(و) اذكر (إذ) حين (أخذ الله ميثاق النبيين) عهدهم (لَما) بفتح اللام للابتداء وتوكيد معنى القسم الذي في أخذ الميثاق وكسرها متعلقة بأخذ وما موصولة على الوجهين أي للذي (آتيتكم) إياه ، وفي قراءةٍ {آتيناكم} (من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم) من الكتاب والحكمة وهو محمد صلى الله عليه وسلم (لتؤمنن به ولتنصرنه) جواب القسم إن أدركتموه وأممهم تبع لهم في ذلك (قال) تعالى لهم (أأقررتم) بذلك (وأخذتم) قبلتم (على ذلكم إصري) عهدي (قالوا أقررنا قال فاشهدوا) على أنفسكم وأتباعكم بذلك (وأنا معكم من الشاهدين) عليكم وعليهم
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واذكروا، يا أهل الكتاب، "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين"، يعني: حين أخذ الله ميثاق النبيين، وميثاقهم، ما وثقوا به على أنفسهم طاعة الله فيما أمرهم ونهاهم.
وقد بينا أصل الميثاق باختلاف أهل التأويل فيه، بما فيه الكفاية.
"لما آتيتكم من كتاب وحكمة"، فاختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق "لما آتيتكم" بفتح اللام من "لما"، إلا أنهم اختلفوا في قراءة: "آتيتكم".
فقرأه بعضهم: "آتيتكم" على التوحيد.
وقرأه آخرون: آتيناكم على الجمع.
ثم اختلف أهل العربية إذا قرئ ذلك كذلك.
فقال بعض نحويي البصرة: اللام التي مع ما في أول الكلام لام الابتداء، نحو قول القائل : لزيد أفضل منك، لأن ما اسم، والذي بعدها صلة لها، واللام التي في "لتؤمنن به ولتنصرنه"، لام القسم ، كأنه قال: والله لتؤمنن به، يؤكد في أول الكلام وفي آخره ، كما يقال: أما والله أن لو جئتني لكان كذا وكذا، وقد يستغنى عنها. فوكد في: "لتؤمنن به"، باللام في آخر الكلام . وقد يستغنى عنها، ويجعل خبر "ما آتيتكم من كتاب وحكمة" "لتؤمنن به". مثل : لعبد الله والله لتأتينه . قال: وإن شئت جعلت خبر "ما" "من كتاب"، يريد: لما آتيتكم ، كتاب وحكمة، وتكون "من" زائدة.
وخطأ بعض نحويي الكوفيين ذلك كله وقال: اللام التي تدخل في أوائل الجزاء، تجاب بجوابات الأيمان، يقال : لمن قام لآتينه ، ولمن قام ما أحسن، فإذا وقع في جوابها ما و لا، علم أن اللام ليست بتوكيد للأولى، لأنه يوضع موضعها ما ولا، فتكون كالأولى، وهي جواب للأولى . قال: وأما قوله: "لما آتيتكم من كتاب وحكمة"، بمعنى إسقاط "من"، غلط. لأن "من" التي تدخل وتخرج ، لا تقع مواقع الأسماء، قال: ولا تقع في الخبر أيضاً، إنما تقع في الجحد والاستفهام والجزاء.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل هذه الآية -على قراءة من قرأ ذلك بفتح اللام- بالصواب : أن يكون قوله : "لما" بمعنى لمهما، وأن تكون ما حرف جزاء أدخلت عليها اللام، وصير الفعل معها على فعل، ثم أجيبت بما تجاب به الأيمان، فصارت اللام الأولى يميناً، إذ تلقيت بجواب اليمين.
وقرأ ذلك آخرون: لما آتيتكم بكسر اللام من "لما". وذلك قراءة جماعة من أهل الكوفة.
ثم اختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله.
فقال بعضهم: معناه إذا قرئ كذلك : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين للذي آتيتكم، فـ ما على هذه القراءة ، بمعنى الذي عندهم . وكان تأويل الكلام : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين من أجل الذي آتاهم من كتاب وحكمة، ثم "جاءكم رسول"، يعني: ثم إن جاءكم رسولى، يعني : ذكر محمد في التوراة، "لتؤمنن به"، أي: ليكونن إيمانكم به ، للذي عندكم في التوراة من ذكره.
