9 - اذكر (يوم يجمعكم ليوم الجمع) يوم القيامة (ذلك يوم التغابن) يغبن المؤمنون الكافرين بأخذ منازلهم وأهليهم في الجنة لو آمنوا (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله) وفي قراءة بالنون في الفعلين (جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم)
يقول تعالى ذكره : والله بما تعملون خبير " يوم يجمعكم ليوم الجمع " الخلائق للعرض " ذلك يوم التغابن " يقول : الجمع يوم غبن أهل الجنة أهل النار .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله " ذلك يوم التغابن " قال : هو غبن أهل الجنة أهل النار .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد عن قتادة " يوم يجمعكم ليوم الجمع " هو يوم القيامة ، وهو يوم التغابن : يوم غبن أهل الجنة أهل النار .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله " ذلك يوم التغابن " من أسماء يوم القيامة ، عظمه وحذره عباده .
وقوله : " ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا " يقول تعالى ذكره : ومن يصدق بالله ويعمل بطاعته ، وينته إلى أمره ونهيه " يكفر عنه سيئاته " يقول : يمح عنه ذنوبه " ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار " يقول : ويدخله بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار .
وقوله : " خالدين فيها أبدا " يقول : لابثين فيها أبداً ، لا يموتون ، ولا يخرجون منها .
وقوله : " ذلك الفوز العظيم " يقول : خلودهم في الجنات التي وصفنا النجاء العظيم .
قوله تعالى: " يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ".
فيه ثلاث مسائل:
الأولى-: قوله تعالى: " يوم يجمعكم ليوم الجمع " العامل في يوم لتنبؤن أو خبير لما فيه من معنى الوعيد، كأنه قال: والله يعاقبكم يوم يجمعكم. أو بإضمار اذكر والغبن: النقص. يقال: غبنه غبناً إذا أخذ الشيء منه بدون قيمته. وقراءة العامة يجمعكم بالياء، لقوله تعالى: " والله بما تعملون خبير " فأخبر. ولذكر اسم الله أولا .
وقرأ نصر وابن أبي إسحاق والجحدري ويعقوب وسلام نجمعكم بالنون، اعتباراً بقوله: " والنور الذي أنزلنا ". ويوم الجمع: يوم يجمع الله الأولين والآخرين والإنس والجن وأهل السماء وأهل الأرض. وقيل: هو يوم يجمع الله بين كل عبد وعمله. وقيل: لأنه بجمع فيه بين الظالم والمظلوم وقيل: لأنه يجمع فيه بين كل نبي وأمته. وقيل: لأنه يجمع فيه بن ثواب أهل الطاعات وعقاب أهل المعاصي. " ذلك يوم التغابن " أي يوم القيامة. وقال:
ومـا أرتجـي بالعيش في دار فرقة ألا إنـما الـراحات يوم التغابن
وسمى يوم القيامة يوم التغابن، لأنه غبن فيه أهل الجنة أهل النار.أي أن أهل الجنة أخذوا الجنة، وأخذ أهل النار النار على طريق المبادلة، فوقع الغبن لأجل مبادلتهم الخير والشر، والجيد بالردئ، والنعيم بالعذاب. يقال: غبنت فلاناً إذا بايعته أو شاريته فكان النقص عليه والغلبة لك. وكذا أهل الجنة وأهل النار، على ما يأتي بيانه. ويقال: غبنت الثوب وخبنته إذا طال عن مقدارك فحظت منه شيئاً، فهو نقصان أيضاً. والمغابن من غبن أهله ومنازله في الجنة. ويظهر يومئذ غبن كل كافر بترك الإيمان، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وتضيعه الأيام. قال الزجاج: ويغبن من ارتفعت منزلته في الجنة من كان دون منزلته.
الثانية-: فإن قيل: فأي معاملة وقعت بينهما حتى يقع الغبن فيها. قيل له: هو تمثيل العبن في الشراء والبيع، كما قال تعالى: " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ". ولما ذكر أن الكفار اشتروا الضلالة بالهدى وما ربحوا في تجارتهم بل خسروا، ذكر أيضاً أنهم غبنوا، وذلك أن أهل الجنة اشتروا الآخرة بترك الدنيا، واشترى أهل النار الدنيا بترك الآخرة. وهذا نوع مبادلة اتساعاً ومجازاً . وقد فرق الله سبحانه وتعالى الخلق فريقين : فريقاً للجنة وفريقاً للنار. ومنازل الكل موضوعة في الجنة والنار.
