ونزل لما قال اليهود إنك تزعم أنك على ملة إبراهيم وكان لا يأكل لحوم الإبل وألبانها: (كلُّ الطعام كان حِلاً) حلالاً (لبني إسرائيل إلا ما حرَّم إسرائيل) يعقوب (على نفسه) وهو الإبل لما حصل له عرق النسا بالفتح والقصر فنذر إن شفي لا يأكلها فحُرِّم عليه (من قبل أن تنزل التوراة) وذلك بعد إبراهيم ولم تكن على عهده حراما كما زعموا (قل) لهم (فأتوا بالتوراة فاتلوها) ليتبين صدق قولكم (إن كنتم صادقين) فيه فبهتوا ولم يأتوا بها قال تعالى:
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: أنه لم يكن حرم على بني إسرائيل -وهم ولد يعقوب بن إسحق بن إبراهيم خليل الرحمن- شيئاً من الأطعمة من قبل أن تنزل التوراة، بل كان ذلك كله لهم حلالاً إلا ما كان يعقوب حرمه على نفسه، فإن ولده حرموه استناناً بأبيهم يعقوب، من غير تحريم الله ذلك عليهم في وحي ولا تنزيل، ولا على لسان رسول له إليهم، من قبل نزول التوراة.
ثم اختلف أهل التأويل في تحريم ذلك عليهم، هل نزل في التوراة أم لا؟
فقال بعضهم: لما أنزل الله عز وجل التوراة، حرم عليهم من ذلك ما كانوا يحرمونه قبل نزولها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"، قالت اليهود: إنما نحرم ما حرم إسرائيل على نفسه، وإنما حرم إسرائيل العروق ، كان يأخذه عرق النسا، كان يأخذه بالليل ويتركه بالنهار، فحلف لئن الله عافاه منه لا يأكل عرقاً أبداً. فحرمه الله عليهم . ثم قال: "قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"، ما حرم هذا عليكم غيري ببغيكم، فذلك قوله: "فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم" [النساء: 160].
قال أبو جعفر: فتأويل الآية على هذا القول: "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة"، فإن الله حرم عليهم من ذلك ما كان إسرائيل حرمه على نفسه في التوراة، ببغيهم على أنفسهم وظلمهم لها. قل يا محمد: فأتوا، أيها اليهود، إن أنكرتم ذلك بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين أن الله لم يحرم ذلك عليكم في التوراة، وأنكم إنما تحرمونه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه.
وقال آخرون: ما كان شيء من ذلك عليهم حراماً ولا حرمه الله عليهم في التوراة، وإنما هو شيء حرموه على أنفسهم اتباعاً لأبيهم، ثم أضافوا تحريمه إلى الله. فكذبهم الله عز وجل في إضافتهم ذلك إليه، فقال الله عز وجل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم يا محمد: إن كنتم صادقين فأتوا بالتوراة فاتلوها حتى ننظر هل ذلك فيها أم لا؟ فيتبين كذبهم لمن يجهل أمرهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله: "إلا ما حرم إسرائيل على نفسه"، إسرائيل هو يعقوب ، أخذه عرق النسا فكان لا يبيت الليل من وجعه، وكان لا يؤذيه بالنهار، فحلف لئن شفاه الله لا يأكل عرقاً أبداً، وذلك قبل نزول التوراة على موسى. فسأل نبي الله صلى الله عليه وسلم، اليهود: ما هذا الذي حرم إسرائيل على نفسه؟ فقالوا: نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل. فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: "قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين" إلى قوله: "فأولئك هم الظالمون" وكذبوا وافتروا، لم تنزل التوراة بذلك.
وتأويل الآية على هذا القول: "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل" من قبل أن تنزل التوراة وبعد نزولها، "إلا ما حرم إسرائيل على نفسه" من قبل أن تنزل التوراة . بمعنى: لكن إسرائيل حرم على نفسه من قبل أن تنزل التوراة بعض ذلك. وكأن الضحاك وجه قوله: "إلا ما حرم إسرائيل على نفسه"، إلى الاستثناء الذي يسميه النحويون الاستثناء المنقطع.
