89 - (قال) تعالى (قد أجيبت دعوتكما) فمسخت أموالهم حجارةً ولم يؤمن فرعون حتى أدركه الغرق (فاستقيما) على الرسالة والدعوة إلى أن يأتيهم العذاب (ولا تتبعانِّ سبيل الذين لا يعلمون) في استعجال قضائي روي أنه مكث بعدها أربعين سنة
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عن إجابته لموسى صلى الله عليه وسلم وهرون دعاءهما على فرعون وأشراف قومه وأموالهم. يقول جل ثناؤه: قال الله لهما: " قد أجيبت دعوتكما "، في فرعون وملأه وأموالهم.
فإن قال قائل: وكيف نسبت ((الإجابة)) إلى اثنين، و((الدعاء))، إنما كان من واحد؟
قيل: إن الداعي وإن كان واحداً، فإن الثاني كان مؤمناً، وهو هرون، فلذلك نسبت الإجابة إليهما، لأن المؤمن داع. وكذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج ، عن رجل، عن عكرمة في قوله: " قد أجيبت دعوتكما "، قال: كان موسى يدعو، وهرون يؤمن، فذلك قوله: " قد أجيبت دعوتكما ".
وقد زعم بعض أهل العربية، أن العرب تخاطب الواحد خطاب الاثنين، وأنشد في ذلك:
فقلت لصاحبي لا تعجلانا بنزع أصوله واجتز شيحا
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زكريا بن عدي، عن ابن المبارك عن إسمعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح قال: " قد أجيبت دعوتكما "، قال: دعا موسى وأمن هرون.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، وزيد بن حباب، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب قال: دعا موسى وأمن هرون.
... قال، حدثنا أبو معاوية، عن شيخ له، عن محمد بن كعب قال: دعا موسى وأمن هرون.
حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: " قد أجيبت دعوتكما "، قال: دعا موسى وأمن هرون.
... قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد، وعبد الله بن أبي جعفر، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس قال: دعا موسى وأمن هرون، فذلك قوله: " قد أجيبت دعوتكما ".
حدثنا الحسين بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري ، عن رجل، عن عكرمة في قوله: " قال قد أجيبت دعوتكما "، قال: كان موسى يدعو وهرون يؤمن، فذلك قوله: " قد أجيبت دعوتكما ".
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: " قد أجيبت دعوتكما "، لموسى وهرون، قال ابن جريج ، قال عكرمة: أمن هرون على دعاء موسى، فقال الله: " قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ".
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كان هرون يقول ((آمين))، فقال الله: " قد أجيبت دعوتكما "، فصار التأمين دعوةً، صار شريكه فيها.
وأما قوله: " فاستقيما "، فإنه أمر من الله تعالى لموسى وهرون بالاستقامة والثبات على أمرهما، من دعاء فرعون إلى الإجابة إلى توحيد الله وطاعته، إلى أن يأتيهم عقاب الله الذي أخبرهما أنه أجابهما فيه، كما:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قال، ابن عباس: " فاستقيما "، فامضيا لأمري، وهي ((الاستقامة)). قال ابن جريج : يقولون: إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة.
وقوله: " ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون "، يقول: ولا تسلكان طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي، فتستعجلان قضائي، فإن وعدي لا خلف له، وإن وعيدي نازل بفرعون، وعذابي واقع به وبقومه.
قوله تعالى:: "قال قد أجيبت دعوتكما" قال أبو العالية: دعا موسى وأمن هارون، فسمى هارون وقد أمن على الدعاء داعياً. والتأمين على الدعاء أن يقول آمين، فقولك آمين دعاء، أي يا رب استجب لي. وقيل: دعا هارون مع موسى أيضاً. وقال أهل المعاني: ربما خاطبت العرب الواحد بخطاب الاثنين، قال الشاعر:
فقلت لصاحبي لا تعجلانا بنزع أصوله فاجتز شيحا
وهذا على أن آمين بدعاء، وأن هارون لم يدع. قال النحاس: سمعت علي بن سليمان يقول: الدليل على أن الدعاء لهما قول موسى عليه السلام ربنا ولم يقل رب. وقرأ علي والسلمي دعواتكما بالجمع. وقرأ ابن السميقع أجبت دعوتكما خبراً عن الله تعالى، ونصب دعوة بعده. وتقدم القول في آمين في آخر الفاتحة مستوفىً. وهو مما خص به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهارون وموسى عليهما السلام. روى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله قد أعطى أمتي ثلاثاً لم تعط أحداً قبلهم: السلام وهي تحية أهل الجنة وصفوف الملائكة وآمين إلا ما كان من موسى وهارون" ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول. وقد تقدم في الفاتحة.