فقد يسبق الخذلان على العبد - كما بيناه في هذه السورة وغيرها - فيكون من أهل النار، فيحصل الموفق على منزل المخذول ومنزل الموفق في النار للخذول، فكأنه وقع التبادل فحصل التغابن. والأمثال موضوع للبيان في حكم اللغة والقرآن. وذلك كله مجموع من نشر الآثار وقد جاءت مفرقة في هذا الكتاب. وقد يخبر عن هذا التبادل بالوراثة كما بيناه في " قد أفلح المؤمنون " والله أعلم. وقد يقع التغابن في غير ذلك اليوم على ما يأتي بيانه بعد، ولكنه أراد التغابن الذي لا جبران لنهايته. وقال الحسن وقتادة بلغنا أن التغابن في ثلاثة أصناف: رجل علم علماً فعلمه وضيعه هو ولم يعمل به فشقي به، وعمل به من تعمله منه فنجا به. ورجل اكتسب مالاً من وجوه يسأل عنها وشح عليه، وفرط في طاعة ربه بسببه، ولم يعمل فيه خيراً، وتركه لوارث لا حساب عليه فيه، فعمل ذلك الوارث فيه بطاعة ربه. ورجل كان له عبد فعمل العبد بطاعة ربه فسعد، وعمل السيد بمعصية ربه فشقي. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:
إن الله تعالى يقيم الرجل والمرأة يوم القيامة بين يديه فيقول الله تعالى لهما قولا فما أنتما بقائلين فيقول الرجل يا رب أوجبت نفقتها علي فتعسفتها من حلال وحرام وهؤلاء الخصوم يطلبون ذلك ولم يبق لي ما أو في به فتقول المرأة يا رب وما عسى أن أقول اكتسبه حراماً وأكلته حلالاً وعصاك في مرضاتي ولم أرض له بذلك فبعدا له وسحقاً فيقول الله تعالى قد صدقت فيؤمر بها إلى الجنة فتطلع عليه من طبقات الجنة وتقول له غبناك غبناك سعدنا بما شقيت أنت به فذلك يوم التغابن.
الثالثة-: قال ابن العربي: استدل علماؤنا بقوله تعالى: " ذلك يوم التغابن " على أنه لا يجوز الغبن في المعاملة الدنيوية، لأن الله تعالى خصص التغابن بيوم القيامة فقال: في مبيع فإنه مردود إذا زاد على الثلث. واختاره البغداديون واحتجوا عليه بوجوه: منها: قوله صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ: "إذا بايعت فقل لا خلابة ولك الخيار ثلاثاً".
وهذا فيه نظر طويل بيناه في مسائل الخلاف. نكتته أن الغبن في الدنيا ممنوع بإجماع في حكم الدين، إذ هو من باب الخداع المحرم شرعاً في كل ملة، لكن اليسير منه لا يمكن الاحتراز عنه لأحد، فمضى في البيوع، إذ لو حمناه برده ما نفذ بيع أبداً، لأنه لا يخلو منه، حتى إذا
كان كثيراً أمكن الاحتراز منه فوجب الرد به. والفرق بن القليل والكثير أصل في الشريعة معلوم، فقدر علماؤنا الثلث لهذه الحد، إذ رأوه في الوصية وغيرها ويكون معنى الآية على هذا: ذلك يوم التغابن الجائز مطلقاً من غير تفصيل أو ذلك يوم التغابن الذي لا يستدرك ابدأ، لأن تغابن الدنيا يستدرك بوجهين: إما برد في بعض الأحوال، وإما بربح في بيع آخر وسلعة أخرى. فأما من خسر الجنة فلا درك له أبداً. وقد قال بعض علماء الصوفية: إن الله كتب الغبن على الخلق أجمعين، فلا يلقى أحد ربه إلا مغبوناً، لأنه لا يمكنه الاستيفاء للعمل حتى يحصل له استيفاء الثواب. وفي الأثر:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يلقى الله أحد إلا ناماً إن كان مسيئا إن لم يحسن، وإن كان محسناً إن لم يزدد ".
قوله تعالى: " ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات ". قرأ نافع وابن عامر بالنون فيهما، والباقون بالياء.
يقول تعالى مخبراً عن الكفار والمشركين والملحدين أنهم يزعمون أنهم لا يبعثون "قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم" أي لتخبرن بجميع أعمالكم جليلها وحقيرها, صغيرها وكبيرها "وذلك على الله يسير" أي بعثكم ومجازاتكم, وهذه هي الاية الثالثة التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه عز وجل على وقوع المعاد ووجوده, فالأولى في سورة يونس "ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين" والثانية في سورة سبأ "وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم" الاية. والثالثة هي هذه "زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير".
ثم قال تعالى: "فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا" يعني القرآن "والله بما تعملون خبير" أي فلا تخفى عليه من أعمالكم خافية. وقوله تعالى: "يوم يجمعكم ليوم الجمع" وهو يوم القيامة, سمي بذلك لأنه يجمع فيه الأولون والاخرون في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر كما قال تعالى: "ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود" وقال تعالى: " قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ".
