(ولا يأمرُكم) بالرفع استئنافا أي الله ، والنصب عطفاً على يقول أي البشر (أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا) كما اتخذت الصابئة الملائكة واليهود عزيراً والنصارى عيسى (أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) لا ينبغي له هذا
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله: "ولا يأمركم".
فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة: ولا يأمركم، على وجه الابتداء من الله بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأمركم، أيها الناس، أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً. واستشهد قارئو ذلك كذلك بقراءة ذكروها عن ابن مسعود أنه كان يقرؤها، وهي: ولن يأمركم، فاستدلوا بدخول لن، على انقطاع الكلام عما قبله، وابتداء خبر مستأنف. قالوا: فلما صير مكان لن في قراءتنا "لا"، وجب قراءته بالرفع.
وقرأه بعض الكوفيين والبصريين: "ولا يأمركم"، بنصب الراء، عطفاً على قوله: "ثم يقول للناس". وكان تأويله عندهم: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب، ثم يقول للناس، ولا أن يأمركم، بمعنى: ولا كان له أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً.
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك: "ولا يأمركم"، بالنصب، على الاتصال بالذي قبله، بتأويل: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة، ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله، ولا أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً. لأن الآية نزلت في سبب القوم الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريد أن نعبدك؟ فأخبرهم الله جل ثناؤه أنه ليس لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو الناس إلى عبادة نفسه، ولا إلى اتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً. ولكن الذي له: أن يدعوهم إلى أن يكونوا ربانيين.
فأما الذي ادعى من قرأ ذلك رفعاً، أنه في قراءة عبد الله: ولن يأمركم استشهاداً لصحة قراءته بالرفع، فذلك خبر غير صحيح سنده، وإنما هو خبر رواه حجاج، عن هرون الأعور: أن ذلك في قراءة عبد الله كذلك. ولو كان ذلك خبراً صحيحاً سنده، لم يكن فيه لمحتج حجة. لأن ما كان على صحته من القراءة من الكتاب الذي جاء به المسلمون وراثةً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، لا يجوز تركه لتأويل على قراءة أضيفت إلى بعض الصحابة، بنقل من يجوز في نقله الخطأ والسهو.
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذاً: وما كان للنبي أن يأمركم، أيها الناس، "أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا" -يعني بذلك آلهة يعبدون من دون الله-، كما ليس له أن يقول لهم: كونوا عباداً لي من دون الله.
ثم قال جل ثناؤه -نافياً عن نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباده بذلك-: "أيأمركم بالكفر"، أيها الناس ، نبيكم ، بجحود وحدانية الله ، "بعد إذ أنتم مسلمون"، يعني : بعد إذ أنتم له منقادون بالطاعة، متذللون له بالعبودة : أي أن ذلك غير كائن منه أبداً. وقد:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال: "ولا يأمركم" النبي صلى الله عليه وسلم، "أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا".
قرأ ابن عامر و عاصم و حمزة بالنصب عطفا على أن يؤتيه . و يقويه أن اليهود قالت للنبي صلى الله عليه و سلم : أتريد أن نتخذك يا محمد ربا ؟ فقال الله تعالى : " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب و الحكم و النبوة " - إلى قوله : " و لا يأمركم " . و فيه ضمير البشر ، أي و لا يأمركم البشر يعني عيسى و عزيرا . و قرأ الباقون بالرفع على الاستئناف و القطع من الكلام الأول ، و فيه ضمير اسم الله عز و نجل ، أي و لا يأمركم الله أن تتخذوا . و يقوي هذه القراءة أن في مصحف عبد الله و لن يأمركم فهذا يدل على الاستئناف ، و الضمير أيضا لله عز و جل ، ذكره مكي ، و قاله سيبويه و الزجاج . و قال ابن جريج و جماعة : و لا يأمركم محمد عليه السلام . و هذه قراءة أبي عمرو و الكسائي وأهل الحرمين . أن تتخذوا أي حتى يجعلوهم لهم أربابا . أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون . على طريق الإنكار و التعجب ، فحرم الله تعالى على الأنبياء أن يتخذوا الناس عبادا يتألهون لهم و لكن ألزم الخلق حرمتهم . و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
لا يقولن أحدكم عبدي و أمتي و ليقل فتاي و فتاتي ولا يقل أحدكم ربي و ليقل سيدي . و في التنزيل " اذكرني عند ربك " . و هناك يأتي بيان هذا المعنى إن شاء الله تعالى .
