9 - (وأنا كنا) أي قبل مبعثه (نقعد منها مقاعد للسمع) أي نستمع (فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) أرصد له ليرمى به
يقول عز وجل : وإنا كنا معشر الجن نقعد من السماء مقاعد لنسمع ما يحدث ، وما يكون فيها ، " فمن يستمع الآن " فيها منا " يجد له شهابا رصدا " يعني : شهاب نار قد رصد له به .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وأنا لمسنا السماء " ... إلى قوله " فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " كانت الجن تسمع سمع السماء ، فلما بعث الله نبيه ، حرست السماء ، ومنعوا ذلك ، فتفقدت الجن ذلك من أنفسها .
وذكر لنا أن أشراف الجن كانوا بنصيبين ، فطلبوا ذلك ، وضربوا له حتى سقطوا على نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه عامداً إلى عكاظ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا " ... حتى بلغ " فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " فلما وجدوا ذلك رجعوا إلى إبليس ، فقالوا : منع منا السمع ، فقال لهم : إن السماء لم تحرس قط إلا على أحد الأمرين : إما لعذاب يريد الله أن ينزله على أهل الأرض بغتة ، وإما نبي مرشد مصلح .
قوله تعالى: " وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا" . (( منها)) أي من السماء، و(( مقاعد)) : مواضع يقعد في مثلها لاستماع الأخبار من السماء، يعني ان مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها الى الكهنة على ما تقدم بيانه، فحرسها الله تعالى حيث بعث رسوله بالشهب المحرقة، فقالت الجن حينئذ : " فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا" يعني بالشهاب : الكوكب المحرق، وقد تقدم بيان ذلك. ويقال : لم يكن انقضاض الكواكب الا بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وهو آية من آياته. واختلف السلف هل كانت الشياطين تقذف قبل المبعث، او كان ذلك أمراً حدث لمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال الكلبي و قوم : لم تكن تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما وسلامة : خمسمائة عام ، وإنما كان من أجل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها، وحرست بالملائكة والشهب.
قلت : ورواه عطية العوفي عن ابن عباس، ذكره البيهقي . وقال عبد الله بن عمرو : لما كان اليوم الذي نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم منعت الشياطين ورموا بالشهب. وقال عبد الملك بن سابور: لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم حرست السماء، ورميت الشياطين بالشهب، ومنعت عن الدنو من السماء. وقال نافع بن جبير : كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمى ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رميت بالشهب. ونحوه عن ابي بن كعب قال : لم يرم بنجم منذ رفع عيسى حتى نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى بها، وقيل : كان ذلك قبل المبعث وإنما زادت بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إنذاراً بحاله، وهو معنى قوله تعالى : ((ملئت)) أي زيد في حرسها، وقال أوس بن حجر وهو جاهلي :
فانقض كالدري يتبعه نقع يثور تخاله طنبا
وهذا قول الأكثرين. وقد انكر الجاحظ هذا البيت وقال : كل شعر روي فيه فهو مصنوع، وأن الرمي لم يكن قبل المبعث. والقول بالرمي أصح، لقوله تعالى ، " فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا". وهذا إخبار عن الجن، أنه زيد في حرس السماء حتى امتلأت منها ومنهم، ولما روي عن ابن عباس قال :
" بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه اذ رمي بنجم، فقال : (( ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية؟ )) قالوا : كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنها لا ترمى لموت احد ولا لحياته، ولكن ربنا سبحانه وتعالى إذا قضى امراً في السماء سبح حملة العرش ثم سبح اهل كل سماء، حتى ينتهي التسبيح الى هذه السماء ويستخبر اهل السماء حملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ويخبر اهل كل سماء حتى ينتهي الخبر الى هذه، فتتخطف الجن فيرمون فما جاءوا به فهو حق ولكنهم يزيدون فيه))" وهذا يدل على أن الرجم كان قبل المبعث. وروى الزهري نحوه عن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عن ابن عباس. وفي آخره قيل للزهري: أكان يرمى في الجاهلية؟ قال : نعم. قلت : أفرأيت قوله سبحانه: " وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا" قال : غلظت وشدد أمرها حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم. ونحوه قال القتبي. قال ابن قتيبة : كان ولكن اشتدت الحراسة بعد المبعث، وكانوا من قبل يسترقون ويرمون في بعض الأحوال، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم منعت من ذلك أصلاً. وقد تقدم بيان هذا في سورة (( والصافات)) عند قوله، " ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب " [ الصافات: 9] قال الحافظ: فلو قال قائل : كيف تتعرض الجن لإحراق نفسها بسبب استماع خبر، بعد ان صار ذلك معلوماً لهم ؟ فالجواب : أن الله تعالى ينسيهم ذلك حتى تعظم المحنة كما ينسى إبليس في كل وقت أنه لا يسلم، وان الله تعالى قال له : " وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين"
[ الحجر : 35] ولو لا هذا لما تحقق التكليف. والرصد: قيل من الملائكةن أي ورصداً من الملائكة. والرصد: الحافظ للشيء والجمع أرصاد، وفي غير هذا الموضع يجوز ان يكون جمعاً كالحرس، والواحد: راصد. وقيل: الرصد هو الشهاب، أي شهاباً قد ارصد له، ليرجم به، فهو فعل بمعنى مفعول كالخبط والنفض.
يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن, وكان من حفظه له أن السماء ملئت حرساً شديداً وحفت من سائر أرجائها, وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك لئلا يسترقوا شيئاً من القرآن, فيلقوه على ألسنة الكهنة فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصادق, وهذا من لطف الله تعالى بخلقه, ورحمته بعباده, وحفظه لكتابه العزيز, ولهذا قال الجن " وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا * وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " أي من يروم أن يسترق السمع يجد له شهاباً مرصداً له لا يتخطاه ولا يتعداه بل يمحقه اليوم ويهلكه. "وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً" أي ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء, لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً, وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل والخير أضافوه إلى الله عز وجل.
وقد ورد في الصحيح "والشر ليس إليك" وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك, ولكن ليس بكثير بل في الأحيان بعد الأحيان, كما في حديث ابن عباس : " بينما نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رمي بنجم فاستنار فقال: ما كنتم تقولون في هذا ؟ فقلنا: كنا نقول يولد عظيم, يموت عظيم فقال: ليس كذلك, ولكن الله إذا قضى الأمر في السماء" وذكر تمام الحديث وقد أوردناه في سورة سبأ بتمامه, وهذا هو السبب الذي حملهم على تطلب السبب في ذلك فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها, فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بأصحابه في الصلاة, فعرفوا أن هذا هو الذي حفظت من أجله السماء, فآمن من آمن منهم وتمرد في طغيانه من بقي كما تقدم حديث ابن عباس في ذلك عند قوله في سورة الأحقاف: "وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن" الاية.
ولا شك أنه لما حدث هذا الأمر, وهو كثرة الشهب في السماء والرمي بها, هال ذلك الإنس والجن وانزعجوا له وارتاعوا لذلك, وظنوا أن ذلك لخراب العالم, كما قال السدي : لم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين لله ظاهر, فكانت الشياطين قبل محمد صلى الله عليه وسلم قد اتخذت المقاعد في السماء الدنيا, يستمعون ما يحدث في السماء من أمر, فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً رجموا ليلة من الليالي ففزع لذلك أهل الطائف فقالوا: هلك أهل السماء لما رأوا من شدة النار في السماء واختلاف الشهب, فجعلوا يعتقون أرقاءهم ويسيبون مواشيهم, فقال لهم عبد ياليل بن عمير : ويحكم يا معشر أهل الطائف أمسكوا عن أموالكم وانظروا إلى معالم النجوم, فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها فلم يهلك أهل السماء, إنما هذا من أجل ابن أبي كبشة يعني محمداً صلى الله عليه وسلم, وإن نظرتم فلم تروها فقد هلك أهل السماء, فنظروا فرأوها فكفوا عن أقوالهم وفزعت الشياطين في تلك الليلة, فأتوا إبليس فحدثوه بالذي كان من أمرهم فقال: ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها, فأتوه فشم فقال: صاحبكم بمكة, فبعث سبعة نفر من جن نصيبين فقدموا مكة فوجدوا نبي الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي في المسجد الحرام يقرأ القرآن, فدنوا منه حرصاً على القرآن حتى كادت كلاكلهم تصيبه, ثم أسلموا فأنزل الله تعالى أمرهم على رسوله صلى الله عليه وسلم, وقد ذكرنا هذا الفصل مستقصى في أول البعث من (كتاب السيرة) المطول, والله أعلم, ولله الحمد والمنة.
9- "وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع" أي وأنا مقاعد كائنة للسمع، والمقاعد جمع مقعد اسم مكان، وذلك أن مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليسمعوا من الملائكة أخبار السماء فيلقونها إلى الكهنة، فحرسها الله سبحانه ببعثه رسوله صلى الله عليه وسلم بالشهب المحرقة، وهو معنى قوله: "فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً" أي أرصد له ليرمي به، أو لأجله لمنعه من السماع، وقوله: الآن هو ظرف للحال واستعير للاستقبال، وانتصاب رصداً على أنه صفة لشهاباً، أو مفعول له، وهو مفرد ويجوز أن يكون اسم جمع كالحرس.
وقد اختلفوا هل كانت الشياطين ترمي بالشهاب قبل المبعث أم لا؟ فقال قوم: لم يكن ذلك. وحكى الواحدي عن معمر قال: قلت للزهري: أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية؟ قال نعم، قلت: أفرأيت قوله: "وأنا كنا نقعد منها" الآية، قال: غلظت وشدد أمرها حين بعث محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن قتيبة: إن الرجم قد كان قبل مبعثه، ولكنه لم يكن مثله في شدة الحراسة بعد مبعثه، وكانوا يسترقون في بعض الأحوال، فلما بعث منعوا من ذلك أصلاً. وقال عبد الملك بن سابور: لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم حرست السماء، ورميت الشياطين بالشهب، ومنعت من الدنو إلى السماء. وقال نافع بن جبير: كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمى، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رميت بالشهب، وقد تقدم البحث عن هذا.
9- "وأنا كنا نقعد منها"، من السماء، "مقاعد للسمع" أي: كنا نستمع، "فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً"، أرصد له ليرمى به.
قال ابن قتيبة: إن الرجم كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكن مثل ما كان بعد مبعثه في شدة الحراسة، وكانوا يسترقون السمع في بعض الأحوال، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا من ذلك أصلاً.
9-" وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع " مقاعد خالية عن الحرس والشهب ، أو صالحة للترصد والاستماع ، و " للسمع " صلة لـ" نقعد " أو صفة لـ" مقاعد " . " فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً " أي شهاباً راصداً له ولأجله يمنعه عن الاستماع بالرجم ، أو ذوي شهاب راصدين على أنه اسم جمع للراصد ، وقد مر بيان ذلك في الصافات .
9. And we used to sit on places (high) therein to listen. But he who listened now findeth a flame in wait for him;
9 - We used, indeed, to sit there in (hidden) stations, to (steal) a hearing; but any who listens now will find a flaming fire watching him in ambush.