9 - اذكر (إذ تستغيثون ربكم) تطلبون منه الغوث بالنصر عليهم (فاستجاب لكم أني) أي بأني (ممدكم) معينكم (بألف من الملائكة مردفين) متتابعين يردف بعضهم بعضاً وعدهم بها أولا ثم صارت ثلاثة آلاف ثم خمسة كما في آل عمران وقرئ بآلُف كأفلس جمع
ك قوله تعالى إذ يستغيثون الآية روى الترمذي عن عمر بن الخطاب قال نظر نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلثمائة وبضعة عشر رجلا فاستقبل القبلة ثم مد يديه وجعل يهتف بربه اللهم انجز لى ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه فأتاه أبو بكر فأخذ رداؤه وألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين فأمدهم الله بالملائكة
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " ويبطل الباطل "، حين تستغيثون ربكم، فـ" إذ " من صلة ((يبطل)).
ومعنى قوله: " تستغيثون ربكم "، تستجيرون به من عدوكم، وتدعونه للنصر عليهم، " فاستجاب لكم "، يقول: فأجاب دعاءكم، بأني ممدكم بألف من الملائكة يردف بعضهم بعضاً، ويتلو بعضهم بعضاً.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر الأخبار بذلك:
حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن عكرمة بن عمار قال، حدثني سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " لما كان يوم بدر، ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وعدتهم، ونظر إلى أصحابه نيفاً على ثلثمئة، فاستقبل القبلة، فجعل يدعو يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض!، فلم يزل كذلك حتى سقط رداؤه، وأخذه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فوضع رداءه عليه، ثم التزمه من ورائه، ثم قال: كفاك يا نبي الله، بأبي وأمي، مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك! فأنزل الله: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين " ".
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال:"لما اصطف القوم، قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره! ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال: يا رب، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً! ".
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: " قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم ربنا أنزلت علي الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني بالنصر، ولا تخلف الميعاد! فأتاه جبريل عليه السلام، فأنزل الله: " ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " " [آل عمران: 124 - 125].
دثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي إسحق ، عن زيد بن يثيع قال: " كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: اللهم انصر هذه العصابة، فإنك إن لم تفعل لن تعبد في الأرض! قال: فقال أبو بكر: بعض مناشدك منجزك ما وعدك ".
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: " أقبل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله ويستغيثه ويستنصره، فأنزل الله عليه الملائكة ".
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " إذ تستغيثون ربك "، قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : " إذ تستغيثون ربكم "، أي: بدعائكم، حين نظروا إلى كثرة عدوهم وقلة عددهم، " فاستجاب لكم "، بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائكم معه.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن أبي صالح قال: " لما كان يوم بدر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يناشد ربه أشد النشدة يدعو، فأتاه عمر بن الخطاب رضي الله عليه فقال: يا رسول الله، بعض نشدتك، فوالله ليفين الله لك بما وعدك! " .
وأما قوله: " أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين "، فقد بينا معناه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني ابي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين "، يقول: المزيد، كما تقول: ((ائت الرجل فزده كذا وكذا)).
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أحمد بن بشير، عن هرون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس: " مردفين "، قال: متتابعين.
... قال، حدثني أبي، عن سفيان، عن هرون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس، مثله.
حدثني سليمان بن عبد الجبار قال، حدثنا محمد بن الصلت قال، حدثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: " ممدكم بألف من الملائكة مردفين "، قال: وراء كل ملك ملك.
حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي كدينة يحيى بن المهلب، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: " مردفين "، قال: متتابعين.
... قال، حدثنا هانىء بن سعيد، عن حجاج بن أرطأة، عن قابوس قال: سمعت أبا ظبيان يقول: " مردفين "، قال: الملائكة، بعضهم على إثر بعض.
... قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: " مردفين "، قال: بعضهم على إثر بعض.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله: " مردفين "، قال: ممدين، قال ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير قال: " مردفين "، ((الإرداف))، الإمداد بهم.
حدثني بشر بن معاذ قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " بألف من الملائكة مردفين " أي: متتابعين.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " بألف من الملائكة مردفين "، يتبع بعضهم بعضاً.
حدثنما يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " مردفين "، قال: ((المردفين))، بعضهم على إثر بعض، يتبع بعضهم بعضاً.
حدثت عن الحسين قال،
سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " بألف من الملائكة مردفين "، يقول: متتابعين، يوم بدر.
واختلفت القرآة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة: ((مردفين))، بنصب الدال.