وقال آخرون منهم : تأويل ذلك إذا قرئ بكسر اللام من "لما": وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ، للذي آتاهم من الحكمة. ثم جعل قوله : "لتؤمنن به" من الأخذ أخذ الميثاق. كما يقال في الكلام : أخذت ميثاقك لتفعلن . لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف. فكان تأويل الكلام عند قائل هذا القول: وإذ استحلف الله النبيين للذي آتاهم من كتاب وحكمة، متى جاءهم رسول مصدق لما معهم، ليؤمنن به ولينصرنه.
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم"، بفتح اللام . لأن الله عز وجل أخذ ميثاق جميع الأنبياء بتصديق كل رسول له ابتعثه إلى خلقه فيما ابتعثه به إليهم ، كان ممن آتاه كتاباً أو ممن لم يؤته كتاباً. وذلك أنه غير جائز وصف أحد من أنبياء الله عز وجل ورسله، بأنه كان ممن أبيح له التكذيب بأحد من رسله. فإذ كان ذلك كذلك ، وكان معلوماً أن منهم من أنزل عليه الكتاب، وأن منهم من لم ينزل عليه الكتاب، كان بيناً أن قراءة من قرأ ذلك: لما آتيتكم، بكسر اللام، بمعنى: من أجل الذي آتيتكم من كتاب ، لا وجه له مفهوم، إلا على تأويل بعيد وانتزاع عميق.
ثم اختلف أهل التأويل فيمن أخذ ميثاقه بالإيمان بمن جاءه من رسل الله مصدقاً لما معه.
فقال بعضهم: إنما أخذ الله بذلك ميثاق أهل الكتاب دون أنبيائهم . واستشهدوا لصحة قولهم بذلك بقوله: "لتؤمنن به ولتنصرنه". قالوا : فإنما أمر الذين أرسلت إليهم الرسل من الأمم بالإيمان برسل الله ونصرتها على من خالفها. وأما الرسل ، فإنه لا وجه لأمرها بنصرة أحد، لأنها المحتاجة إلى المعونة على من خالفها من كفرة بني آدم . فأما هي ، فإنها لا تعين الكفرة على كفرها ولا تنصرها. قالوا : وإذا لم يكن غيرها وغير الأمم الكافرة، فمن الذي ينصر النبي ، فيؤخذ ميثاقه بنصرته؟.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة"، قال: هي خطأ من الكاتب ، وهي في قراءة ابن مسعود : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع في قوله: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين"، يقول : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها الربيع: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب، إنما هم أهل الكتاب . قال: وكذلك كان يقرأها أبي بن كعب. قال الربيع: ألا ترى أنه يقول : "ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه"؟ يقول: لتؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولتنصرنه. قال : هم أهل الكتاب.
وقال آخرون: بل الذي أخذ ميثاقهم بذلك ، الأنبياء دون أممها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى وأحمد بن حازم قالا، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين"، أن يصدق بعضهم بعضاً.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم" الآية، قال : أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء، ليصدقن وليؤمنن بما جاء به الآخر منهم.
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الله بن هاشم قال، أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روق، عن أبي أيوب ، عن علي بن أبي طالب قال: لم يبعث الله عز وجل نبياً -آدم فمن بعده- إلا أخذ عليه العهد في محمد: لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه، فقال: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة"، الآية.
حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب"، الآية: هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم -فيما بلغتهم رسلهم- أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وينصروه.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط ، عن السدي: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة"، الآية. قال : لم يبعث الله عز وجل نبياً قط من لدن نوح ، إلا أخذ ميثاقه ليؤمنن بمحمد ولينصرنه إن خرج وهو حي، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به ولينصرنه إن خرج وهم أحياء.
حدثني محمد بن سنان قال ، حدثنا عبد الكبير بن عبد المجيد أبو بكر الحنفي قال، حدثنا عباد بن منصور قال ، سألت الحسن عن قوله: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة"، الآية كلها، قال : أخذ الله ميثاق النبيين : ليبلغن آخركم أولكم، ولا تختلفوا.
