8 - (أأنزل) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين وتركه (عليه) على محمد (الذكر) القرآن (من بيننا) وليس بأكبرنا ولا أشرفنا أي لم ينزل عليه قال تعالى (بل هم في شك من ذكري) وحيي القرآن حيث كذبوا الجائي به (بل لما) لم (يذوقوا عذاب) ولو ذاقوه لصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ولا ينفعهم التصديق حينئذ
يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل هؤلاء المشركين من قريش : أأنزل على محمد الذكر من بيننا فخص به ، وليس بأشرف منا حسباً. وقوله "بل هم في شك من ذكري" يقول تعالى ذكره : ما بهؤلاء المشركين أن لا يكونوا أهل علم بأن محمداً صادق ، ولكنهم في شك من وحينا إليه ، وفي هذا القرآن الذي أنزلناه إليه أنه من عندنا "بل لما يذوقوا عذاب" يقول : بل لم ينزل بهم بأسنا، فيذوقوا وبال تكذيبهم محمداً، وشكهم في تنزيلنا هذا القرآن عليه ، ولو ذاقوا العذاب على ذلك علموا وأيقنوا حقيقة ما هم به مكذبون ، حين لا ينفعهم عملهم.
قوله تعالى : " أأنزل عليه الذكر من بيننا " هو استفهام إنكار ، والذكر ها هنا القرآن . أنكروا اختصاصه بالوحي من بينهم ، فقال الله تعالى : " بل هم في شك من ذكري " أي من وحي القرآن . أي قد علموا أنك لم تزل صدوقاً في بينهم ، وإنما شكوا فيما أنزلته عليك هل هو من عندي أم لا . " بل لما يذوقوا عذاب " أي إنما اغتروا بطول الإمهال ولو ذاقوا عذابي على الشرك لزال عنهم الشك ، ولما قالوا ذلك ، ولكن لا ينفع الإيمان حينئذ . و< لما > بمعنى لم وما زائدة كقوله : " عما قليل " [ المؤمنون : 40 ] و" فبما نقضهم ميثاقهم " [ النساء : 155 ] .
يقول تعالى مخبراً عن المشركين في تعجبهم من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً كما قال عز وجل: "أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين" وقال جل وعلا ههنا: "وعجبوا أن جاءهم منذر منهم" أي بشر مثلهم وقال الكافرون " هذا ساحر كذاب * أجعل الآلهة إلها واحدا " أي أزعم أن المعبود واحد لا إله إلا هو ؟ أنكر المشركون ذلك قبحهم الله تعالى وتعجبوا من ترك الشرك بالله فإنهم كانوا قد تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان وأشربته قلوبهم فلما دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خلع ذلك من قلوبهم وإفراد الإله بالوحدانية أعظموا ذلك وتعجبوا وقالوا " أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب * وانطلق الملأ منهم " وهم سادتهم وقادتهم ورؤساؤهم وكبراؤهم قائلين "امشوا" أي استمروا على دينكم "واصبروا على آلهتكم" ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمد من التوحيد, وقوله تعالى: "إن هذا لشيء يراد" قال ابن جرير إن هذا الذي يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء وأن يكون له منكم أتباع ولسنا نجيبه إليه.
(ذكر سبب نزول هذه الايات الكريمة)
قال السدي إن ناساً من قريش اجتمعوا فيهم أبو جهل بن هشام والعاص بن وائل والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش فقال بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى أبي طالب فلنكلمه فيه فلينصفنا منه فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه الذي يعبده فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون منا إليه شيء فتعيرنا به العرب يقولون تركوه حتى إذا مات عنه تناولوه فبعثوا رجلاً منهم يقال له المطلب فاستأذن لهم على أبي طالب فقال هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم يستأذنون عليك قال أدخلهم فلما دخلوا عليه قالوا يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا فأنصفنا من ابن أخيك فمره فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه, قال فبعث إليه أبو طالب فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسراتهم وقد سألوك أن تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك قال صلى الله عليه وسلم: "يا عم أفلا أدعوهم إلى ما هو خير لهم" قال وإلام تدعوهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم "أدعوهم أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم" فقال أبو جهل لعنه الله من بين القوم ما هي وأبيك لنعطينكها وعشراً أمثالها قال صلى الله عليه وسلم: "تقولون لا إله إلا الله" فنفروا وقالوا سلنا غيرها قال صلى الله عليه وسلم: "لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها" فقاموا من عنده غضاباً وقالوا والله لنشتمك وإلهك الذي أمرك بهذا "وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد" ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وزاد فلما خرجوا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه إلى قوله لا إله إلا الله فأبى وقال بل على دين الأشياخ ونزلت "إنك لا تهدي من أحببت".
قال أبو جعفر بن جرير حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا أبو أسامة حدثنا الأعمش حدثنا عباد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول, فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل قال فخشي أبو جهل لعنه الله إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قرب عمه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك ويزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول ؟ قال وأكثروا عليه من القول وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية" ففزعوا لكلمته ولقوله فقال القوم كلمة واحدة نعم وأبيك عشراً فقالوا وما هي ؟ وقال أبو طالب وأي كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال صلى الله عليه وسلم "لا إله إلا الله" فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون: " أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب " قال ونزلت من هذا الموضع إلى قوله "بل لما يذوقوا عذاب" لفظ أبي كريب وهكذا رواه الإمام أحمد والنسائي من حديث محمد بن عبد الله بن نمير كلاهما عن أبي أسامة عن الأعمش عن عباد غير منسوب به نحوه, ورواه الترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير أيضاً كلهم في تفاسيرهم من حديث سفيان الثوري عن الأعمش عن يحيى بن عمارة الكوفي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكر نحوه. وقال الترمذي حسن. وقولهم " ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة " أي ما سمعنا بهذا الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد في الملة الاخرة.
