9 - (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم) تشغلكم (أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) الصلوات الخمس (ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون)
يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله " لا تلهكم أموالكم " يقول : لا توجب لكم أموالكم " ولا أولادكم " اللهو " عن ذكر الله " وهو من ألهيته عن كذا وكذا ، فلها هو يلهو لهواً ، ومنه قول امرئ القيس :
ومثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم مخول
وقيل : عني بذكر الله جل ثناؤه في هذا الموضع : الصلوات الخمس .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن ثابت ، عن الضحاك " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله " قال : الصلوات الخمس .
وقوله : " ومن يفعل ذلك " يقول : ومن يلهه ماله وأولاده عن ذكر الله " فأولئك هم الخاسرون " يقول : هم المغبونون حظوظهم من كرامة الله ورحمته تبارك وتعالى .
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ".
حذر المؤمنين أخلاق المنافقين، أي لا تشغلوا بأموالكم كما فعل المنافقون إذ قالوا - للشح بأموالهم -: لا تنفقوا على من عند رسول الله. " عن ذكر الله " أي عن الحج والزكاة. وقيل: عن قراءة القرآن. وقيل: عن إدامة الذكر. وقيل: عن الصلوات الخمس، قاله الضحاك. وقال الحسن: جميع الفرائض، كأنه قال عن طاعة الله. وقيل: هو خطاب للمنافقين، أي آمنتم بالقول فآمنوا بالقلب. "ومن يفعل ذلك " أي من يشتغل بالمال والولد عن طاعة ربه " فأولئك هم الخاسرون ".
يقول تعالى آمراً لعباده المؤمنين بكثرة ذكره, وناهياً لهم عن أن تشغلهم الأموال والأولاد عن ذلك, ومخبراً لهم بأنه من التهى بمتاع الحياة الدنيا وزينتها عما خلق له من طاعة ربه وذكره, فإنه من الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة, ثم حثهم على الإنفاق في طاعته فقال: " وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين " فكل مفرط يندم عند الاحتضار ويسأل طول المدة ولو شيئاً يسيراً ليستعتب ويستدرك ما فاته وهيهات, كان ما كان وأتى ما هو آت, وكل بحسب تفريطه, أما الكفار فكما قال تعالى: " وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " وقال تعالى: "حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون". ثم قال تعالى: "ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون" أي لا ينظر أحداً بعد حلول أجله. وهو أعلم وأخبر بمن يكون صادقاً في قوله وسؤاله ممن لورد لعاد إلى شر مما كان عليه ولهذا قال تعالى: "والله خبير بما تعملون".
وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا عبد بن حميد, حدثنا جعفر بن عون, حدثنا أبو جناب الكلبي عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال: من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو تجب عليه فيه زكاة فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت, فقال رجل: يا ابن عباس اتق الله فإنما يسأل الرجعة الكفار, فقال: سأتلو عليك بذلك قرآناً " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون * وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون " قال: فما يوجب الزكاة ؟ قال: إذا بلغ المال مائتين فصاعداً, قال: فما يوجب الحج ؟ قال: الزاد والبعير. ثم قال: حدثنا عبد بن حميد, حدثنا عبد الرزاق عن الثوري عن يحيى بن أبي حية وهو أبو جناب الكلبي عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ثم قال: وقد رواه سفيان بن عيينة وغيره عن أبي جناب عن الضحاك عن ابن عباس من قوله وهو أصح, وضعف أبا جناب الكلبي.
قلت: ورواية الضحاك عن ابن عباس فيها انقطاع والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا ابن نفيل, حدثنا سليمان بن عطاء عن مسلمة الجهني عن عمه يعني أبا مشجعة بن ربعي, عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ذكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الزيادة في العمر فقال "إن الله لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها, وإنما الزيادة في العمر أن يرزق الله العبد ذرية صالحة يدعون له فيلحقه دعاؤهم في قبره". آخر تفسير سورة المنافقين. ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة .
لما ذكر سبحانه قبائح المنافقين رجع إلى خطاب المؤمنين مرغباً لهم في ذكره فقال: 9- "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله" فحذرهم عن أخلاق المنافقين الذي ألهتهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله، ومعنى لا تلهكم: لا تشغلكم، والمراد بالذكر فرائض الإسلام، قاله الحسن. وقال الضحاك: الصلوات الخمس وقيل قراءة القرآن، وقيل هو خطاب للمنافقين، ووصفهم بالإيمان لكونهم آمنوا ظاهراً، والأول أولى "ومن يفعل ذلك" أي يلتهي بالدنيا عن الدين "فأولئك هم الخاسرون" أي الكاملون في الخسران.
قوله عز وجل: 9- "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم"، لا تشغلكم "أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله"، قال المفسرون يعني الصلوات الخمس، نظيره قوله: "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" (النور- 37) "ومن يفعل ذلك"، أي من شغله ماله وولده عن ذكر الله "فأولئك هم الخاسرون".
9-" يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله " لا يشفلكم تدبيرها والاهتمام بها عن ذكره الصلوات وسائر العبادات المذكورة للمعبود ،والمراد نهيهم عن اللهو بها . وتوجيه النهي إليها للمبالغة ولذا قال : " ومن يفعل ذلك " أي اللهو بها وهو الشغل . " فأولئك هم الخاسرون " لأنهم باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني .
9. O ye who believe! Let not your wealth nor your children distract you from remembrance of Allah. Those who do so, they are the losers.
9 - O ye who believe! Let not your riches or your children divert you from the remembrance of God. If any act thus, the loss is their own.