يا (ربنا إنك جامع الناس) تجمعهم (ليوم) أي في يوم (لا ريب) لا شك (فيه) هو يوم القيامة فتجازيهم بأعمالهم كما وعدت بذلك (إن الله لا يخلف الميعاد) موعده بالبعث فيه التفات عن الخطاب ويحتمل أن يكون من كلامه تعالى والغرض من الدعاء بذلك بيان أن همهم أمر الآخرة ولذلك سألوا الثبات على الهداية لينالوا ثوابها ، روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات} إلى آخرها ، وقال فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" وروى الطبراني في الكبير عن أبي موسى الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال وذكر منها أن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وليس يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلى أولوا الألباب" الحديث
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه أنهم يقولون أيضاً -مع قولهم : آمنا بما تشابه من آي كتاب ربنا، كل المحكم والمتشابه الذي فيه من عند ربنا-: يا ربنا، "إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد".
وهذا من الكلام الذي استغني بذكر ما ذكر منه عما ترك ذكره . وذلك أن معنى الكلام : ربنا إنك جامع الناس ليوم القيامة، فاغفر لنا يومئذ واعف عنا، فإنك لا تخلف وعدك : أن من آمن بك ، واتبع رسولك ، وعمل بالذي أمرته به في كتابك ، أنك غافره يومئذ.
وإنما هذا من القوم مسألة ربهم أن يثبتهم على ما هم عليه من حسن بصيرتهم ، بالإيمان بالله ورسوله ، وما جاءهم به من تنزيله ، حتى يقبضهم على أحسن أعمالهم وإيمانهم ، فإنه إذا فعل ذلك بهم ، وجبت لهم الجنة، لأنه قد وعد من فعل ذلك به من عباده أنه يدخله الجنة.
فالآية، وإن كانت قد خرجت مخرج الخبر، فإن تأويلها من القوم : مسألة ودعاء ورغبة إلى ربهم.
وأما معنى قوله : "ليوم لا ريب فيه"، فإنه : لا شك فيه. وقد بينا ذلك بالأدلة على صحته فيما مض قبل.
ومعنى قوله : "ليوم"، في يوم . وذلك يوم يجمع الله فيه خلقه لفصل القضاء بينهم في موقف العرض والحساب.
والميعاد المفعال، من الوعد.
أي باعثهم ومحييهم بعد تفرقهم ، وفي هذا إقرار بالبعث ليوم القيامة . قال الزجاج : هذا هو التأويل الذي علمه الراسخون وأقروا به و خالف الذين اتبعوا ما تشابه عليهم من أمر البعث حتى أنكروه . و الريب الشك ، وقد تقدمت محامله في البقرة . و الميعاد مفعال من الوعد .
يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات, هن أم الكتاب, أي بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد, ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم, فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه وحكم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى ومن عكس انعكس ولهذا قال تعالى " هن أم الكتاب " أي أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه "وأخر متشابهات" أي تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئاً آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد. وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه فروي عن السلف عبارات كثيرة فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وأحكامه وحدوده وفرائضه وما يؤمر به ويعمل به وعن ابن عباس أيضاً أنه قال المحكمات قوله تعالى: " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا " والايات بعدها. وقوله تعالى: " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه " إلى ثلاث آيات بعدها ورواه ابن أبي حاتم وحكاه عن سعيد بن جبير به قال: حدثنا أبي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد أن يحيى بن يعمر و أبا فاختة تراجعا في هذه الاية وهي " هن أم الكتاب وأخر متشابهات " فقال أبو فاختة : فواتح السور, وقال يحيى بن يعمر : الفرائض والأمر والنهي والحلال والحرام. وقال ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير : هن أم الكتاب لأنهن مكتوبات في جميع الكتب, وقال مقاتل بن حيان : لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهن, وقيل في المتشابهات: المنسوخة والمقدم والمؤخر والأمثال فيه والأقسام وما يؤمن به ولا يعمل به, رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . وقيل هي الحروف المقطعة في أوائل السور قاله مقاتل بن حيان , وعن مجاهد المتشابهات يصدق بعضها بعضاً وهذا إنما هو في تفسير قوله "كتاباً متشابهاً مثاني" هناك ذكروا أن المتشابه هو الكلام الذي يكون في سياق واحد والمثاني هو الكلام في شيئين متقابلين كصفة الجنة وصفة النار وذكر حال الأبرار وحال الفجار ونحو ذلك. وأما ههنا فالمتشابه هو الذي يقابل المحكم, وأحسن ما قيل فيه هو الذي قدمنا وهو الذي نص عليه محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله حيث قال منه آيات محكمات فهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم الباطل ليس لهن تصريف عما وضعن عليه, قال: والمتشابهات في الصدق ليس لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألا يصرفن إلى الباطل ويحرفن عن الحق.