وقال آخرون: تأويل ذلك: "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه" من قبل أن تنزل التوراة، فإن ذلك حرام على ولده بتحريم إسرائيل إياه على ولده، من غير أن يكون الله حرمه على إسرائيل ولا على ولده.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه"، فإنه حرم على نفسه العروق ، وذلك أنه كان يشتكي عرق النسا، فكان لا ينام الليل، فقال: والله لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد. وليس مكتوباً في التوراة! وسال محمد صلى الله عليه وسلم نفراً من أهل الكتاب فقال: ما شأن هذا حراماً؟ فقالوا: هو حرام علينا من قبل الكتاب. فقال الله عز وجل: "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل" إلى "إن كنتم صادقين".
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج، قال ابن عباس : أخذه -يعني إسرائيل - عرق النسا، فكان لا يبيت بالليل من شدة الوجع، وكان لا يؤذيه بالنهار، فحلف لئن شفاه الله لا يأكل عرقاً أبداً، وذلك قبل أن تنزل التوراة. فقال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل على نفسه. قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: "قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"، وكذبوا، ليس في التوراة.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من غير تحريم الله ذلك عليه ، فإنه كان حراماً عليهم بتحريم أبيهم إسرائيل ذلك عليهم ، من غير أن يحرمه الله عليهم في تنزيل ولا وحي قبل التوراة، حتى نزلت التوراة، فحرم الله عليهم فيها ما شاء، وأحل لهم فيها ما أحب.
وهذا قول قالته جماعة من أهل التأويل، وهو معنى قول ابن عباس الذي ذكرناه قبل.
ذكر بعض من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة"، وإسرائيل، هو يعقوب. "قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"، يقول: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه، فلما أنزل الله التوراة حرم عليهم فيما ما شاء وأحل لهم ما شاء.
حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن قتادة بنحوه.
واختلف أهل التأويل في الذي كان إسرائيل حرمه على نفسه.
فقال بعضهم: كان الذي حرمه إسرائيل على نفسه: العروق.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا أبو بشر، عن يوسف بن ماهك قال : جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال إنه جعل امرأته عليه حراماً، فقال: ليست عليك بحرام. قال: فقال الأعرابي: ولم، والله يقول في كتابه: "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه"؟ قال: فضحك ابن عباس وقال: وما يدريك ما كان إسرائيل حرم على نفسه؟ قال : ثم أقبل على القوم يحدثهم فقال: إسرائيل عرضت له الأنساء فأضنته ، فجعل لله عليه إن شفاه الله منها لا يطعم عرقاً. قال : فلذلك اليهود تنزع العروق من اللحم.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن أبي بشر قال: سمعت يوسف بن ماهك يحدث: أن أعرابياً أتى ابن عباس ، فذكر رجلاً حرم امرأته فقال: إنها ليست بحرام . فقال الأعرابي: أرأيت قول الله عز وجل: "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه"؟ فقال: إن إسرائيل كان به عرق النسا، فحلف لئن عافاه الله أن لا يأكل العروق من اللحم، وإنها ليست عليك بحرام.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز في قوله: "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه" قال: إن يعقوب أخذه وجع عرق النسا، فجعل لله عليه -أو: أقسم، أو: آلى-: لا يأكله من الدواب. قال: والعروق كلها تبع لذلك العرق.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن الذي حرم إسرائيل على نفسه: أن الأنساء أخذته ذات ليلة فأسهرته، فتألى إن الله شفاه لا يطعم نساً أبداً، فتتبعت بنوه العروق بعد ذلك يخرجونها من اللحم.
حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن قتادة بنحوه، وزاد فيه: قال: فتألى لئن شفاه الله لا يأكل عرقاً أبداً. فجعل بنوه بعد ذلك يتتبعون العروق فيخرجونها من اللحم. وكان الذي حرم على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، العروق.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "إلا ما حرم إسرائيل على نفسه"، قال: اشتكى إسرائيل عرق النسا فقال: إن الله شفاني لأحرمن العروق! فحرمها.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان إسرائيل أخذه عرق النسا، فكان يبيت له زقاء، فجعل لله عليه إن شفاه أن لا يأكل العروق، فأنزل الله عز وجل: "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه". قال سفيان: له زقاء، يعني: صياح.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "إلا ما حرم إسرائيل على نفسه"، قال : كان يشتكي عرق النسا، فحرم العروق.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عباس في قوله: "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة" قال: كان إسرائيل يأخذه عرق النسا، فكان يبيت وله زقاء، فحرم على نفسه أن يأكل عرقاً.
وقال آخرون: بل الذي كان إسرائيل حرم على نفسه، لحوم الإبل وألبانها.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير قال: سمعنا أنه اشتكى شكوى، فقالوا: إنه عرق النسا، فقال: رب، إن أحب الطعام إلي لحوم الإبل وألبانها، فإن شفيتني فإني أحرمها علي. قال ابن جريج، وقال عطاء بن أبي رباح: لحوم الإبل وألبانها حرم إسرائيل.
حدثنا محمد بن سنان قال ، حدثنا أبو بكر الحنفي قال ، حدثنا عباد، عن الحسن في قوله: "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل" قال: كان إسرائيل حرم على نفسه لحوم الإبل ، وكانوا يزعمون أنهم يجدون في التوراة تحريم إسرائيل على نفسه لحوم الإبل، وإنما كان حرم إسرائيل على نفسه لحوم الإبل قبل أن تنزل التوراة، فقال الله: "فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"، فقال: لا تجدون في التوراة تحريم إسرائيل على نفسه، أي لحم الإبل.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال ، حدثنا حبيب بن أبي ثابت قال، حدثنا سعيد، عن ابن عباس: أن إسرائيل أخذه عرق النسا، فكان يبيت بالليل له زقاء -يعني: صياح- قال: فجعل على نفسه لئن شفاه الله منه لا يأكله -يعني: لحوم الإبل- قال: فحرمه اليهود، وتلا هذه الآية: "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"، أي: إن هذا قبل التوراة.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في: "إلا ما حرم إسرائيل على نفسه"، قال: حرم العروق ولحوم الإبل. قال: كان به عرق النسا، فأكل من لحومها فبات بليلة يزقو، فحلف أن لا يأكله أبداً.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد في قوله: "إلا ما حرم إسرائيل على نفسه". قال: حرم لحم الأنعام.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب، قول ابن عباس الذي رواه الأعمش، عن حبيب، عن سعيد عنه: أن ذلك، العروق ولحوم الإبل، لأن اليهود مجمعة إلى اليوم على ذلك من تحريمهما، كما كان عليه من ذلك أوائلها. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك خبر، وهو: ما:
حدثنا به أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس: "أن عصابة من اليهود حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم، أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضاً شديداً فطال سقمه منه، فنذر لله نذراً لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها؟ فقالوا: اللهم نعم".
وأما قوله: "قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين" فإن معناه: قل، يا محمد، للزاعمين من اليهود أن الله حرم عليهم في التوراة العروق ولحوم الإبل وألبانها-: ائتوا بالتوراة فاتلوها، يقول: قل لهم: جيئوا بالتوراة فاتلوها، حتى يتبين لمن خفي عليه كذبهم وقيلهم الباطل على الله من أمرهم: أن ذلك ليس مما أنزلته في التوراة، "إن كنتم صادقين"، يقول: إن كنتم محقين في دعواكم أن الله أنزل تحريم ذلك في التوراة، فأتونا بها، فاتلوا تحريم ذلك علينا منها.