وقال آخرون: معنى ذلك : أنه أخذ ميثاق النبيين وأممهم ، فاجتزأ بذكر الأنبياء عن ذكر أممها، لأن في ذكر أخذ الميثاق على المتبوع، دلالة على أخذه على التباع، لأن الأمم تباع الأنبياء.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : ثم ذكر ما أخذ عليهم -يعني على أهل الكتاب- وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه -يعني بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم- إذا جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم. فقال: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة" إلى آخر الآية.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا محمد بن إسحق قال ، حدثنا محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال ، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس مثله.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال: معنى ذلك : الخبر عن أخذ الله الميثاق من أنبيائه بتصديق بعضهم بعضاً، وأخذ الأنبياء على أممها وتباعها الميثاق بنحو الذي أخذ عليها ربها من تصديق أنبياء الله ورسله بما جاءتها به. لأن الأنبياء عليهم السلام بذلك أرسلت إلى أممها. ولم يدع أحد ممن صدق المرسلين ، أن نبياً أرسل إلى أمة بتكذيب أحد من أنبياء الله عز وجل وحججه في عباده ، بل كلها، وإن كذب بعض الأمم بعض أنبياء الله ، بجحودها نبوته، مقرة بأن من ثبتت صحة نبوته ، فعليها الدينونة بتصديقه. فذلك ميثاق مقر به جميعهم.
ولا معنى لقول من زعم أن الميثاق إنما أخذ على الأمم دون الأنبياء. لأن الله عز وجل قد أخبر أنه أخذ ذلك من النبيين ، فسواء قال قائل : لم يأخذ ذلك منها ربها أو قال : لم يأمرها ببلاغ ما أرسلت، وقد نص الله عز وجل أنه أمرها بتبليغه ، لأنهما جميعاً خبران من الله عنها: أحدهما أنه أخذ منها، والآخر منهما أنه أمرها. فإن جاز الشك في أحدهما، جاز في الآخر.
وأما ما استشهد به الربيع بن أنس، على أن المعنى بذلك أهل الكتاب من قوله: "لتؤمنن به ولتنصرنه"، فإن ذلك غير شاهد على صحة ما قال . لأن الأنبياء قد أمر بعضها بتصديق بعض، وتصديق بعضها بعضاً، نصرة من بعضها بعضاً.
ثم اختلفوا في الذين عنوا بقوله : "ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه".
فقال بعضهم: الذين عنوا بذلك ، هم الأنبياء، أخذت مواثيقهم أن يصدق بعضهم بعضاً وأن ينصروه ، وقد ذكرنا الرواية بذلك عمن قاله.
وقال آخرون: هم أهل الكتاب ، أمروا بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعثه الله بنصرته، وأخذ ميثاقهم في كتبهم بذلك. وقد ذكرنا الرواية بذلك أيضاً عمن قاله.
وقال آخرون، ممن قال: الذين عنوا بأخذ الله ميثاقه منهم في هذه الآية هم الأنبياء، قوله: "ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم"، معني به أهل الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر قال ، أخبرنا ابن طاوس، عن أبيه في قوله: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة"، قال أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً، ثم قال : "ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه"، قال: فهذه الآية لأهل الكتاب، أخذ الله ميثاقهم أن يؤمنوا بمحمد ويصدقوه.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثني ابن أبي جعفر، عن أبيه قال، قال قتادة: أخذ الله على النبيين ميثاقهم: أن يصدق بعضهم بعضاً، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالته إلى عباده. فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم، وأخذوا مواثيق أهل الكتاب -في كتابهم، فيما بلغتهم رسلهم-: أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وينصروه.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب عندنا في تأويل هذه الآية: أن جميع ذلك خبر من الله عز وجل عن أنبيائه أنه أخذ ميثاقهم به ، وألزمهم دعاء أممها إليه ، والإقرار به . لأن ابتداء الآية خبر من الله عز وجل عن أنبيائه أنه أخذ ميثاقهم، ثم وصف الذي أخذ به ميثاقهم فقال : هو كذا وهو كذا.