قوله تعالى: "فاستقيما" قال الفراء وغيره: أمر بالاستقامة على أمرهما والثبات عليه من دعاء فرعون وقومه إلى الإيمان، إلى أن يأتيهما تأويل الإجابة. قال محمد بن علي وابن جريج: مكث فرعون وقومه بعد هذه الإجابة أربعين سنة ثم أهلكوا. وقيل: استقيما أي على الدعاء، والاستقامة في الدعاء ترك الاستعجال في حصول المقصود، ولا يسقط الاستعجال من القلب إلا باستقامة السكينة، فيه، ولا تكون تلك السكينة إلا بارضا الحسن لجميع ما يبدو من الغيب. "ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون" بتشديد النون في موضع جزم على النهي، والنون للتوكيد وحركت لالتقاء الساكنين واختير لها الكسر لأنها أشبهت نون الاثنين. وقرأ ابن ذكوان بتخفيف النون على النفي. وقيل: هو حال من استقيما، أي استقيما غير متبعين، والمعنى: لا تسلكا طريق من لا يعلم حقيقة وعدي ووعيدي.
هذا إخبار من الله تعالى عما دعا به موسى عليه السلام على فرعون وملئه لما أبوا قبول الحق واستمروا على ضلالهم وكفرهم معاندين جاحدين ظلماً وعلواً وتكبراً وعتواً قال موسى: "ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة" أي من أثاث الدنيا ومتاعها "وأموالاً" أي جزيلة كثيرة "في" هذه "الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك" بفتح الياء أي أعطيتهم ذلك وأنت تعلم أنهم لا يؤمنون بما أرسلتني به إليهم استدراجاً منك لهم كقوله تعالى: "لنفتنهم فيه" وقرأ آخرون بضم الياء أي ليفتتن بما أعطيتهم من شئت من خلقك ليظن من أغويته أنك إنما أعطيتهم هذا لحبك إياهم واعتنائك بهم "ربنا اطمس على أموالهم" قال ابن عباس ومجاهد: أي أهلكها, وقال الضحاك وأبو العالية والربيع بن أنس: جعلها الله حجارة منقوشة كهيئة ما كانت, وقال قتادة بلغنا أن زروعهم تحولت حجارة, وقال محمد بن كعب القرظي جعل سكرهم حجارة.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث حدثنا يحيى بن أبي بكير عن أبي معشر حدثني محمد بن قيس أن محمد بن كعب قرأ سورة يونس على عمر بن عبد العزيز حتى بلغ "وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا" إلى قوله: "ربنا اطمس على أموالهم" الاية, فقال عمر: يا أبا حمزة أي شيء الطمس ؟ قال: عادت أموالهم كلها حجارة, فقال عمر بن عبد العزيز لغلام له: ائتني بكيس فجاءه بكيس فإذا فيه حمص وبيض قد حول حجارة. وقوله: "واشدد على قلوبهم" قال ابن عباس: أي اطبع عليها " فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " وهذه الدعوة كانت من موسى عليه السلام غضباً لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنهم لا خير فيهم ولا يجيء منهم شيء كما دعا نوح عليه السلام فقال: "رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً" ولهذا استجاب الله تعالى لموسى عليه السلام فيهم هذه الدعوة التي أمن عليها أخوه هارون فقال تعالى: "قد أجيبت دعوتكما" قال أبو العالية وأبو صالح وعكرمة ومحمد بن كعب القرظي والربيع بن أنس دعا موسى وأمن هارون أي قد أجبنا كما فيما سألتما من تدمير آل فرعون, وقد يحتج بهذه الاية من يقول: إن تأمين المأموم على قراءة الفاتحة ينزل منزلة قراءتها لأن موسى دعا وهارون أمن, وقال تعالى: "قد أجيبت دعوتكما فاستقيما" الاية, أي كما أجيبت دعوتكما فاستقيما على أمري قال ابن جريج عن ابن عباس: فاستقيما فامضيا لأمري وهي الاستقامة قال ابن جريج يقولون إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة, وقال محمد بن علي بن الحسين أربعين يوماً .