ولهذا قال تعالى "فأما الذين في قلوبهم زيغ" أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل "فيتبعون ما تشابه منه" أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم ولهذا قال الله تعالى: "ابتغاء الفتنة" أي الإضلال لأتباعهم إيهاماً لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لا لهم كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وتركوا الاحتجاج بقوله "إن هو إلا عبد أنعمنا عليه" وبقوله "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" وغير ذلك من الايات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله وعبد ورسول من رسل الله.
وقوله تعالى "وابتغاء تأويله" أي تحريفه على ما يريدون وقال مقاتل بن حيان و السدي يبتغون أن يعلموا ما يكون وما عواقب الأشياء من القرآن وقد قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات" إلى قوله " أولو الألباب " فقال: " فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم" هكذا وقع الحديث في مسند الإمام أحمد من رواية ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها ليس بينهما أحد وهكذا رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن علية و عبد الوهاب الثقفي كلاهما عن أيوب به ورواه محمد بن يحيى العبدي في مسنده عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب به وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وكذا رواه غير واحد عن أيوب وقد رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أيوب به, ورواه أبو بكر بن المنذر في تفسيره من طريقين عن النعمان بن محمد بن الفضل السدوسي ولقبه عارم : حدثنا حماد بن زيد , حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة , عن عائشة به وتابع أيوب أبو عامر الخراز وغيره عن ابن أبي مليكة . فرواه الترمذي عن بندار , عن أبي داود الطيالسي , عن أبي عامر الخراز , فذكره وهكذا رواه سعيد بن منصور في سننه عن حماد بن يحيى الأبح , عن عبد الله بن أبي مليكة , عن عائشة . ورواه ابن جرير من حديث روح بن القاسم و نافع بن عمر الجمحي , كلاهما عن ابن أبي مليكة , عن عائشة به . وقال نافع في روايته عن ابن أبي مليكة : حدثتني عائشة , فذكره. وقد روى هذا الحديث البخاري عند تفسير هذه الاية, و مسلم في كتاب القدر من صحيحه, و أبو داود في السنة من سننه, ثلاثتهم عن القعنبي , عن يزيد بن إبراهيم التستري , عن ابن أبي مليكة , عن القاسم بن محمد , عن عائشة رضي الله عنها, قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, هذه الاية: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات" إلى قوله: " وما يذكر إلا أولو الألباب " قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" لفظ البخاري . وكذا رواه الترمذي أيضاً, عن بندار عن أبي داود الطيالسي , عن يزيد بن إبراهيم به ، وقال: حسن صحيح ، وذكر أن يزيد بن إبراهيم التستري تفرد بذكر القاسم في هذا الإسناد. وقد رواه غير واحد عن ابن أبي مليكة عن عائشة , ولم يذكر القاسم ، كذا قال. وقد رواه ابن أبي حاتم فقال: حدثنا أبي, حدثنا أبو الوليد الطيالسي , حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري و حماد بن سلمة , عن ابن أبي مليكة , عن القاسم بن محمد , عن عائشة رضي الله عنها, قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن قول الله تعالى: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه, فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" وقال ابن جرير : حدثنا علي بن سهل , حدثنا الوليد بن مسلم , عن حماد بن سلمة , عن عبد الرحمن بن القاسم , عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها, قالت: نزع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الاية: " يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة", فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد حذركم الله فإذا رأيتموهم فاعرفوهم" ورواه