وإنما قلنا إن ما أخبر الله أنه أخذ به مواثيق أنبيائه من ذلك، قد أخذت الأنبياء مواثيق أممها به، لأنها أرسلت لتدعو عباد الله إلى الدينونة بما أمرت بالدينونة به في أنفسها، من تصديق رسل الله، على ما قدمنا البيان قبل.
قال أبو جعفر: فتأويل الآية: واذكروا يا معشر أهل الكتاب، إذ أخذ الله ميثاق النبيين لمهما آتيتكم، أيها النبيون، من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول من عندي مصدق لما معكم ، لتؤمنن به -يقول: لتصدقنه- ولتنصرنه.
وقد قال السدي في ذلك بما:
حدثنا به محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : "لما آتيتكم"، يقول لليهود: أخذت ميثاق النبيين بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي ذكر في الكتاب عندكم.
فتأويل ذلك على قول السدي الذي ذكرناه: واذكروا، يا معشر أهل الكتاب ، إذ أخذ الله ميثاق النبيين بما آتيتكم ، أيها اليهود، من كتاب وحكمة.
وهذا الذي قاله السدي كان تأويلاً له وجه، لو كان التنزيل: بما آتيتكم، ولكن التنزيل باللام "لما آتيتكم". وغير جائز في لغة أحد من العرب أن يقال: "أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم"، بمعنى: بما آتيتكم.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين بما ذكر، فقال لهم تعالى ذكره: أأقررتم بالميثاق الذي واثقتموني عليه : من أنكم مهما أتاكم رسول من عندي مصدق لما معكم، "لتؤمنن به ولتنصرنه"، "وأخذتم على ذلكم إصري"؟ يقول: وأخذتم ، على ما واثقتموني عليه من الإيمان بالرسل التي تأتيكم بتصديق ما معكم من عندي والقيام بنصرتهم، "إصري". يعني عهدي ووصيتي ، وقبلتم في ذلك مني ورضيتموه.
والأخذ: هو القبول -في هذا الموضع - والرضى، من قولهم: أخذ الوالي عليه البيعة، بمعنى: بايعه وقبل ولايته ورضي بها.
وقد بينا معنى الإصر باختلاف المختلفين فيه ، والصحيح من القول في ذلك فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وحذفت الفاء من قوله: "قال أأقررتم"، لأنه ابتداء كلام ، على نحو ما قد بينا في نظائره فيما مضى.
وأما قوله: "قالوا أقررنا"، فإنه يعني به : قال النبيون الذين أخذ الله ميثاقهم بما ذكر في هذه الآية : أقررنا بما ألزمتنا من الإيمان برسلك الذين ترسلهم مصدقين لما معنا من كتبك، وبنصرتهم.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قال الله: فاشهدوا، أيها النبيون، بما أخذت به ميثاقكم من الإيمان بتصديق رسلي التي تأتيكم بتصديق ما معكم من الكتاب والحكمة، ونصرتهم على أنفسكم وعلى أتباعكم من الأمم إذا أنتم أخذتم ميثاقهم على ذلك، وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم بذلك، كما:
حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الله بن هاشم قال ، أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي بن أبي طالب في قوله: "قال فاشهدوا"، يقول: فاشهدوا على أممكم بذلك، "وأنا معكم من الشاهدين"، عليكم وعليهم.
قيل : أخذ الله تعالى ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضا ويأمر بعضهم بالإيمان بعضا ، فذلك معنى النصرة بالتصديق . وهذا قول سعيد بن جبير و قتادة و طاوس و السدي و الحسن ، وهو ظاهر الآية . قال طاوس : أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخر . وقرأ ابن مسعود " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " . قال الكسائي : يجوز أن يكون " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين " بمعنى وإذ أخذ الله ميثاق الذين مع النبيين . وقال البصريون : إذا أخذ الله ميثاق النبيين فقد أخذ ميثاق اللذين معهم ، لأنهم قد اتبعوهم وصدقوهم . وما في قوله لما بمعنى الذي . قال سيبويه : سألت الخليل بن أحمد عن قوله عز وجل : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " فقال : لما بمعنى الذي . قال النحاس : التقدير على قول الخليل للذي آتيتكموه ، ثم حذف الهاء لطول الاسم . و " الذي " رفع بالابتداء وخبره " من كتاب وحكمة " . ومن لبيان الجنس . وهذا كقول القائل : لزيد أفضل منك ، وهو قول الأخفش أنها لام الابتداء . قال المهدوي : وقوله " ثم جاءكم " وما بعده جملة معطوفة على الصلة ، والعائد منها على الموصول محذوف ، والتقدير ثم جاءكم رسول مصدق به .
