9 - (كذبت قبلهم) قبل قريش (قوم نوح) تأنيث الفعل لمعنى قوم (فكذبوا عبدنا) نوحا (وقالوا مجنون وازدجر) انتهروه بالسب وغيره
هذا وعيد من الله تعالى ذكره وتهديد للمشركين من أهل مكة وسائر من أرسل إليه رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم على تكذيبهم إياه وتقدم منه إليهم إن هم لم ينيبوا من تكذيبهم إياه أنه محل بهم ما أحل بالأمم الذين قص قصصهم في هذه السورة من الهلاك والعذاب ومنج نبيه محمداً والمؤمنين به كما نجى من قبله الرسل وأبتاعهم من نقمة التي أحلها باممهم فقال جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : كذبت يا محمد قبل هؤلاء الذين كذبوك من قومك الذين إذا رأوا آية أعرضوا وقالوا سحر مستمر قوم نوح فكذبوا عبدنا نوحاً إذ أرسلناه إليهم كما كذبتك قريش إذ أتيتهم بالحق من عندنا وقالوا : هو مجنون وازدجر وهو افتعل من زجرت وكذا تفعل العرب بالحرف إذا كان أوله زاياً صيروا تاء الافتعال منه دالاً من ذلك قولهم : ازدجر من زجرت وازدلف من زلفت وازديد من زدت .
واختلف أهل التأويل في المعني الذي زجروه فقال بعضهم : كان زجرهم إياه أن قالوا : استطير جنوناً .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال : ثنا يحيى عن سفيان عن منصور عن مجاهد " وقالوا مجنون وازدجر " قال : استطير جنوناً .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن منصور عن مجاهد بمثله .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " وازدجر " قال : استطير جنوناً .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية " وقالوا مجنون وازدجر " قال : استعر جنوناً .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : ثنا زيد بن الحباب قال : وأخبرني شعبة بن الحجاج عن الحكم عن مجاهد مثله .
وقال آخرون : بل كان زجرهم إياه وعيدهم له بالشتم والرجم بالقول القبيح .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " وقالوا مجنون وازدجر " قال : اتهموه وزجروه وأوعدوه لئن لم يفعل ليكونن من المرجومين وقرأ " لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين " ( الشعراء 116 ) .
قوله تعالى " كذبت قبلهم قوم نوح " ذكر جملا من وقائع الأمم الماضية تأنيسا للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له " قبلهم " أي قبل قومك " فكذبوا عبدنا " يعني نوحا . الزمخشري فإن قلت ما معنى قوله " فكذبوا " بعد قوله " كذبت " قلت معناه كذبوا فكذبوا عبدنا ، أي كذبوه تكذيبا على عقب تكذيب ، كلما مضى منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب ، أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا ، أي لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة رأسا كذبوا نوحا لأنه من جملة الرسل . " وقالوا مجنون " أي هو مجنون " وازدجر " أي زجر عن جعوى النبوة بالسب والوعيد بالقتل . وقيل إنما قال " وازدجر " بلفظ ما لم يسم فاعله لأنه رأس آية .
يقول تعالى: "كذبت" قبل قومك يا محمد "قوم نوح فكذبوا عبدنا" أي صرحوا له بالتكذيب واتهموه بالجنون "وقالوا مجنون وازدجر" قال مجاهد: وازدجر. أي استطير جنوناً, وقيل: وازدجر أي انتهروه وزجروه وتواعدوه لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين, قاله ابن زيد وهذا متوجه حسن "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" أي إني ضعيف عن هؤلاء وعن مقاومتهم فانتصر أنت لدينك. قال الله تعالى: "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" قال السدي: وهو الكثير "وفجرنا الأرض عيوناً" أي نبعت جميع أرجاء الأرض حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت عيوناً, "فالتقى الماء" أي من السماء والأرض "على أمر قد قدر" أي أمر مقدر.
قال ابن جريج عن ابن عباس "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" كثير لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب, فتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم, فالتقى الماءان على أمر قد قدر, وروى ابن أبي حاتم أن ابن الكواء سأل علياً عن المجرة فقال: هي شرج السماء, ومنها فتحت السماء بماء منهمر "وحملناه على ذات ألواح ودسر" قال ابن عباس وسعيد بن جبير والقرظي وقتادة وابن زيد: هي المسامير, واختاره ابن جرير, قال: وواحدها دسار. ويقال: دسير كما يقال حبيك وحباك والجمع حبك, وقال مجاهد: الدسر أضلاع السفينة. وقال عكرمة والحسن: هو صدرها الذي يضرب به الموج. وقال الضحاك: طرفاها وأصلها, وقال العوفي عن ابن عباس: هو كلكلها أي صدرها. وقوله: "تجري بأعيننا" أي بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلاءتنا "جزاء لمن كان كفر" أي جزاء لهم على كفرهم بالله وانتصاراً لنوح عليه السلام.
وقوله تعالى: "ولقد تركناها آية" قال قتادة: أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أول هذه الأمة, والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفن, كقوله تعالى: " وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون * وخلقنا لهم من مثله ما يركبون " وقال تعالى: "إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية" ولهذا قال ههنا: "فهل من مدكر" أي فهل من يتذكر ويتعظ. قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود عن ابن مسعود قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم "فهل من مدكر" وهكذا رواه البخاري, حدثنا يحيى, حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد, عن عبد الله قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم "فهل من مدكر" وقال النبي صلى الله عليه وسلم "فهل من مدكر" وروى البخاري أيضاً من حديث شعبة, عن أبي إسحاق, عن الأسود, عن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "فهل من مدكر". وقال: حدثنا أبو نعيم, حدثنا زهير عن أبي إسحاق أنه سمع رجلاً سأل الأسود فهل من مذكر أو مدكر, قال: سمعت عبد الله يقرأ فهل من مدكر, وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فهل من مدكر. دالاً. وقد أخرج مسلم هذا الحديث وأهل السنن إلا ابن ماجه من حديث أبي إسحاق.
وقوله تعالى: "فكيف كان عذابي ونذر" أي كيف كان عذابي لمن كفر بي وكذب رسلي, ولم يتعظ بما جاءت به نذري, وكيف انتصرت لهم وأخذت لهم بالثأر "ولقد يسرنا القرآن للذكر" أي سهلنا لفظه ويسرنا معناه لمن أراده ليتذكر الناس, كما قال: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب" وقال تعالى: "فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدا" قال مجاهد: "ولقد يسرنا القرآن للذكر" يعني هونا قراءته, وقال السدي: يسرنا تلاوته على الألسن, وقال الضحاك عن ابن عباس: لولا أن الله يسره على لسان الادميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل, قلت: ومن تيسيره تعالى على الناس تلاوة القرآن ما تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف" وأوردنا الحديث بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد والمنة, وقوله: "فهل من مدكر" أي فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد يسر الله حفظه ومعناه ؟ وقال محمد بن كعب القرظي: فهل من منزجر عن المعاصي ؟.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا الحسن بن رافع, حدثنا ضمرة عن ابن شوذب, عن مطر هو الوراق في قوله تعالى: "فهل من مدكر" هل من طالب علم فيعان عليه, وكذا علقه البخاري بصيغة الجزم عن مطر الوراق, ورواه ابن جرير, وروي عن قتادة مثله.
ثم ذكر سبحانه تفصيل بعض ما تقدك من الأنباء المجملة فقال: 9- "كذبت قبلهم قوم نوح" أي كذبوا نبيهم، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: "فكذبوا عبدنا" تفسير لما قبله من التكذيب المبهم، وفيه مزيد تقرير وتأكيد: أي فكذبوا عبدنا نوحاً، وقيل المعنى: كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا نوحاً بتكذيبهم للرسل فإنه منهم. ثم بين سبحانه أنهم لم يقتصروا على مجرد التكذيب فقال: "وقالوا مجنون" أي نسبوا نوحاً إلى الجنون، وقوله: "وازدجر" معطوف على قالوا: أي وزجر عن دعوى النبوة وعن تبليغ ما أرسل به بأنواع الزجر، والدال معطوف على قالوا: أي وزجر عن دعوى النبوة وعن تبليغ ما أرسل به بأنواع الزجر: أي ازدجرته الجن وذهبت بلبه، والأول أولى. قال مجاهد: هو من كلام الله سبحانه أخبر عنه بأنه انتهر وزجر بالسب بأنواع الأذى. قال الرازي: وهذا أصح، لأن المقصود تقوية قلب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر من تقدمه.
9. قوله عز وجل: " كذبت قبلهم "، أي: قبل أهل مكة، " قوم نوح فكذبوا عبدنا "، نوحاً، " وقالوا مجنون وازدجر "، أي: زجروه عن دعوته ومقالته بالشتم والوعيد، وقالوا: " لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين " (الشعراء-116)، وقال مجاهد معنى: ازدجر أي: استطير جنوناً.
9-" كذبت قبلهم قوم نوح " قبل قومك " فكذبوا عبدنا " نوحاً عليه السلام وهو تفصيل بعد إجمال ، وقيل معناه كذبوه تكذيباً على عقب تكذيب كلما خلا منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب ، أو كذبوه بعدما كذبوا الرسل . " وقالوا مجنون " هو مجنون . " وازدجر " وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية ،وقيل إنه من جملة قيلهم أي هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته .
9. The folk of Noah denied before them, yea, they denied Our slave and said: A madman; and he was repulsed.
9 - Before them the People of Noah rejected (their apostle): They rejected Our servant, and said, Here is one possessed! and he was driven out.