ابن مردويه من طريق أخرى عن القاسم عن عائشة به, وقال الإمام أحمد . حدثنا أبو كامل , حدثنا حماد عن أبي غالب , قال: سمعت أبا أمامة يحدث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه" قال "هم الخوارج". وفي قوله تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" قال "هم الخوارج" وقد رواه ابن مردويه من غير وجه, عن أبي غالب . عن أبي أمامة مرفوعاً فذكره, وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفاً من كلام الصحابي, ومعناه صحيح, فإن أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج, وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين, فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القسمة, ففاجؤوه بهذه المقالة, فقال قائلهم وهو ذوالخويصرة ـ بقر الله خاصرته ـ: اعدل فإنك لم تعدل, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل, أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني". فلما قفا الرجل استأذن عمر بن الخطاب , وفي رواية خالد بن الوليد , رسول الله في قتله, فقال "دعه فانه يخرج من ضئضىء هذا, أي من جنسه قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم, وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية, فأينما لقيتموهم فاقتلوهم, فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم" ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتلهم بالنهروان, ثم تشعبت منهم شعوب, وقبائل وآراء, وأهواء, ومقالات, ونحل كثيرة منتشرة, ثم نبعت القدرية, ثم المعتزلة, ثم الجهمية, وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في قوله "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هم يا رسول الله ؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي", أخرجه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة.
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو موسى حدثنا عمرو بن عاصم , حدثنا المعتمر عن أبيه , عن قتادة , عن الحسن بن جندب بن عبد الله , أنه بلغه عن حذيفة , أو سمعه منه, يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر "إن في أمتي قوماً يقرؤون القرآن, ينثرونه نثر الدقل يتأولونه على غير تأويله" لم يخرجوه.
وقوله تعالى "وما يعلم تأويله إلا الله" اختلف القراء في الوقف ههنا., فقيل: على الجلالة, كما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: التفسير على أربعة أنحاء: فتفسير لا يعذر أحد في فهمه, وتفسير تعرفه العرب من لغاتها, وتفسير يعلمه الراسخون في العلم, وتفسير لا يعلمه إلا الله, ويروى هذا القول عن عائشة و عروة وأبي الشعثاء وأبي نهيك وغيرهم. وقد قال الحافظ أبو القاسم في المعجم الكبير : حدثنا هاشم بن مزيد , حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش , حدثني أبي, حدثني ضمضم بن زرعة , عن شريح بن عبيد , عن أبي مالك الأشعري , أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال: أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا, وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به" الاية, وأن يزداد علمهم فيضيعوه ولا يبالون عليه" غريب جداً. وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم , حدثنا أحمد بن عمرو , حدثنا هشام بن عمار , حدثنا ابن أبي حاتم , عن أبيه, عن عمرو بن شعيب , عن أبيه, عن ابن العاص , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً, فما عرفتم منه فاعملوا به, وما تشابه فآمنوا به" وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه, قال: كان ابن عباس يقرأ: وما يعلم تأويله إلا الله, ويقول الراسخون آمنا به, وكذا رواه ابن جرير عن عمر بن عبد العزيز و مالك بن أنس أنهم يؤمنون به ولا يعلمون تأويله, وحكى ابن جرير أن في قراءة عبد الله بن مسعود : إن تأويله إلا عند اللهو والراسخون في العلم يقولون آمنا به, وكذا عن أبي بن كعب , واختار ابن جرير هذا القول.
ومنهم من يقف على قوله: "والراسخون في العلم", وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول, وقالوا: الخطاب بما لا يفهم بعيد, وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد , عن ابن عباس أنه قال: أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله, وقال ابن أبي نجيح , عن مجاهد : والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به, وكذا قال الربيع بن أنس , وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفرالزبير : "وما يعلم تأويله" الذي أراد ما أراد "إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به", ثم ردوا تأويل المتشابهات على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد, فاتسق بقولهم الكتاب وصدق بعضه بعضاً, فنفذت الحجة, وظهر به العذر, وزاح به الباطل, ودفع به الكفر, وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس , فقال "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" ومن العلماء من فصل في هذا المقام وقال: التأويل يطلق, ويراد به في القرآن معنيان: أحدهما التأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يؤول أمره إليه, ومنه قوله تعالى: "وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل" وقوله "هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله" أي حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد, فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا الله عز وجل, ويكون قوله "والراسخون في العلم" مبتدأ و "يقولون آمنا به" خبره, وأما إن أريد بالتأويل المعنى الاخر, وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله "نبئنا بتأويله" أي بتفسيره, فإن أريد به هذا المعنى, فالوقف على "والراسخون في العلم" لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار, وإن لم يحيطوا علماً بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه, وعلى هذا يكون قوله: "يقولون آمنا به" حالاً منهم, وساغ هذا, وأن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه, كقوله " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم " إلى قوله " يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا " الاية, وقوله تعالى: "وجاء ربك والملك صفاً صفاً" أي وجاءت الملائكة صفوفاً صفوفاً.
وقوله إخباراً عنهم "يقولون: آمنا به", أي المتشابه, "كل من عند ربنا" أي الجميع من المحكم, والمتشابه حق وصدق, وكل واحد منهما يصدق الاخر ويشهد له, لأن الجميع من عند الله وليس شيء من عند الله بمختلف ولا متضاد, لقوله: "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً", ولهذا قال تعالى: " وما يذكر إلا أولو الألباب " أي إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها أولوا العقول السليمة والفهوم المستقيمة, وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف الحمصي , حدثنا نعيم بن حماد , حدثنا فياض الرقي , حدثنا عبد الله بن يزيد وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنساً وأبا أمامة وأبا الدرداء رضي الله عنهم قال: حدثنا أبو الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, سئل عن الراسخين في العلم, فقال: "من برت يمينه, وصدق لسانه, واستقام قلبه, ومن أعف بطنه وفرجه, فذلك من الراسخين في العلم", وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , حدثنا معمر عن الزهري , عن عمرو بن شعيب , عن أبيه عن جده, قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتدارؤون, فقال "إنما هلك من كان قبلكم بهذا, ضربوا كتاب الله بعضه ببعض, وإنما أنزل كتاب الله يصدق بعضه بعضاً, فلا تكذبوا بعضه ببعض, فما علمتم منه فقولوا, وما جهلتم فكلوه إلى عالمه" وتقدم رواية ابن مردويه لهذا الحديث من طريق هشام بن عمار , عن ابن أبي حازم , عن أبيه, عن عمرو بن شعيب به, وقد قال أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا زهير بن حرب , حدثنا أنس بن عياض , عن أبي حازم , عن أبي سلمة , قال: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "نزل القرآن على سبعة أحرف, والمراء في القرآن كفر ـ قالها ثلاثاً ـ ما عرفتم منه فاعملوا به, وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه جل جلاله" وهذا إسناد صحيح, ولكن فيه علة بسبب قول الراوي لا أعلمه إلا عن أبي هريرة , وقال ابن المنذر في تفسيره: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , حدثنا ابن وهب , قال: أخبرني نافع بن يزيد , قال: يقال: الراسخون في العلم المتواضعون لله, المتذللون لله في مرضاته, لا يتعاظمون على من فوقهم ولا يحقرون من دونهم, ثم قال تعالى مخبراً أنهم دعوا ربهم قائلين "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا", أي لا تملها عن الهدي بعد إذ أقمتها عليه ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ, الذين يتبغون ما تشابه من القرآن, ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم, ودينك القويم, "وهب لنا من لدنك" أي من عندك "رحمة" تثبت بها قلوبنا وتجمع بها شملنا, وتزيدنا بها إيماناً وإيقاناً, "إنك أنت الوهاب".
