96 - (قالوا) الغاوون (وهم فيها يختصمون) مع معبوديهم
يقول تعالى ذكره : قال هؤلاء الغاوون والأنداد التي كانوا يعبدونها من دون الله وجنود إبليس ، وهم في الجحيم يختصمون " تالله إن كنا لفي ضلال مبين " يقول : تالله لقد كنا في ذهاب عن الحق ، إن كنا لفي ضلال مبين يبين ذهابنا ذلك عنه عن نفسه لمن تأمله وتدبره ، أنه ضلال وباطل . وقوله : " إذ نسويكم برب العالمين " يقول الغاوون للذين يعبدونهم من دون الله : تالله إن كنا لفي ذهاب عن الحق حين نعدلكم برب العالمين فنعبدكم من دونه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " إذ نسويكم برب العالمين " قال : لتلك الآلهة .
قوله تعالى : " قالوا وهم فيها يختصمون " يعني الإنس والشياطين والغاوين والمعبودين اختصموا حينئذ .
"أزلفت الجنة" أي قربت وأدنيت من أهلها مزخرفة مزينة لناظريها, وهم المتقون الذين رغبوا فيها على ما في الدنيا, وعملوا لها في الدنيا "وبرزت الجحيم للغاوين" أي أظهرت وكشف عنها, وبدت منها عنق فزفرت زفرة بلغت منها القلوب الحناجر, وقيل لأهلها تقريعاً وتوبيخاً " أين ما كنتم تعبدون * من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون " أي ليست الالهة التي عبدتموها من دون الله من تلك الأصنام والأنداد تغني عنكم اليوم شيئاً, ولا تدفع عن أنفسها, فإنكم وإياها اليوم حصب جهنم أنتم لها واردون.
وقوله "فكبكبوا فيها هم والغاوون" قال مجاهد : يعني فدهوروا فيها. وقال غيره: كبوا فيها, والكاف مكررة, كما يقال صرصر, والمراد أنه ألقى بعضهم على بعض من الكفار وقادتهم الذين دعوهم إلى الشرك "وجنود إبليس أجمعون" أي ألقوا فيها عن آخرهم " قالوا وهم فيها يختصمون * تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين " أي يقول الضعفاء للذين استكبروا: إنا كنا لكم تبعاً, فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار ؟ ويقولون وقد عادوا على أنفسهم بالملامة "تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين" أي نجعل أمركم مطاعاً كما يطاع أمر رب العالمين, وعبدناكم مع رب العالمين "وما أضلنا إلا المجرمون" أي ما دعانا إلى ذلك إلا المجرمون "فما لنا من شافعين" قال بعضهم: يعني من الملائكة كما يقولون "فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل" وكذا قالوا "فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم" أي قريب.
قال قتادة : يعلمون والله أن الصديق إذا كان صالحاً نفع, وأن الحميم إذا كان صالحاً شفع "فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين" وذلك أنهم يتمنون أن يردوا إلى دار الدنيا ليعملوا بطاعة ربهم فيما يزعمون, والله تعالى يعلم أنهم لو ردهم إلى دار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون, وقد أخبر الله تعالى عن تخاصم أهل النار في سورة (ص) ثم قال تعالى: "إن ذلك لحق تخاصم أهل النار" ثم قال تعالى: " إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين " أي إن في محاجة إبراهيم لقومه وإقامة الحجج عليهم في التوحيد لاية, أي لدلالة واضحة جلية على أن لا إله إلا الله "وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم".
وجملة 96- "قالوا وهم فيها يختصمون" مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل ماذا قالوا حين فعل بهم ما فعل.
96- "قالوا" أي: قال الغاوون للشياطين والمعبودين، "وهم فيها يختصمون"، مع المعبودين ويجادل بعضهم بعضاً.
96 -" قالوا وهم فيها يختصمون " على أن الله ينطق الأصنام فتخاصم العبدة ويؤيده الخطاب في قوله :
96. And they will say, when they are quarrelling therein:
96 - They will say there in their mutual bickerings: