(من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل) بكسر الجيم وفتحها بلا همز وبه بياء ودونها (وميكال) عطف على الملائكة من عطف الخاص على العام وفي قراءة ميكائيل بهمزة وياء وفي أخرى بلا ياء (فإن الله عدو للكافرين) أوقعه موقع لهم بيانا لحالهم
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه من كان عدوًا لله، من عاداه وعادى جميع ملائكته ورسله؟ وإعلام منه أن من عادى جبريل فقد عاداه وعادى ميكائيل، وعادى جميع ملائكته ورسله. لأن الذين سماهم الله في هذه الاية هم أولياء الله وأهل طاعته، ومن عادى لله وليًا فقد عادى الله وبارزه بالمحاربة، ومن عادى الله فقد عادى جميع أهل طاعته وولايته. لأن العدو لله عدو لأوليائه، والعدو لأولياء الله عدو له. فكذلك قال لليهود الذين قالوا: إن جبريل عدونا من الملائكة، وميكائيل ولينا منهم: "من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين "، من أجل أن عدو جبريل عدو كل ولي لله. فأخبرهم جل ثناؤه أن من كان عدوًا لجبريل، فهو لكل من ذكره من ملائكته ورسله وميكال- عدو، وكذلك عدو بعض رسل الله، عدو لله ولكل ولي. وقد: حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيدالله يعني العتكي، عن رجل من قريش قال:" سأل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود فقال: أسألكم بكتابكم الذي تقرأون، هل تجدون به قد بشر بي عيسى ابن مريم أن يأتيكم رسول اسمه أحمد؟ فقالوا: اللهم وجدناك في كتابنا، ولكنا كرهناك لأنك تستحل الأموال وتهريق الدماء". فأنزل الله: "من كان عدوا لله وملائكته " الآية.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: إن يهوديًا لقي عمر فقال له: إن جبريل الذي يذكره صاحبك،
هو عدو لنا. فقال له عمر: من كان عدوًا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين. قال: فنزلت على لسان عمر.
وهذا الخبر يدل على أن الله أنزل هذه الآية توبيخاً لليهود في كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإخبارًا منه لهم أن من كان عدوًا لمحمد فالله له عدو، وأن عدو محمد من الناس كلهم، لمن الكافرين بالله، الجاحدين آياته.
فإن قال قائل: أوليس جبريل وميكائيل من الملائكة؟
قيل: بلى.
فإن قال: فما معنى تكرير ذكرهما بأسمائهما، وقد مضى ذكرهما في الآية في جملة أسماء الملائكة؟
قيل: معنى إفراد ذكرهما بأسمائهما، أن اليهود لما قالت: جبريل عدونا وميكائيل ولينا وزعمت أنها كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم، من أجل أن جبريل صاحب محمد صلى الله عليه وسلم أعلمهم الله أن من كان لجبريل عدوًا، فإن الله له عدو، وأنه من الكافرين. فنص عليه باسمه وعلى ميكائيل باسمه، لئلا يقول منهم قائل: إنما قال الله: من كان عدوًا لله وملائكته ورسله، ولسنا لله ولا لملائكته ورسله أعداء. لأن الملائكة اسم عام محتمل خاصًا، وجبريل وميكائيل غير داخلين فيه. وكذلك قوله: "ورسله "، فلست يا محمد داخلاً فيهم. فنص الله تعالى على أسماء من زعموا أنهم أعداؤه بأعيانهم، ليقطع بذلك تلبيسهم على أهل الضعف منهم، ويحسم تمويههم أمورهم على المنافقين. وأما إظهار اسم الله في قوله: " فإن الله عدو للكافرين "، وتكريره فيه وقد ابتدأ أول الخبر بذكره فقال: " من كان عدوا لله وملائكته " فلئلا يلتبس لو ظهر ذلك بكناية، فقيل: فإنه عدو للكافرين، على سامعه، من المعني بـ الهاء التي في فإنه أألله، أم رسل الله جل ثناؤه، أم جبريل، أم ميكائيل؟ إذ لو جاء ذلك بكناية على ما وصفت، فإنه يلتبس معنى ذلك على من لم يوقف على المعني بذلك، لاحتمال الكلام ما وصفت. وقد كان بعض أهل العربية يوجه ذلك إلى نحو قول الشاعر:
ليت الغراب غداة ينعب دائمًا كان الغراب مقطع الأوداج
وأنه إظهار الاسم الذي حظه الكناية عنه. والأمر في ذلك بخلاف ما قال. وذلك أن الغراب الثاني لو كان مكنى عنه، لما التبس على أحد يعقل كلام العرب أنه كناية اسم الغراب الأول، إذ كان لا شيء قبله يحتمل الكلام أن يوجه إليه غير كناية اسم الغراب الأول وأن قبل قوله: "فإن الله عدو للكافرين "أسماء، لو جاء اسم الله تعالى ذكره مكنيًا عنه، لم يعلم من المقصود إليه بكناية الاسم، إلا بتوقيف من حجة. فلذلك اختلف أمراهما.