89- "قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما" جعل الدعوة هاهنا مضافة إلى موسى وهارون، وفيما تقدم أضافها إلى موسى وحده، فقيل: إن هارون كان يؤمن على دعاء موسى فسمي هاهنا داعياً، وإن كان الداعي موسى وحده، ففي أول الكلام أضاف الدعاء إلى موسى لكونه الداعي، وهاهنا أضافه إليهما تنزيلاً للمؤمن منزلة الداعي، ويجوز أن يكونا جميعاً داعيين، ولكن أضاف الدعاء إلى موسى في أول الكلام لأصالته في الرسالة. قال النحاس: سمعت علي بن سليمان يقول: الدليل على أن الدعاء لهما قول موسى ربنا ولم يقل رب. وقرأ علي والسلمي دعاؤكما وقرأ ابن السميفع دعواكما والاستقامة: الثبات على ما هما عليه من الدعاء إلى الله. قال الفراء وغيره: أمرا بالاستقامة على أمرهما والثبات عليه على دعاء فرعون وقومه إلى الإيمان إلى أن يأتيهما تأويل الإجابة أربعين سنة ثم أهلكوا: وقيل: معنى الاستقامة: ترك الاستعجال ولزوم السكينة والرضا والتسليم لما يقضي به الله سبحانه. قوله: "ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون" بتشديد النون للتأكيد وحركت بالكسر لكونه الأصل ولكونهما أشبهت نون التثنية. وقرأ ابن ذكوان بتخفيف النون على النفي لا على النهي. وقرئ بتخفيف الفوقية الثانية من تتبعان. والمعنى: النهي لهما عن سلوك طريقة من لا يعلم بعادة الله سبحانه في إجراء الأمور على ما تقتضيه المصالح تعجيلاً وتأجيلاً.
89-"قال" الله تعالى لموسى وهارون، "قد أجيبت دعوتكما"، إنما نسب إليهما والدعاء كان من موسى لأنه روي أن موسى كان يدعو وهارون يؤمن، والتأمين دعاء. وفي بعض القصص: كان بين دعاء موسى وإجابته أربعون سنة. "فاستقيما"، على الرسالة والدعوة، وامضيا لأمري إلى أن يأتيهم العذاب "ولا تتبعان"، نهي بالنون الثقيلة، ومحله جزم، يقال في الواحد لا تتبعن بفتح النون لالتقاء الساكنين، وبكسر النون في التثنية لهذه العلة. وقرأ ابن عامر بتخفيف النون لأن نون التوكيد تثقل وتخفف، "سبيل الذين لا يعلمون"، يعني: ولا تسلكا طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي، فإن وعدي لا خلف فيه، ووعيدي نازل بفرعون وقومه.
89."قال قد أجيبت دعوتكما"يعني موسى وهارون لأنه كان يؤمن." فاستقيما"فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة وإلزام الحجة ، ولا تستعجلا فإن ما طلبتما كائن ولكن في وقته.روي : أنه مكث فيهم بعد الدعاء أربعين سنة."ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون"طريق الجهلة في الاستعجال أو عدم الوثوق والاطمئنان بوعد الله تعالى، وعن ابن عامر براوية ابن ذكوانولا تتبعان بالنون الخفيفة كسرها لالتقاء الساكنين"ولا تتبعان"من تبع"ولا تتبعان"أيضاً.
89. He said: Your prayer is heard. Do ye twain keep to the straight path, and follow not the road of those who have no knowledge.
89 - God said: Accepted is your prayer (O Moses and Aaron) so stand ye straight, and follow not the path of those who know not.