور
ثم بعد الفلاح والمــــلك والأمــ ــة وارتهم هنــــاك القبـــور
وقوله: "وإن تصبهم حسنة" أي خصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحو ذلك, هذا معنى قول ابن عباس وأبي العالية والسدي "يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة" أي قحط وجدب ونقص في الثمار والزروع أو موت أولاد أو إنتاج أو غير ذلك كما يقوله أبو العالية والسدي "يقولوا هذه من عندك" أي من قبلك وبسبب اتباعنا لك واقتدائنا بدينك, كما قال تعالى عن قوم فرعون " فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه " وكما قال تعالى: "ومن الناس من يعبد الله على حرف" الاية, وهكذا قال هؤلاء المنافقون الذين دخلوا في الإسلام ظاهراً وهم كارهون له في نفس الأمر, ولهذا إذا أصابهم شر إنما يسندونه إلى اتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقال السدي: وإن تصبهم حسنة, قال: والحسنة الخصب, تنتج مواشيهم وخيولهم, ويحسن حالهم وتلد نساؤهم الغلمان, قالوا "هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة" والسيئة الجدب والضرر في أموالهم, تشاءموا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقالوا "هذه من عندك" يقولون: بتركنا ديننا واتباعنا محمداً أصابنا هذا البلاء, فأنزل الله عز وجل "قل كل من عند الله" فقوله: قل كل من عند الله, أي الجميع بقضاء الله وقدره, وهو نافذ في البر والفاجر والمؤمن والكافر. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس, قل كل من عند الله, أي الحسنة والسيئة. وكذا قال الحسن البصري. ثم قال تعالى منكراً على هؤلاء القائلين هذه المقالة الصادرة عن شك وريب, وقلة فهم وعلم وكثرة جهل وظلم " فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا " ذكر حديث غريب يتعلق بقوله تعالى: "قل كل من عند الله" قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا السكن بن سعيد, حدثنا عمر بن يونس, حدثنا إسماعيل بن حماد عن مقاتل بن حيان, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر في قبيلتين من الناس وقد ارتفعت أصواتهما, فجلس أبو بكر قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم, وجلس عمر قريباً من أبي بكر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم ارتفعت أصواتكما ؟" فقال رجل: يا رسول الله, قال أبو بكر: يا رسول الله الحسنات من الله والسيئات من أنفسنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فما قلت يا عمر ؟" فقال: قلت الحسنات والسيئات من الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول من تكلم فيه جبريل وميكائيل، فقال ميكائيل مقالتك يا أبا بكر، وقال جبريل مقالتك يا عمر" فقال: "نختلف فيختلف أهل السماء وإن يختلف أهل السماء يختلف أهل الأرض, فتحاكما إلى إسرافيل فقضى بينهم أن الحسنات والسيئات من الله". ثم أقبل على أبي بكر وعمر فقال: "احفظا قضائي بينكما, لو أراد الله أن لا يعصى لما خلق إبليس" قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس بن تيمية: هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة. ثم قال تعالى مخاطباً لرسوله صلى الله عليه وسلم والمراد جنس الإنسان ليحصل الجواب "ما أصابك من حسنة فمن الله" أي من فضل الله ومنه ولطفه ورحمته "وما أصابك من سيئة فمن نفسك" أي فمن قبلك, ومن عملك أنت, كما قال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" قال السدي والحسن البصري وابن جريج وابن زيد "فمن نفسك" أي بذنبك. وقال قتادة في الاية "فمن نفسك" عقوبة لك يا ابن آدم بذنبك. قال وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصيب رجلاً خدش عود ولا عثرة قدم, ولا اختلاج عرق إلا بذنب, وما يعفو الله أكثر" وهذا الذي أرسله قتادة قد روي متصلاً في الصحيح "والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن هم ولا حزن, ولا نصب, حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله عنه بها من خطاياه" وقال أبو صالح "وما أصابك من سيئة فمن نفسك" أي بذنبك وأنا الذي قدرتها عليك, رواه ابن جرير, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمار, حدثنا سهل يعني بن بكار, حدثنا الأسود بن شيبان, حدثني عقبة بن واصل ابن أخي مطرف عن مطرف بن عبد الله, قال: ما تريدون من القدر أما تكفيكم الاية التي في سورة النساء " وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك " ؟ أي من نفسك والله ما وكلوا إلى القدر وقد أمروا وإليه يصيرون, وهذا كلام متين قوي في الرد على القدرية والجبرية أيضاً. ولبسطه موضع آخر. وقوله تعالى: "وأرسلناك للناس رسولاً" أي تبلغهم شرائع الله وما يحبه الله ويرضاه, وما يكرهه ويأباه "وكفى بالله شهيداً" أي على أنه أرسلك وهو شهيد أيضاً بينك وبينهم, وعالم بما تبلغهم إياه وبما يردون عليك من الحق كفراً وعناداً.