قوله تعالى : "من كان عدوا لله" شرط ، وجوابه "فإن الله عدو للكافرين" . وهذا وعيد وذم لمعادي جبريل عليه السلام ، وإعلان أن عدواة البعض تقتضي عدواة الله لهم . وعداوة العبد لله هي معصيته واجتناب طاعته ، ومعاداة أوليائه وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه .
فإن قيل : لم خص الله جبريل وميكائيل بالذكر وإن كان ذكر الملائكة قد عمهما ؟ قيل له : خصهما بالذكر تشريفاً لهما ، كما قال : "فيهما فاكهة ونخل ورمان" . وقيل : خصا لأن اليهود ذكروهما ، ونزلت الآية بسببهما ، فذكرهما واجب لئلا تقول اليهود : إنه لم نعاد الله وجميع ملائكته ، فنص الله تعالى عليهما لإبطال ما يتأولونه من التخصيص . ولعلماء اللسان في جبريل وميكائيل عليهما السلام لغات ، فأما التي في جبريل فعشر :
الأولى : جبريل ، وهي لغة أهل الحجاز ، قال حسان بن ثابت :
وجبريل رسول الله فينا
الثانية : جبريل (بفتح الجيم ) وهي قراءة الحسن و ابن كثير ، وروي عن ابن كثير أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقرأ : جبريل وميكائيل فلا أزال أقرؤهما أبداً كذلك .
الثالثة : جبرئيل (بياء بعد الهمزة ، مثال جبرعيل ) ، كما قرأ أهل الكوفة ، وأنشدوا :
شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة مدى الدهر إلا جبرئيل أمامها
وهي لغة تميم وقيس .
الرابعة : جبرئل ( على وزن جبرعل ) مقصور ، وهي قراءة أبي بكر عن عاصم .
الخامسة مثلها ، وهي قراءة يحيى بن يعمر ، إلا أنه شدد اللام .
السادسة : جبرائل ( بألف بعد الراء ثم همزة ) وبها قرأ عكرمة .
السادسة : مثلها ، إلا أن بعد الهمزة ياء .
الثامنة جبرييل ( بياءين بغير همزة ) وبها قرأ الأعمش ويحيى بن يعمر أيضاً .
التاسعة : جبرئين ( بفتح الجيم مع همزة مكسورة بعدها ياء ونون ) .
العاشرة :جبرين ( بكسر الجيم وتسكين الياء بنون من غير همزة ) وهي لغة بني أسد . قال الطبري : ولم يقرأ بها . قال النحاس ـ وذكر قراءة ابن كثير : ـ لا يعرف في كلام العرب فعليل ، وفيه فعليل ، نحو دهليز وقطمير وبرطيل ، وليس ينكر أن يكون في كلام العجم ما ليس له نظير في كلام العرب ، وليس ينكر أن يكثر تغيره ، كما قالوا : إبراهيم وإبرهم وإبراهم وإبراهام . قال غيره :جبريل اسم أعجمي عربته العرب ، فلها فيه هذه اللغات ولذلك لم ينصرف .
قلت : :قد تقدم في أول الكتاب أن الصحيح في هذه الألفاظ عربية نزل بها جبريل بلسان عربي مبين . قال النحاس : ويجمع جبريل على التكسير جباريل .