قال مجاهد وقتادة وأبو زيد يعنون دين قريش وقال غيرهم يعنون النصرانية قاله محمد بن كعب والسدي. وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما سمعنا بهذا في الملة الاخرة يعني النصرانية قالوا لو كان هذا القرآن حقاً لأخبرتنا به النصارى "إن هذا إلا اختلاق" قال مجاهد وقتادة كذب وقال ابن عباس تخرص. وقولهم "أأنزل عليه الذكر من بيننا" يعني أنهم يستبعدون تخصيصه بإنزال القرآن عليه من بينهم كلهم كما قال في الاية الأخرى: "لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم" قال الله تعالى: "أهم يقسمون رحمة ربك ؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات" ولهذا لما قالوا هذا الذي دل على جهلهم وقلة عقلهم في استبعادهم إنزال القرآن على الرسول من بينهم.
قال الله تعالى: "بل لما يذوقوا عذاب" أي إنما يقولون هذا لأنهم ما ذاقوا إلى حين قولهم ذلك عذاب الله تعالى ونقمته سيعلمون غب ما قالوا وما كذبوا به يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً. ثم قال تعالى مبيناً أنه المتصرف في ملكه الفعال لما يشاء الذي يعطي من يشاء ما يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء وينزل الروح من أمره على من يشاء من عباده ويختم على قلب من يشاء فلا يهديه أحد من بعد الله, وإن العباد لا يملكون شيئاً من الأمر وليس إليهم من التصرف في الملك ولا مثقال ذرة وما يملكون من قطمير.
ولهذا قال تعالى منكراً عليهم "أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب" أي العزيز الذي لا يرام جنابه الوهاب الذي يعطي ما يريد لمن يريد, وهذه الاية الكريمة شبيهة بقوله تعالى: " أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا * أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما * فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا " وقوله تعالى: "قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً" وذلك بعد الحكاية عن الكفار أنهم أنكروا بعثة الرسول البشري صلى الله عليه وسلم وكما أخبر عز وجل عن قوم صالح عليه السلام حين قالوا " أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر * سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ".
وقوله تعالى: "أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب" أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في الأسباب. قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم يعني طرق السماء, وقال الضحاك رحمه الله تعالى فليصعدوا إلى السماء السابعة.
ثم قال عز وجل: "جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب" أي هؤلاء الجند المكذبون الذين هم في عزة وشقاق سيهزمون ويغلبون ويكبتون كما كبت الذين من قبلهم من الأحزاب المكذبين وهذه الاية كقوله جلت عظمته: " أم يقولون نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر " كان ذلك يوم بدر "بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر".
ثم استنكروا أن يخص الله ورسوله بمزية النبوة دونهم فقالوا: 8- "أأنزل عليه الذكر من بيننا" والاستفهام للإنكار: أي كيف يكون ذلك ونحن الرؤساء والأشراف. قال الزجاج: قالوا كيف أنزل على محمد القرآن من بيننا ونحن أكبر سناً وأعظم شرفاً منه، وهذا مثل قولهم: " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " فأنكروا أن يتفضل الله سبحانه على من يشاء من عباده بما شاء. ولما ذكر استنكارهم لنزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم دونهم بين السبب الذي لأجله تركوا تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، فقال: "بل هم في شك من ذكري" أي من القرآن أو الوحي لإعراضهم عن النظر الموجب لتصديقه وإهمالهم للأدلة الدالة على أنه حق منزل من عند الله "بل لما يذوقوا عذاب" أي بل السبب أنهم لم يذوقوا عذابي فاغتروا بطول المهلة، ولو ذاقوا عذابي على ما هم عليه من الشرك والشك لصدقوا ما جئت به من القرآن ولم يشكوا فيه.
8. " أأنزل عليه الذكر "، القرآن، " من بيننا "، وليس بأكبرنا ولا أشرفنا، يقوله أهل مكة. قال الله عز وجل: " بل هم في شك من ذكري "، أي وحي وما أنزلت، " بل لما يذوقوا عذاب "، ولو ذاقوه لما قالوا هذا القول.
8-" أأنزل عليه الذكر من بيننا " إنكار لاختصاصه بالوحي وهو مثلهم أو أدون منهم في الشرف والرئاسة كقولهم " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " وأمثال ذلك دليل على أن مبدأ تكذيبهم لم يكن إلا الحسد وقصور النظر على الحطام الدنيوي . " بل هم في شك من ذكري " من القرآن أو الوحي لميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن الدليل ، وليس في عقيدتهم ما يبتون به من قولهم " هذا ساحر كذاب " " إن هذا إلا اختلاق " . " بل لما يذوقوا عذاب " بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوا زال شكهم ، والمعنى أنهم لا يصدقون به حتى يسهم العذاب فيلجئهم إلى تصديقه .
8. Hath the reminder been revealed unto him (alone) among us? Nay, but they are in doubt concerning My reminder; nay but they have not yet tasted My doom.
8 - What Has the message been sent to him (of all persons) among us? But they are in doubt concerning My (own) Message nay, they have not yet tasted My Punishment.