9 - (وأقيموا الوزن بالقسط) بالعدل (ولا تخسروا الميزان) تنقصوا الموزون
قال : ثنا مروان عن مغيرة قال : رأى ابن عباس رجلاً يزن قد أرجح فقال : أقم اللسان ، أقم اللسان أليس قد قال الله : " وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان " .
وقوله " وأقيموا الوزن بالقسط " يقول : وأقيموا لسان الميزان بالعدل .
وقوله " ولا تخسروا الميزان " يقول تعالى ذكره : ولا تنقصوا الوزن إذا وزنتم للناس وتظلموهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام عن قتادة " والسماء رفعها ووضع الميزان * أن لا تطغوا في الميزان * وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان " قال قتادة قال ابن عباس : يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم اتقي الله رجل عند ميزانه اتقى الله رجل عند مكياله فإنما يعدله شيء يسير ولا ينقصه ذلك بل يزيده الله إن شاء الله .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان " قال : نقصه إذا نقصه فقد خسره تخسيره نقصه .
" وأقيموا الوزن بالقسط " أي افعلوه مستقيما بالعدل . وقال أبو الدرداء رضي الله عنه . أقيموا لسان الميزان بالقسط والعدل . وقال ابن عيينة الإقامة باليد والقسط بالقلب . وقال مجاهد القسط العدل بالرومية . وقيل هو كقولك أقام الصلاة أي أتى بها في وقتها . وأقام الناس أسواقهم أي أتوها لوقتها . أي لا تدعوا التعامل بالوزن بالعدل . " ولا تخسروا الميزان " ولا تنقصوا الميزان ولا تبخسوا الكيل والوزن . وهذا كقوله " ولا تنقصوا المكيال والميزان " وقال قتادة في هذه الآية اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل لك ، وأوف كما تحب أو يوفى لك فإن العدل صلاح الناس . وقيل المعنى ولا تخسروا ميزان حسناتكم يوم القيامة فيكون ذلك حسرة عليكم . وكرر الميزان لحال رؤوس الآي . وقيل التكرير للأمر بإيفاء الوزن ورعاية العدل فيه . وقراءة العامة تخسروا بضم التاء وكسر السين . وقرأ بلال بن أبي بردة وأبان بن عثمان تخسروا بفتح التاء والسين وهما لغتان . يقال أخسرت الميزان وخسرته كأجبرته وجبرته . وقيل تخسروا بفتح التاء والسين محمول على تقدير حذف حرف الجر ، والمعنى ولا تخسروا في الميزان .
يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه أنه أنزل على عباده القرآن, ويسر حفظه وفهمه على من رحمه فقال تعالى: " الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان " قال الحسن: يعني النطق, وقال الضحاك وقتادة وغيرهما: يعني الخير والشر, وقول الحسن ههنا أحسن وأقوى لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن, وهو أداء تلاوته, وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين على اختلاف مخارجها وأنواعها. وقوله تعالى: "الشمس والقمر بحسبان" أي يجريان متعاقبين بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" وقال تعالى: "فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم".
وعن عكرمة أنه قال: لو جعل الله نور جميع أبصار الإنس والجن والدواب والطير في عيني عبد, ثم كشف حجاباً واحداً من سبعين حجاباً دون الشمس, لما استطاع أن ينظر إليها. ونور الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي, ونور الكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش, ونور العرش جزء من سبعين جزءاً من نور الستر. فانظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عياناً, رواه ابن أبي حاتم. وقوله تعالى: "والنجم والشجر يسجدان" قال ابن جرير: اختلف المفسرون في معنى قوله والنجم بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق, فروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: النجم ما انبسط على وجه الأرض يعني من النبات, وكذا قال سعيد بن جبير والسدي وسفيان الثوري, وقد اختاره ابن جرير رحمه الله تعالى. وقال مجاهد: النجم الذي في السماء. وكذا قال الحسن وقتادة, وهذا القول هو الأظهر والله أعلم لقوله تعالى: "ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس" الاية.