وإنما ذلك خبر من الله عن كذبهم، لأنهم لا يجيئون بذلك أبداً على صحته، فأعلم الله بكذبهم عليه نبيه صلى الله عليه وسلم، وجعل إعلامه إياه ذلك حجةً له عليهم. لأن ذلك إذ كان يخفى على كثير من أهل ملتهم، فمحمد صلى الله عليه وسلم وهو أمي من غير ملتهم، لولا أن الله أعلمه ذلك بوحي من عنده، كان أحرى أن لا يعلمه. فكان ذلك له، من أعظم الحجة عليهم بأنه نبي لله، صلى الله عليه وسلم، إليهم. لأن ذلك من أخبار أوائلهم كان من خفي علومهم الذي لا يعلمه غير خاصة منهم، إلا من أعلمه الذي لا يخفى عليه خافية من نبي أو رسول، أو من أطلعه الله على علمه ممن شاء من خلقه.
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :" حلا " أي حلالا ، ثم استثنى فقال : " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " . و هو يعقوب عليه السلام . في الترمذي عن ابن عباس أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم :
أخبرنا ، ما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال : كان يسكن البدو فاشتكى عرق النسا فلم يجد شيئا يلائمه إلا لحوم الإبل و ألبانها فلذلك حرمها . قالوا صدقت . وذكر الحديث . و يقال : إنه نذر إن برأ منه ليتركن أحب الطعام و الشراب إليه ، و كان أحب الطعام و الشراب إليه لحوم اإبل و ألبانها . و قال ابن عباس و مجاهد و قتادة و السدي :أقبل يعقوب عليه السلام من حران يريد بيت المقدس حين هرب من أخيه عيصو ، و كان رجلا بطشا قويا ، فلقيه ملك فظن يعقوب أنه لص فعالجه أن يصرعه ، فغمز الملك فخذ يعقوب عليه السلام ، ثم صعد الملك إلى السماء و يعقوب ينظر إليه فهاج عليه عرق النسا ، و لقي من ذلك بلاء شديدا ، فكان لا ينام الليل من الوجع و يبيت و له زقاء أي صياح ، فحلف يعقوب عليه السلام إن شفاه الله جل و عز ألا يأكل عرقا ، ولا يأكل طعاما فيه عرق فنحرمها على نفسه ، فجعل بنوه يتبعون بعد ذلك العروق فيخرجونها من اللحم . و كان سبب غمز الملك ليعقوب أنه كان نذر إن ونهب الله له اثني عشر ولدا و أتى بيت المقدس صحيحا أن يذبح آخرهم . فكان ذلك للمخرج من نذره ، عن الضحاك .
الثانية : و اختلف هل كان التحريم من يعقوب باجتهاد منه أو بإذن من الله تعالى ؟
و الصحيح الأول ح لأن الله تعالى أضاف التحريم إليه بقوله تعالى : إلا ما حرم . و أن النبي إذا أداه اجتهاده إلى شيء كان دينا يلزمنا اتباعه لتقرير الله سبحانه إياه على ذلك . و كما يوحى إليه و يلزم اتباعه ، كذلك يؤذن له و يجتهد ، و يتعين موجب اجتهاده إذا قدر عليه ، و لولا تقدم الإذن له في تحريم ذلك ما تسور على التحليل و التحريم . و قد حرم نبينا صلى الله عليه و سلم العسل على الرواية الصحيحة ، أو خادمه مارية فلم يقر الله تننحريمه و نزل لم تحرم ما أحل الله لك . على ما يأتي بيانه في التحريم . قال الكيا الطبري : فيمكن أن يقال : مطلق قوله تعالى : لم تحرم ما أحل الله . يقتضي ألا يختص بمارية ، و قد رأى الشافعي أن وجوب الكفارة في ذلك غير معقول المعنى ، فجعلها مخصوصا بموضع النص ، و أبو حنيفة رأى ذلك أصلا في تحريم كل مباح و أجراه مجرى اليمين .
الثالثة : قوله تعالى : قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين . قال ابن عباس : لما أصاب يعقوب عليه السلام عرق النسا وصف الأطباء له أن يجتنب لحوم الإبل فحرمها على نفسه . فقالت اليهود : إنما نحرم على أنفسنا لحوم الإبل ح لأن يعقوب حرمها و أنزل الله تحريمها في التوراة ، فأنزل الله هذه الآية . قال الضحاك : فكذبهم الله ورد عليهم فقال : يا محمد " قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " . فلم يأتوا .
