82 - (كلا) أي لا مانع من عذابهم (سيكفرون) أي الآلهة (بعبادتهم) أي ينفونها كما في آية أخرى ما كانوا إيانا يعبدون (ويكونون عليهم ضدا) اعوانا وأعداء
وأما قوله "ويكونون عليهم ضدا" فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وتكون آلهتهم عليهم عوناً، وقالوا : الضد : العون.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "ويكونون عليهم ضدا" يقول : أعواناً.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ح، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "ويكونون عليهم ضدا" قال : عوناً عليهم تخاصمهم وتكذبهم.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد "ويكونون عليهم ضدا" قال : أوثانهم يوم القيامة في النار.
وقال آخرون : بل عنى بالضد في هذا الموضع : القرناء.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "ويكونون عليهم ضدا" يقول : يكونون عليهم قرناء.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "ويكونون عليهم ضدا" قرناء في النار، يلعن بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "ضدا" قال : قرناء في النار.
وقال آخرون : معنى الضد ههنا : العدو.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "ويكونون عليهم ضدا" قال : أعداء.
وقال آخرون : معنى الضد في هذا الموضع : البلاء.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "ويكونون عليهم ضدا" قال : يكونون عليهم بلاء. الضد : البلاء، والضد في كلام العرب : هو الخلاف ، يقال : فلان يضاد فلاناً في كذا، إذا كان يخالفه في صنيعه ، فيفسد ما أصلحه ، ويصلح ما أفسده ، وإذ كان ذلك معناه ، وكانت آلهة هؤلاء المشركين الذين ذكرهم الله في هذا الموضع يتبرءون منهم ، وينتفون يومئذ صاروا لهم أضدادا ، فوصفوا بذلك.
وقد اختلف أهل العربية في وجه توحيد الضد، وهو صفة لجماعة . فكان بعض نحويي البصرة يقول : وحد لأنه يكون جماعة وواحداً مثل الرصد والأرصاد . قال : ويكون الرصد أيضا لجماعة . وقال بعض نحويي الكوفة : وحد، لأن معناه عونا، وذكر أن أبا نهيك كان يقرأ ذلك-.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبد المؤمن ، قال : سمعت أبا نهيك الأزدي يقرأ "كلا سيكفرون" يعني الآلهة كلها أنهم سيكفرون بعبادتهم.
فقال الله تعالى: " كلا " أي ليس الأمر كما ظنوا وتوهموا بل يكفرون بعبادتهم، أي ينكرون أنهم عبدوا الأصنام، أو تجحد الآلهة عبادة المشركين لها، كما قال: " تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون " [القصص: 63]. وذلك أن الأصنام جمادات لا تعلم العبادة. " ويكونون عليهم ضدا " أي أعواناً في خصومتهم وتكذيبهم. عن مجاهد و الضحاك : يكونون لهم أعداء. ابن زيد: يكونون عليهم بلاء فتحشر آلهتهم، وتركب لهم عقول فتنطق، وتقول: يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك. و " كلا " هنا يحتمل أن تكون بمعنى لا، ويحتمل أن تكون بمعنى حقاً، أي حقاً " سيكفرون بعبادتهم ". وقرأ أبو نهيك: " كلا سيكفرون " بالتنوين. وروي عنه مع ذلك ضم الكاف وفتحها. قال المهدوي : " كلا " ردع وزجر وتنبيه ورد لكلام متقدم، وقد تقع لتحقيق ما بعدها والتنبيه عليه كقوله: " كلا إن الإنسان ليطغى " [العلق: 6] فلا يوقف عليها على هذا، ويوقف عليها في المعنى الأول، فإن صلح فيها المعنيان جميعاً جاز الوقف عليها والابتداء بها. فمن نون " كلا " من قوله: " كلا سيكفرون بعبادتهم " مع فتح الكاف فهو مصدر كل، ونصبه بفعل مضمر، والمعنى كل هذا الرأي والاعتقاد كلا، يعني اتخاذهم الآلهة " ليكونوا لهم عزا " فيوقف على هذا على " عزا " وعلى " كلا ". وكذلك في قراءة الجماعة، لأنها تصلح للرد لما قبلها، والتحقيق لما بعدها. ومن روى ضم الكاف مع التنوين، فهو منصوب أيضاً بفعل مضمر، كأنه قال: سيكفرون " كلا سيكفرون بعبادتهم " يعني الآلهة.
قلت: فتحصل في " كلا " أربعة معان: التحقيق وهو أن تكون بمعنى حقاً، والنفي، والتنبيه، وصلة للقسم، ولا يوقف منها إلا على الأول. وقال الكسائي : " لا " تنفي فحسب، و " كلا " تنفي شيئاً وتثبت شيئاً، فإذا قيل: أكلت تمراً، قلت: كلا إني أكلت عسلاً لا تمراً، ففي هذه الكلمة نفي ما قبلها، وتحقق ما بعدها. والضد يكون واحداً ويكون جمعاً، كالعدو والرسول. وقيل: وقع الضد موقع المصدر، أي ويكونون عليهم عوناً، فلهذا لم يجمع، وهذا في مقابلة قوله: " ليكونوا لهم عزا " والعز مصدر، فكذلك ما وقع في مقابلته. ثم قيل: الآية في عبدة الأصنام، فأجرى الأصنام مجرى من يعقل، جرياً على توهم الكفرة. وقيل: فيمن عبد المسيح أو الملائكة أو الجن أو الشياطين، فالله تعالى أعلم.
