97 - (فإنما يسرناه) أي القرآن (بلسانك) العربي (لتبشر به المتقين) الفائزين بالإيمان (وتنذر) تخوف (به قوما لدا) جمع ألد أي جدل بالباطل وهم كفار مكة
وقوله "فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين" يقول تعالى ذكره : فإنما يسرنا يا محمد هذا القرآن بلسانك تقرؤه ، لتبشر به المتقين الذين اتقوا عقاب الله ، بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ، بالجنة."وتنذر به قوما لدا" يقول : ولتنذر بهذا القرآن عذاب الله قومك من قريش ، فإنهم أهل لدد وجدل بالباطل ، لا يقبلون الحق ، واللد : شدة الخصومة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله "لدا" قال : لا يستقيمون.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "وتنذر به قوما لدا" يقول : لتنذر به قوماً ظلمة.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "وتنذر به قوما لدا": أي جدالاً بالباطل ، ذوي لدد وخصومة.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا محمد بن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد، في قوله "وتنذر به قوما لدا" قال : فجاراً.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة ، في قوله "قوما لدا" قال : جدالاً بالباطل.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "وتنذر به قوما لدا" قال : الألد : الظلوم ، وقرأ قول الله "وهو ألد الخصام" [البقرة : 204]
حدثنا أبو صالح الضراري ، قال : ثنا العلاء بن عبد الجبار، قال : ثنا مهدي بن ميمون ، عن الحسن في قول الله عز وجل "وتنذر به قوما لدا" قال : صماً عن الحق.
حدثني ابن سنان ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن هارون ، عن الحسن ، مثله.
وقد بينا معنى الألد فيما مضى بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
قوله تعالى: " فإنما يسرناه بلسانك " أي القرآن، يعني بيناه بلسانك العربي وجعلناه سهلاً على من تدبره وتأمله. وقيل: أنزلناه عليه بلسان العرب ليسهل عليهم فهمه. " لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا " اللد جمع الألد وهو الشديد الخصومة، ومنه قوله تعالى: " ألد الخصام " [البقرة: 204] وقال الشاعر:
أبيت نجياً للهموم كأنني أخاصم أقواماً ذوي جدل لدا
وقال أبو عبيدة: الألد الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل. الحسن : اللد الصم عن الحق. قال الربيع: صم آذان القلوب. مجاهد : فجارا. الضحاك مجادلين في الباطل. ابن عباس: شداداً في الخصومة. وقيل: الظالم الذي لا يستقيم، والمعنى واحد. وخصوا بالإنذار، لأن الذي لا عناد عنده يسهل انقياده.
يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات, وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل لمتابعتها الشريعة المحمدية ـ يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة, وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه, وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير وجه. قال الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا أبو عوانة , حدثنا سهيل عن أبيه , عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل, فقال: يا جبريل, إني أحب فلاناً فأحبه قال فيحبه جبريل, قال: ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه, قال: فيحبه أهل السماء, ثم يوضع له القبول في الأرض, وإن الله إذا أبغض عبداً دعا جبريل فقال: يا جبريل إني أبغض فلاناً فأبغضه, قال: فيبغضه جبريل, ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه, قال: فيبغضه أهل السماء, ثم يوضع له البغضاء في الأرض". ورواه مسلم من حديث سهيل , ورواه أحمد والبخاري من حديث ابن جريج عن موسى بن عقبة , عن نافع مولى ابن عمر , عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بكر , حدثنا ميمون أبو محمد المرائي , حدثنا محمد بن عباد المخزومي عن ثوبان رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد ليلتمس مرضاة الله عز وجل, فلا يزال كذلك فيقول الله عز وجل لجبريل: إن فلاناً عبدي يلتمس أن يرضيني, ألا وإن رحمتي عليه, فيقول جبريل: رحمة الله على فلان, ويقولها حملة العرش, ويقولها من حولهم حتى يقولها أهل السموات السبع, ثم يهبط إلى الأرض" غريب. ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر , حدثنا شريك عن محمد بن سعد الواسطي عن أبي ظبية , عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن المقة من الله" ـ قال شريك : هي المحبة ـ والصيت في السماء," فإذا أحب الله عبداً قال لجبريل عليه السلام: إني أحب فلاناً, فينادي جبريل: إن ربكم يمق ـ يعني يحب ـ فلاناً فأحبوه ـ أرى شريكاً قد قال: فتنزل له المحبة في الأرض ـ وإذا أبغض عبداً قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه, قال: فينادي جبريل: إن ربكم يبغض فلاناً فأبغضوه ـ أرى شريكاً قال -: فيجري له البغض في الأرض" غريب, ولم يخرجوه.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو داود الحفري , حدثنا عبد العزيز ـ يعني ابن محمد ـ وهو الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح, عن أبيه , عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إني قد أحببت فلاناً فأحبه, فينادي في السماء, ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض , فذلك قول الله عز وجل: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً" " رواه مسلم والترمذي , كلاهما عن عبد الله عن قتيبة , عن الدراوردي به. وقال الترمذي : حسن صحيح.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "سيجعل لهم الرحمن وداً" قال: حباً, وقال مجاهد عنه: "سيجعل لهم الرحمن وداً", قال: محبة في الناس في الدنيا, وقال سعيد بن جبير عنه, يحبهم ويحببهم, يعني إلى خلقه المؤمنين, كما قال مجاهد أيضاً و الضحاك وغيرهم. وقال العوفي عن ابن عباس أيضاً: الود من المسلمين في الدنيا والرزق الحسن واللسان الصادق. وقال قتادة "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً" إي والله في قلوب أهل الإيمان, وذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم وقال قتادة : وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: ما من عبد يعمل خيراً أو شراً إلا كساه الله عز وجل رداء عمله.