قال الإمام أحمد : حدثنا هشام بن القاسم , حدثنا عبد الحميد , حدثنا شهر , قال: قال ابن عباس " حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي, قال: سلوني عما شئتم, ولكن اجعلوا لي ذمة الله, وما أخذ يعقوب على بنيه, لئن أنا حدثتكم شيئاً فعرفتموه لتتابعني على الإسلام قالوا: فذلك لك, قال: فسلوني عما شئتم. قالوا: اخبرنا عن أربع خلال: أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه ؟ وكيف ماء المرأة وماء الرجل ؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى ؟ وأخبرنا كيف هذا النبي الأمي في النوم, ومن وليه من الملائكة ؟ فأخذ عليهم العهد لئن أخبرهم ليتابعنه, فقال: أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى, هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضاً شديداً وطال سقمه, فنذر لله نذراً لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه, وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل, وأحب الشراب إليه ألبانها ؟ فقالوا: اللهم نعم: قال: اللهم اشهد عليهم. وقال أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو, الذي أنزل التوراة على موسى, هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ, وماء المرأة أصفر رقيق, فأيهما علا كان له الولد, والشبه بإذن الله إن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكراً بإذن الله, وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كان أنثى بإذن الله ؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد عليهم. وقال: أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى, هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه, ولا ينام قلبه ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد قالوا: وأنت الان فحدثنا من وليك من الملائكة ؟ فعندها نجامعك ونفارقك قال: إن وليي جبريل ولم يبعث الله نبياً قط إلا وهو وليه, قالوا: فعندها نفارقك, لو كان وليك غيره لتابعناك " , فعند ذلك قال الله تعالى: "قل من كان عدواً لجبريل" الاية, ورواه أحمد أيضاً عن حسين بن محمد عن عبد الحميد به,
(طريق أخرى) قال أحمد : حدثنا أبو أحمد الزبيري , حدثنا عبد الله بن الوليد العجلي , عن بكير بن شهاب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال: أ" قبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا يا أبا القاسم, إنا نسألك عن خمسة أشياء, فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك, فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال "والله على ما نقول وكيل" قال هاتوا قالوا: أخبرنا عن علامة النبي قال: تنام عيناه ولا ينام قلبه, قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة, وكيف تذكر ؟ قال: يلتقي الماءان, فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة, أذكرت, وإذا علا ماء المرأة أنثت قالوا: أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال: كان يشتكي عرق النسا, فلم يجد شيئاً يلائمه إلا ألبان كذا وكذا ـ قال أحمد : قال بعضهم: يعني الإبل ـ فحرم لحومها قالوا: صدقت, قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد ؟ قال: ملك من ملائكة الله عز وجل موكل بالسحاب بيده ـ أو في يديه ـ مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله عز وجل قالوا: فما هذا الصوت الذي يسمع ؟ قال صوته. قالوا صدقت, إنما بقيت واحدة, وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها, إنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك ؟ قال: جبريل عليه السلام, قالوا: جبريل ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا, لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر, لكان " , فأنزل الله تعالى: "قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" والاية بعدها, وقد رواه الترمذي والنسائي , من حديث عبد الله بن الوليد العجلي به نحوه, وقال الترمذي : حس غريب, وقال ابن جريج والعوفي عن ابن عباس : كان إسرائيل عليه السلام ـ وهو يعقوب ـ يعتريه عرق النسا بالليل, وكان يقلقه ويزعجه عن النوم, ويقلع الوجع عنه بالنهار, فنذر لله لئن عافاه الله لا يأكل عرقاً ولا يأكل ولد ما له عرق, وهكذا قال الضحاك والسدي , كذا رواه وحكاه ابن جرير في تفسيره, قال: فاتبعه بنوه في تحريم ذلك استناناً به واقتداء بطريقه, قال: وقوله "من قبل أن تنزل التوراة" أي حرم ذلك على نفسه من قبل أن تنزل التوراة, قلت: ولهذا السياق بعدما تقدم مناسبتان "إحداهما" أن إسرائيل عليه السلام حرم أحب الأشياء إليه وتركها لله, وكان هذا سائغاً في شريعتهم فله مناسبة بعد قوله "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" فهذا هو المشروع عندنا,وهو الإنفاق في طاعة الله مما يحبه العبد ويشتهيه, كما قال تعالى: "وآتى المال على حبه" وقال تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه" الاية.
(المناسبة الثانية) لما تقدم بيان الرد على النصارى, واعتقادهم الباطل في المسيح وتبيين زيف ما ذهبوا إليه وظهور الحق واليقين في أمر عيسى وأمه, كيف خلقه الله بقدرته ومشيئته وبعثه إلى بني إسرائيل يدعو إلى عبادة ربه تبارك وتعالى, شرع في الرد على اليهود قبحهم الله تعالى وبيان أن النسخ الذي أنكروا وقوعه وجوازه قد وقع, فإن الله تعالى قد نص في كتابهم التوراة أن نوحاً عليه السلام لما خرج من السفينة, أباح الله له جميع دواب الأرض يأكل منها, ثم بعد هذا حرم إسرائيل على نفسه لحمان الإبل وألبانها فاتبعه بنوه في ذلك, وجاءت التوراة بتحريم ذلك, وأشياء أخرى زيادة على ذلك, وكان الله عز وجل قد أذن لادم في تزويج بناته من بنيه, وقد حرم ذلك بعد ذلك , وكان التسري على الزوجة مباحاً في شريعة إبراهيم عليه السلام, وقد فعله إبراهيم في هاجر لما تسرى بها على سارة, وقد حرم مثل هذا في التوراة عليهم, وكذلك كان الجمع بين الأختين سائغاً, وقد فعله يعقوب عليه السلام جمع بين الأختين, ثم حرم عليهم ذلك في التوراة, وهذا كله منصوص عليه في التوراة عندهم, وهذا هو النسخ بعينه, فكذلك فليكن ما شرعه الله للمسيح عليه السلام, في إحلاله بعض ما حرم في التوراة, فما بالهم لم يتبعوه ؟ بل كذبوه وخالفوه ؟ وكذلك ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الدين القويم, والصراط المستقيم, وملة أبيه إبراهيم, فما بالهم لا يؤمنون ؟ ولهذا قال تعالى: "كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة" أي كان حلاً لهم, جميع الأطعمة قبل نزول التوراة إلا ما حرمه إسرائيل, ثم قال تعالى: " قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " فإنها ناطقة بما قلناه "فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون" أي فمن كذب على الله وادعى أنه شرع لهم السبت والتمسك بالتوراة دائماً, وأنه لم يبعث نبياً آخر يدعو إلى الله بالبراهين والحجج بعد هذا الذي بيناه من وقوع النسخ وظهور ما ذكرناه "فأولئك هم الظالمون" ثم قال تعالى: "قل صدق الله" أي قل يا محمد صدق الله فيما أخبر به وفيما شرعه في القرآن, "فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" أي اتبعوا ملة إبراهيم التي شرعها الله في القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فإنه الحق الذي لا شك فيه ولا مرية, وهي الطريقة التي لم يأت نبي بأكمل منها ولا أبين ولا أوضح ولا أتم, كما قال تعالى: " قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " وقال تعالى: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين".
