87 - (لا يملكون) أي الناس (الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) أي شهادة أن لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
يقول تعالى ذكره : لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد، يوم يحشر الله المتقين إليه وفداً الشفاعة، حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض عند الله ، فيشفع بعضهم لبعض "إلا من اتخذ" منهم "عند الرحمن" في الدنيا "عهدا" بالإيمان به ، وتصديق رسوله ، والإقرار بما جاء به ، والعمل بما أمر به.
كما حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ،قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" قال : العهد : شهادة أن لا إله إلا الله ، ويتبرأ إلى الله من الحول والقوة ولا يرجو إلا الله.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله "لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" قال : المؤمنون يومئذ بعضهم لبعض شفعاء "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" قال : عملاً صالحاً.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا": أي بطاعته ، وقال في آية أخرى "لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قول" [طه:109] ليعلموا أن الله يوم القيامة يشفع المؤمنين بعضهم في بعض ، "ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : إن في أمتي رجلاً ليدخلن الله بشفاعته الجنة أكثر من بني تميم"، وكنا نحدث من الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي المليح ، عن عوف بن مالك ، قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا" و من في قوله "إلا من" في موضع نصب على الاستثناء، ولا يكون خفضاً بضمير اللام ، ولكن قد يكون نصباً في الكلام في غير هذا الموضع ، وذلك كقول القائل : أردت المرور اليوم إلا العدو، فإني لا أمر به ، فيستثني العدو من المعنى، وليس ذلك كذلك في قوله إلا يملكون الشفاعة "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" لأن معنى الكلام : لا يملك هؤلاء الكفار إلا من آمن بالله ، فالمؤمنون ليسوا من أعداد الكافرين ، ومن نصبه على أن معناه إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهداً، فإنه ينبغي أن يجعل قوله لا يملكون الشفاعة للمتقين ، فيكون معنى الكلام حينئذ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً، لا يملكون الشفاعة، إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً، فيكون معناه عند ذلك : إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهداً. فأما إذا جعل لا يملكون الشفاعة خبراً عن المجرمين ، فإن من تكون حينئذ نصباً على أنه استثناء منقطع ، فيكون معنى الكلام : لا يملكون الشفاعة، لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً يملكه.
قوله تعالى: " لا يملكون الشفاعة " أي هؤلاء الكفار لا يملكون الشفاعة لأحد " إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا " وهم المسلمون فيملكون الشفاعة، فهو استثناء الشيء من غير جنسه، أي لكن " من اتخذ عند الرحمن عهدا " يشفع، فـ" من " في موضع نصب على هذا. وقيل: هو في موضع رفع على البدل من الواو في " يملكون "، أي لا يملك أحد عند الله الشفاعة " إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا " فإنه يملك، وعلى هذا يكون الاستثناء متصلاً. و " المجرمين " في قوله: " ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا " يعم الكفرة والعصاة، ثم أخبر أنهم لا يملكون الشفاعة إلا العصاة المؤمنون، فإنهم يملكونها بأن يشفع فيهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا أزال أشفع حتى أقول يا رب شفعني فيمن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فيقول: يا محمد إنها ليست لك ولكنها لي " خرجه مسلم بمعناه، وقد تقدم. وتظاهرت الأخبار بأن أهل الفضل والعلم والصلاح يشفعون فيشفعون، وعلى القول الأول يكون الكلام متصلاً بقوله: " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا " فلا تقبل غداً شفاعة عبدة الأصنام لأحد، ولا شفاعة الأصنام لأحد، ولا يملكون شفاعة أحد لهم، أي لا تنفعهم شفاعة، كما قال: " فما تنفعهم شفاعة الشافعين " [المدثر: 48]. وقيل: أي نحشر المتقين والمجرمين ولا يملك أحد شفاعة " إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا " أي إذا أذن له الله في الشفاعة. كما قال: " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " [البقرة: 255]. وهذا العهد هو الذي قال " أم اتخذ عند الرحمن عهدا " وهو لفظ جامع للإيمان وجميع الصالحات التي يصل بها صاحبها إلى حيز من يشفع. وقال ابن عباس: العهد لا إله إلا الله. وقال مقاتل وابن عباس أيضاً: لا يشفع إلا من شهد أن لا إله إلا الله، وتبرأ من الحول والقوة [إلا] لله، ولا يرجوا إلا الله تعالى. " وقال ابن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه:
أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدا؟ قيل: يا رسول الله وما ذاك؟ قال: يقول عند كل صباح ومساء اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في هذه الحياة بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك فلا تكلني إلى نفسي فإنك إن تكلني إلى نفسي تباعدني من الخير وتقربني من الشر وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد فإذا قال ذلك طبع الله عليها طابعاً ووضعها تحت العرش فإذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الذين لهم عند الله عهد فيقوم فيدخل الجنة ".