وأما اللغات التي في ميكائيل فست :
الأولى : ميكاييل ، قراءة نافع . وميكائيل ( بياء بعد الهمزة ) قراءة حمزة . ميكال ، لغة أهل الحجاز ، وهي قراءة أبي عمرو وحفص عن عاصم . وروي عن ابن كثير الثلاثة أوجه ، قال كعب بن مالك :
ويوم بدر لقيناكم لنا مدد فيه مع النصر ميكال وجبريل
وقال آخر :
عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد وبجبرئيل وكذبوا ميكالا
الرابعة : ميكئيل ، مثل ميكعيل . وهي قراءة ابن محيصن .
الخامسة : ميكاييل ( بيائين ) وهي قراءة الأعمش باختلاف عنه .
السادسة ميكاءل ، ما يقال ( إسراءل بهمزة مفتوحة ) ، وهو اسم أعجمي فلذلك لم ينصرف . وذكر ابن عباس أن جبر وميكا وإسراف هي كلها بالأعجمية بمعنى : عبد ومملوك . وإيل : اسم الله تعالى ، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع سجع مسيلمة : هذا كلام لم يخرج من إل . وفي التنزيل "لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة" في أحد التأويلين ، وسيأتي . قال الماوردي : إن جبريل وميكائيل اسمان ، أحدهما عبدالله ، والآخر عبيد الله ، لأن إيل هو الله تعالى ، وجبر هو عبد وميكا هو عبيد ، فكأن جبريل عبد الله ، وميكائيل عبيد الله ، هذا قول ابن عباس ، وليس له في المفسرين مخالف .
قلت : وزاد بعض المفسرين : وإسرافيل عبد الرحمن . قال النحاس : ومن تأول الحديث جبر عبد ، و إل لله وجب عليه أن يقول هذا جبرئل ورأيت جبرئل ومررت بجبرئل ، وهذا لا يقال ، فوجب أن يكون معنى الحديث أنه مسمى بهذا . قال غيره : ولو كان كما قالوا لكان مصروفاً ، فترك الصرف يدل على أنه اسم واحد مفرد ليس بمضاف . وروى عبد الغني الحافظ من حديث أفلت بن خليفة ـ وهو فليت العامري وهو أبو حسان ـ عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"اللهم رب جبريل وميكايل وإسرافيل أعوذ بك من حر النار وعذاب القبر" .
قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله: أجمع أهل العلم بالتأويل جميعاً أن هذه الاية نزلت جواباً لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك، فقال بعضهم: إنما كان سبب قيلهم ذلك، من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نبوته (ذكر من قال ذلك) حدثنا أبو كريب، حدثنا يونس بن بكير عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، "عن ابن عباس، أنه قال: حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم، حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدثتكم عن شيء فعرفتموه لتتابعنني على الإسلام فقالوا: ذلك لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا عما شئتم قالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن، أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل، وكيف يكون الذكر منه والأنثى ؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في التوراة، ومن وليه من الملائكة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم، عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعنني ؟ فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق، فقال: نشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضاً شديداً، فطال سقمه منه، فنذر لله نذراً لئن عافاه الله من مرضه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه: لحوم الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها فقالوا: اللهم نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد عليهم، وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض، وأن ماء المرأة رقيق أصفر ، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله عز وجل، وإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكراً بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله عز وجل قالوا: اللهم نعم، قال اللهم أشهد، وأنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه ؟ قالوا: اللهم نعم، قال: اللهم اشهد، قالوا: أنت الان فحدثنا من وليك من الملائكة، فعندها نجامعك أو نفارقك، قال: فإن وليي جبريل، ولم يبعث الله نبياً قط إلا وهو وليه قالوا: فعندها نفارقك، ولو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك، قال: فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا: إنه عدونا، فأنزل الله عز وجل: " قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه " إلى قوله " لو كانوا يعلمون " فعندها باؤوا بغضب على غضب"، وقد رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي النضر هاشم بن القاسم وعبد الرحمن بن حميد في تفسيره عن أحمد بن يونس كلاهما عن عبد الحميد بن بهرام به، ورواه أحمد أيضاً عن الحسين بن محمد المروزي عن عبد الحميد بنحوه وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن شهر بن حوشب، فذكره مرسلاً وزاد فيه، "قالوا فأخبرنا عن الروح، قال: فأنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبريل وهو الذي يأتيني قالوا: اللهم نعم، ولكنه عدو لنا، وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء ، فلولا ذلك اتبعناك، فأنزل الله تعالى فيهم: " قل من كان عدوا لجبريل " إلى قوله " لا يعلمون "" وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو أحمد، حدثنا عبد الله بن الوليد العجلي عن بكير بن شهاب، عن سعيد بن جبير ، "عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، أخبرنا عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال: والله على ما نقول وكيل، قال هاتوا قالوا: فأخبرنا عن علامة النبي ؟ قال: تنام عيناه ولا ينام قلبه قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة ؟ وكيف يذكر الرجل ؟ قال: يلتقي الماءان، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت قالوا: أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال: وكان يشتكي عرق النسا، فلم يجد شيئاً يلائمه إلا ألبان كذا وكذا قال أحمد: قال بعضهم: يعني الإبل فحرم لحومها، قالوا: صدقت، قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد ؟ قال: ملك من ملائكة الله عز وجل موكل بالسحاب بيديه أو في يديه مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله تعالى قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع ؟ قال: صوته قالوا: صدقت، قالوا: إنما بقيت واحدة، وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها، أنه ليس من نبي إلا وله ملك يأيته بالخبر، فأخبرنا من صاحبك ؟ قال: جبريل عليه السلام قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والقطر والنبات لكان، فأنزل الله تعالى: "قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله" إلى آخر الاية، ورواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن الوليد به، وقال الترمذي: حسن غريب وقال سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد عن ابن جريج: أخبرني القاسم بن أبي بزة أن يهوداً سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي، قال: جبريل قالوا: فإنه عدو لنا ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال، فنزلت: "قل من كان عدواً لجبريل" الاية، قال ابن جرير: قال مجاهد: قالت يهود: يا محمد ما نزل جبريل إلا بشدة وحرب وقتال فإنه لنا عدو ، فنزل: "قل من كان عدواً لجبريل" الاية، قال البخاري: قوله تعالى: "من كان عدواً لجبريل" قال عكرمة جبر وميك وإسراف: عبد. إيل: الله، حدثنا عبد الله بن منير سمع عبد الله بن بكر، حدثنا حميد عن أنس بن مالك، قال: سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام أهل الجنة، وما ينزع الوالد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال: أخبرني بهذه جبرائيل آنفاً قال: جبريل ؟ قال: نعم قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الاية: "من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك" "وأما أول أشراط الساعة، فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام يأكله أهل الجنة، فزيادة كبد الحوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة، نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت" قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. قالوا: هو شرنا وابن شرنا وانتقضوه، فقال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله ـ انفرد به البخاري من هذا الوجه، وقد أخرجاه من وجه آخر عن أنس بنحوه، وفي صحيح مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريب من هذا السياق كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى، وحكاية البخاري كما تقدم عن عكرمة هو المشهور أن إيل هو الله، وقد رواه سفيان الثوري عن خصيف، عن عكرمة، ورواه عبد بن حميد عن إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن عكرمة، ورواه ابن جرير عن الحسين بن يزيد الطحان عن إسحاق بن منصور عن قيس بن عاصم عن عكرمة أنه قال: إن جبريل اسمه عبد الله، وميكائيل اسمه عبد الله، إيل: الله، ورواه يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس مثله سواء، وكذا قال غير واحد من السلف كما سيأتي قريباً، ومن الناس من يقول: إيل عبارة عن عبد، والكلمة الأخرى هي اسم الله، لأن كلمة إيل لا تتغير في الجميع فوزانه عبد الله عبد الرحمن عبد الملك عبد القدوس عبد السلام عبد الكافي عبد الجليل، فعبد موجودة في هذا كله، واختلفت الأسماء المضاف إليها، وكذلك جبرائيل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل ونحو ذلك، وفي كلام غير العرب يقدمون المضاف إليه على المضاف، والله أعلم.