وقرأه بعض المكيين وعامة قرأة الكوفيين وعامة قرأة الكوفيين والبصريين: " مردفين ".
وكان أبو عمرو يقرؤه كذلك، ويقول فيما ذكر عنه: هو من ((أردف بعضهم بعضا)).
وأنكر هذا القول من قول أبي عمرو بعض أهل العلم بكلام العرب وقال: إنما ((الإرداف))، أن يحمل الرجل صاحبه خلفه. قال: ولم يسمع هذا في نعت الملائكة يوم بدر. واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى ذلك إذا قرىء بفتح الدال أو بكسرها.
فقال بعض البصريين والكوفيين: معنى ذلك إذا قرىء بالكسر: أن الملائكة جاءت يتبع بعضهم بعضاً، على لغة من قال: ((أردفته)). وقالوا: العرب تقول: ((أردفته))، و((ردفته))، بمعنى ((تبعته))، و((أتبعته))، واستشهد لصحة قولهم ذلك بما قال الشاعر:
إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا
قالوا: فقال الشاعر: ((أردفت))، وإنما أراد ((ردفت))، جاءت بعدها، لأن الجوزاء تجيء بعد الثريا.
وقالوا: معناه إذا قرىء ((مردفين))، أنه مفعول بهم، كأن معناه: بألف من الملائكة يردف الله بعضهم بعضاً.
وقال آخرون: معنى ذلك، إذا كسرت الدال: أردفت الملائكة بعضها بعضاً، وإذا قرىء بفتحها: أردف الله المسلمين بهم.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي، قراءة من قرأ: " بألف من الملائكة مردفين "، بكسر الدال، لإجماع أهل التأويل على ما ذكرت من تأويلهم، أن معناه: يتبع بعضهم بعضاً، ومتتابعين، ففي إجماعهم على ذلك من التأويل، الدليل الواضح على أن الصحيح من القراءة ما اخترنا في ذلك من كسر الدال، بمعنى: أردف بعض الملائكة بعضاً. ومسموع من العرب: ((جئت مردفاً لفلان))، أي: جئت بعده.
وأما قول من قال: معنى ذلك إذا قرىء ((مردفين)) بفتح الدال: أن الله أردف المسلمين بهم، فقول لا معنى له، إذ الذكر الذي في ((مردفين)) من الملائكة دون المؤمنين. وإنما معنى الكلام: أن يمدكم بألف من الملائكة يردف بعضهم ببعض. ثم حذف ذكر الفاعل، وأخرج الخبر غير مسمىً فاعله فقيل: ((مردفين))، بمعنى مردف بعض الملائكة ببعض.
ولو كان الأمر على ما قاله من ذكرنا قوله، وجب أن يكون في ((المردفين)) ذكر المسلمين، لا ذكر الملائكة. وذلك خلاف ما دل عليه ظاهر القرآن.
وقد ذكر في ذلك قراءة أخرى، وهي ما:
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، قال عبد الله بن يزيد ((مردفين)) و((مردفين)) و((مردفين))، مثقل على معنى: ((مرتدفين)).
حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال، حدثني عبد العزيز بن عمران، عن الزمعي، عن أبي الحويرث، عن محمد بن جبير، عن علي رضي الله عنه قال: نزل جبريل في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر رضي الله عنه، ونزل ميكائيل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا فيها.
قوله تعالى: "إذ تستغيثون ربكم" الاستغاثة: طلب الغوث والنصر. غوث الرجل قال: واغوثاه. والاسم الغوث والغواث والغواث. واستغاثني فلان فأغثته، والاسم الغياث، عن الجوهري. وروى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
"لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني. اللهم ائتني ما وعدتني. اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض. فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله تعالى: "إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين" فأمده الله بالملائكة". وذكر الحديث. "مردفين" بفتح الدال قراءة نافع. والباقون بالكسر اسم فاعل، أي متتابعين، تأتي فرقة بعد فرقة، وذلك أهيب في العيون. ومردفين بفتح الدال على ما لم يسم فاعله، لأن الناس الذين قاتلوا يوم بدر أردفوا بألف من الملائكة، أي أنزلوا إليهم لمعونتهم على الكفار. فمردفين بفتح الدال نعت لألف. وقيل: هو حال من الضمير المنصوب في ممدكم. أي ممدكم في حال إردافكم بألف من الملائكة، وهذا مذهب مجاهد. وحكى أبو عبيدة أن ردفني وأردفني واحد. وأنكر أبو عبيدة أن يكون أردف بمعنى ردف، قال لقول الله عز وجل: "تتبعها الرادفة" [النازعات: 7] ولم يقل المردفة. قال النحاس ومكي وغيرهما: وقراءة كسر الدال أولى، لأن أهل التأويل على هذه القراءة يفسرون. أي أردف بعضهم بعضاً، ولأن فيها معنى الفتح على ما حكى أبو عبيدة، ولأن عليه أكثر القراء. قال سيبويه: وقرأ بعضهم مردفين بفتح الراء وشد الدال. وبعضهم مردفين بكسر الراء. وبعضهم مردفين بضم الراء. والدال مكسورة مشددة في القراءات الثلاث. فالقراءة الأولى تقديرها عند سيبويه مرتدفين، ثم أدغم التاء في الدال، وألقى حركتها على الراء لئلا يلتقي ساكنان. والثانية كسرت فيها الراء لالتقاء الساكنين. وضمت الراء في الثالثة إتباعاً لضمة الميم، كما تقول: رد ورد ورد يا هذا. وقرأ جعفر بن محمد وعاصم الجحدري: بآلف جمع ألف، مثل فلس وأفلس. وعنهما أيضاً بألف.