قوله 79- "وإن تصبهم حسنة" هذا وما بعده مختص بالمنافقين: أي إن تصبهم نعمة نسبوها إلى الله تعالى، وإن تصبهم بلية ونقمة نسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد الله ذلك عليهم بقوله "قل كل من عند الله" ليس كما تزعمون، ثم نسبهم إلى الجهل وعدم الفهم فقال "فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً" أي: ما بالهم هكذا. قوله "ما أصابك من حسنة فمن الله" هذا الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعريضاً لأمته: أي: ما أصابك من خصب ورخاء وصحة وسلامة فمن الله بفضله ورحمته، وما أصابك من جهد وبلاء وشدة فمن نفسك بذنب أتيته فعوقبت عليه، وقيل: إن هذا من كلام الذين لا يفقهون حديثاً: أي فيقولون: ما أصابك من حسنة فمن الله، وقيل: إن ألف الاستفهام مضمرة: أي أفمن نفسك، ومثله قوله تعالى "وتلك نعمة تمنها علي" والمعنى: أو تلك نعمة ومثله قوله "فلما رأى القمر بازغاً قال: هذا ربي" أي: أهذا ربي ومنه قول أبي خراش الهذلي:
رموني وقالوا يا خويلد لم ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
أي: أهم أهم، وهذا خلاف الظاهر، وقد ورد في الكتاب العزيز ما يفيد مفاد هذه الآية كقوله تعالى "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير"، وقوله "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم". وقد يظن أن قوله "وما أصابك من سيئة فمن نفسك" مناف لقوله "قل كل من عند الله" ولقوله "وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله"، وقوله "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" وقوله "وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال" وليس الأمر كذلك. فالجمع ممكن كما هو مقرر في مواطنه. قوله "وأرسلناك للناس رسولاً" فيه البيان لعموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الجميع كما يفيده التأكيد بالمصدر والعموم في الناس، ومثله قوله "وما أرسلناك إلا كافة للناس"، وقوله "يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" "وكفى بالله شهيداً" على ذلك.
79-قوله عز وجل:"ما أصابك من حسنة " ، خير ونعمة" فمن الله وما أصابك من سيئة"، بلية أو أمر تكرهه ،"فمن نفسك"،أي: بذنوبك ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره، نظيره قوله تعالى:"وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم "(الشورى-30) ويتعلق أهل القدر بظاهر هذه الآية، فقالوا : نفى الله تعالى السيئة عن نفسه ونسبها إلى العبد فقال:"وما أصابك من سيئة فمن نفسك" ، ولا متعلق لهم فيه، لأنه ليس المراد من الآية حسنات الكسب ولا سيئآته من الطاعات والمعاصي، بل المراد منهم ما يصيبهم من النعم والمحن ، وذلك ليس من فعلهم بدليل انه نسبها إلى غيرهم ولم ينسبها إليهم فقال:"ما أصابك" ولا يقال في الطاعة والمعصية اصابني ، إنما يقال: أصبتها ، ويقال في النعم: أصابني ، بدليل أنه لم يذكر عليه ثواباً ولا عقاباً ، فهو كقوله تعالى "فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه" (الأعراف -131) ، ولما ذكر حسنات الكسب وسيئاته نسبها إليه، ووعد عليها الثواب والعقاب ،فقال"من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها"(الأنعام -16).
وقيل: معنى الآية: ما أصابك من حسنة من النصر والظفر يوم بدر فمن الله ،أي: من فضل الله، وما أصابك من سيئة من القتل والهزيمة يوم أحد فمن نفسك ،أي : بذنب نفسك من مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم .
فإن قيل:كيف وجه الجمع بين قوله"قل كل من عند الله "وبين قوله"فمن نفسك" قيل: قوله"قل كل من عند الله"أي: الخصب والجدب والنصر والهزيمة كلها من عند الله وقوله :"فمن نفسك" أي: ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبةً لك، كما قال الله تعالى:" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم "(الشورى-30) يدل عليه ما روى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما:أنه قرأ"وما أصابك من سيئة فمن نفسك" وأنا كتبتها عليك.
وقال بعضهم : هذه الآية متصلة بما قبلها ، والقول فيه مضمر تقديره: فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ، يقولون :"ما أصابك من حسنة فمن الله ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك"،"قل كل من عند الله"."وأرسلناك"، يا محمد"للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً" على إرسالك وصدقك ، وقيل: وكفى بالله شهيداً على أن الحسنة والسيئة كلها من الله تعالى.
79"ما أصابك" يا إنسان. "من حسنة" من نعمة. "فمن الله" أي تفضلاً منه، فإن كل ما يفعله الإنسان من الطاعة لا يكافئ نعمة الوجود، فكيف يقتضي غيره، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "ما يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى. قيل ولا أنت قال: ولا أنا". "وما أصابك من سيئة" من بلية. "فمن نفسك" لأنها السبب فيها لاستجلابها بالمعاصي، وهو لا ينافي قوله سبحانه وتعالى: "قل كل من عند الله" فإن الكل منه إيجاداً وإيصالاً غير أن الحسنة إحسان وامتنان والسيئة مجازاة وانتقام كم قالت عائشة رضي الله عنها ما من مسلم يصيبه من وصب ولا نصب ولا الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب وما يعفو الله أكثر. والآيتان كما ترى لا حجة فيهما لنا وللمعتزلة. "وأرسلناك للناس رسولاً" حال قصد بها التأكيد إن علق الجار بالفعل والتعميم إن علق بها أي رسولاً للناس جميعاً كقوله تعالى: "وما أرسلناك إلا كافة للناس" ويجوز نصبه على المصدر كقوله: ولا خارجا من في زور الكلام. "وكفى بالله شهيداً" على رسالتك بنصب المعجزات.
79. Whatever of good befalleth thee ( O man ) it is from Allah, and whatever of ill befalleth thee it is from thyself. We have sent thee ( Muhammad ) as a messenger unto mankind and Allah is sufficient as witness.
79 - Whatever good, (O man) happens to thee, is from God; but whatever evil happens to thee, is from thy (own) soul. and we have sent thee as an apostle to (instruct) mankind. and enough is God for a witness.