ثم قال ابن جرير ، وقال آخرون: بل كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين عمر بن الخطاب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم (ذكر من قال ذلك) حدثني محمد بن المثنى، حدثني ربعي بن علية، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: نزل عمر الروحاء ، فرأى رجالاً يبتدرون أحجاراً يصلون إليها، فقال: ما بال هؤلاء ؟ قالوا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ههنا، قال: فكره ذلك، وقال إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته الصلاة بواد صلاها، ثم ارتحل فتركه، ثم أنشأ يحدثهم، فقال: كنت أشهد اليهود يوم مدارسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق القرآن ومن القرآن كيف يصدق التوراة، فبينما أنا عندهم ذات يوم قالوا: يا ابن الخطاب ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك (قلت) ولم ذلك ؟ قالوا: لأنك تغشانا وتأتينا، فقلت : إني آتيكم فأعجب من القرآن كيف يصدق التوراة ومن التوراة كيف تصدق القرآن، قالوا: ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا ابن الخطاب، ذاك صاحبكم فالحق به، قال: فقلت لهم: عند ذلك نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو، وما استرعاكم من حقه، وما استودعكم من كتابه، هل تعلمون أنه رسول الله ؟ قال: فسكتوا، فقال له عالمهم وكبيرهم: أنه قد غلظ عليكم فأجيبوه، قالوا: فأنت عالمنا وكبيرنا فأجبه أنت، قال: أما إذا نشدتنا بما نشدتنا، فإنا نعلم أنه رسول الله، قلت: ويحكم إذاً هلكتم، قالوا: إنا لم نهلك، قلت: كيف ذلك وأنتم تعلمون أنه رسول الله ولا تتبعونه ولا تصدقونه ؟ قالوا: إن لنا عدواً من الملائكة وسلماً من الملائكة، وأنه قرن بنبوته عدونا من الملائكة، قلت: ومن عدوكم، ومن سلمكم ؟ قالوا: عدونا جبريل، وسلمنا ميكائيل، قالوا: إن جبرائيل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا، وإن ميكائيل ملك الرحمة والرأفة والتخفيف ونحو هذا، قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما عز وجل ؟ قالوا: أحدهما عن يمينه والاخر عن يساره، قال: فقلت: فو الذي لا إله إلا هو إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما، وسلم لمن سالمهما، وما ينبغي لجبرائيل أن يسالم عدو ميكائيل، وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبرائيل، قال: ثم قمت فأتبعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلحقته وهو خارج من خوخة لبني فلان، فقال: "يا ابن الخطاب ألا أقرئك آيات نزلن قبل" فقرأ علي " من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله " حتى قرأ الايات، قال: قلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لقد جئت أنا أريد أن أخبرك وأنا أسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة عن مجالد، أنبأنا عامر ، قال: انطلق عمر بن الخطاب إلى اليهود ، فقال: أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجدون محمداً في كتبكم ؟ قالوا: نعم، قال: فما يمنعكم أن تتبعوه ؟ قال: إن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له من الملائكة كفلاً وإن جبرائيل كفل محمداً وهو الذي يأتيه، وهو عدونا من الملائكة، وميكائيل سلمنا لو كان ميكائيل الذي يأتيه أسلمنا، قال: فإني أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما منزلتهما عند الله تعالى ؟ قالوا: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، قال عمر : وإني أشهد ما ينزلان إلا بإذن الله، وما كان ميكائيل ليسالم عدو جبرائيل، وما كان جبرائيل ليسالم عدو ميكائيل، فبينما هو عندهم إذ مر النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذا صاحبك يا ابن الخطاب، فقام إليه عمر فأتاه، وقد أنزل الله عز وجل: " من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " وهذان الإسنادان يدلان على أن الشعبي حدث به عن عمر ، ولكن فيه انقطاع بينه وبين عمر فإنه لم يدرك زمانه، والله أعلم، وقال ابن جبير : حدثنا بشير ، حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد عن قتادة، قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب انظلق ذات يوم إلى اليهود ، فلما انصرف ورحبوا به، فقال لهم عمر: وأما والله ما جئتكم لحبكم ولا لرغبة فيكم، ولكن جئت لأسمع منكم، فسألهم وسألوه، فقالوا: من صاحب صاحبكم ؟ فقال لهم: جبرائيل، فقالوا: ذاك عدونا من أهل السماء يطلع محمداً على سرنا، وإذا جاء جاء بالحرب والسنة، ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل، وكان إذا جاء جاء بالخصب والسلم، فقال لهم عمر : هل تعرفون جبرائيل، وتنكرون محمداً صلى الله عليه وسلم ؟ ففارقهم عمر عند ذلك وتوجه نحو النبي صلى الله عليه وسلم ليحدثه حديثهم، فوجده قد أنزلت عليه هذه الاية: "قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله" الايات.