قوله تعالى : " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " الرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله علي وابن عباس رضي الله عنهما . واللفظ وإن كان نكرة فالإشارة إلى معين ، كقوله تعالى : " ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة " إلى قوله " ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه " . فأخذ الله ميثاق النبيين أجمعين أن يؤمنوا بمحمد عليه السلام وينصروه إن أدركوه ، وأمرهم أن يأخذوا بذلك الميثاق ، إذ هو بمنزلة الاستخلاف . وهو كما تقول في الكلام : أخذت ميثاقك لتفعلن كذا ، كأنك قلت أستحلفك ، وفصل بين القسم وجوابه بحرف الجر الذي لما في قراءة ابن كثير على ما يأتي . ومن فتحها جعلها متلقية للقسم الذي هو أخذ1 الميثاق . واللام في " لتؤمنن به " جواب قسم محذوف ، أي والله لتؤمنن به . وقال المبرد والكسائي و الزجاج : ما شرط دخلت عليها لام التحقيق كما تدخل على إن ، ومعناه لمهما آتيتكم ، فموضع ما نصب ، وموضع آتيتكم جزم ، و " ثم جاءكم " معطوف عليه ، " لتؤمنن به " اللام في قوله " لتؤمنن به " جواب الجزاء ، كقوله تعالى : " ولئن شئنا لنذهبن " ونحوه . وقال الكسائي : لتؤمنن به معتمد القسم فهو متصل بالكلام الأول ، وجواب الجزاء قوله " فمن تولى بعد ذلك " . ولا يحتاج على هذا الوجه إلا تقدير عائد . وقرأ أهل الكوفة لما آتيتكم بكسر اللام ، وهي أيضا بمعنى الذي وهي متعلقة بأخذ ، أي أخذ الله ميثاقه لأجل الذي آتاهم من كتاب وحكمة ثم إن جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به من بعد الميثاق : لأن أخذ الميثاق في معنى الاستحلاف كما تقدم . قال النحاس : ولأبي عبيدة في هذا قول حسن . قال : المعنى وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتؤمنن به لما آتيتكم من ذكر التوراة . وقيل : في الكلام حذف ، والمعنى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتعلمن الناس لما جاءكم من كتاب وحكمة ، ولتأخذن على الناس أن يؤمنوا . ودل على هذا الحذف " وأخذتم على ذلكم إصري " . وقيل : إن اللام في قوله لما في قراءة من كسرها بعنى بعد ، يعني بعد ما آتيتكم من كتاب وحكمة ، كما قال النابغة :
توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع
أي بعد ستة أعوام . وقرأ سعيد بن جبير لما بالتشديد ، ومعناه حين آتيتكم . واحتمل أن نكون أصلها التخفيف فزيدت من على مذهب من يرى زيادتها في الجواب فصارت لمن ما ، وقلبت النون ميما للإدغام فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت الأولى منهن استخفافا . وقرأ أهل المدينة آتيناكم على التعظيم . والباقون آتيتكم على لفظ الواحد . ثم كل الأنبياء لم يؤتوا الكتاب وإنما أوتي البعض ، ولكن الغلبة للذين أوتوا الكتاب . والمراد أخذ ميثاق جميع الأنبياء فمن لم يؤت الكتاب فهو في حكم من أوتي الكتاب لأنه أوتي الحكم والنبوة . وأيضا من لم يؤتي الكتاب أمر بأن يأخذ بكتاب من قبله فدخل تحت صفة من أوتي الكتاب .