يخبر تعالى عن الكفار المشركين بربهم أنهم اتخذوا من دونه آلهة لتكون تلك الالة "عزاً" يعتزون بها ويستنصرونها ثم أخبر أنه ليس الأمر كما زعموا ولا يكون ما طمعوا فقال: "كلا سيكفرون بعبادتهم" أي يوم القيامة "ويكونون عليهم ضداً" أي بخلاف ما ظنوا فيهم كما قال تعالى: "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين" وقرأ أبو نهيك " كلا سيكفرون بعبادتهم ". وقال السدي : "كلا سيكفرون بعبادتهم" أي بعبادة الأوثان.
وقوله: "ويكونون عليهم ضداً" أي بخلاف ما رجوا منهم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ويكونون عليهم ضداً" قال: أعواناً. قال مجاهد : عوناً عليهم تخاصمهم وتكذبهم. وقال العوفي عن ابن عباس "ويكونون عليهم ضداً", قال: قرناء. وقال قتادة : قرناء في النار يلعن بعضهم بعضاً, ويكفر بعضهم ببعض. وقال السدي "ويكونون عليهم ضداً" قال: الخصماء الأشداء في الخصومة, وقال الضحاك "ويكونون عليهم ضداً" قال: أعداء. وقال ابن زيد : الضد البلاء, وقال عكرمة : الضد الحسرة.
وقوله: "ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : تغويهم إغواءاً, وقال العوفي عنه: تحرضهم على محمد وأصحابه. وقال مجاهد : تشليهم إشلاء وقال قتادة : تزعجهم إزعاجاً إلى معاصي الله, وقال سفيان الثوري : تغريهم إغراءاً وتستعجلهم استعجالاً. وقال السدي : تطغيهم طغياناً. وقال عبد الرحمن بن زيد : هذا كقوله تعالى: "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين" وقوله: "فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عداً" أي لا تعجل يا محمد على هؤلاء في وقوع العذاب بهم "إنما نعد لهم عداً" أي إنما نؤخرهم لأجل معدود مضبوط, وهم صائرون لا محالة إلى عذاب الله ونكاله. وقال: "ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون" الاية, "فمهل الكافرين أمهلهم رويداً" "إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً" "نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ" "قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار" وقال السدي : إنما نعد لهم عداً: السنين والشهور والأيام والساعات. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إنما نعد لهم عداً" قال: نعد أنفاسهم في الدنيا.
82- "كلا سيكفرون بعبادتهم" أي ليس الأمر كما ظنوا وتوهموا، والضمير في الفعل إما للآلهة: أي ستجحد هذه الأصنام عبادة الكفار لها يوم ينطقها الله سبحانه، لأنها عند أن عبدوها جمادات لا تعقل ذلك، وإما للمشركين: أي سيجحد المشركون أنهم عبدوا الأصنام، ويدل على الوجه الأول قوله تعالى: "ما كانوا إيانا يعبدون" وقوله: "فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون" ويدل على الوجه الثاني قوله تعالى: "والله ربنا ما كنا مشركين" وقرأ ابن أبي نهيك كلا بالتنوين، وروي عنه مع ذلك ضم الكاف وفتحها فعلى الضم هي بمعنى جميعاً وانتصابها بفعل مضمر كأنه قال: سيكفرون كلا سيكفرون بعبادهم، وعلى الفتح يكون مصدراً لفعل محذوف تقديره: كل هذا الرأي كلا، وقراءة الجمهور هي الصواب، وهي حرف ردع وجزر "ويكونون عليهم ضداً" أي تكون هذه الآلهة التي ظنوها عزاً لهم ضداً عليهم: أي ضداً للعز وضد العز الذل هذا على الوجه الأول، وأما على الوجه الثاني فيكون المشركون للآلهة ضداً وأعداء يكفرون بها بعد أن كانوا يحبونها ويؤمنون بها.
82 - " كلا " ، أي ليس الأمر كما زعموا ، " سيكفرون بعبادتهم " ، أي تجحد الأصنام والآلهة التي كانوا يعبدونها عبادة المشركين ويتبرؤون منهم ، كما أخبر الله تعالى " تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون " ( القصص : 63 ) .
" ويكونون عليهم ضداً " ، أي أعداءً لهم ، وكانوا أولياءهم في الدنيا .
وقيل : أعواناً عليهم يكذبونهم ويلعنونهم .
82 -" كلا " ردع وإنكار لتعززهم بها. " سيكفرون بعبادتهم" ستجحد الآلهة عبادتهم ويقولون ما عبدتمونا لقوله تعالى :" إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا" أو سينكر الكفرة لسوء العاقبة أنهم عبدوها لقوله تعالى:" ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" " ويكونون عليهم ضدا " يؤيد الأول إذا فسر الضد بضد العز ، أي ويكونون عليهم ذلاً، أو بضدهم على معنى أنها تكون معونة في عذابهم بأن توقد بها نيرانهم ، أو جعل الواو للكفرة أي يكونون كافرين بهم بعد أن كانوا يعبدونها وتوحيده لوحدة المعنى الذي به مضادتهم ، فإنهم بذلك كالشيء الواحد ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام "وهم يد على من سواهم" . وقرئ "كلا" بالتنوين على قلب الألف نوناً في الوقف قلب ألف الإطلاق في قوله:
أقلي اللوم عاذل والعتابن
أو على معنى كل هذا الرأي كلا وكلا على إضمار فعل يفسره ما بعده أي سيجحدون " كلا سيكفرون بعبادتهم".
82. Nay, but they will deny their worship of them, and become opponents unto them.
82 - Instead, they shall reject their worship, and become adversaries against them.