يخبر تعالى عن أوليائه المتقين الذين خافوه في الدار الدنيا, واتبعوا رسله وصدقوهم فيما أخبروهم, وأطاعوهم فيما أمروهم به, وانتهوا عما عنه زجروهم, أنه يحشرهم يوم القيامة وفداً إليه, والوفد هم القادمون ركباناً, ومنه الوفود وركوبهم على نجائب من نور من مراكب الدار الاخرة. وهم قادمون على خير موفود إليه إلى دار كرامته ورضوانه, وأما المجرمون المكذبون للرسل المخالفون لهم, فإنهم يساقون عنفاً إلى النار "ورداً" عطاشاً, قاله عطاء وابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد, وههنا يقال: "أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا ابن خالد عن عمرو بن قيس الملائي عن ابن مرزوق "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" قال: يستقبل المؤمن عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها وأطيبها ريحاً, فيقول: من أنت ؟ فيقول أما تعرفني ؟ فيقول: لا, إلا أن الله قد طيب ريحك وحسن وجهك, فيقول: أنا عملك الصالح, هكذا كنت في الدنيا حسن العمل طيبه, فطالما ركبتك في الدنيا فهلم اركبني فيركبه, فذلك قوله: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" قال: ركبانا.
وقال ابن جرير : حدثني ابن المثنى , حدثنا ابن مهدي عن شعبة عن إسماعيل عن رجل عن أبي هريرة "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" قال: على الإبل. وقال ابن جريج : على النجائب. وقال الثوري : على الإبل النوق. وقال قتادة "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" قال: إلى الجنة. وقال عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه : حدثنا سويد بن سعيد , أخبرنا علي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق , حدثنا النعمان بن سعد , قال: كنا جلوساً عند علي رضي الله عنه, فقرأ هذه الاية: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" قال: لا والله ما على أرجلهم يحشرون ولا يحشر الوفد على أرجلهم, ولكن بنوق لم ير الخلائق مثلها, عليها رحائل من ذهب, فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة, وهكذا رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث عبد الرحمن بن إسحاق المدني به. وزاد عليها رحائل من ذهب وأزمتها الزبرجد والباقي مثله.
وروى ابن أبي حاتم ههنا حديثاً غريباً جداً مرفوعاً عن علي , فقال: حدثنا أبي , حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي , حدثنا مسلمة بن جعفر البجلي , سمعت أبا معاذ البصري قال: إن علياً كان ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقرأ هذه الاية "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً" فقال: ما أظن الوفد إلا الركب يا رسول الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده,إنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون أو يؤتون بنوق بيض لها أجنحة وعليها رحال الذهب شرك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مد البصر, فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان, فيشربون من إحداهما فتغسل ما في بطونهم من دنس, ويغتسلون من الأخرى فلا تشعث أبشارهم ولا أشعارهم بعدها أبداً, وتجري عليهم نضرة النعيم فينتهون أو فيأتون باب الجنة, فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب فيضربون بالحلقة على الصفحة, فيسمع لها طنين يا علي , فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل, فتبعث قيمها فيفتح له, فإذا رآه خر له ـ قال مسلمة أراه قال ساجداً ـ فيقول: ارفع رأسك فإنما أنا قيمك وكلت بأمرك, فيتبعه, ويقفو أثره فتستخف الحوراء العجلة, فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه, ثم تقول: أنت حبي وأنا حبك, وأنا الخالدة التي لا أموت, وأنا الناعمة التي لا أبأس, وأنا الراضية التي لا أسخط, وأنا المقيمة التي لا أظعن, فيدخل بيتاً من رأسه إلى سقفه مائة ألف ذراع, بناؤه على جندل اللؤلؤ طرائق: أحمر وأصفر وأخضر, ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها. وفي البيت سبعون سريراً, على كل سرير سبعون حشية, على كل حشية سبعون زوجة, على كل زوجة سبعون حلة, يرى مخ ساقها من وراء الحلل يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه, الأنهار من تحتهم تطرد أنهار من ماء غير آسن, قال: صاف لا كدر فيه, وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ولم يخرج من ضروع الماشية وأنهار من خمر لذة للشاربين لم يعتصرها الرجال بأقدامهم, وأنهار من عسل مصفى لم يخرج من بطون النحل فيستحلي الثمار, فإن شاء أكل قائماً وإن شاء قاعداً وإن شاء متكئاً, ثم تلا: "ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلاً" فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض, وربما قال أخضر, فترفع أجنحتها فيأكل من جنوبها, أي الألوان شاء, ثم يطير فتذهب فيدخل الملك فيقول: سلام عليكم "تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون" ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت لأهل الأرض لأضاءت الشمس معها سواد في نور" هكذا وقع في هذه الرواية مرفوعاً, وقد رويناه في المقدمات من كلام علي رضي الله عنه بنحوه, وهو أشبه بالصحة, والله أعلم.