قوله تعالى : " أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين " أأقررتم من الإقرار ، و الإصر والأصر لغتان ، وهو العهد . و الإصر في اللغة الثقل فسمي العهد إصرا لأنه منع وتشديد . " قال فاشهدوا " أي اعلموا ، عن ابن عباس . الزجاج : بينوا لأن الشاهد هو الذي يصحح دعوى المدعي . وقيل : المعنى اشهدوا أنتم على أنفسكم وعلى أتباعكم . " وأنا معكم من الشاهدين " عليكم وعليهم . وقال سعيد بن المسيب : قال الله عز وجل للملائكة فاشهدوا عليهم ، فتكون كناية عن غير مذكور .
يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام لمهما آتى الله أحدهم من كتاب وحكمة, وبلغ أي مبلغ, ثم جاءه رسول من بعده ليؤمنن به ولينصرنه, ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته ولهذا قال تعالى وتقدس "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة" أي لمهما أعطيتكم من كتاب وحكمة "ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري" وقال ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس وقتادة والسدي يعني عهدي وقال محمد بن إسحاق (إصري) أي ثقل ما حملتم من عهدي أي ميثاقي الشديد المؤكد " قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك " أي عن هذا العهد والميثاق "فأولئك هم الفاسقون", قال علي بن أبي طالب وابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق, لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به وينصرنه, وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه, وقال طاوس والحسن البصري وقتادة : أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً, وهذا لا يضاد ما قاله علي وابن عباس ولا ينفيه, بل يستلزمه ويقتضيه, ولهذا روى عبد الرزاق عن معمر , عن ابن طاوس , عن أبيه , مثل قول علي وابن عباس , وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , أنبأنا سفيان , عن جابر , عن الشعبي , عن عبد الله بن ثابت قال: " جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, إني مررت بأخ لي يهودي من قريظة, فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك ؟ قال, فتغير وجه رسول صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن ثابت , قلت له: ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر : رضينا بالله رباً, بالإسلام ديناً, وبمحمد رسولاً, قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال :والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى عليه السلام, ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم, إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين".
(حديث آخر) قال الحافظ أبو بكر : حدثنا إسحاق حدثنا حماد عن مجالد عن الشعبي عن جابر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا, وإنكم إما أن تصدقوا بباطل وإما أن تكذبوا بحق, وإنه والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني". وفي بعض الأحاديث "لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي" فالرسول محمد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين, هو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر وجد, لكان هو الواجب طاعته المقدم على الأنبياء كلهم, ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لما اجتمعوا ببيت المقدس, وكذلك هو الشفيع في المحشر في إتيان الرب جل جلاله لفصل القضاء بين عباده, وهو المقام المحمود الذي لا يليق إلا له, والذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين حتى تنتهي النوبة إليه فيكون هو المخصوص به صلوات الله وسلامه عليه.