ثم قال: حدثني المثنى، حدثنا آدم، حدثنا أبو جعفر ، حدثنا قتادة، قال: بلغنا أن عمر أقبل إلى اليهود يوماً فذكر نحوه، وهذا في تفسير آدم وهو أيضاً منقطع، وكذلك رواه أسباط عن السدي عن عمر مثل هذا أو نحوه، وهو منقطع أيضاً: وقال ابن أبن حاتم: حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن يعني الدشتكي، حدثنا أبو جعفر عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن يهودياً لقي عمر بن الخطاب، فقال: إن جبرائيل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا، فقال عمر " من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " قال: فنزلت على لسان عمر رضي الله عنه، ورواه عبد بن حميد عن أبي النضر هاشم بن القاسم، عن أبي جعفر هو الرازي، وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثني هشيم، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ليلى في قوله تعالى: "من كان عدواً لجبريل" قال: قالت اليهود للمسلمين: لو أن ميكائيل كان هو الذي ينزل عليكم اتبعناكم، فإنه ينزل بالرحمة والغيث، وإن جبرائيل ينزل بالعذاب والنقمة، فإنه عدو لنا، قال: فنزلت هذه الاية، حدثنا يعقوب، أخبرنا هشيم، أخبرنا عبد الملك عن عطاء بنحوه، وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: "قل من كان عدواً لجبريل" قال: قالت اليهود: إن جبرائيل عدو لنا، لأنه ينزل بالشدة والسنة، وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب، فجبرائيل عدو لنا. فقال الله تعالى: "من كان عدواً لجبريل" الاية.
وأما تفسير الاية فقوله تعالى: "قل من كان عدواً لجبريل" فإنه نزله على قلبك بإذن الله، أي من عادى جبرائيل فليعلم أنه الروح الأمين الذي نزل بالذكر الحكيم على قلبك من الله بإذنه له في ذلك، فهو رسول من رسل الله ملكي، ومن عادى رسولاً فقد عادى جميع الرسل، كما أن من آمن برسول يلزمه الإيمان بجيمع الرسل، وكما أن من كفر برسول فإنه يلزمه الكفر بجميع الرسل، كما قال تعالى: "إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض" الايتين، فحكم عليهم بالكفر المحقق إذا آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعضهم، وكذلك من عادى جبرائيل فإنه عدو لله، لأن جبرائيل لا ينزل بالأمر من تلقاء نفسه وإنما ينزل بأمر ربه، كما قال: "وما نتنزل إلا بأمر ربك" الاية، وقال تعالى: "وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين"، وقد روى البخاري في صحيحه "عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب" ولهذا غضب الله لجبرائيل على من عاده، فقال تعالى: "من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه" أي من الكتب المتقدمة: "وهدى وبشرى للمؤمنين" أي هدى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنة، وليس ذلك إلا للمؤمنين، كما قال تعالى: "قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء" الآية: وقال تعالى: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين" الاية، ثم قال تعالى: " من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " يقول تعالى من عاداني وملائكتي ورسلي، ورسله تشمل رسله من الملائكة والبشر ، كما قال تعالى " الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ". "وجبريل وميكال" وهذا من باب عطف الخاص على العام، فإنهما دخلا في الملائكة في عموم الرسل، ثم خصصا بالذكر لأن السياق في الانتصار لجبرائيل، وهو السفير بين الله وأنبيائه، وقرن معه ميكائيل في اللفظ ، لأن اليهود زعموا أن جبرائيل عدوهم، وميكائيل، وليهم، فأعلمهم الله تعالى أن من عادى واحداً منهما فقد عادى الاخر وعادى الله أيضاً، ولأنه أيضاً ينزل على أنبياء الله بعض الأحيان، كما قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر ، ولكن جبرائيل أكثر وهي وظيفته وميكائيل موكل بالنبات