قوله 93- "كل الطعام" أي المطعوم، والحل مصدر يستوي فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث، وهو الحلال وإسرائيل هو يعقوب كما تقدم تحقيقه. ومعنى الآية: أن كل المطعومات كانت حلالاً لبني يعقوب، لم يحرم عليهم شيء منها إلا ما حرم إسرائيل على نفسه. وسيأتي بيان ما هو الذي حرمه على نفسه، وهذا الاستثناء متصل من اسم كان. وقوله "من قبل أن تنزل التوراة" متعلق بقوله "كان حلاً" أي: أن كل المطعومات كانت حلالاً "من قبل أن تنزل التوراة" أي: كان ما عدا المستثنى حلالاً لهم "من قبل أن تنزل التوراة" مشتملة على تحريم ما حرمه عليهم لظلمهم، وفيه رد على اليهود لما أنكروا ما قصه الله سبحانه على رسوله صلى الله عليه وسلم من أن سبب ما حرمه الله عليهم هو ظلمهم وبغيهم كما في قوله "فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم" الآية. وقوله "وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما" إلى قوله "ذلك جزيناهم ببغيهم" وقالوا: إنها مرحمة على من قبلهم من الأنبياء، يريدون بذلك تكذيب ما قصه الله على نبينا صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز، ثم أمره الله سبحانه بأن يحاجهم بكتابهم ويجعل بينه وبينهم حكماً ما أنزله الله عليهم لا ما أنزله عليه فقال " قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " حتى تعلموا صدق ما قصه الله في القرآن من أنه لم يحرم على بني إسرائيل شيء من قبل نزول التوراة إلا ما حرمه يعقوب على نفسه. وفي هذا من الإنصاف للخصوم ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه.
93-قوله تعالى : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة " سبب نزول هذه االآية :"أن اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : تزعم أنك على ملة إبراهيم ؟ وكان إبراهيم لا يأكل لحوم الإبل وألبانها وأنت تأكلها ، فلست على ملته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان ذلك حلالاً لإبراهيم عليه السلام ، فقالوا :كل ما نحرمه اليوم كان ذلك حراماً على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل" " يريد : سوى الميتة والدم ، فإنه لم يكن حلالاً قط .
"إلا ما حرم إسرائيل على نفسه" وهو يعقوب عليه السلام " من قبل أن تنزل التوراة" ن يعني: ليس الأمر على ما قالوا من حرمة لحوم الإبل وألبانها على إبراهيم ، بل كان الكل حلالاً له ولبني اسرائيل وإنما حرمها إسرائيل على نفسه قبل نزول التوراة ن يعني : ليست في التوراة حرمتها .
واختلفوا في الطعام الذي حرمه يعقوب على نفسه وفي سببه ، قال ابو العالية وعطاء ومقاتل و الكلبي : كان الطعام : لحمان الإبل والبانها وروي أن يعقوب مرض مرضاً شديداً فطال سقمه فنذر لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن احب الطعام والشراب اليه ، وكان احب الطعام اليه لحمان الأبل واحب الشراب إليه ألبانها ، فحرمها.
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك : هي العروق.
وكان السبب في ذلك انه اشتكى عرق النسا وكان أصل وجعه ، فيما روى جويبر ومقاتل عن الضحاك: أن يعقوب كان نذر إن وهبه الله اثنى عشر ولداً وأتى بيت المقدس صحيحاً أن يذبح آخرهم ، فتلقاه ملك (من الملائكة) ، فقال : يايعقوب إنك رجل قوي فهل لك في الصراع ، فعالجة فلم يصرع واحد منهما صاحبه، فغمزه الملك غمزة فعرض له عرق النسا من ذلك ، ثم قال له : أما إني لو شئت أن أصرعك لفعلت ولكن غمزتك هذه الغمزة لأنك كنت نذرت إن أتيت بيت المقدس صحيحاً ذبتحت آخر ولدك ، فجعل الله لك بهذه الغمزة من ذلك مخرجاً ، فلما قدمها يعقوب اراد ذبح ولده ونسي قول الملك ، فأتاه الملك وقال: إنما غمزتك للمخرج وقد وفي نذرك فلا سبيل لك إلى ولدك.
