88 - (وقالوا) أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله (اتخذ الرحمن ولدا) قال تعالى لهم
يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء الكافرون بالله "اتخذ الرحمن ولدا* لقد جئتم شيئا إدا" يقول تعالى ذكره للقائلين ذلك من خلقه : لقد جئتم أيها الناس شيئاً عظيماً من القول منكراً.
قوله تعالى: " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا " يعني اليهود والنصارى، ومن زعم أن الملائكة بنات الله. وقرأ يحيى و الأعمش وحمزة و الكسائي وعاصم وخلف: " ولدا " بضم الواو وإسكان اللام، في أربعة مواضع: من هذه السورة قوله تعالى: " لأوتين مالا وولدا " [مريم: 77] وقد تقدم، وقوله: " أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ". وفي سورة نوح: " ماله وولده " [نوح: 21]. ووافقهم في ((نوح)) خاصة ابن كثير و مجاهد وحميد وأبو عمرو ويعقوب. والباقون في الكل بالفتح في الواو واللام، وهما لغتان مثل العرب والعرب والعجم والعجم. قال:
ولقد رأيت معاشرا قد ثمروا مالاً وولدا
وقال آخر:
وليت فلاناً كان في بطن أمه وليت فلاناً كان ولد حمار
وقال في معنى ذلك النابغة:
مهلاً فداءً لك الأقوام كلهم وما أثمر من مال ومن ولد
ففتح. وقيس يجعلون الولد بالضم جمعا والولد بالفتح واحداً. قال الجوهري : الولد قد يكون واحداً وجمعاً، وكذلك الولد بالضم. ومن أمثال بني أسد: ولدك من دمي عقبيك. وقد يكون الولد جمع الولد مثل أسد وأسد: والولد بالكسر لغة في الولد. النحاس : وفرق أبو عبيدة بينهما، فزعم أن الولد يكون للأهل والولد جميعاً. قال أبو جعفر: وهذا قول مردود لا يعرفه أحد من أهل اللغة، ولا يكون الولد والولد إلا ولد الرجل، وولده ولده، إلا أن ولداً أكثر في كلام العرب، كما قال:
مهلاً فداءً لك الأقوام كلهم وما أثمر من مال ومن ولد
قال أبو جعفر وسمعت محمد بن الوليد يقول: يجوز أن يكون ولد جمع ولد، كما يقال وثن ووثن وأسد وأسد، ويجوز أن يكون ولد وولد بمعنى واحد، كما يقال عجم وعجم وعرب وعرب كما تقدم.
لما قرر تعالى في هذه السورة الشريفة عبودية عيسى عليه السلام وذكر خلقه من مريم بلا أب, شرع في مقام الإنكار على من زعم أن له ولداً, تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً, فقال: " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم " أي في قولكم هذا "شيئا إداً" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومالك : أي عظيماً. ويقال إداً بكسر الهمزة وفتحها, ومع مدها أيضاً ثلاث لغات أشهرها الأولى وقوله: " تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا " أي يكاد ذلك عند سماعهن هذه المقالة من فجرة بني آدم إعظاماً للرب وإجلالاً, لأنهم مخلوقات ومؤسسات على توحيده, وأنه لا إله إلا هو, وأنه لا شريك له ولا نظير له, ولا ولد له, ولا صاحبة له, ولا كفء له, بل هو الأحد الصمد.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
قال ابن جرير : حدثني علي , حدثنا عبد الله , حدثني معاوية عن علي , عن ابن عباس في قوله: "تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً" قال: إن الشرك فزعت منه السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين, وكادت أن تزول منه لعظمة الله, وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك, كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله, فمن قالها عند موته وجبت له الجنة , فقالوا: يا رسول الله فمن قالها في صحته ؟ قال تلك أوجب وأوجب". ثم قال "والذي نفسي بيده لو جيء بالسموات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن, فوضعن في كفة الميزان, ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن" هكذا رواه ابن جرير , ويشهد له حديث البطاقة, والله أعلم.
وقال الضحاك : "تكاد السموات يتفطرن منه" أي يتشققن فرقاً من عظمة الله, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : "وتنشق الأرض", أي غضباً له عز وجل, "وتخر الجبال هداً", قال ابن عباس : هدماً, وقال سعيد بن جبير : هداً ينكسر بعضها على بعض متتابعات. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن سويد المقبري , حدثنا سفيان بن عيينة , حدثنا مسعر عن عون عن عبد الله قال: إن الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان, هل مر بك اليوم ذاكر الله عز وجل ؟ فيقول: نعم ويستبشر, قال عون : لهي للخير أسمع أفيسمعن الزور والباطل إذا قيل ولا يسمعن غيره, ثم قرأ "تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً".
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا المنذر بن شاذان , حدثنا هودة , حدثنا عوف عن غالب بن عجرد , حدثني رجل من أهل الشام في مسجد منى قال: بلغني أن الله لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة ـ أو قال ـ كان لهم فيها منفعة, ولم تزل الأرض والشجر بذلك حتى تكلم فجرة بني آدم بتلك الكلمة العظيمة قولهم: اتخذ الرحمن ولداً, فلما تكلموا بها اقشعرت الأرض وشاك الشجر. وقال كعب الأحبار : غضبت الملائكة واستعرت جهنم حين قالوا ما قالوا.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنه يشرك به ويجعل له ولدا, وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم" أخرجاه في الصحيحين . وفي لفظ "أنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم". وقوله: "وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً" أي لا يصلح له ولا يليق به لجلاله وعظمته, لأنه لا كفء له من خلقه, لأن جميع الخلائق عبيد له, ولهذا قال: "إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً * لقد أحصاهم وعدهم عداً" أي قد علم عددهم منذ خلقهم إلى يوم القيامة, ذكرهم وأنثاهم, صغيرهم وكبيرهم, "وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً" أي لا ناصر له ولا مجير إلا الله وحده لا شريك له, فيحكم في خلقه بما يشاء وهو العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة, ولا يظلم أحداً.
88- "وقالوا اتخذ الرحمن ولداً" قرأ يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي ولداً بضم الواو وإسكان الللام. وقرأ الباقون في الأربعة المواضع المذكورة في هذه السورة بفتح الواو واللام، وقد قدمنا الفرق بين القراءتين، والجملة مستأنفة لبيان قول اليهود والنصارى ومن يزعم من العرب أن الملائكة بنات الله.
88 - " وقالوا اتخذ الرحمن ولداً " ، يعني اليهود والنصارى ، ومن زعم أن الملائكة بنات الله .
وقرأ حمزة و الكسائي : " ولداً " بضم الواو وسكون اللام، هاهنا وفي الزخرف وسورة نوح ، ووافق ابن كثير ، و أبو عمرو ، و يعقوب في سورة نوح ، والباقون بفتح الواو واللام . وهما لغتان مثل : العرب ، والعرب ، والعجم ،والعجم .
88ـ " وقالوا اتخذ الرحمن ولداً " الضمير يحتمل الوجهين لأن هذا لما كان مقولاً فيما بين الناس جاز أن ينسب إليهم .
88. And they say: The Beneficent hath taken unto Himself a son.
88 - They say: (God) Most Gracious has begotten a son!