وقوله تعالى: "ذلك يوم التغابن" قال ابن عباس: هو اسم من أسماء يوم القيامة, وذلك أن أهل الجنة يغبنون أهل النار, وكذا قال قتادة ومجاهد, وقال مقاتل بن حيان: لا غبن أعظم من أن يدخل هؤلاء إلى الجنة ويذهب بأولئك إلى النار. قلت: وقد فسر ذلك بقوله تعالى: "ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير" وقد تقدم تفسير مثل هذه غير مرة.
9- "يوم يجمعكم ليوم الجمع" العامل في الظرف لتنبؤن، قاله النحاس. وقال غيره: العامل فيه خبير، وقيل العامل فيه محذوف هو اذكر. وقال أبو البقاء: العامل فيه ما دل عليه الكلام: أي تتفاوتون يوم يجمعكم. قرأ الجمهور "يجمعكم" بفتح الياء وضم العين، وروي عن أبي عمرو إسكانها، ولا وجه لذلك إلا التخفيف وإن لم يكن هذا موضعاً له كما قرئ في "وما يشعركم" بسكون الراء، وكقول الشاعر:
فاليوم أشرب غير مستحقب إثماً من الله ولا واغل
بإسكان باء أشرب، وقرأ زيد بن علي والشعبي ويعقوب ونصر وابن أبي إسحاق والجحدري نجمعكم بالنون، ومعنى "ليوم الجمع" ليوم القيامة فإنه يجمع فيه أهل المحشر للجزاء، ويجمع فيه بين كل عامل وعمله، وبين كل نبي وأمته، وبين كل مظلوم وظالمه "ذلك يوم التغابن" يعني أن يوم القيامة هو يوم التغابن، وذلك أنه يغبن فيه بعض أهل المحشر بعضاً، فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل، ويغبن فيه أهل الإيمان أهل الكفر وأهل الطاعة أهل المعصية، ولا غبن أعظم من غبن أهل الجنة أهل النار عند دخول هؤلاء الجنة وهؤلاء النار، فنزلوا منازلهم التي كانوا سينزلونها لو لم يفعلوا ما يوجب النار، فكأن أهل النار استبدلوا الخير بالشر والجيد بالرديء والنعيم بالعذاب، وأهل الجنة على العكس من ذلك. يقال غبنت فلاناً: إذا بايعته أو شاريته فكان النقص عليه والغلبة، كذا قال المفسرون، فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة " ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته " أي من وقع منه التصديق مع العمل الصالح استحق تكفير سيئاته، قرأ الجمهور "يكفر" "ويدخله" بالتحتية، وقرأ نافع وابن عامر بالنون فيهما، وانتصاب "خالدين فيها أبداً" على أنها حال مقدرة، والإشارة بقوله: "ذلك" إلى ما ذكر من التكفير والإدخال، وهو مبتدأ وخبره "الفوز العظيم" أي الظفر الذي لا يساويه ظفر.
9- "يوم يجمعكم ليوم الجمع"، يعني يوم القيامة، يجمع فيه أهل السموات والأرض، "ذلك يوم التغابن"، وهو تفاعل من الغبن، وهو فوت الحظ، والمراد بالمغبون من غبن في أهله ومنازله في الجنة، فيظهر يومئذ غبن كل كافر بتكره الإيمان، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان، "ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار"، قرأ أهل المدينة والشام: نكفر وندخله، وفي سورة الطلاق ندخله بالنون فيهن، وقرأ الآخرون بالياء، "خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم".
9-" يوم يجمعكم " ظرف " لتنبؤن " أو مقد رباذكر ، وقرأ يعقوب نجمعكم . " ليوم الجمع " لأجل ما فيه من الحساب والجزاء والجمع جمع الملائكة والثقلين . " ذلك يوم التغابن " يغبن فيه بعضهم بعضاً لنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء وبالعكس ، مستعار من تغابن التجار واللام فيه للدلالة على أن التغابن الحقيقي هو التغابن في أمور الآخرة لعظمها ودوامها . " ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً " أي عملاً صالحاً . "يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً " وقرأ نافع و ابن عامر بالنون فيهما . " ذلك الفوز العظيم " الإشارة إلى مجموع الأمرين ، ولذلك جعله الفوز العظيم لأنه جامع للمصالح من دفع المضار وجلب المنافع .
9. The day when He shall gather you unto the Day of Assembling, that will be a day of mutual disillusion. And whoso believeth in Allah and doeth right, He will remit from him his evil deeds and will bring him into Gardens underneath which rivers flow, therein to abide for ever. That is the supreme triumph.
9 - The Day that He assembles you (all) for a Day of Assembly, that will be a day of mutual loss and gain (among you). And those who believe in God and work righteousness, He will remove from them their ills, and He will admit them to gardens beneath which Rivers flow, to dwell therein for ever: that will be the Supreme Achievement.