(والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون)
قال أبو جعفر: ويعني بقوله: "والذين آمنوا"، أي صدقوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. ويعني بقوله: "وعملوا الصالحات "، أطاعوا الله فأقاموا حدوده، وأدوا فرائضه، واجتنبوا محارمه. ويعني بقوله: "فأولئك "، فالذين هم كذلك "أصحاب الجنة هم فيها خالدون "، يعني: أهلها الذين هم أهلها، هم فيها "خالدون "، مقيمون أبدًا.
وإنما هذه الآية والتي قبلها إخبار من الله عباده عن بقاء النار وبقاء أهلها فيها، أوبقاء الجنة وبقاء أهلها فيها،، ودوام ما أعد في كل واحدة منهما لأهلها، تكذيبًا من الله جل ثناؤه القائلين من يهود بني إسرائيل: إن النار لن تمسهم إلا أيامًا معدودة، وأنهم صائرون بعد ذلد إلى الجنة. فأخبرهم بخلود كفارهم في النار، وخلود مؤمنيهم في الجنة، كما:حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا ابن إسحق قال، حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون "، أي من آمن بما كفرتم به، وعمل بما تركتم من دينه، فلهم الجنة خالدين فيها. يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدًا، لا انقطاع له أبدًا.
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، "والذين آمنوا وعملوا الصالحات "، محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه "أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ".
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : "بلى" أي ليس الأمر كما ذكرتم . قال سيبويه : ليس بلى و نعم اسمين . وإنما هما حرفان مثل بل وغيره ، وهي رد لقولهم : لن تمسنا النار . وقال الكوفيون : أصلها بل التي للإضراب عن الأول ، زيدت عليها الياء ليحسن الوقف ، وضمنت الياء معنى الإيجاب والإنعام . فـ بل تدل على رد الجحد ، والياء تدل على الإيجاب لما بعد . قالوا : ولو قال قائل : ألم تأخذ ديناراً ؟ فقلت : نعم ، لكان المعنى لا ، لم آخذ ، لأن حققت النفي وما بعده . فإذا قلت : بلى ، صار المعنى قد أخذت . قال الفراء : إذا قال الرجل لصاحبه : مالك على شيء ، فقال الآخر : نعم ، كان ذلك تصديقاً ، لأن لا شيء له عليه ، ولو قال : بلى ، كان رداً لقوله ، وتقديره : بلى لي عليك . وفي التنزيل : "ألست بربكم قالوا بلى" . ولو قالوا نعم لكفروا .
الثانية : قوله تعالى : "سيئة" السيئة الشرك . قال ابن جريج قلت لـ عطاء : من كسب سيئة ؟ قال : الشرك ، وتلا "ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار" وكذا قال الحسن و قتادة ،قالا : والخطيئة الكبيرة .
الثالثة : لما قال تعالى : "بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته" دل على أن المعلق على شرطين لا يتم بأقلهما ، ومثله قوله تعالى : "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" ، وقوله عليه السلام لسفيان بن عبد الله الثقفي وقد قال له :
"يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا اسأل عنه أحداً بعدك .قال : قل آمنت بالله ثم استقم" . رواه مسلم . وقد مضى القول في هذا المعنى وما للعلماء فيه عند قوله تعالى لآدم وحواء "ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" . وقرأ نافع خطيئاته بالجمع ، الباقون بالإفراد ، والمعنى الكثرة ، مثل قوله تعالى : "إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" .
يقول تعالى: ليس الأمر كما تمنيتم ولا كما تشتهون، بل الأمر أنه من عمل سيئة وأحاطت به خطيئته وهو من وافى يوم القيامة وليست له حسنة بل جميع أعماله سيئات فهذا من أهل النار، "والذين آمنوا وعملوا الصالحات" أي آمنوا بالله ورسوله، وعملوا الصالحات من العمل الموافق للشريعة فهم من أهل الجنة، وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: "ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً * ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً" قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة، عن ابن عباس "بلى من كسب سيئة" أي عمل مثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط به كفره، فماله من حسنة، وفي رواية عن ابن عباس، قال: الشرك، قال ابن أبي حاتم: وروي عن أبي وائل وأبي العالية ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والربيع بن أنس نحوه، وقال الحسن أيضاً والسدي: السيئة الكبيرة من الكبائر ، وقال ابن جريج، عن مجاهد "وأحاطت به خطيئته" قال: بقلبه، وقال أبو هريرة وأبو وائل وعطاء والحسن "وأحاطت به خطيئته" قال: أحاط به شركه، وقال الأعمش عن أبي رزين عن الربيع بن خيثم "وأحاطت به خطيئته" قال الذي يموت على خطاياه من قبل أن يتوب، وعن السدي وأبي رزين نحوه، وقال أبو العالية ومجاهد والحسن في رواية عنهما، وقتادة والربيع بن أنس "وأحاطت به خطيئته" والموجبة الكبيرة، وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى، والله أعلم. ويذكر ههنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عمرو بن قتادة عن عبد ربه، عن أبي عياض، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه" وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم مثلاً كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود ، والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سواداً، وأججوا ناراً فأنضجوا ما قذفوا فيها. وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد عن سعيد أو عكرمة، عن ابن عباس "والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون" أي من آمن بما كفرتم وعمل بما تركتم من دينه، فلهم الجنة خالدين فيها، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبداً لا انقطاع له.
82- " والذين آمنوا وعملوا الصالحات " أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: " وأحاطت به خطيئته " قال: هي الكبيرة الموجبة لأهلها النار. وأخرج وكيع وابن جرير عن الحسن أنه قال: كل ما وعد الله عليه النار فهو الخطيئة. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن الربيع بن خيثم قال: هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب وأخرج مثله ابن جرير عن الأعمش.
82. قوله تعالى: " والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ".
82-" والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " جرت عادته سبحانه وتعالى على أن يشفع وعده بوعيده ، لترجى رحمته ويخشى عذابه ، وعطف العمل على إيمان يدل على خروجه عن مسماه .
82. And those who believe and do good works: such are rightful owners of the Garden. They will abide therein.
82 - But those who have faith and work righteousness, they are companions of the garden: therein shall they abide (for ever).