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن الربيع بن صبيح عن الحسن البصري رحمه الله قال: قال رجل: والله لأعبدن الله عبادة أذكر بها, فكان لا يرى في حين صلاة إلا قائماً يصلي, وكان أول داخل إلى المسجد وآخر خارج, فكان لا يعظم, فمكث بذلك سبعة أشهر, وكان لا يمر على قوم إلا قالوا: انظروا إلى هذا المرائي, فأقبل على نفسه فقال: لا أراني أذكر إلا بشر, لأجعلن عملي كله لله عز وجل, فلم يزد على أن قلب نيته, ولم يزد على العمل الذي كان يعمله, فكان يمر بعد بالقوم فيقولون: رحم الله فلاناً الان, وتلا الحسن "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً" وقد روى ابن جرير أن هذه الاية نزلت في هجرة عبد الرحمن بن عوف , وهو خطأ, فإن هذه السورة بكمالها مكية لم ينزل منها شيء بعد الهجرة, ولم يصح سند ذلك, والله أعلم.
وقوله: "فإنما يسرناه" يعني القرآن "بلسانك" أي يا محمد وهو اللسان العربي المبين الفصيح الكامل "لتبشر به المتقين" أي المستجيبين لله, المصدقين لرسوله, "وتنذر به قوماً لداً" أي عوجاً عن الحق مائلين إلى الباطل وقال ابن أبي نجيج عن مجاهد "قوماً لداً" لا يستقيمون وقال الثوري عن إسماعيل وهو السدي عن أبي صالح "وتنذر به قوماً لداً" عوجاً عن الحق, وقال الضحاك : الألد الخصم. وقال القرظي : الألد الكذاب. وقال الحسن البصري "قوماً لداً" صماً, وقال غيره: صم آذان القلوب. وقال قتادة : قوماً لداً يعني قريشاً وقال العوفي عن ابن عباس "قوماً لداً" فجاراً, وكذا روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد .
وقال ابن زيد : الألد الظلوم, وقرأ قوله تعالى: "وهو ألد الخصام". وقوله: "وكم أهلكنا قبلهم من قرن" أي من أمة كفروا بآيات الله وكذبوا رسله "هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً" أي هل ترى منهم أحداً أو تسمع لهم ركزاً. وقال ابن عباس وأبو العالية وعكرمة والحسن البصري وسعيد بن جبير والضحاك وابن زيد : يعني صوتاً, وقال الحسن وقتادة : هل ترى عيناً أو تسمع صوتاً, والركز في أصل اللغة هو الصوت الخفي.
قال الشاعر:
فتوجست ركز الأنيس فراعها عن ظهر غيب والأنيس سقامها
آخر تفسير سورة مريم ولله الحمد والمنة ويتلوه إن شاء الله تفسير سورة طه والحمد لله.
ثم ذكر سبحانه تعظيم القرآن خصوصاً هذه السورة لاشتمالها على التوحيد والنبوة، وبيان حال المعاندين فقال: 97- "فإنما يسرناه بلسانك" أي يسرنا القرآن بإنزالنا له على لغتك، وفصلناه وسهلناه، والباء بمعنى على، والفاء لتعليل كلام ينساق إليه النظم كأنه قيل: بلغ هذا المنزل أو بشر به أو أنذر "فإنما يسرناه" الآية. ثم علل ما ذكره من التيسير فقال: "لتبشر به المتقين" أي المتلبسين بالتقوى، المتصفين بها "وتنذر به قوماً لداً" اللد جمع الألد، وهو الشديد الخصومة، ومنه قوله تعالى: "ألد الخصام" قال الشاعر:
أبيت نجياً للهموم كأنني أخاصم أقواماً ذوي جدل لداً
وقال أبو عبيدة: الألد الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل، وقيل اللد الصم، وقيل الظلمة.
97 - قوله عز وجل : " فإنما يسرناه بلسانك " ، أي سهلنا القرآن بلسانك يا محمد ، " لتبشر به المتقين " ، يعني المؤمنين ، " وتنذر به قوماً لداً " شداداً في الخصومة ، جمع ( الألد ) .
وقال الحسن : صماً في الحق .
قال مجاهد : ( الألد ) : الظالم الذي لا يستقيم .
قال أبو عبيدة : ( الألد ) الذي لا يقبل الحق ، ويدعي الباطل .
97ـ " فإنما يسرناه بلسانك " بأن أنزلناه بلغتك ، والباء بمعنى على أو على أصله لتضمن " يسرناه " معنى أنزلناه أي أنزلناه بلغتك . " لتبشر به المتقين"
الصائرين إلى التقوى. " وتنذر به قوماً لداً " أشداء الخصومة آخذين في كل لديد ، أي شق من المراء لفرط لجاجهم فبشر به وأنذر .
97. And We make (this Scripture) easy in thy tongue, (O Muhammad) only that thou mayst bear good tidings therewith unto those who ward off (evil), and warn therewith the froward folk.
97 - So have we made The (Quran) easy in thine own tongue, That with it thou mayest give glad tidings to the righteous, and warnings to people given to contention.