قال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي , وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , قالا جميعاً: حدثنا وكيع عن عبد الحميد بن بهرام , عن شهر بن حوشب , عن أم سلمة , أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" ثم قرأ "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب", ورواه ابن مردويه من طريق محمد بن بكار , عن عبد الحميد بن بهرام , عن شهر بن حوشب , عن أم سلمة , وهي أسماء بنت يزيد بن السكن , سمعها تحدث: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان يكثر من دعائه "اللهم مقلب القلوب, ثبت قلبي على دينك قالت قلت: يا رسول الله, وإن القلب ليتقلب ؟ قال: نعم, ماخلق الله من بني آدم من بشر إلا قلبه بين أصبعين من أصابع الله عز وجل, فإن شاء أقامه, وإن شاء أزاغه" فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا, ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب ـ وهكذا رواه ابن جرير من حديث أسد بن موسى , عن عبد الحميد بن بهرام به مثله, رواه أيضاً عن المثنى عن الحجاج بن منهال عن عبد الحميد بن بهرام به مثله, وزاد: "قلت يا رسول الله, ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي ؟ قال: بلى, قولي اللهم رب النبي محمد, اغفر لي ذنبي, وأذهب غيظ قلبي, وأجرني من مضلات الفتن " , ثم قال ابن مردويه : حدثنا سليمان بن أحمد , حدثنا محمد بن هارون بن بكار الدمشقي , حدثنا العباس بن الوليد الخلال , أخبرنا يزيد بن يحيى بن عبيد الله , أخبرنا سعيد بن بشير عن قتادة , عن حسان الأعرج , عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قلت: يا رسول الله, ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء, فقال : ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن, إذا شاء أن يقيمه أقامه, وإذا شاء أن يزيغه أزاغه, أما تسمعين قوله "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب "" غريب من هذا الوجه, ولكن أصله ثابت في الصحيحين وغيرهما من طرق كثيرة بدون زيادة ذكر هذه الاية الكريمة, وقد رواه أبو داود والنسائي وابن مردويه من حديث أبي عبد الرحمن المقري , زاد النسائي وابن حبان وعبد الله بن وهب كلاهما عن سعيد بن أبي أيوب : حدثني عبد الله بن الوليد التجيبي عن سعيد بن المسيب , عن عائشة رضي الله عنها. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان إذا استقيظ من الليل قال "لا إله إلا أنت, سبحانك, اللهم إني أستغفرك لذنبي, وأسألك رحمة, اللهم زدني علماً ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني, وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" لفظ ابن مردويه . وقال عبد الرزاق عن مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن عبادة بن نسي أنه أخبره أنه سمع قيس بن الحارث يقول: أخبرني أبو عبد الله الصنابحي أنه صلى وراء أبي بكرالصديق رضي الله عنه المغرب, فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورتين من قصار المفصل, وقرأ في الركعة الثالثة, قال: فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه, فسمعته يقرأ بأم القرآن وهذه الاية: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" الاية. قال أبو عبيد : وأخبرني عبادة بن نسي أنه كان عند عمر بن عبد العزيز في خلافته, فقال عمر لقيس : كيف أخبرتني عن أبي عبد الله ؟ قال عمر : فما تركناها منذ سمعناها منه وإن كنت قبل ذلك لعلى غير ذلك, فقال له رجل: على أي شيء كان أمير المؤمنين قبل ذلك, قال: كنت أقرأ "قل هو الله أحد", وقد روى هذا الأثر الوليد بن مسلم عن مالك والأوزاعي , كلاهما عن أبي عبيد به, وروى هذا الأثر الوليد أيضاً عن ابن جابر , عن يحيى بن يحيى الغساني , عن محمود بن لبيد , عن الصنابحي , أنه صلى خلف أبي بكر المغرب, فقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة قصيرة يجهر بالقراءة, فلما قام إلى الثالثة, ابتدأ القراءة, فدنوت منه حتى إن ثيابي لتمس ثيابه, فقرأ هذه الاية "ربنا لا تزغ قلوبنا" الاية.
وقوله "ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه" أي يقولون في دعائهم: إنك يا ربنا ستجمع بين خلقك يوم معادهم, وتفصل بينهم وتحكم فيهم فيما اختلفوا فيه, وتجزي كلاً بعمله وما كان عليه في الدنيا من خير وشر.
وقوله: 9- "ربنا إنك جامع الناس" أي باعثهم ومحييهم بعد تفرقهم "ليوم" هو يوم القيامة أي لحساب يوم أو لجزاء يوم على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. قوله: "لا ريب فيه" أي: في وقوعه ووقوع ما فيه من الحساب والجزاء، وقد تقدم تفسير الريب، وجملة قوله: "إن الله لا يخلف الميعاد" للتعليل لمضمون ما قبلها: أي أن الوفاء بالوعد شأن الإله سبحانه وخلفه يخالف الألوهية كما أنها تنافيه وتباينه.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما نؤمن به ونعمل به والمتشابهات منسوخه ومقدمه ومؤخره، وأمثاله وأقسامه وما نؤمن به ولا نعمل به. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال في قوله: "منه آيات محكمات" قال: الثلاث آيات من آخر سورة الأنعام محكمات "قل تعالوا" والآيتان بعدها. وفي رواية عنه أخرجها عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: "آيات محكمات" قال: من هنا "قل تعالوا" إلى ثلاث آيات، ومن هنا " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه " إلى ثلاث آيات بعدها. وأقول: رحم الله ابن عباس ما أقل جدوى هذا الكلام المنقول عنه. فإن تعيين ثلاث آيات أو عشر أو مائة من جميع آيات القرآن ووصفها بأنها محكمة ليس تحته من الفائدة شيء، فالمحكمات هي أكثر القرآن على جميع الأقوال حتى على قوله المنقول عنه قريباً من أن المحكمات ناسخه وحلاله إلخ، فما معنى تعيين تلك الآيات من آخر سورة الأنعام. وأخرج عبد بن حميد عنه قال: المحكمات: الحلال والحرام، وللسلف أقوال كثيرة هي راجعة إلى ما قدمنا في أول هذا البحث. وأخرج ابن جرير ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "فأما الذين في قلوبهم زيغ" يعني أهل الشك، فيحملون المحكم على المتشابه والمتشابه على المحكم، ويلبسون فلبس الله عليهم "وما يعلم تأويله إلا الله" قال: تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلا الله. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود "زيغ" قال: شك. وفي الصحيحين وغيرهما عن عائشة قالت: "تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "هو الذي أنزل عليك الكتاب" إلى قوله: "فأما الذين في قلوبهم زيغ". إلى قوله: " أولو الألباب " قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى فاحذروهم". وفي لفظ "فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم" هذا لفظ البخاري ولفظ ابن جرير وغيره "فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فلا تجالسوهم". وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه" قال: هم الخوارج. وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن على سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا". وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود موقوفاً. وأخرج الطبراني عن عمر بن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود فذكر نحوه. وأخرج البخاري في التاريخ عن علي مرفوعاً بإسناد ضعيف نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن جرير وأبو يعلى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف والمراء في القرآن كفر، ما عرفتم فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه" وإسناده صحيح. وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة مرفوعاً، وفيه "واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن طاوس قال: كان ابن عباس يقرأها " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ". وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال في قراءة عبد الله: وإن حقيقة تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي الشعثاء وأبي نهيك قال: إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون: آمنا به كل من عند ربنا" فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا. وأخرج ابن جرير عن عروة قال: الراسخون في العلم لا يعلمون تأويله، ولكنهم يقولون: آمنا به كل من عند ربنا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عمر بن عبد العزيز نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي قال: كتاب