قد اختلف في تفسير قوله تعالى 81- "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين" فقال سعيد بن جبير وقتادة وطاوس والحسن والسدي إنه أخذ الله ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً بالإيمان، ويأمر بعضهم بعضاً بذلك فهذا معنى النصرة له والإيمان به، وهو ظاهر الآية، فحاصله أن الله أخذ ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخر وينصره وقال الكسائي: يجوز أن يكون معنى "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين" بمعنى: وإذ أخذ الله ميثاق الذين مع النبيين، ويؤيده قراءة ابن مسعود وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب وقيل: في الكلام حذف. والمعنى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتعلمن الناس لما جاءكم من كتاب وحكمة ولتأخذن على الناس أن يؤمنوا، ودل على هذا الحذف قوله "وأخذتم على ذلكم إصري" وما في قوله " لما آتيتكم " بمعنى الذي. قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم " فقال: ما بمعنى الذي. قال النحاس: التقدير في قول الخليل الذي آتيتكموه ثم حذفت الهاء لطول الاسم، واللام لام الابتداء، وبهذا قال الأخفش، وتكون ما في محل رفع على الابتداء، وخبرها من كتاب وحكمة. وقوله "ثم جاءكم" وما بعده جملة معطوفة على الصلة، والعائد محذوف أي مصدق به. وقال المبرد والزجاج والكسائي: ما شرطية دخلت عليها لام التحقيق، كما تدخل على إن، و"لتؤمنن به" جواب القسم الذي هو أخذ الميثاق، إذ هو بمنزلة الاستحلاف كما تقول: أخذت ميثاقك لتفعلن كذا، وهو ساد مسد الجزاء. وقال الكسائي: إن الجزاء قوله "فمن تولى". وقال في الكشاف: إن اللام في قوله " لما آتيتكم " لام التوطئة واللام في قوله "لتؤمنن" جواب القسم، وما يحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط، ولتؤمنن ساد مسد جواب القسم والشرط جميعاً، وأن تكون موصولة بمعنى للذي آتيتكموه لتؤمنن به انتهى. وقرأ حمزة لما آتيتكم بكسر اللام وما بمعنى الذي وهي متعلقة بأخذ. وقرأ أهل المدينة "آتيناكم" على التعظيم. وقرأ الباقون "آتيتكم" على التوحيد، وقيل: إن ما في قراءة من قرأ بكسر اللام مصدرية. ومعناه: لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم، واللام لام التعليل: أي لأجل ذلك أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتؤمنن به. قوله "أقررتم" هو من الإقرار. والإصر في اللغة: الثقل، سمي العهد إصراً لما فيه من التشديد. والمعنى: وأخذتم على ذلك عهدي. قوله "قالوا أقررنا" جملة استئنافية كأنه قيل: ماذا قالوا عند ذلك؟ فقيل: قالوا: أقررنا، وإنما لم يذكر أحدهم الإصر اكتفاءً بذلك. قوله "قال فاشهدوا" أي قال الله سبحانه فاشهدوا: أي ليشهد بعضهم على بعض "وأنا معكم من الشاهدين" أي: وأنا على إقراركم وشهادة بعضكم على بعض من الشاهدين.
81-قوله عز وجل: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة" قرأ حمزة " لما " بكسر اللازم ، وقرا الآخرون بفتحها ، فمن كسر اللام فهي لام الإضافة دخلت على ما ، ومعناه الذي يريد للذي آتيتكم ، أي: أخذ ميثاق النبيين لأجل الذي آتاهم من الكتاب والحكمة يعني، أنهم أصحاب الشرائع ، ومن فتح اللام فمعناه : للذي آتيتكم ، بمعنى الخبر، وقيل : بمعنى الجزاء ، أي : لئن آتيتكم ومهما آتيتكم . وجواب الجزاء قوله " لتؤمنن".
قوله :"لما آتيتكم" قرأ نافع وأهل المدينة ( آتيناكم ) على التعظيم كما قال : " وآتينا داود زبورا " (النساء- 163) " وآتيناه الحكم صبياً" (سورة مريم 12) وقرأ الاخرون بالتاء لموافقة الخط ، ولقوله :" وأنا معكم".
واختلفوا في المعني بهذه الآية : فذهب قوم الى أن الله تعالى أخذ الميثاق على النبيين خاصة أن يبلغوا كتاب الله ورسالاته الى عباده ، وأن يصدق بعضهم بعضاً وأخذ العهد على كل نبي ان يؤمن بمن ياتى بعده من الأنبياء ، وينصره إن أدركه ، وإن لم يدركه أن يأمر قومه بنصرته إن ادركوه ، فإخذ الميثاق من موسى ان يؤمن بعيسى ، ومن عيسى أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم .
( وقال الاخرون : بما اخذ الله الميثاق منهم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ) ، فعلى هذا اختلفوا : منهم من قال : غنما أخذ الميثاق على أ هل الكتاب الذين أرسل منهم النبيين ، وهذا قولمجاهد والربيع ، ألا ترى الى قوله " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " ، وإنما كان محمد صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى اهل الكتاب دون النبيين ، يدل عليه أن في قراءة عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب" وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب" ، وأما القراءة المعروفة ( وإذ اخذ الله ميثاق النبيين ) فأراد : أن الله اخذ ميثاق النبيين ان ياخذوا الميثاق على أممهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وينصروه، إن أدركوه.