قال محمد بن إسحاق : حدثنا محمد بن أبي محمد , عن عكرمة أو سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال: قال أبو رافع القرظي : حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس: أوذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا ؟ أو كما قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "معاذ الله أن نعبد غير الله, أو أن نأمر بعبادة غير الله, ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني" أو كما قال صلى الله عليه وسلم: فأنزل الله في ذلك من قولهما: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله" أي ما ينبغي لبشر آتاه الله الكتاب والحكمة والنبوة, أن يقول للناس اعبدوني من دون الله, أي مع الله, فإذا كان هذا لا يصلح لنبي ولا لمرسل, فلأن لا يصلح لأحد من الناس غيرهم بطريق الأولى والأحرى ولهذا قال الحسن البصري : لا ينبغي هذا لمؤمن أن يأمر الناس بعبادته, قال: وذلك أن القوم كان يعبد بعضهم بعضاً, يعني أهل الكتاب كانوا يعبدون أحبارهم ورهبانهم, كما قال الله تعالى: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله" الاية, وفي المسند والترمذي كما سيأتي أن عدي بن حاتم قال: " يا رسول الله ما عبدوهم. قال :بلى إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال, فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم" فالجهلة من الأحبار والرهبان ومشايخ الضلال يدخلون في هذا الذم والتوبيخ بخلاف الرسل وأتباعهم من العلماء العاملين فإنهم إنما يأمرون بما يأمر الله به, وبلغتهم إياه رسله الكرام, وإنما ينهونهم عما نهاهم الله عنه وبلغتهم إياه رسله الكرام, فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, هم السفراء بين الله وبين خلقه في أداء ما حملوه من الرسالة وإبلاغ الأمانة, فقاموا بذلك أتم القيام, ونصحوا الخلق, وبلغوهم الحق, وقوله: " ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون " أي ولكن يقول الرسول للناس كونوا ربانيين, قال ابن عباس وأبو رزين وغير واحد: أي حكماء علماء حلماء, وقال الحسن وغير واحد: فقهاءو وكذا روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وعطاء الخراساني وعطية العوفي والربيع بن أنس وعن الحسن أيضاً: يعني أهل عبادة وأهل تقوى, وقال الضحاك في قوله: "بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون": حق على من تعلم القرآن أن يكون فقيهاً "تعلمون" أي تفهمون معناه, وقرىء "تعلمون" بالتشديد من التعليم "وبما كنتم تدرسون" تحفظون ألفاظه, ثم قال الله تعالى: "ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً" أي ولا يأمركم بعبادة أحد غير الله: لا نبي مرسل ولا ملك مقرب "أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون" أي لا يفعل ذلك إلا من دعا إلى عبادة غير الله, ومن دعا إلى عبادة غير الله فقد دعا إلى الكفر, والأنبياء إنما يأمرون بالإيمان وهو عبادة الله وحده لا شريك له, كما قال تعالى: "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" الاية, وقال "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" وقال إخباراً عن الملائكة "ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين".
قوله 80- "ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً" بالنصب عطفاً على ثم يقول ولا مزيدة لتأكيد النفي: أي ليس له أن يأمر بعبادة نفسه، ولا يأمر باتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً بل ينتهي عنه، ويجوز عطفه على أن يؤتيه، أي: ما كان لبشر أن يأمركم بأن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً، وبالنصب قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة، وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف والقطع من الكلام الأول: أي ولا يأمركم الله أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً، ويؤيده أن في مصحف ابن مسعود ولن يأمركم. والهمز في قوله "أيأمركم" لإنكار ما نفي من البشر. وقوله "بعد إذ أنتم مسلمون" استدل به من قال إن سبب نزول الآية استئذان من استأذن النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين في أن يسجدوا له.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غيره ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني، فأنزل الله في ذلك "ما كان لبشر" الآية". وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: "بلغني أن رجلاً قال: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟ قال: لا ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله، فإنه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، فأنزل الله "ما كان لبشر" الآية". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله "ربانيين" قال: فقهاء علماء. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: حكماء علماء حلماء. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: علماء فقهاء. وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود قال: حكماء علماء. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي رزين في قوله "وبما كنتم تدرسون" قال: مذاكرة الفقه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله "ولا يأمركم أن تتخذوا" قال: ولا يأمرهم النبي.
80-قوله : " ولا يأمركم " ، قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب بنصب الراء عطفاً على قوله : ثم يقول ، فيكون مردوداً على البشر ، أي : ولا يأمر ذلك البشر، وقيل : علي إضمار إن أي: ولا أن يأمركم ذلك البشر ، وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف ، معناه: ولا يأمركم الله وقال ابن جريج وجماعة : ولا يأمركم محمد،" أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً" كفعل قريش والصابئين حيث آلوا: الملائكة بنات الله ، واليهود والنصارى حيث قالوا في المسيح و عزير ما قالوا، " أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون " ، قاله على طريق التعجب والإنكار، يعني : لا يقول هذا.
80" ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا " نصبه ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب عطفاً على ثم يقول، وتكون لا مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله " ما كان "، أي ما كان لبشر أن يستنبئه الله ثم يأمر الناس بعبادة نفسه ويأمر باتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً، أو غير مزيدة على معنى أنه ليس له أن يأمر بعبادته ولا يأمر باتخاذ أكفائه أرباباً، بل ينهى عنه وهو أدنى من العبادة. ورفعه الباقون على الاستئناف، ويحتمل الحال وقرأ أبو عمرو على أصله برواية الدوري باختلاس الضم. " أيأمركم بالكفر " إنكار، والضمير فيه للبشر وقيل لله. " بعد إذ أنتم مسلمون " دليل على أن الخطاب للمسلمين وهم المستأذنون لأن يسجدوا له.
80. And he commanded you not that ye should take the angels and the Prophets for lords. Would he command you to disbelieve after ye had surrendered (to Allah)?
80 - Nor would he instruct you to take angels and prophets for lords and patrons. what would he bid you to unbelief after ye have bowed after ye have bowed your will (to God in Islam)?