والقطر هذا بالهدى وهذا بالرزق كما أن إسرافيل موكل بالنفخ في الصور للبعث يوم القيامة، ولهذا جاء في الصحيح "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يقول: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" وقد تقدم ما حكاه البخاري، ورواه ابن جرير عن عكرمة وغيره أنه قال، جبر ، وميك، وإسراف: عبيد، وإيل: الله، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان، عن الأعمش، عن إسماعيل بن أبي رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: إنما كان قوله جبرائيل كقوله عبد الله وعبد الرحمن وقيل جبر : عبد، وإيل: الله. وقال محمد بن إسحاق عن الزهري، عن علي بن الحسين، قال: أتدرون ما اسم جبرائيل من أسمائكم ؟ قلنا: لا، قال: اسمه عبد الله، وكل اسم مرجعه إلى إيل فهو إلى الله عز وجل. قال ابن أبي حاتم: وروي عن عكرمة ومجاهد والضحاك ويحيى بن يعمر ، نحو ذلك. ثم قال: حدثني أبي حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثني عبد العزيز بن عمير قال: اسم جبرائيل في الملائكة خادم الله، قال فحدثت به أبا سليمان الداراني فانتفض، وقال: لهذا الحديث أحب إلى من كل شيء في دفتر كان بين يديه. وفي جبرائيل وميكائيل لغات وقراءات تذكر في كتب اللغة والقراءات، ولم نطول كتابنا هذا بسرد ذلك إلا أن يدور فهم المعنى عليه، أو يرجع الحكم في ذلك إليه، وبالله الثقة وهو المستعان، وقوله تعالى: "فإن الله عدو للكافرين" فيه إيقاع المظهر مكان المضمر حيث لم يقل: فإنه عدو ، بل قال: "فإن الله عدو للكافرين" كما قال الشاعر :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
وقال الاخر:
ليت الغراب غداة ينعب دائباً كان الغراب مقطع الأوداج
وإنما أظهر لله هذا الاسم ههنا لتقرير هذا المعنى وإظهاره، وإعلامهم أن من عادى ولياً لله فقد عادى الله، ومن عادى الله فإن الله عدو له، ومن كان الله عدوه فقد خسر الدنيا والاخرة، كما تقدم الحديث "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالمحاربة" وفي الحديث الأخر "إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب" وفي الحديث الصحيح "من كنت خصمه خصمته".
ثم أتبع سبحانه هذا الكلام بجملة مشتملة على شرط وجزاء يتضمن الذم لمن عادى جبريل بذلك السبب والوعيد الشديد له فقال: 98- " من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " والعداوة من العبد هي صدور المعاصي منه لله والبغض لأوليائه، والعداوة من الله للعبد هي تعذيبه بذنبه وعدم التجاوز عنه والمغفرة له- وإنما خص جبريل وميكائيل بالذكر بعد ذكر الملائكة لقصد التشريف لهما والدلالة على فضلهما، وأنهما وإن كانا من الملائكة فقد صارا باعتبار ما لهما من المزية بمنزلة جنس آخر أشرف من جنس الملائكة تنزيلاً للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي كما ذكره صاحب الكشاف وقرره علماء البيان. وفي جبريل عشر لغات ذكرها ابن جرير الطبري وغيره، وقد قدمنا الإشارة إلى ذلك. وفي ميكائيل ست لغات، وهما اسمان عجميان، والعرب إذا نطقت بالعجمي تساهلت فيه. وحكى الزمخشري عن ابن جني أنه قال: العرب إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه. وقوله: "للكافرين" من وضع الظاهر موضع المضمر: أي فإن الله عدو لهم لقصد الدلالة على أن هذه العداوة موجبة لكفر من قعت منه. وقد أخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال: "حضرت عصابة من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي، قال: سلوني عما شئتم، فسالوه وأجابهم، ثم قالوا: فحدثنا من وليك من الملائكة فعندنا نجامعك أو نفارقك، فقال: وليي جبريل، ولم يبعث الله نبياً قط إلا وهو وليه، قالوا: فعندها نفارقك لو كان وليك سواه من الملائكة لاتبعناك وصدقناك، قال: فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا: هذا عدونا، فعند ذلك أنزل الله الآية". وأخرج نحو ذلك ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي عن عمر بن الخطاب في قصة جرت له معهم وإسنادها صحيح ولكن الشعبي لم يدرك عمر، وقد رواها عكرمة وقتادة والسدي وعبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وغيرهم عن أنس قال: "سمع عبد الله بن سلام بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول اشراط الساعة، وما أول طعام أهل الجنة، وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال: أخبرني بهن جبريل آنفاً، فقال جبريل؟ قال: نعم، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: "من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك" قال: أما أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب، وأما أول ما يأكل أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما ما ينزع الولد إلى أبيه أو أمه، فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فإنه نزله على قلبك بإذن الله" يقول: فإن جبريل نزل القرآن بأمر الله يشدد به فؤادك ويربط به على قلبك "مصدقاً لما بين يديه" يقول لما قبله من الكتب التي أنزلها والآيات والرسل الذين بعثهم الله. وقد ذكر السيوطي في هذا الموضع من تفسيره الدر المنثور أحاديث كثيرة واردة في جبريل وميكائيل وليس مما يتعلق بالتفسير حتى نذكرها.
98. قوله عز وجل: " من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال " خصهما بالذكر من جملة الملائكة مع دخولهما في قوله " وملائكته " تفضيلاً وتخصيصاً،ن كقوله تعالى: " فيهما فاكهة ونخل ورمان " (68-الرحمن) خص النخل والرمان بالذكر مع دخولهما في ذكر الفاكهة، والواو فيهما بمعنى: أو، يعني من كان عدواً لأحد هؤلاء فإنه عدو للكل، لأن الكافر بالواحد كافر بالكل " فإن الله عدو للكافرين " قال عكرمة : جبر وميك واسراف هي العبد بالسريانية، وايل هو الله تعالى ومعناهما عبد الله وعبد الرحمن. وقرأ ابن كثير جبريل بفتح الجيم غير مهموز بوزن فعليل قال حسان:
وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء
وقرأ حمزة و الكسائي بالهمز زالاشباع بوزن سلسبيل، وقرأ أبو بكر بالاختلاس، وقرأ الآخرون بكسر الجيم غير مهموز،ن وميكاييل قرأ أبو عمرو ويعقوب وحفص ميكال بغير همز قال جرير:
عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد وبجبرائيل وكذبوا ميكالاً
وقال آخر:
ويوم بدر لقيناكم لنا مدد فيه مع النصر جبريل وميكال
وقرأ نافع : بالهمز والاختلاس، بوزن ميفاعل، وقرأ الآخرون: بالهمز والاشباع بوزن ميكائيل، وقال ابن صوريا: ما جئتنا بشيء نعرفه، فأنزل الله تعالى
98-" من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " أراد بعداوة الله مخالفة عناداً ، أو معاداة المقربين من عبادة ، وصدر الكلام بذكره تفخيماً لشأنهم كقوله تعالى : " والله ورسوله أحق أن يرضوه " . وأفرد الملكين بالذكر لفضلهما كأنهما من جنس آخر ، والتنبيه على أن معاداة الواحد والكل سواء في الكفر واستجلاب العداوة من الله تعالى ،وأن من عادى أحدهم فكأنه عادى الجميع ، إذ الواجب لعداوتهم ومحبتهم على الحقيقة واحد ، ولأن المحاجة كانت فيهما . ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أنه تعالى عاداهم لكفرهم ، وأن عداوة الملائكة والرسل كفر . وقرأ نافع ميكائيل كميكاعل ، و أبو عمرو و يعقوب و عاصم برواية حفص " ميكال " كميعاد ، والباقون ميكائيل بالهمزة والياء بعدها . وقرئ ميكئل كميكعل ، و ميكئيل كميكعيل ، وميكايل .
98. Who is an enemy to Allah, and His angels and His messengers, and Gabriel and Michael! Then, lo! Allah (Him- self) is an enemy to the disbelievers.
98 - Whoever is an enemy to God and his angels and apostles, to Gabriel and Michael, lo! God is an enemy to those who reject faith.