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة و السدي : أقبل يعقوب من حران يريد بيت المقدس حين هرب من اخيه عيصو: وكان رجلاً بطيشاً قوياً فلقيه ملك فظن يعقوب انه لص فعالجه أن يصرعه ، فغمز الملك فخذ يعقوب ، ثم صعد إلى السماء ويعقوب عليه السلام ينظر إليه ، فهاج به عرق النسا ولقي من ذلك بلاء وشدجة ، وكان لاينام بالليل من الوجع ، ويبيت وله زقاء ، أي : صياتح ، فحلف يعقوب لئن شفاه الله أن لا يأكل عرقاً و طعاماً فيه عرق، فحرمه على نفسه ، فكان بنوه بعد ذلك يتبعون العروض ، يخرجونها من اللحم .
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : لما أصاب يعقوب عرق النسا وصف له الأطباء أن يجتنب لحمان الإبل فحرمها يعقوب على نفسه.
ونال الحسن : حرم إسرائيل على نفسه لحم الجزور تعبداً لله تعالى : فسأل ربه ان يجيز له ذلك فحرمه الله على ولده.
ثم اختلفوا في حال هذا الطعام المحرم على بني إسرائيل بعد نزول التوراة ، وقال السدي : حرم الله عليهم في التوراة ما كانوا يحرمونه قبل نزولها ، وقال عطية : إنما كان محرماً عليهم بتحريم إسرائيل فإنه كان قد قال : لئن عافاني الله لا يأكله لي ولد ، ولم يكن محرماً عليهم في التوراة وقال الكلبي : لم يحرمه الله (عليهم) في التوراة وإنما حرم عليهم بعد التوراة بظلمهم ، كما قال الله تعالى :" فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم" (سورة النساء الآية 160) وقال الله تعالى :" وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر"، إلى أن قال :" ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون"( سورة النعام ، الآية (146) ، وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنباص عظيماً حرم الله عليهم طعاماً طيباً أو صب عليهم رجزاً وهو الموت.
وقالالضحاك: لم يكن شئ من ذلك حراماً عليهم ولا حرمه الله في التوراة ، وإنما حرموه على أنفسهم اتباعاً لأبيهم ، ثم أضافوا تحريمه الى الله ، فكذبهم الله عز وجل ، فقال: "قل" يا محمد " فاتوا بالتوراة فاتلوها " ، حتى يتبين أنه كما قلتم ،" إن كنتم صادقين" ، فلم ياتوا / فقال الله عز وجل
93" كل الطعام " أي المطعومات والمراد أكلها. " كان حلا لبني إسرائيل " حلالاً لهم، وهو مصدر نعت به ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث قال تعالى: " لا هن حل لهم ". " إلا ما حرم إسرائيل " يعقوب. " على نفسه " كلحوم الإبل وألبانها. وقيل كان به عرق النسا فنذر إن شفي لم يأكل أحب الطعام إليه وكان ذلك أحبه إليه. وقيل: فعل ذلك للتدواي بإشارة الأطباء. واحتج به من جوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد، وللمانع أن يقول ذلك بإذن من الله فيه فهو كتحريمه ابتداء. " من قبل أن تنزل التوراة " أي من قبل إنزالها مشتملة على تحريم ما حرم عليهم لظلمهم وبغيهم عقوبة وتشديداً، وذلك رد على اليهود في دعوى البراءة مما نعى عليهم في قوله تعالى: " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات " وقوله: " وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر " الآيتين، بأن قالوا لسنا أول من حرمت عليه وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعده حتى انتهى الأمر إلينا فحرمت علينا كما حرمت على من قبلنا، وفيه منع النسخ والطعن في دعوى الرسول صلى الله عليه وسلم موافقة إبراهيم عليه السلام بتحليله لحوم الإبل وألبانها. " قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " أمر بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما فيه من أنه قد حرم عليهم بسبب ظلمهم ما لم يكن محرماً. روي: أنه عليه السلام لما قاله لهم بهتوا ولم يجسروا أن يخرجوا التوراة. وفيه دليل على نبوته.
93. All food was lawful unto the children of Israel, save that which Israel forbade himself, (in days) before the Torah was revealed. Say: Produce the Torah and read it (unto us) if ye are truthful.
93 - All food was lawful to the children of Israel, except what Israel made unlawful for itself, before the law (of Moses) was revealed. say: bring ye the law and study it, if ye men of truth.