وقوله: "ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً" أي عطاشا "لا يملكون الشفاعة" أي ليس لهم من يشفع لهم كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض, كما قال تعالى مخبراً عنهم: " فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم ". وقوله: "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً" هذا استثناء منقطع بمعنى لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً, وهو شهادة أن لا إله إلا الله والقيام بحقها. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً" قال: العهد شهادة أن لا إله إلا الله, ويبرأ إلى الله من الحول والقوة, ولا يرجو إلا الله عز وجل.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عثمان بن خالد الواسطي حدثنا محمد بن الحسن الواسطي عن المسعودي , عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة , عن الأسود بن يزيد قال: قرأ عبد الله يعني ابن مسعود هذه الاية "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً" ثم قال: اتخذوا عند الله عهداً, فإن الله يوم القيامة يقول: من كان له عند الله عهد فليقم, قالوا: يا أبا عبد الرحمن فعلمنا. قال: قولوا: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة, فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أن لا تكلني إلى عملي يقربني من الشر ويباعدني من الخير, وإني لا أثق إلا برحمتك, فاجعل لي عندك عهداً تؤديه إلي يوم القيامة, إنك لا تخلف الميعاد. وقال المسعودي : فحدثني زكريا عن القاسم بن عبد الرحمن , أخبرنا ابن مسعود وكان يحلق بهن خائفاً مستجيراً مستغفراً راهباً راغباً إليك, ثم رواه من وجه آخر عن المسعودي بنحوه.
وجملة 87- "لا يملكون الشفاعة". مستأنفة لبيان بعض ما يكون في ذلك اليوم من الأمور، والضمير في يملكون راجع إلى الفريقين، وقيل للمتقين خاصة، وقيل للمجرمين خاصة، والأول أولى. ومعنى لا يملكون الشفاعة: أنهم لا يملكون أن يشفعوا لغيرهم، وقيل لا يملك غيرهم أن يشفع لهم، والأول أولى "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً" هذا الاستثناء متصل على الوجه الأول: أي لا يملك الفريقان المذكوران الشفاعة إلا من استعد لذلك بما يصير به من جملة الشافعين لغيرهم بأن يكون مؤمناً متقياً، فهذا معنى اتخاذ العهد عند الله. وقيل معنى اتخاذ العهد أن الله أمره بذلك كقولهم: عهد الأمير إلى فلان إذا أمره به. وقيل معنى اتخاذ العهد شهادة أن لا إله إلا الله، وقيل غير ذلك. وعلى الاتصال في هذا الاستثناء يكون محل من في من اتخذ الرفع على البدل، أو النصب على أصل الاستثناء. وأما على الوجه الثاني فالاستثناء منقطع لأن التقدير: لا يملك المجرمون الشفاعة "إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً" وهم المسلمون، وقيل هو متصل على هذا الوجه أيضاً، والتقدير: لا يملك المجرمون الشفاعة إلا من كان منهم مسلماً.
87 - " لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً " ، يعنى لا إله إلا الله .
وقيل : معناه لا يشفع الشافعون إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهداً ، يعني : المؤمنين ، كقوله : " لا يشفعون إلا لمن ارتضى " ( الأنبياء : 28 ) .
وقيل : لا يشفع إلا من شهد أن لا إله إلا الله ، أي لا يشفع إلا المؤمن .
87ـ " لا يملكون الشفاعة " الضمير فيها للعباد المدلول عليها بذكر القسمين وهو الناصب لليوم . " إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً " إلا من تحلى بما يستعد به ويستأهل أن يشفع للعصاة من الإيمان والعمل الصالح على ما وعد الله تعالى ، أو إلا من اتخذ من الله إذناً فيها كقوله تعالى : " لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن " من قولهم : عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به ، ومحله الرفع على البدل من الضمير أو النصب على تقدير مضاف أي إلا شفاعة من اتخذ ، أو على الاستثناء . وقيل الضمير للمجرمين والمعنى : لا يملكون الشفاعة فيهم إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً يستعد به أن يشفع له بالإسلام .
87. They will have no power of intercession, save him who hath made a covenant with his Lord
87 - None shall have the power Of intercession, but such a one as has received permission (or promise) from (God) Most Gracious.