93 - (عما كانوا يعملون)
قوله تعالى : "عما كانوا يعملون" .
" " فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " قال: عن قول لا إله إلا الله " قال أبو عبد الله: معناه عندنا عن صدق لا إله إله الله ووفائها، وذلك أن الله تعالى ذكر في تنزيله العمل فقال: " عما كانوا يعملون " ولم يقل عما كانوا يقولون، وإن كان قد يجوز أن يكون القول أيضاً عمل اللسان، فإنما المعني به ما يعرفه أهل اللغة أن القول قول والعمل عمل. وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عن لا إله إلا لله " أي عن الوفاء بها والصدق لمقالها. كما قال الحسن البصري : ليس الإيمان بالتحلي ولا الدين بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال. ولهذا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة قيل: يا رسول الله، وما إخلاصها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ". رواه زيد بن أرقم. وعنه أيضاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عهد إلي ألا يأتيني أحد من أمتي بلا إله إلا الله لا يخلط بها شيئاً إلا وجبت له الجنة قالوا: يا رسول الله، وما الذي يخلط بلا إله إلا الله؟ قال: حرصاً على الدنيا وجمعاً لها ومعناً لها، يقولون قول الأنبياء ويعملون أعمال الجبابرة ". وروى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا إله إلا الله تمنع العباد من سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على دينهم فإذا أثروا صفقة دنياهم على دينهم ثم قالوا: لا إله إلا الله ردت عليهم وقال الله كذبتم ". أسانيدها في نوادر الأصول .
قلت: والآية بعمومتها تدل على سؤال الجميع ومحاسبتهم كافرهم ومؤمنهم، إلا من دخل الجنة بغير حساب على ما بيناه في كتاب التذكرة . فإن قيل: وهل يسأل الكافر ويحاسب؟ قلنا: فيه خلاف، وذكرناه في التذكرة . والذي يظهر سؤاله، للآية وقوله: " وقفوهم إنهم مسؤولون " ( الصافات: 24) وقوله: " إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم " ( الغاشية: 25 - 26 ). فإن قيل: فقد قال تعالى: " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " ( القصص: 78) وقال: " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان " ( الرحمن: 39)، وقال: " ولا يكلمهم الله يوم "، ( البقرة: 174)، وقال: " إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " ( المطففين: 15). قلنا: القيامة مواطن، فموطن يكون فيه سؤال وكلام، وموطن لا يكون ذلك فيه. قال عكرمة: القيامة مواطن، يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها. وقال ابن عباس: لا يسألهم سؤال استخبار واستعلام هل عملتم كذا وكذا، لأن الله عالم بكل شيء، ولكن يسألهم سؤال تقريع وتوبيخ فيقول لهم: لم عصيتم القرآن وما حجتكم فيه؟ واعتمد قطرب هذا القول. وقيل: لنسألنهم أجمعين يعني المؤمنين المكلفين، بيانه قوله تعالى: " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " ( التكاثر: 8) والقول بالعموم أولى كما ذكر. والله أعلم.
يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس: "إني أنا النذير المبين" البين النذارة, نذير للناس من عذاب أليم أن يحل بهم على تكذيبه كما حل بمن تقدمهم من الأمم المكذبة لرسلها, وما أنزل الله عليهم من العذاب والانتقام. وقوله: "المقتسمين" أي المتحالفين, أي تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم, كقوله تعالى إخباراً عن قوم صالح إنهم "قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله" الاية, أي نقتلهم ليلاً, قال مجاهد: تقاسموا وتحالفوا "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت" "أولم تكونوا أقسمتم من قبل" الاية "أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة" فكأنهم كانوا لا يكذبون بشيء من الدنيا إلا أقسموا عليه فسموا مقتسمين, قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: المقتسمون أصحاب صالح الذين تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله. وفي الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني, وإني أنا النذير العريان فالنجاء النجاء, فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا, وكذبه طائفة منهم فأصبحوا مكانهم, فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم, فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق" .
وقوله: "الذين جعلوا القرآن عضين" أي جزءوا كتبهم المنزلة عليهم فآمنوا ببعض وكفروا ببعض. قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم, حدثنا هشيم, أنبأنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "جعلوا القرآن عضين" قال: هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. حدثنا عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن أبي ظبيان, عن ابن عباس "جعلوا القرآن عضين" قال: هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. حدثنا عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن أبي ظبيان, عن ابن عباس قال: "جعلوا القرآن عضين" قال هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه, حدثنا عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال "كما أنزلنا على المقتسمين" قال: آمنوا ببعض وكفروا ببعض اليهود والنصارى. قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والحسن والضحاك وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم نحو ذلك, وقال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس "جعلوا القرآن عضين" قال: السحر, وقال عكرمة: العضه السحر بلسان قريش تقول للساحرة إنها العاضهة, وقال مجاهد: عضوه أعضاء, قالوا سحر, وقالوا كهانة, وقالوا أساطير الأولين, وقال عطاء: قال بعضهم ساحر, وقالوا مجنون, وقال كاهن, فذلك العضين, وكذا روي عن الضحاك وغيره.
وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش, وكان ذا شرف فيهم, وقد حضر الموسم فقال لهم: يا معشر قريش, إنه قد حضر هذا الموسم, وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا, فأجمعوا فيه رأياً واحداً, ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً, ويرد قولكم بعضه بعضاً, فقالوا: وأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقول به, قال: بل أنتم قولوا لأسمع, قالوا: نقول كاهن, قال: ما هو بكاهن, قالوا: فنقول مجنون, قال: ما هو بمجنون, قالوا: فنقول شاعر, قال: ما هو بشاعر, قالوا: فنقول ساحر, قال: ما هو بساحر, قالوا: فماذا نقول ؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة, فما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل, وإن أقرب القول أن تقولوا هو ساحر, فتفرقوا عنه بذلك, وأنزل الله فيهم "الذين جعلوا القرآن عضين" أصنافاً " فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " أولئك النفر الذين قالوا لرسول لله .
وقال عطية العوفي عن ابن عمر في قوله: " لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " قال: عن لا إله إلا الله. وقال عبد الرزاق: أنبأنا الثوري عن ليث هو ابن أبي سليم عن مجاهد في قوله تعالى: " لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " قال: عن لا إله إلا الله, وقد روى الترمذي وأبو يعلى الموصلي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث شريك القاضي, عن ليث بن أبي سليم عن بشير بن نهيك, عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم "فوربك لنسألنهم أجمعين" قال: عن لا إله إلا الله, ورواه ابن إدريس عن ليث عن بشير عن أنس موقوفاً, وقال ابن جرير: حدثنا أحمد, حدثنا أبو أحمد, حدثنا شريك عن هلال عن عبد الله بن عكيم, قال: ورواه الترمذي وغيره من حديث أنس مرفوعاً, وقال عبد الله هو ابن مسعود: والذي لا إله غيره ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر, فيقول: ابن آدم ماذا غرك مني بي ؟ ابن آدم ماذا عملت فيما علمت ؟ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟
وقال أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قوله: " فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " قال: يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة: عما كانوا يعبدون, وماذا أجابوا المرسلين, وقال ابن عيينة عن عملك وعن مالك. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أحمد بن أبي الحواري, حدثنا يونس الحذاء عن أبي حمزة الشيباني عن معاذ بن جبل قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ إن المرء يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى كحل عينيه, وعن فتات الطينة بأصبعه, فلا ألفينك يوم القيامة واحد غيرك أسعد بما آتاك الله منك" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: " فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " ثم قال: "فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" قال: لا يسألهم هل عملتم كذا ؟ لأنه أعلم بذلك منهم, ولكن يقول: لم عملتم كذا وكذا ؟.
والعموم في 93- "عما كانوا يعملون"، يفيد ما هو أوسع من ذلك، وقيل إن المسؤولين ها هنا هم جميع المؤمنين والعصاة والكفار، ويدل عليه قوله: "ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" وقوله: "وقفوهم إنهم مسؤولون"، وقوله: " إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم "، ويمكن أن يقال: إن قصر هذا السؤال على المذكورين في السياق وصرف العموم إليهم لا ينافي سؤال غيرهم.
93-"عما كانوا يعملون" في الدنيا، قال محمد بن إسماعيل قال عدة من أهل العلم: عن قوله لا إله إلا الله.
فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية وبن قوله تعالى: "فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" (الرحمن-39).
قال ابن عباس: لا يسألهم هل عملتم، لأنه أعلم بهم منهم، ولكن يقول: عملتم كذا وكذا؟ واعتمده قطرب فقال: السؤال ضربان، سؤال استعلام، وسؤال توبيخ، فقوله تعالى: "فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" (الرحمن-39)، يعني: استعلاما. وقوله: "لنسألنهم أجمعين" يعني توبيخا وتقريعا.
وقال عكرمة عن ابن عباس في الآيتين: إن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف يسألون في بعض المواقف، ولا يسألون في بعضها. نظيره قوله تعالى: "هذا يوم لا ينطقون" (المرسلات-35)، وقال في آية أخرى: "ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" (الزمر-31).
93."عما كانوا يعملون"من التقسيم أو النسبة إلى السحر فنجازيهم عليه. وقيل هو عام في كل ما فعلوا من الكفر والمعاصي.
93. Of what they used to do.
93 - For all their deeds.