وقوله تعالى: "والسماء رفعها ووضع الميزان" يعني العدل كما قال تعالى: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" وهكذا قال ههنا: " أن لا تطغوا في الميزان " أي خلق السموات والأرض بالحق والعدل لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل. ولهذا قال تعالى: "وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان" أي لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحق والقسط كما قال تعالى: "وزنوا بالقسطاس المستقيم" وقوله تعالى: "والأرض وضعها للأنام" أي كما رفع السماء وضع الأرض ومهدها وأرساها بالجبال الراسيات الشامخات, لتستقر لما على وجهها من الأنام وهم الخلائق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم في سائر أقطارها وأرجائها.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: الأنام الخلق "فيها فاكهة" أي مختلفة الألوان والطعوم والروائح "والنخل ذات الأكمام" أفرده بالذكر لشرفه ونفعه رطباً ويابساً, والأكمام قال ابن جريج عن ابن عباس: هي أوعية الطلع وهكذا قال غير واحد من المفسرين, وهو الذي يطلع فيه القنو ثم ينشق عن العنقود, فيكون بسراً ثم رطباً ثم ينضج ويتناهى نفعه واستواؤه. وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن عمرو بن علي الصيرفي, حدثنا أبو قتيبة, حدثنا يونس بن الحارث عن الشعبي قال: كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب: أخبرك أن رسلي أتتني من قبلك فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليقة لشيء من الخير, تخرج مثل آذان الحمير ثم تشقق مثل اللؤلؤ, ثم تخضر فتكون مثل الزمرد الأخضر, ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر, ثم تينع فتنضج فتكون كأطيب فالوذج أكل, ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم وزاداً للمسافر, فإن تكن رسلي صدقتني فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة, فكتب إليه عمر بن الخطاب: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم, إن رسلك قد صدقوك هذه الشجرة عندنا, وهي الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى ابنها, فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلهاً من دون الله "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين" وقيل: الأكمام رفاتها وهو الليف الذي على عنق النخلة, وهو قول الحسن وقتادة.
"والحب ذو العصف والريحان" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "والحب ذو العصف" يعني التبن. وقال العوفي عن ابن عباس: العصف ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه, فهو يسمى العصف إذا يبس, وكذا قال قتادة والضحاك وأبو مالك عصفه تبنه. وقال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: والريحان يعني الورق. وقال الحسن: هو ريحانكم هذا, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: والريحان خضر الزرع, ومعنى هذا ـ والله أعلم ـ أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما له في حال نباته عصف, وهو ما على السنبلة, وريحان وهو الورق الملتف على ساقها. وقيل: العصف الورق أول ما ينبت الزرع بقلاً والريحان الورق يعني إذا أدجن وانعقد فيه الحب, كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته المشهورة:
وقولا له من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا
ويخرج منـــه حبـــه في رؤوســــه ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
وقوله تعالى: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" أي فبأي الالاء يا معشر الثقلين من الإنس والجن تكذبان ؟ قاله مجاهد وغير واحد, ويدل عليه السياق بعده, أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها, فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به: اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب, فلك الحمد. وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها, قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق, حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
ثم أمر سبحانه بإقامة العدل بعد إخباره للعباد بأنه وضعه لهم فقال: 9- "وأقيموا الوزن بالقسط" أي قوموا وزنكم بالعدل، وقيل المعنى: أقيموا لسان الميزان بالعدل، وقيل المعنى: أنه وضع الميزان في الآخرة لوزن الأعمال، وأن في قوله: ألا تطغوا مصدرية: أي لئلا تطغوا، ولا نافية: أي وضع الميزان لئلا تطغوا، وقيل هي مفسرة، لأن في الوضع معنى القول، والطغيان مجاوزة الحد، فمن قال الميزان العدل، قال طغيانه الجور ومن قال الميزان الآلة التي يوزن بها، قال طغيانه البخس "ولا تخسروا الميزان" أي لا تنقصوه: أمر سبحانه أولاً بالتسوية، ثم نهى عن الطغيان الذي هو المجاوزة للحد بالزيادة، ثم نهى عن الخسران الذي هو النقص والبخس. قرأ الجمهور "تخسروا" بضم التاء وكسر السين من أخسر، وقرأ بلال بن أبي برزة وأبان بن عثمان وزيد بن علي بفتح التاء والسين من خسر، وهما لغتان: يقال أخسرت الميزان وخسرته.
9. " وأقيموا الوزن بالقسط "، بالعدل، قال أبو الدرداء و عطاء : معناه أقيموا لسان الميزان بالعدل. قال ابن عيينة : الإقامة باليد والقسط بالقلب، " ولا تخسروا "، ولا تنقصوا " الميزان "، ولا تطففوا في الكيل والوزن.
9-" وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان " ولا تنقصوه فإن من حقه أن يسوى لأنه المقصود من وضعه ، وتكريره مبالغة في التوصية به و زيادة حث على استعماله ، وقرئ ولا تخسروا بفتح التاء وضم السين وكسرها ، و تخسروا بفتحها على أن الأصل " ولا تخسروا " في " الميزان " فحذف الجار و أوصل الفعل .
9. But observe the measure strictly, nor fall short thereof.
9 - So establish weight with justice and fall not short in the balance.