الله ما استبان فاعمل به، وما اشتبه عليك فآمن به وكله إلى عالمه. وأخرج أيضاً عن ابن مسعود قال: إن للقرآن مناراً كمنار الطريق، فما عرفتم فتمسكوا به وما اشتبه عليكم فذروه. وأخرج أيضاً عن معاذ نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: تفسير القرآن على أربعة وجوه: تفسير يعلمه العلماء، وتفسير يعذر الناس بجهالته من حلال أو حرام، وتفسير تعرفه العرب بلغتها، وتفسير لا يعلم تأويله إلا الله، من ادعى علمه فهو كذاب. وأخرج ابن جرير عنه قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال: أنا ممن يعلم تأويله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عطية العوفي عنه في قوله: "يقولون: آمنا به" نؤمن بالمحكم وندين به ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به وهو من عند الله كله. وأخرج الدارمي في مسنده ونصر المقدسي في الحجة عن سليمان بن يسار: أن رجلاً يقال له ضبيع قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن. فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله ضبيع، فقال: وأنا عبد الله عمر، فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين فضربه حتى دمي رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي. وأخرجه الدارمي أيضاً من وجه آخر، وفيه: أنه ضربه ثلاث مرات يتركه في كل مرة حتى يبرأ، ثم يضربه. وأخرج أصل القصة ابن عساكر في تاريخه عن أنس. وأخرج الدارمي وابن عساكر: أن عمر كتب إلى أهل البصرة أن لا يجالسوا ضبيعاً، وقد أخرج هذه القصة جماعة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أنس وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأبي الدرداء "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الراسخين في العلم؟ فقال: من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن عف بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم". وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن يزيد الأزدي عن أنس مرفوعاً نحوه. وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجدال في القرآن كفر". وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمر قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن وراء حجرته قوم يتجادلون بالقرآن، فخرج محمرة وجنتاه كأنما يقطران دماً فقال: يا قوم لا تجادلوا في القرآن فإنما ضل من كان قبلكم بجدالهم، إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً، ولكن نزل ليصدق بعضه بعضاً، فما كان من محكمه فاعملوا به وما كان من متشابهه فآمنوا به". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أم سلمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ثم قرأ "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" الآية". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن جرير والطبراني وابن مردويه عنها مرفوعاً نحوه بأطول منه. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن مردويه عن عائشة مرفوعاً نحوه. وقد ورد نحوه من طرق أخر. وأخرج ابن النجار في تاريخه في قوله: "ربنا إنك جامع الناس ليوم" الآية. عن جعفر بن محمد الخلدي قال: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن من قرأ هذه الآية على شيء ضاع منه رده الله عليه، ويقول بعد قراءتها: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني وبين مالي إنك على كل شيء قدير".
9-قوله تعالى:"ربنا إنك جامع الناس ليوم" أي لقضاء يوم ، وقيل: اللام بمعنى في ، أي في يوم " لا ريب فيه" أي لاشك فيه، وهو يوم القيامة " إن الله لا يخلف الميعاد " وهو مفعال من الوعد.
9 " ربنا إنك جامع الناس ليوم " لحساب يوم أو لجزائه. " لا ريب فيه " في وقوع اليوم وما فيه من الحشر والجزاء، نبهواً به على أن معظم غرضهم من الطلبتين ما يتعلق بالآخرة فإنها المقصد والمال. " إن الله لا يخلف الميعاد " فإن الإلهية تنافيه وللإشعار به وتعظيم الموعود لون الخطاب، وإستدل به الوعيدية. وأجيب بأن وعيد الفساق مشروط بعدم العفو لدلائل منفصلة كما هو مشروط بعدم التوبة وفاقاً.
9. Our Lord! it is Thou Who gatherest mankind together to a Day of which there is no doubt. Lo! Allah faileth not to keep the tryst.
9 - Our lord thou art he that will gather mankind together against a day about which there is no doubt; for God never fails in his promise.