89 - (لقد جئتم شيئا إدا) أي منكرا عظيما
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "شيئا إدا" يقول : قولاً عظيماً.
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله "لقد جئتم شيئا إدا" يقول : لقد جئتم شيئاً عظيماً وهو المنكر من القول.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، ثنا ابن أبي نجيح ،عن مجاهد،قوله "شيئا إدا" قال : عظيماً.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "شيئا إدا" قال : عظيماً.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا بن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله "لقد جئتم شيئا إدا" قال :جئتم شيئاً كبيراً من الأمر،حين دعوا للرحمن ولداً. وفي الإد لغات ثلاث ، يقال : لقد جئت شيئاً إداً، بكسر الألف ، وأدا بفتح الألف ، وآدا بفتح الألف ومدها، على مثال ماد فاعل. وقرأ قراء الأمصار، وبها نقرأ، وقد ذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قرأ ذلك بفتح الألف ، ولا أرى قراءته كذلك لخلافها قراءة قراء الأمصار. والعرب تقول لكل أمر عظيم : إد، وإمر، ونكر، ومنه قول الراجز:
قد لقي الأعداء مني نكراً داهية دهياء إداً إمراً
ومنه قول الآخر: في لهث منه وحثل إدا
قوله تعالى: " لقد جئتم شيئا إدا " أي منكراً عظيماً، عن ابن عباس و مجاهد وغيرهما. قال الجوهري : الإد والإدة الداهية والأمر الفظيع، ومنه قوله تعالى: " لقد جئتم شيئا إدا " وكذلك الآد مثل فاعل. وجمع الإدة إدد. وأدت فلاناً داهية تؤده أداً (بالفتح) والإد أيضاً الشدة. والأد الغلبة والقوة قال الراجز:
نضون عني شدةً وأداً من بعد ما كنت صملاً جلداً
انتهى كلامه. وقرأ أبو عبد الله، وأبو عبد الرحمن السلمي " أدا " بفتح الهمزة. النحاس / يقال أد يؤد أداً فهو آد والاسم الإد، إذا جاء بشيء عظيم منكر. وقال الراجز:
قد لقي الأقران مني نكرا داهيةً دهياء إداً إمراً
عن غير النحاس ، الثعلبي : وفيه ثلاث لغات " إدا " بالكسر وهي قراءة العامة، و " أدا " بالفتح وهي قراءة السلمي، و " آد " مثل ماد، وهي لغة لبعض العرب، رويت عن ابن عباس و أبي العالية ، وكأنها مأخوذة من الثقل يقال: آده الحمل يؤوده أوداً أثقله.
لما قرر تعالى في هذه السورة الشريفة عبودية عيسى عليه السلام وذكر خلقه من مريم بلا أب, شرع في مقام الإنكار على من زعم أن له ولداً, تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً, فقال: " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم " أي في قولكم هذا "شيئا إداً" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومالك : أي عظيماً. ويقال إداً بكسر الهمزة وفتحها, ومع مدها أيضاً ثلاث لغات أشهرها الأولى وقوله: " تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا " أي يكاد ذلك عند سماعهن هذه المقالة من فجرة بني آدم إعظاماً للرب وإجلالاً, لأنهم مخلوقات ومؤسسات على توحيده, وأنه لا إله إلا هو, وأنه لا شريك له ولا نظير له, ولا ولد له, ولا صاحبة له, ولا كفء له, بل هو الأحد الصمد.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
قال ابن جرير : حدثني علي , حدثنا عبد الله , حدثني معاوية عن علي , عن ابن عباس في قوله: "تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً" قال: إن الشرك فزعت منه السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين, وكادت أن تزول منه لعظمة الله, وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك, كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله, فمن قالها عند موته وجبت له الجنة , فقالوا: يا رسول الله فمن قالها في صحته ؟ قال تلك أوجب وأوجب". ثم قال "والذي نفسي بيده لو جيء بالسموات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن, فوضعن في كفة الميزان, ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن" هكذا رواه ابن جرير , ويشهد له حديث البطاقة, والله أعلم.
وقال الضحاك : "تكاد السموات يتفطرن منه" أي يتشققن فرقاً من عظمة الله, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : "وتنشق الأرض", أي غضباً له عز وجل, "وتخر الجبال هداً", قال ابن عباس : هدماً, وقال سعيد بن جبير : هداً ينكسر بعضها على بعض متتابعات. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن سويد المقبري , حدثنا سفيان بن عيينة , حدثنا مسعر عن عون عن عبد الله قال: إن الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان, هل مر بك اليوم ذاكر الله عز وجل ؟ فيقول: نعم ويستبشر, قال عون : لهي للخير أسمع أفيسمعن الزور والباطل إذا قيل ولا يسمعن غيره, ثم قرأ "تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً".
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا المنذر بن شاذان , حدثنا هودة , حدثنا عوف عن غالب بن عجرد , حدثني رجل من أهل الشام في مسجد منى قال: بلغني أن الله لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة ـ أو قال ـ كان لهم فيها منفعة, ولم تزل الأرض والشجر بذلك حتى تكلم فجرة بني آدم بتلك الكلمة العظيمة قولهم: اتخذ الرحمن ولداً, فلما تكلموا بها اقشعرت الأرض وشاك الشجر. وقال كعب الأحبار : غضبت الملائكة واستعرت جهنم حين قالوا ما قالوا.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنه يشرك به ويجعل له ولدا, وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم" أخرجاه في الصحيحين . وفي لفظ "أنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم". وقوله: "وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً" أي لا يصلح له ولا يليق به لجلاله وعظمته, لأنه لا كفء له من خلقه, لأن جميع الخلائق عبيد له, ولهذا قال: "إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً * لقد أحصاهم وعدهم عداً" أي قد علم عددهم منذ خلقهم إلى يوم القيامة, ذكرهم وأنثاهم, صغيرهم وكبيرهم, "وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً" أي لا ناصر له ولا مجير إلا الله وحده لا شريك له, فيحكم في خلقه بما يشاء وهو العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة, ولا يظلم أحداً.
وفي قوله: 89- "لقد جئتم شيئاً إداً" التفات من الغيبة إلى الخطاب، وفيه رد لهذه المقالة الشنعاء، والإد كما قال الجوهري: الداهية والأمر الفظيع، وكذلك الأدة، وجمع الأدة أدد، يقال أدت فلاناً الداهية تؤده أداء بالفتح. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي أداً بفتح الهمزة، وقرأ الجمهور بالكسر، وقرأ ابن عباس وأبو العالية آداً مثل ماداً، وهي مأخوذة من الثقل، يقال أده الحمل يؤده: إذا أثقله. قال الواحدي "لقد جئتم شيئاً إداً" أي عظيماً في قول الجميع، ومعنى الآية: قلتم قولاً عظيماً. وقيل الإد العجب، والإدة الشدة، والمعنى متقارب والتركيب يدور على الشدة والثقل.
89 - " لقد جئتم شيئاً إداً " ، قال ابن عباس منكراً . وقال قتادة و مجاهد : عظيماً . وقال مقاتل : لقد قلتم قولاً عظيماً . ( والإد ) في كلام العرب : أعظم الدواهي .
89ـ " لقد جئتم شيئاً إداً " على الالتفات للمبالغة في الذم والتسجيل عليهم بالجراءة على الله تعالى ، والإد بالفتح والكسر العظيم المنكر والإدة الشدة و أدني الأمر ، وآدني أثقلني وعظم علي .
89. Assuredly ye Utter a disastrous thing,
89 - Indeed ye have put forth a thing most monstrous!