وقال بعضهم : أراد اخذ الله الميثاق على النبيين ، وأممهم جميعاً في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، فاكتفى بذكر النبياء لأن العهد مع المتبوع عهد على الأتباع ، وهذا معنى قول ابن عباس ، وقال علي بن أبي طالب : لم يبعث الله نبياً، آدم ومن بعده ، إلا أخذ عليه العهد في أمر محمد ، وأخذ العهد على قومه ليؤمنن به ، ولئن بعث وهم احياء لينصرنه.
قوله :" ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم" ، يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم ،" لتؤمنن به ولتنصرنه" ، يقول الله تعالى للأنبياء حين استخرج الذرية من صلب آدم عليه السلام والأنبياء فيهم كالمصابيح ولاسرج ، وأخذ عليهم الميثاق في امر محمد صلى الله عليه وسلم ، قال" أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري" أي : قبلتم على ذلكم عهدي ، والإصر: العهد الثقيل، " قالوا أقررنا قال" ، الله تعالى :" فاشهدوا" أي : فاشهدوا أنتم على أنفسكم وعلى أتباعكم ، " وأنا معكم من الشاهدين " عليكم وعليهم ، وقال ابن عباس : فاشهدوا، أي : فاعلموا ، وقال سعيد بن المسيب/ قال الله تعالى للملائكة فاشهدوا عليهم ، كناية عن غير مذكور .
81" وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " قيل إنه على ظاهره، وإذا كان هذا حكم الأنبياء كان الأمم به أولى. وقيل معناه أن الله تعالى أخذ الميثاق من النبيين وأممهم واستغنى بذكرهم عن ذكر الأمم. وقيل إضافة الميثاق للنبيين إضافته إلى الفاعل، والمعنى وإذ أخذ الله الميثاق الذي وثقه الأنبياء على أممهم. وقيل المراد أولاد النبيين على حذف المضاف، وهم بنو لإسرائيل، أو سماهم نبيين تهكماً لأنهم كانوا يقولون نحن أحق بالنبوة من محمد لأنا أهل الكتاب والنبيون كانوا منا، واللام في " لما " موطئه للقسم لأن أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف، وما تحتمل الشرطية ولتؤمنن ساد مسد جواب القسم والشرط وتحتمل الخبرية. وقرأ حمزة " لما " بالكسر على أن ما مصدرية أي لأجل إيتائي إياكم بعضكم الكتاب، ثم مجيء رسول مصدق له أخذ الله الميثاق لتؤمنن به ولتنصرنه، أو موصولة والمعنى أخذه الله للذي آتيتكموه وجاءكم رسول مصدق له. وقرىء " لما " بمعنى حين آتيتكم، أو لمن أجل ما آتيتكم على أن أصله لمن ما بالإدغام فحذف إحدى الميمات الثلاث استثقالاً. وقرأ نافع " آتيناكم " بالنون والألف جميعاً. " قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري " أي عهدي، سمي به لأنه يؤصر أي يشد. وقرىء بالضم وهو إما لغة فيه كعبر وعبر عن جمع إصار وهو ما يشد به. " قالوا أقررنا قال فاشهدوا " أي فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار. وقيل الحطاب في للملائكة. " وأنا معكم من الشاهدين " وأنا أيضاً على إقراركم وتشاهدكم شاهد، وهو توكيد وتحذير عظيم.
81. When Allah made (His) covenant with the Prophets, (He said): Behold that which I have given you of the Scripture and knowledge. And afterward there will come unto you a messenger, confirming that which ye possess. Ye shall believe in him and ye shah help him. He said: Do ye agree, and will ye take up My burden (which I lay upon you) in this (matter)? They answered: We agree. He said: Then bear ye witness. I will be a witness with you.
81 - Behold God took the convenient of the prophets, saying: i give you a book and wisdom; then comes to you an apostle, confirming what is with you; do ye believe in him and render him help. God said: do ye agree, and take this my covenant as binding on you? they said: we agree. he said: then bear witness, and i am with you among the witnesses.