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نوح قراد, حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا سماك الحنفي أبو زميل, حدثني ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر, نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف, ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة, فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة وعليه رداؤه وإزاره, ثم قال "اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الارض أبداً" قال فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرداه ثم التزمه من ورائه ثم قال: يانبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل "إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين" فلما كان يومئذ التقوا, فهزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلاً وأسر منهم سبعون رجلاً, واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذناه منهم قوة لنا على الكفار وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما ترى يا ابن الخطاب ؟" قال: قلت ما أرى ما رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين, هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم. فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد قال عمر فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان فقلت: ما يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. قال النبي صلى الله عليه وسلم "للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة" لشجرة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم * فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا " فأحل لهم الغنائم. فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ؟ قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير" بأخذكم الفداء ورواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وابن مردويه من طرق عن عكرمة بن عمار به وصححه علي بن المديني والترمذي وقالا لا يعرف إلا من حديث عكرمة بن عمار اليماني وهكذا روى علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس أن هذه الاية الكريمة قوله "إذ تستغيثون ربكم" في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم, وكذا قال يزيد بن يثيع والسدي وابن جريج وقال أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح قال: لما كان يوم بدر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يناشد ربه أشد المناشدة يدعو فأتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله بعض مناشدتك فوالله ليفين الله لك بما وعدك, قال البخاري في كتاب المغازي باب قول الله تعالى: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين * وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم * إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام * إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان * ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب " حدثنا أبو نعيم حدثنا إسرائيل عن مخارق عن طارق بن شهاب قال سمعت ابن مسعود يقول شهدت من المقداد بن الأسود مشهداً لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به, أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى "اذهب أنت وربك فقاتلا" ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره يعني قوله. حدثني محمد بن عبد الله بن حوشب حدثنا عبد الوهاب حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر "اللهم أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك فخرج وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر" وروراه النسائي عن بندار عن عبد الوهاب عن عبد المجيد الثقفي وقوله تعالى "بألف من الملائكة مردفين" أي يردف بعضهم بعضاً كما قال هارون بن عنترة عن ابن عباس "مردفين" متتابعين ويحتمل أن المراد "مردفين" لكم أي نجدة لكم كما قال العوفي عن ابن عباس "مردفين" يقول المدد كما تقول أنت للرجل زده كذا وكذا وهكذا قال مجاهد وابن كثير القارى وابن زيد "مردفين" ممدين, وقال أبو كدينة عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس " ممدكم بألف من الملائكة مردفين " قال وراء كل ملك ملك. وفي رواية بهذا الإسناد "مردفين" قال بعضهم على أثر بعض وكذا قال أبو ظبيان والضحاك وقتادة وقال ابن جرير حدثني المثنى حدثنا إسحاق حدثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثني عبد العزيز بن عمران عن الزمعي عن أبي الحويرث عن محمد جبير عن علي رضي الله عنه قال: نزل جبريل في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر, ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الميسرة. وهذا يقتضي إن صح إسناده أن الألف مردفة بمثلها ولهذا قرأ بعضهم "مردفين" بفتح الدال, والله أعلم. والمشهور ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: وأمد الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بألف من الملائكة فكان جبريل في خمسمائة من الملائكة مجنبة, وميكائيل في خمسمائة مجنبة, وروى الإمام أبو جعفر بن جرير ومسلم من حديث عكرمة بن عمار عن أبي زميل سماك بن وليد الحنفي عن ابن عباس, عن عمر الحديث المتقدم, ثم قال أبو زميل: حدثني ابن عباس قال: بينا رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقياً قال فنظر إليه فإذا هو قد حطم وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين وقال البخاري: باب شهود الملائكة بدراً. حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه وكان أبوه من أهل بدر قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال "من أفضل المسلمين" أو كلمة نحوها قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة. انفرد بإخراجه البخاري وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من حديث رافع بن خديج وهو خطأ, والصواب رواية البخاري والله أعلم وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر لما شاوره في قتل حاطب بن أبي بلتعة "إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وقوله تعالى: "وما جعله الله إلا بشرى" الاية, أي وما جعل الله بعث الملائكة وإعلامه إياكم بهم إلا بشرى "ولتطمئن به قلوبكم" وإلا فهو تعالى قادر على نصركم على أعدائكم ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله أي بدون ذلك ولهذا قال "وما النصر إلا من عند الله" كما قال تعالى " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم * سيهديهم ويصلح بالهم * ويدخلهم الجنة عرفها لهم " وقال تعالى "وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين" فهذه حكم شرع الله جهاد الكفار بأيدي المؤمنين لأجلها وقد كان تعالى إنما يعاقب الأمم السالفة المكذبة للأنبياء بالقوارع التي تعم تلك الأمم المكذبة كما أهلك قوم نوح بالطوفان, وعاداً الأولى بالدبور, وثمود بالصيحة, وقوم لوط بالخسف والقلب وحجارة السجيل, وقوم شعيب بيوم الظلة, فلما بعث الله تعالى موسى وأهلك عدوه فرعون وقومه بالغرق في اليم ثم أنزل على موسى التوراة شرع فيها قتال الكفار واستمر الحكم في بقية الشرائع بعده على ذلك كما قال تعالى: "ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر" وقتل المؤمنين للكافرين, أشد إهانة للكافرين, وأشفى لصدور المؤمنين, كما قال تعالى للمؤمنين من هذه الأمة " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين " ولهذا كان قتل صناديد قريش بأيدي أعدائهم الذين ينظرون إليهم بأعين ازدرائهم أنكى لهم وأشفى لصدور حزب الإيمان, فقتل أبي جهل في معركة القتال وحومة الوغى أشد إهانة له من موته على فراشه بقارعة أو صاعقة أو نحو ذلك كما مات أبو لهب لعنه الله بالعدسة بحيث لم يقربه أحد من أقاربه, إنما غسلوه بالماء قذفاً من بعيد, ورجموه حتى دفنوه, ولهذا قال تعالى: "إن الله عزيز" أي له العزة ولرسوله وللمؤمنين بهما في الدنيا والاخرة كقوله تعالى: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" "حكيم" فيما شرعه من قتال الكفار مع القدرة على دمارهم وإهلاكهم بحوله وقوته سبحانه وتعالى .
قوله: 9- "إذ تستغيثون" الظرف متعلق بمحذوف: أي واذكروا وقت استغاثتكم، وقيل: بدل من "وإذ يعدكم الله" معمول لعامله، وقيل: متعلق بقوله: "ليحق الحق" والاستغاثة: طلب الغوث، يقال: استغاثني فلان فأغثته والاسم الغياث، والمعنى: أن المسلمين لما علموا أنه لا بد من قتال الطائفة ذات الشوكة وهم النفير كما أمرهم الله بذلك وأراده منهم ورأوا كثرة عدد النفير وقلة عددهم استغاثوا بالله سبحانه، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أن عدد المشركين يوم بدر ألف، وعدد المسلمين ثلثمائة وسبعة عشر رجلاً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ذلك استقبل القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه:اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض" الحديث. "فاستجاب لكم" عطف على تستغيثون داخل معه في التذكير، وهو وإن كان مستقبلاً فهو بمعنى الماضي، ولهذا عطف عليه استجاب. قوله: "أني ممدكم بألف من الملائكة" أي بأني ممدكم فحذف حرف الجر وأوصل الفعل إلى المفعول وقرئ بكسر الهمزة على إرادة القول، أو على أن في استجاب معنى القول قوله: "مردفين" قرأ نافع بفتح الدال اسم مفعول، وقرأ الباقون بكسرها اسم فاعل وانتصابه على الحال، والمعنى على القراءة الأولى: أنه جعل بعضهم تابعاً لبعض، وعلى القراءة الثانية: أنهم جعلوا بعضهم تابعاً لبعض، وقيل: إن مردفين على القراءتين نعت لألف، وقيل: إنه على القراءة الأولى حال من الضمير المنصور في ممدكم: أي ممدكم في حال إردافكم بألف من الملائكة، وقد قيل: إن ردف وأردف بمعنى واحد، وأنكره أبو عبيدة قال: لقوله تعالى: "تتبعها الرادفة" ولم يقل المردفة. قال سيبويه: وفي الآية قراءة ثالثة وهي مردفين بضم الراء وكسر الدال مشددة. وقراءة رابعة بفتح الراء وتشديد الدال. وقرأ جعفر بن محمد وعاصم الجحدري بآلاف جمع ألف، وهو الموافق لما تقدم في آل عمران.
9 - قوله تعالى : " إذ تستغيثون ربكم " ، تستجيرون به من عدوكم وتطلبون منه الغوث والنصر . روي عن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ، وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، دخل العريش هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ، واستقبل القبلة ومد يده فجعل يهتف بربه عز وجل : " اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض " ،فما زال يهتف بربه عز وجل ماداً يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأخذ أبو بكر رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك . فأنزل الله عز وجل " إذ تستغيثون ربكم " " فاستجاب لكم أني ممدكم " ، مرسل إليكم مدداً وردءاً لكم ، " بألف من الملائكة مردفين " ، قرأ أهل المدينة ويعقوب ( مردفين ) مفتح الدال ، أي : أردف الله المسلمين وجاء بهم مدداً . وقرأ الآخرون بكسر الدال ، أي : متتابعين بعضهم في إثر بعض ، يقال: أردفته بمعنى تبعته .
يروى أنه نزل جبريل في خمسمائة وميكائيل في خمسمائة في { صورة } الرجال على خيل بلق عليهم ثياب بيض وعلى رؤوسهم عمائم بيض ، قد أرخوا أطرافها بين أكتافهم .
وروي "أن النبي صلى الله عليه وسلم ناشد ربه عز وجل وقال أبو بكر: إن الله منجز لك ما وعدك فخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ثم انتبه ، فقال : يا أبا بكر أتاك نصر الله ، هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبدالله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا إبراهيم بن موسى ، ثنا عبد الوهاب ، ثنا خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : " هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب " .
وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض ويوم حنين عمائم خضر ، ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر من الأيام ، وكانوا يكونون فيما سواه عدداً ومدداً .
وروي عن أبي أسيد بن مالك بن ربيعة قد شهد بدراً أنه قال بعدما ذهب بصره : لو كنت معكم اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة .
9." إذ تستغيثون ربكم " بدل من" إذ يعدكم " أو متعلق بقوله " ليحق " بقوله "ليحق الحق"، أو على إضماراذكر ، واستغاثتهم أنهم لما علموا أن لا محيص عن القتال أخذوا يقولون : أي رب انصرنا على عدوك أغثنا يا غياث المستغيثين ، وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه عليه السلام "نظر إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة ، فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو : ( اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ) فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فقال أبو بكر يا نبي الله : كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك" . " فاستجاب لكم أني ممدكم " بأني ممدكم ، فحذف الجار وسلط عليه الفعل وقرأ أبو عمرو بالكسر على إرادة القول أو إجراء استجاب مجرى قال لأن الاستجابة من القول ." بألف من الملائكة مردفين " متبعين المؤمنين أو بعضهم بعضاً من أردفته أنا إذا جئت بعده ، أو متبعين تعضهم بعض المؤمنين نأو أنفسهم المؤمنين من أردفته إياه فردفه . وقرأ نافع ويعقوب ( مردفين ) بفتح الدال أي متبعين بمعنى أنهم كانوا مقدمة الجيش أو ساقتهم .وقرئ " مردفين " بكسر الراء وضمها وأصله مرتدفين بمعنى مترادفين فأدغمت التاء في الدال فالتقى ساكنان فحركت الراء بالكسر على الأصل أو بالضم على الاتباع. وقرئ ( بآلاف ) ليوافق ما في سورة(آل عمران ) ووجه التوفيق بينه وبين المشهور أن المراد بالألف الذين كانوا على المقدمة أو الساقة ، أو وجوههم وأعيانهم، أو من قاتل منهم واختلف في مقاتلتهم وقد روي أخبار تدل عليها .
9. When ye sought help of your Lord and He answered you (saying): I will help you with a thousand of the angels, rank on rank.
9 - Remember ye implored the assistance of Lord, and he answered you: I will assist you with a thousand of the angels, ranks on ranks.